بايدن يبشر العدو بصفقة إعلان السعودية التطبيع الرسمي قريباً!!
[عبد العزيز المكي]
في 29 /تموز الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن أن اتفاقاً ربما يكون في الطريق بين السعودية والكيان الصهيوني، تعلن بموجبه المملكة التطبيع الرسمي مع العدو. إعلان بايدن جاء في سياق حملته الانتخابية للفوز بفترة رئاسية ثانية بحسب وكالة رويترز، ما يعني أن خطابه موجه للوبي اليهودي داخل المؤسسات الأمريكية والفاعل في أوساط المجتمع الأمريكي سيما في الأوساط المؤثرة على هذا المجتمع، حيث أراد بايدن أن يبعث برسالة لهذا اللوبي مفادها نحن جادون في هذا المسعى، وفعلاً كثف بايدن من تحركات وفوده على الرياض لحمل بن سلمان على الإعلان عن التطبيع واللحاق بالإمارات والبحرين في عقد " اتفاقيات ابراهام"! ففي الوقت الذي صرح فيه بايدن كان وفد أمريكي كبير في السعودية يوم برئاسة مستشار الأمن القومي جاك سوليفان يجري محادثات مع بن سلمان في جدة بشأن تطبيع العلاقات مع " إسرائيل". هذا ما أفادت به صحيفة الواشنطن بوست، التي نقلت عن مسؤول في مجلس الامن القومي في البيت الأبيض قوله ان مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان وابن سلمان ناقشا المسار المحتمل لتطبيع العلاقات بين المملكة و" إسرائيل"!! وجاءت زيارة سوليفان بعد زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن المملكة الشهر الفائت اي حزيران، والتي هدفت أيضاً الى تعزيز التطبيع بين الكيان الصهيوني والمملكة السعودية بحسب ما ذكرت الواشنطن بوست، كما جاءت زيارة سوليفان بعد زيارة رئيس السي آي ايه وليم بيرنز وبحثه نفس الموضوع مع بن سلمان، يضاف إلى ذلك أن مستشار الأمن القومي الأمريكي يقوم للمرة الثانية خلال فترة قصيرة، بهذه الزيارة التي رافقه فيها نائبه الأول لسياسة الشرق الأوسط بريت ماكغورك، وكبير مستشاريه للطاقة والبنية التحتية آموس هوشسين، وقالت الرياض ان المباحثات مع الوفد الأمريكي حضرها من الجانب السعودي أيضاً وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان ووزير الدفاع خالد بن سلمان ومحافظ صندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميان، مستشار الأمن القومي السعودي مساعد العبيان، كما حضرت سفيرة الرياض لدى الولايات المتحدة الأميرة ريما بنت بندر بالإضافة إلى حضور سفير الولايات المتحدة لدى المملكة مايكل راتني!! ما يعني ذلك، فضلا عن توافد لمسؤولين والوفود الأمريكية على الرياض، ان واشنطن باتت تولي قضية إعلان التطبيع السعودي- الصهيوني أهمية قصوى، تتقدم كل القضايا المهمة والاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة في المنطقة!! والسؤال الذي يطرح نفسه على هامش هذا الإلحاح الأمريكي وممارسة الضغوط الهائلة على بن سلمان لحمله على الاستعجال على إعلان التطبيع الرسمي مع العدو الصهيوني!؟ هو ماذا وراء هذا الإلحاح!؟ وللجواب على هذا التساؤل، ثمة أسباب كثيرة نذكر بعض بما يلي:-
1- ثمة قضية استراتيجية باتت ملحة جداً، وهي التراجع الأمريكي السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط نتيجة ضعفها العسكري والاقتصادي وديونها المتراكمة، فهذا التراجع ولّد فراغاً لصالح القوى المنافسة لأمريكا، اذ بدأت تتحرك لملئه وللإحلال محل الحضور الأمريكي المتفرد السابق، ما زاد القلق الأمريكي، وإذ لم تكترث واشنطن كثيراً في البداية لهذا الأمر، نظراً لوجود عملائها ولانتشار قواعدها العسكرية على أراضي حلفائها من هؤلاء العملاء، فأنها بدأت تشعر بالخطر جدياً بعد اقتحام الصين منطقة النفوذ الأمريكي هذه وتضع قدماً فيها بعد نجاحها بعقد اتفاق بين السعودية وإيران لإنهاء حالة العداء بين الطرفين، لذلك بدأت أمريكا بالتحرك على المنطقة وأول عمل قامت به هو تخريب اتفاق السلام وإنهاء الحرب الذي توصل إليه أنصار الله والسعوديون، لأن نجاح هذا الاتفاق سوف يفرض واقعاً جديداً ومناخاً استراتيجياً خارج سياقات الإدارة الأمريكية، بل في غير صالح المصالح الأمريكية.
2- محاولة إعادة صياغة الوضع في المنطقة وفق المفهوم الاستراتيجي الأمريكي، الذي ينهي الحالة الرمادية التي يتخبط بها بعض حلفاء أمريكا نتيجة تراجع الأخيرة كما أشرنا وتضاءل اهتمامها بالمنطقة للدرجة التي اعتبر فيها حلفاؤها أنها تركتهم وتخلت عن حمايتهم! سيما وان الإدارات الأمريكية الأخيرة من إدارة اوباما إلى إدارة بايدن الحالية أعطت مصاديق على هذا التخلي عن الحماية في مناسبات متعددة، بل أعلن كما هو معروف كل من اوباما وترامب صراحة أنهم لا يدافعون عن السعودية ولا يضحون بجنودهم من أجلها وان بلادهم ليست بذات الحاجة السابقة للنفط السعودي بعد اكتشاف النفط الصخري في الولايات المتحدة، وعلى هذه الخلفية تتحرك الولايات المتحدة لإعادة الثقة بها من قبل حلفائها، عن طريق بناء استراتيجي جديد يرتكز على إقامة حلف بين الكيان الصهيوني وبين دول الخليج العربية، ولذلك فأن محادثات الموفدين الأمريكيين تتمحور حول هذا الموضوع، حول إقامة هذا الحلف، الذي يشكل إعلان التطبيع السعودي الرسمي مع العدو أحد مرتكزاته الأساسية لإقامته، وما يرجح ما تقدم ما أشار إليه الكاتب توماس فريدمات في مقاله المنشور في النيويورك تايمز ونشر ترجمته العربية موقع " الخليج الجديد" في 28 يوليو، وجاء فيه " أن بايدن سيواصل السعي للتوصل إلى اتفاق أمني مشترك بين الولايات المتحدة والسعودية من شأنه أن يشمل تطبيع المملكة علاقاتها مع إسرائيل".." وأضاف، بعد أن أشار إلى أن بايدن أوفد مستشاره للأمن القومي سوليفان وفريقهُ إلى جدة للتباحث مع بن سلمان حول هذا الموضوع، قائلاً: " إن المحادثات الاستكشافية تمضي قدماً بأسرع مما كان يتصور".واصفاً إياها بأنها مهمة لسببين " الأول هو الاتفاق الأمني بين الولايات المتحدة والسعودية الذي سينتج عنه تطبيع العلاقات بين المملكة و" إسرائيل"، وتقليص العلاقات السعودية الصينية وهو ما من شأنه أن يغيرّ قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، وسيفتح الطريق للسلام بين " إسرائيل" والعالم الإسلامي بأسره". أما السبب الثاني بحسب توماس فيتمثل في " إقامة الولايات المتحدة تحالفاً أمنياً مع السعودية على اساس شروط تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل ان تقدم هذه الأخيرة " تنازلات "ذات مغزى للفلسطينيين..." ويبدو أن إشارة توماس الأخيرة الخاصة بالفلسطينيين لا أساس لها من الصحة إنما ذكرها في سياق تحسين وجه النظام السعودي وطمأنة الفلسطينيين الذين باتوا يعتقد الكثير منهم، أن النظام السعودي يوظف مصيبتهم مع الاحتلال لتسويق نفسه عربياً وإسلاميا، وإلا هو فقد تجاوز القضية الفلسطينية وتجاوز مقولته، الاسطوانة المشروخة، مشروع أو مبادرته " حل الدولتين" إذن أمريكا تريد أن تربط عملائها الخليجيين بالكيان الصهيوني عسكرياً واقتصادياً في إطار منظومة أو شبكة إقليمية متكاملة تحقق لها هدفين هما: أولا: تجنب التدخل المباشر عسكرياً ، والذي يعتبر مكلفاً جداً بشرياً واقتصادياً فيما لا توجد حاجة أو أهمية توجب هذه الخسائر كما كان في السابق، وثانياً: كما اشرنا تحصين المنطقة ومنع اختراقات الصين وإيران وحتى روسيا لتلك المنطقة لشغل الفراغ...
3- لأن الولايات المتحدة معنية بوجود وتفوق العدو في المنطقة، ومقولة بايدن الأخيرة قبل مدة قصيرة، لو لم توجد " إسرائيل" لأوجدناها!! مقولة تضاف إلى مقولات رؤساء ومسؤولين أمريكيين سابقين وتعني أن أمريكا لم تتخل عن حماية ودعم هذا الكيان اللقيط، نقول لأن الولايات المتحدة كذلك بالنسبة للعدو، فهي تسعى بكل ثقلها من أجل ضمان استمرار هذا العدو، لأن الأخير يعاني من التآكل الداخلي المتدرج والبطيء، وباتت صفارات الإنذار، تطلق من أغلب خبراء وجنرالات الصهاينة، من قرب زوال هذا الكيان وانهياره بحرب داخليه وما شابه ذلك، والإحصاءات الأخيرة تتحدث عن أن ثلث سكان الكيان يريدون ترك هذا الكيان والذهاب إلى أمريكا أو الدول الغربية للاستقرار فيها على خلفية قناعة انهيار الكيان وزواله، التي تترسخ يوماً بعد آخر على وقع التطورات والأحداث الداخلية للعدو والانقسامات العمودية والأفقية لمجتمعه غير المتجانس... ولذلك فأن الولايات المتحدة ترى أن التطبيع يقدم للعدو حبل إنقاذ من الانهيار وبالتالي يحفظ حامله الطائرات الأمريكية في قلب الشرق الأوسط من التلاشي والتفكك!! وهذا يفسر حماس نتنياهو لانجاز صفقة التطبيع مع السعودية، وأيضاً صدور أصوات اخرى من داخل كيان الاحتلال تؤكد على ضرورة وحاجة الكيان الملحة للتطبيع مع المملكة السعودية، فهذا الجنرال يوسي كوبر فاسر الرئيس الأسبق لقسم الأبحاث في جهاز الاستخبارات العسكرية " أمان" زعم أن " الحاجة للتطبيع مع السعودية تأتي استجابة للتحدي الاول (للعدو) المتمثل بإيران في سياق تقدمها ببرنامجها النووي، واستمرارها بتكديس كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب دون انقطاع لمستويات عالية باستخدام أجهزة طرد مركزي متقدمة وتطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس حربية نووية، بجانب التحدي الثاني المتمثل بتعزيز الصين لموقعها في المنطقة" واستغلال الضعف الأمريكي.." وفي الحقيقة أن تحدي احتمالات وقوع الحرب الداخلية والانقسام، بات يتقدم على التحدي الذي تشكله إيران للعدو، هذا باعتراف الكثير من الخبراء والعسكريين الصهاينة والذين صرحوا بهذه الحقيقة مراراً وتكراراً!! وعلى هذه الخلفية كان رئيس الموساد ديفيد برنياع قد سافر سراً لواشنطن في النصف من يوليو الماضي والتقى مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان،و بريت ماكغورك منسق شؤون الشرق الأوسط وإفريقيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي، وآموس هوشستين، كبير مستشاري بايدن للطاقة والبنية التحتية، وفقاً لما أورده موقع " أكسيوس" الأمريكي، وتمحورت كل اللقاءات حول التطبيع مع النظام السعودي وحمل الأخير على الإعلان الرسمي لهذا التطبيع الأمر الذي يؤكد تفاقم أزمة العدو ومحاولاته إنقاذ نفسه عبر هذا التطبيع الرسمي!!
4- يضاف إلى ذلك، إلى أن الحزب الديمقراطي وبايدن بالذات يسعون إلى تحقيق إنجاز لصالح الكيان الصهيوني يحفز يهود أمريكا لدعم بايدن أو أي مرشح ديمقراطي آخر في الانتخابات الرئاسية القادمة التي ستجري بعد أكثر من سنة في الولايات المتحدة، والتي تشير الإحصاءات الأولية إلى أن شعبية بايدن وكذلك الحزب الديمقراطي تراجعت إلى حد كبير بسبب الأزمات التي تعصف بالداخل الأمريكي وتراكم الديون الخارجية والإخفاقات في السياقات الخارجية، وتصاعد نجم الصين وفشل العقوبات على إيران وما إلى ذلك كثير....
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق