بعد زيارة الرئيس الصيني، "المملكة" دائما تحت الوصاية الأمريكية
[عبد الرحمن الهاشمي]
بقلم عبد الرحمن الهاشمي
في أعقاب زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى الرياض، قبل أيام، والتي تُعدّ زيارة تاريخية وبدلالات إستراتيجية كبرى ليس فقط في توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية للتعاون الاقتصادي مع مملكة آل سعود، بل لكونها جاءت في سياق توتر سعودي- أمريكي أربك الكثيرين لجهة فهم حقيقة هذا التوتر ومداه لدرجة يتساءل معها البعض: هل هو خروج سعودي من القبضة الأميركية؟
قبل بيان التقدير السياسي حول هذه الزيارة، لا بأس من الإشارة إلى حجم الإحتفاء بالرئيس الصيني وهو في نفس الوقت الأمين العام لـ«الحزب الشيوعي الصيني»، ثم التزخيم السعودي للزيارة بتوزيعها على ثلاث قمم، الأولى وهي التي جمعته إلى الملك السعودي سلمان، ووليّ عهده محمد بن سلمان، تلتها قمة صينية - خليجية، وأخرى صينية-عربية بمشاركة قادة خليجيين وعرب. فكل هذا يندرج في إطار الرسائل الرمزية الموجّه جزء منها إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن وفريق من الديمقراطيين.
إذا فهل شكلت الزيارة من حيث التوقيت والترتيب عبر جدولة القمم الثلاث بداية التحرر السعودي من الميثاق التاريخي للعلاقة الامريكية السعودية منذ حوالي ثمانية عقود؟
والجواب يمكن إستمداد عنصره الحاسم من نوعية الاتفاقيات التي تم إبرامها، فقد وقّع الجانبان عددا من الاتفاقيات ومذكّرات التفاهم الثنائية، شملت خطة للمواءمة بين رؤية محمد بن سلمان 2030 ومبادرة الحزام والطريق الصينية، ومذكّرة تفاهم في مجال الطاقة الهيدروجينية، ومذكّرة تفاهم في مجال تشجيع الاستثمار المباشر، واتفاقيات شملت قطاعات إقتصادية متنوعة وفي مقدمتها النفط. وهكذا نلاحظ الطابع الإقتصادي الخالص في هذه الإتفاقيات والبعيدة عن أي قطاعات حسّاسة، كالأمن والدفاع أو الطاقة النووية مما لا تسمح به الإدارة الامريكية وتعده تجاوزا للخطوط الحمر في واحدة من مناطق نفوذها.
ويجب أن لا ننسى بأنه وقبل هذه الزيارة، فالصين تعدّ هي الشريك التجاري الأكبر للرياض، بقيمة تعاملات قاربت الـ 70 مليار دولار في عام 2020. ثم إن اتفاقية الشراكة الشاملة بين البلدين تندرج ضمن توجه "سعودي" بتنويع الشركاء الإقتصاديين كما هو الإنفتاح على روسيا في نفس الإطار، بل إن قرار مجموعة "أوبك بلس" بخفض إنتاجها من النفط والذي أغضب الولايات المتحدة التي تجمعها مع "السعودية" علاقات وطيدة واستراتيجية، اعتبرته هذه الأخيرة خطوة تتناغم مع رؤيتها في فصل الإقتصاد عن السياسية!
إن كل مواقف النظام السعودي تندرج ضمن هامش حركة نتج بشكل طبيعي عن تراجع التركيز الامريكي على منطقة الشرق الأوسط مع تعاظم التحدي الصيني الروسي من جهة، ومن جهة أخرى لتوفر الغطاء الإسرائيلي الذي يؤمن كل المواقف والاجراءات التي يتخدها محمد بن سلمان وهي موجهة بالاساس للرئيس جو بايدن وإستطرادا للحزب الديمقراطي، ولا تتجاوز الخطوط الحمراء الأمريكية ولا تشكل قلقا جديا للدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية.
ثم إن توجه الصين نحو"السعودية" له محفزاته الإقتصادية الواضحة، فهي تدرك أن المنطقة منطقة نفوذ حيوي أمريكي وبالتالي فهي ليست في وارد أي دور منافس على الصعيدين الأمني او الدفاعي بما يشكل تحديا للولايات المتحدة الأمريكية. وهكذا فإتفاق الشراكة في طابعه الإقتصادي وإن كان قد خضع لقراءة سياسية لا تتقبلها الإدارة الأمريكية إذ يأتي في سياق فتور شخصي بين بايدن ومحمد بن سلمان فإنه يظل تحت السقوف المقبولة أمريكيا، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلال الموقف الصيني من الحرب في أوكرانيا، باتت مطمئنة إلى أن البرغماتية الصينية في تغليبها مصالحها الإقتصادية قد تتحول إلى عامل ضغط وإبتزاز على مصالح هذه الأخيرة في منطقة هي حتى الآن تحت النفوذ العسكري الأمريكي.
لكن هناك من يقول بأن الزيارة وبإتفاق الشراكة الشاملة مع "السعودية" لها مغزًى عميقا بالنسبة إلى الصين التي تسعى، ضمن مخطّط توسيع نفوذها في العالم، لتحقيق اختراق كبير في جدار الهيمنة الأميركية على منابع النفط في الشرق الأوسط، حيث تُعدّ مملكة آل سعود أكبر مصدّر للنفط في العالم، والصين أكبر مستورد له، وتحديداً السعودي منه! والجواب أنّ كلّ هذا لا يغيب عن العين الأمريكية، فالعبرة بمن يملك القرار السياسي في النهاية، كما أن هناك فارقا بين التوسع الإقتصادي والنفوذ بمعناه الإستراتيجي والسياسي، فالعقل الأمريكي ومعه الغربي ينظران إلى الصين كمارد إقتصادي عملاق لكنّه على مستوى الثقافة والقيم لا يستطيع أن يحل محل أمريكا وثقافة أمريكا والقيم الأمريكية المنتشرة في مساحة لا بأس منها من العالم. فقابلية الصين تظل محدودة كقوة نفوذ في العالم ولذلك فهي داخل سور الصين وإن تمددت إقتصاديا.
الصين نفسها تعلم أن مفاتيح الطاقة في الشرق الأوسط بيد البيت الأبيض، كما أن محمد بن سلمان يعلم أن الساعة الأمريكية إن دقت بخلعه فيصبح شيئا من الماضي ومجرد نزوة حكم فقدت القدرة على ضبط الإيقاع.
ارسال التعليق