بعد أحكامهم الدموية والجائرة، بحق معارضي الرأي ارضاءاً له... بن سلمان ينقلب على قضاته!!
[عبد العزيز المكي]
كشفت منظمة " الديمقراطية الآن للعالم العربي" والشهيرة باسمDAWN عن إن النائب العام السعودي طالب بإعدام عشرة قضاة بتهمة الخيانة العظمى، كان جهاز الأمن السعودي قد اعتقل هؤلاء القضاة في 11 أبريل/ نيسان، وتم الاعتقال طبقاً لما ذكرته أوساط معارضة والمنظمة المذكورة في ظروف مهينة جداً، حيث هاجمت قوات الأمن السعودية مكاتبهم في وضح النهار، وكبلت أيديهم بالقيود، وغطت رؤوسهم بالأكياس السوداء، وقادتهم كما تقاد الحيوانات وبعسف ومهين، وبإذلال واحتقار وأخذتهم إلى مكان مجهول...
وهؤلاء القضاة هم من الرتب العالية، فستة منهم من المحكمة الجزائية، بينهم عبد الله بن خالد اللحيدان الذي أدان المدافعة عن حقوق المرأة لجين الهذلول بتهم إرهابية لا أساس لها، في كانون الأول عام 2020م. وعبد العزيز بن مداوي آل جابر الذي حكم على قاصر والعديد من الأشخاص الآخرين من الطائفة الشيعية بالإعدام، في عملية إعدام جماعية بشعة طالت 81 شخصاً في مارس/آذار 2022، وصفت بالمجزرة!!
اما الأربعة الآخرين من هؤلاء القضاء فهم من المحكمة العليا، مما يعني أنهم على مستوى مرموق، وقد ذكرت المصادر المطلعة على وثائق المحكمة المقدمة ضد المتهمين " القضاة"، كاشفة ان أجهزة الأمن السعودية وقعتهم على اعترافات بأنهم كانوا يتساهلون في الأحكام على المعارضين!! وحتى لو افترضنا ان ذلك صحيح، خلافاً لإجماع المنظمات الدولية بجور الأحكام التي أصدروها بحق معارضي الرأي وتعسفيتها وظلمها، فأن تلك التهمة لا ترقى إلى الخيانة العظمى التي أتهم بها هؤلاء القضاة، الذين يعتبرون من المقربين لبن سلمان، ثم ان أي منهم لا يمكنه الوصول إلى هذا المنصب إلا بعد توفر ثقة آل سعود الكاملة بهم، بإخلاصه وخدمته لهؤلاء ، ولا يُشّك في هذا الإخلاص قيد أنملة.. فعلى سبيل المثال ان القاضي عبد العزيز بن مداوي آل جابر الذي حكم على العشرات بالإعدام، كما أشرنا، تمت ترقيته في كانون الأول 2019 من درجة رئيس محكمة/ب إلى درجة رئيس محكمة/أ. وفي كانون أول 2018 صدر قرار من المجلس الأعلى للقضاء بتعيين آل جابر مساعداً لرئيس المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض، علما انه حاصل على شهادة الدكتوراه في الفقه المقارن، ومثّل المملكة في ملتقيات بدول أوربية، وفي المحكمة العليا بالولايات المتحدة.
كما أن بعض هؤلاء القضاة عُين بأوامر من محمد بن سلمان، والباقين صحيح انهم كانوا منذ عهد ولي العهد السابق محمد بن نايف، الّا انهم يدينون بالولاء الكامل لبن سلمان، والّا لاقصاهم ولم يسمح لهم بالارتقاء إلى هذه المواقع الحساسة، ويتبوأوا مقاعد في محاكم بن سلمان المتخصصة بالإرهاب، وبأمن المملكة!! اذن فما الذي دعاه الى الغدر بهؤلاء القضاة والانقلاب عليهم واتهامهم بالخيانة العظمى التي تعني الاعدام والتصفية؟
البعض من المحللين والمراقبين يقولون الدوافع غامضة، وذهب بعضهم إلى تفسيرها بالنزق والجنون الذي يتصف به بن سلمان، وفي الحقيقة إني أرى الأخير، كما يُراه الكثير من المحللين، انه صحيح انه نزق، ولكن لديه فريق من المستشارين الصهاينة والأمريكان يوجهون ويشرفون على سياساته ولذلك لا أرى أن عملية الإقصاء التي لها ارتدادات على أركان النظام السعودي نفسه مجرد " طيش ونزق"، إنما هي عملية مدروسة ولها أهداف واضحة، فكما أشرنا، ان عملية الاعتقال جرت أمام الناس ومن المكاتب وبشكل مهين، وهذا يعني تقصّد النظام إرسال رسالة رعب وتخويف والى أكثر من جهة للقضاة أنفسهم بأن ابن سلمان لا يتهاون معهم ان هم قصروا في واجبهم ولم يمتثلوا أو تلكئوا في ما يُملى عليهم من تعاليم من هذا الحاكم. ولابناء الشعب الجزيري، لإرعابهم وإدخال الهلع والهزيمة النفسية في قلوبهم بأن مصير من يتحرك الإبادة والقتل لأن بن سلمان الذي لم يرحم أخلص أركان نظامه القضاة فكيف سيتصرف مع الناس العاديين من عامة الشعب، بالتأكيد سيكون التصفية والإعدام لا محالة. هذا أولاً. وثانياً: احتمل ان هذه الضربة لها علاقة بالصراع الداخلي، أي داخل أسرة آل سعود، فبن سلمان قام بانقلاب مكتمل الأركان أزاح فيه كل مراكز القوى داخل هذه الأسرة، وتياراتها المؤثرة، ولكن لم يستطع إنهاء الصراع وحسمه، فالكثير من الأمراء ممن يعتبرونه مغتصب للسلطة بالقوة، يتربصون به الفرص للانقضاض والتخلص منه، ولذلك عمد محمد بن سلمان إلى زرع جواسيسه وأجهزته التي زوده بها أشقاءه الصهاينة في كل مكان، وفي كل قصور وبيوت الأمراء للتجسس عليهم وضبط تحركاتهم وأنفاسهم خوفاً من انقضاضهم عليه، ولذلك لا استبعد أن يكون بن سلمان قد وصل إليه، إن هؤلاء القضاء على علاقة ما، بأحد الأمراء أو بمجموعة منهم، او تحركوا داخل فضاء الأسرة دون علمه، أو تفوهوا في مجالسهم الخاصة بما لا يرضي بن سلمان، فقرر التخلص منهم بعد ما أصبح ولاءهم له موضع شك. وثالثاً/ أنا أيضاً لا أستبعد ان تكون هذه الضربة مقدمة لعمل كبير ومثير للشعب في نجد والحجاز وملحقاتهما، من مثل اعلانات رسمية العلاقات مع الكيان الصهيوني، خصوصاً وان مسؤولي هذا الكيان يؤكدون على قرب تلك اللحظة التاريخية بحسب رأيهم التي تفتح لهم الآفاق، وبدون شك ان مثل هذه الخطوة ان حصلت سوف تحدث هزة كبيرة وزلزالاً قوياً في المملكة وفي خارجها في العالم الاسلامي، الذي ينظر للملكة على انها مهد الرسالة الاسلامية وحاضنة الحرمين الشريفين، ومن شأن هذه الهزة أو الزلزال ان يدفعا الى تحرك جماهيري عارم مضاد داخل المملكة ولذلك فبن سلمان يريد قضاة يوفرون له الأجواء اللازمة للأقدام على مثل هذه الخطوة، ولارعاب من يعترض، كما سبق وان أشرنا. ورابعاً: هناك من يرى ان بن سلمان لا يستسيغ أداء هؤلاء القضاة، فهم يحاولون قدر المستطاع الحفاظ على نوع من المعقولية ونوع من الموازنة في إصدار الأحكام التعسفية ويحاولون عدم الذهاب بعيداً في إصدار أحكام متهورة جداً بحق المعارضين والناشطين، كما يريد بن سلمان، لأن إصدار الأحكام المتهورة جداً قد يتسبب في نسف مكانتهم في المجتمع الذي ينظر إليهم بالاحترام، أو بنوع منه، وهذا ما يفسر تلكوءهم في إصدار أحكام الإعدام بحق الدعاة، الشيخ سلمان العودة، وعوض القرني وعلى العمري وغيرهم، فبن سلمان أراد إعدام هؤلاء منذ فترة لكن القاضي عبد العزيز بن مداوي آل جابر ماطل أو تباطأ في إصدار أحكام الإعدام ضد هؤلاء الدعاة المحسوب بعضهم على تيار الأخوان المسلمين في السعودية، وبعضهم من له موقف من النفوذ الأمريكي في السعودية، ومن الكيان الصهيوني، والدليل على ما تقدم ان المحكمة الجزائية المتخصصة، التي يرأسها القضاة المعينون حديثا، بعد إقصاء القضاة العشرة، غلظت احكاماً كانت قد أصدرتها في عهد القضاة السابقين، ضد امرأتين سعوديتين هما سلمى الشهاب، ونورة القحطاني، من ثماني سنوات و13 سنة الى 34 و45 سنة على التوالي، لاستخدامها وسائل التواصل الاجتماعي!!
على ان هذه الاعتقالات التي تطال القضاة الذين أصدروا أحكاما جائرة بحق المعارضين والناشطين، تؤكد عدة أمور نشير إلى بعض منها ما يلي:
1- ان حملة الاعتقالات والإعدامات والمطاردات لم تتوقف في المملكة السعودية منذ مجيء بن سلمان خصوصاً وقد زادت وتيرة هذه الاعتقالات والإعدامات بعد ما ضمن بن سلمان رضا بعض المؤسسات الأمريكية التي كانت تعارض وصوله للعرش، وكانت تمارس الضغوط عليه اعلامياً وسياسياً وفضحاً منذ قتلة الصحفي جمال خاشقجي وتقطيع أوصاله في تركيا وحتى سكوتها بعد تدخل الكيان الصهيوني لصالح بن سلمان وإجبارها على الرضوخ بقبوله!
2- إن اتهام هؤلاء القضاة المقربين والحائزين على ثقة النظام بالخيانة العظمى يؤكد مرة أخرى قسوة النظام وجبروته وطغيانه بحق الشعب في نجد والحجاز وملحقاتهما، فإذا كان يتعامل بهذه القسوة مع من خدموه، وقبل ذلك قطع أوصال خاشقجي الذي خدم آل سعود لأكثر من أربعين سنة فكيف يمكن توقع قسوة هذا النظام مع الشعب؟ لا شك أنها ستكون مضاعفة بعشرات المرات الأمر الذي يكشف الجحيم الذي يعيش فيه هذا الشعب المظلوم في ظل حكم هذا الفرعون الصغير.
3- على أن إقصاء هؤلاء القضاة يؤكد عمق الأزمة داخل هذا النظام الجائر فهو يتآكل من الداخل على خلفية تراكم الخلافات الداخلية والصراع على السلطة والتنافس على المواقع والثروات بين أمراءه والنافذين من اعوانه وهذا يعجل من انهياره وسقوطه.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق