"بايدن يرضخ لبن سلمان"...مقولة الإعلام السعودي والغربي الأخيرة!!
[عبد العزيز المكي]
بعد زيارة نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان للولايات المتحدة الأخيرة- في 16/5/2022- ولقائه بكبار المسؤولين الأمريكيين، بينهم وزير الدفاع الأمريكي اوستن ونائبه، ومستشار الأمن القومي سوليفان، ورئيس الأركان كلارك وغيرهم، أعلنت شبكة التلفزة الأمريكية السي ان ان، ان الرئيس الأمريكي جو بايدن سيلتقي ولي العهد السعودي بن سلمان في جولة بايدن للمنطقة الشهر المقبل، حيث سيحضر القمة الخليجية التي ستعقد في العاصمة السعودية الرياض.. وقالت مصادر متعددة للسي ان ان، " ان مسؤولي إدارة بايدن يضعون الخطوط العريضة لعقد اجتماع بايدن مع ولي العهد السعودي بينما يسافر الرئيس إلى الخارج الشهر المقبل" وما أعلن عن هذا التطور حتى انبرت وسائل الإعلام السعودية والغربية ومنها السي ان ان نفسها للترويج " لمقولة رضوخ بايدن لبن سلمان"! التي عنونا بها هذه المقالة، فشبكة السي ان ان قالت " إن المعلومات التي تسربت _ لقاء بايدن ببن سلمان_ تظهر كيف يجب على بايدن الذي انتقد بن سلمان على انه منبوذ عند ما كان يخوض سباق انتخابات الرئاسة الأمريكية، أن يوازن بين الحاجة إلى الطاقة وحقوق الإنسان"! واحتملت السي ان ان اثارة هذا القرار الجدل في الداخل الأمريكي بالنسبة لبايدن الذي انتقد بشدة سجل السعوديين في حقوق الإنسان وحربهم في اليمن، والدور الذي لعبه النظام السعودي في مقتل الصحافي جمال خاشقجي، وانتهت السي ان ان، إلى الاستنتاج بأن بايدن دعته الحاجة لنفط السعودية إلى الرضوخ وابتلاع وعوده الانتخابية "بعزل السعودية وجعل بن سلمان منبوذاً، فتقول، أي الشبكة الامريكية السي ان ان.." بالنسبة لبايدن، فأن العودة إلى علاقات أفضل مع المملكة السعودية تعكس الخيارات غير المريحة في بعض الأحيان التي يجب على القائد اتخاذها عند التنقل في السياسات المعقدة للنفط وحقوق الإنسان وشبكة العلاقات الشرق اوسطية" على حد تعليق السي ان ان الأمريكية. وبإشارة مقصودة لتضخيم التنازل الذي ابداه بايدن" لصالح اللقاء مع المراهق بن سلمان! قالت السي ان ان: ان " التوازن صعب بشكل خاص لأن بايدن انتقد بشكل متكرر سلفه، دونالد ترامب لعلاقاته الحميمة مع رجال العالم الأقوياء والديكتاتوريين- بما في ذلك محمد بن سلمان"..
وبهذه النغمة ذهبت بقية الأوساط الإعلامية والسياسية السعودية، وبعض الأوساط المماثلة في أمريكا وحتى بعض دول الغرب، مكرسة كل تلك التغطية الإعلامية وتحليلات المحللين السياسيين العرب والغربيين تلك المقولة!! مبرزة جملة أمور منها ما يلي:
1- إن بايدن تراجع عن وعوده بعزل السعودية، كما أشرنا، وعن جعلها منبوذة لأنها لا تحترم حقوق الإنسان، وتمارس جرائم بتصفية المعارضين للنظام، وبما تقوم به في اليمن من جرائم حرب، في حين أن الواقع يخالف هذه المزاعم، لان النظام السعودي منذ نشوئه وحتى الآن لم يتوقف يوماً عن انتهاكات حقوق الإنسان، ليس في المملكة بل وفي العالمين العربي والإسلامي برمته خصوصاً في دول الجوار مثل العراق واليمن ولبنان و.. والقصة معروفة فما كان قد رفعه مجرد شعارات انتخابية أريد منها ابتزاز النظام السعودي وابعاد التهمة التي لحقت بأمريكا نتيجة دعم ترامب للنظام السعودي وبالتالي كشفه المشاركة الامريكية القديمة والجديدة في جرائم هذا النظام المجرم.
2- إن بن سلمان انتصر في "منطقة التحدي" مع الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن!! في حين أن الوقائع التاريخية، من يوم قيام النظام السعودي على أيدي البريطانيين وحتى هذا اليوم تثبت ان هذا النظام لم يتحد أمريكا مطلقاً، فليس ثمة مؤهلات تجعل هذا النظام قادراً على مثل هذا التحدي، لأن البلد- المملكة- محتل بالقواعد الأمريكية، ولاحقاً " بالإسرائيلية"، ثم إن نفوذ أمريكا داخل الأسرة وما يجري فيها، حتى على مستوى الأمور الخاصة جداً..
3- إن الولايات المتحدة في مأزق بسبب الحرب الروسية- الأوكرانية، وبسبب التحدي الصيني وتعثر إنجاز إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وتعاظم التحديات في المنطقة، وبالتالي فأنه لا مناص أمام الرئيس بايدن إلا الرضوخ إلى الحلفاء- العملاء- الذين هو بأمس الحاجة لهم في هذه اللحظة التاريخية الحرجة!! بينما الحقيقة أمر آخر، صحيح أن الولايات المتحدة تمر في مأزق تأريخي بسبب ضعفها وتراجع قويتها الاقتصادية والعسكرية أمام قوى صاعدة متحدية مثل الصين وروسيا، ولكنها مازالت هي الآمر والناهي في شؤون عملائها مثل النظام السعودي، واكبر دليل على ذلك أن هذا الأخير أراد بكل السبل إيقاف الحرب على اليمن والخروج من هذه الورطة التي تورط بها بأمر من أمريكا، ولكن الأخيرة رفضت وأصرت على استمرار العدوان وهذا ما أكده مسؤولون أمريكيون وغربيون وحتى سعوديين، بل وأكدته الكثير من وسائل الإعلام السعودية والأمريكية والغربية، وأكثر من مرة أطل علينا مسؤولون سابقون في النظام السعودي مثل تركي الفيصل يصرح بأن أمريكا تركت السعودية لوحدها أمام القوة الحوثية المتصاعدة، وكأن لسان حالهم يقول أوهم بالأحرى يعبرون بصورة غير مباشرة، عن لسان الحال هذا، " بأن امريكا ورطتهم بالحرب على اليمن، ولم تسمح لهم بوقفها وتركتهم لوحدهم في مواجهة أنصار الله"! وامريكا لم تتركهم لحظة بل ضاعفت في عهد بايدن دعمها لهم عسكرياً ولوجستياً، بل زجت بقواتها بشكل مباشر في هذا العدوان مؤخراً، وانتشرت في مدينة عدن!! وقبل ذلك كانت مرابطة في محافظتي المهرة وحضرموت فضلاً عن الجزر اليمنية المحتلة!!
إذن كل ما تقدم وغيره مجرد تضليل مقصود لحفظ ماء وجه بن سلمان، الذي كان الإعلام صنع منه " حاكماً متحدياً لبايدن" وبتنسيق واضح مع الإدارة الأمريكية نفسها لتمرير مشاريعها، كما سبق وأشرنا في مقالاتنا السابقة، فعلى عكس ما نشره الإعلام حول لقاء رئيس السي آي ايه وليم بيرنز الأخير ببن سلمان في الرياض، كان هذا اللقاء تأديبياً لبن سلمان واملائيا كما هو المعتاد، والمعتاد هو ان الأمريكان يأمرون عملائهم وهؤلاء ليس لديهم حق الاعتراض، وهذا ما أكده المغرد الشهير " مجتهد " المطلع على الكثير من أسرار العائلة السعودية وما يدور في أورقتها من تطورات وأحداث حيث قال في تدويناته على تويتر.." ان زيارة نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان لاميركا جاءت عقب الزيارة التأديبية لرئيس السي آي إيه، بهدف كيفية خضوع بن سلمان للمطالب الأمريكية دون إراقة ماء وجهه".. وأضاف مجتهد قائلاً:-" ان هناك شبه اتفاق حتى الآن أن يقوم - بن سلمان- بتنفيذ المطلب الأهم وهو إيقاف أي تعاون استراتيجي مع الصين ثم رفع إنتاج النفط ثم إطلاق سراح شخصيات من آل سعود". وبرأيي أن الانقسام الذي كان سائداً في المؤسسة الأمريكية حول مَنْ يتولى العرش في السعودية، وكان السبب في الإهمال المقصود من جانب بايدن لبن سلمان، قد حسم في الأيام الأخيرة على ما يبدو لصالح بن سلمان بفعل الضغط الصهيوني على الجهات الأمريكية المعارضة لتوليه العرش، وما يؤكد ذلك ان الدعاوى القضائية في امريكا ضد بن سلمان تراجعت فيما سعد الجبري المستشار الأمني السابق لبن نايف قد عرض تسوية مع بن سلمان بإشارة من السلطات الأمريكية بعد ما كان يتوعد بن سلمان بالملاحقة القانونية طيلة الفترة الماضية، ومنع عليه حتى زيارة الولايات المتحدة خوفاً من الاعتقال. ولذلك فأن زيارة خالد لأمريكا جاءت بتوجيه من أخيه ولي العهد لإبلاغ المسؤولين الأمريكان انه على استعداد كامل لتنفيذ الشروط التي طرحها رئيس السي آي ايه عليه في زيارته السرية للرياض، والتي- اي الشروط – يتصدرها التطبيع مع الكيان الصهيوني، حيث يواصل بن سلمان السير قدماً في هذا الاتجاه بشهادة الصهاينة أنفسهم.. وآخر هذه الشهادات وليس أخيرها تصريح الحاخام ستيفن بورغ الرئيس التنفيذي لمجموعة " آيش غلوبال اليهودية الارثدوكسية الحديثة" التي مقرها القدس، والذي قام بزيارة الى البحرين والسعودية، حيث قال " إن التطبيع بين "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية هو مجرد مسألة وقت" وتابع قائلا.. " أن كونك يهودياً بشكل علني ومؤيد "لإسرائيل" في المملكة لم يعد مشكلة بالنسبة لهم" مؤكداً.." إنهم مفتونون جداً بما يحدث هنا في " إسرائيل" وينتظرون نوعاً ما منا المضي قدماً"! والى ذلك كشف الصحفي الصهيوني والمراسل العسكري للقناة الحادية عشرة العبرية، إيتاي بلومنتال، عن هبوط طائرة سعودية في تل أبيب، ونشر الصحفي الصهيوني ايتاي على حسابه على موقع تويتر في 20/5/2022 صوراً للطائرة السعودية، وكذلك مسارها حيث أقلعت من مطار جدة وهبطت في مطار بن غوريون بتل أبيب، وكانت الطائرة ممسوحة حتى لايفتضح أمرها، كل ذلك يجري في إطار تسارع الارتماء السعودي في الحضن الصهيوني بخلاصة أن الرهان السعودي، رهان بن سلمان، هو على الكيان الصهيوني، لأن الأخير سيحل محل أميركا بعد الانسحاب من المنطقة أو بالأحرى الانكماش، وسيكون- أي العدو- هو الحامي لأنظمة العمالة في المنطقة، ولعلّي أحتمل أن بن سلمان سيوقت الإعلان الرسمي للتطبيع مع العدو خلال جولة بايدن القادمة في حزيران، أو على الأقل سيتقدم خطوة كبيرة في هذا الاتجاه.
وإلى ذلك، فإن إعلان وكالة رويترز نقلاً عن مسؤولين سعوديين، عن أن انتقال السلطة بات قريباً، ثم استصحاب بن سلمان نجل الأمير أحمد بن عبد العزيز شقيق الملك بن سلمان والمحتجز حالياً، معه في الوفد الذي سافر معه إلى الأمارات لتقديم العزاء لبن زايد، بالإضافة إلى إعلان بعض المصادر بقرب الإفراج عن الأمراء المحتجزين.. كل هذه المؤشرات تعزز التحليل الذي أشرنا إليه.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق