بنسلمان...من التطبيع السياسي والتنسيق الأمني إلى التطبيع الديني!!
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكيمما بات واضحاً، أن النظام السعودي بقيادة سلمان وابنه محمد، قطعا شوطاً كبيراً في التطبيع مع الكيان الصهيوني، وقد أكد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو بعشرات التصريحات وفي عشرات المناسبات، ان السعودية والكيان الصهيوني تجاوزتا مرحلة التطبيع إلى التعاون والتنسيق المستمر والمتواصل والمتنامي بين الطرفين في المجالات العسكرية والأمنية، لدرجة أن نتنياهو أعلن أكثر من مرة انه لم يكن يحلم يوماً في حياته انه سيشهد هذه المرحلة التي يتنافس فيها السعوديون والإماراتيون والبحرينيون وآخرون في الهرولة نحو التعاون والتطبيع معنا.. من جهته بن سلمان صرح العام الماضي لمجلة اتلانتيك الأمريكية وخلال زيارته المطولة للولايات المتحدة، بأن لليهود الحق في العيش بأرضهم! أو على أرضهم! كما يحق لفلسطينيين في إقامة دولتهم!! أما إعلامه وتصريحات أزلامه، فلم تنقطع حول الدفاع عن التطبيع مع العدو، وحول وقوف الطرفين في خندق واحد ضد إيران، والقضية باتت معروفة للقاصي والداني..لدرجة ان تبادل الوفود السعودية والصهيونية أصبح علنياً ومتواتراً، أكثر منه سرياً، كما كان يجري في السابق..
وفيما يتواصل التطبيع السعودي مع العدو على الصعد المذكور نمواً وإتساعاً وعلنية، فأنه يشهد مرحلة جديدة، هي مرحلة " التطبيع الديني " مع هذا الكيان الغاصب لمقدسات المسلمين، فبعد تواتر الأنباء عن زيارات لوفود دينية صهيونية للسعودية، وعن زيارات لسواح وصحفيين صهاينة دنسوا المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة..بعد هذه الزيارات، أعلنت وزارة الخارجية الصهيونية، يوم3/5/2019، اعتزام وفد صهيوني زيارة السعودية بناءاً على دعوة من رابطة العالم الإسلامي. وقد قال حساب " إسرائيل بالعربية "- وهو حساب رسمي تابع لكيان الاحتلال-:" إن الزيارة ستتم في يناير2020، حسبما أعلن أمين عام الرابطة الشيخ السعودي محمد بن عبد الكريم العيسى ".
يشار إلى أن رابطة العالم الإسلامي تم تأسيسها عند ما أصدر المؤتمر الإسلامي العالمي قراراً عام 1962 بذلك، ووفق ما أعلن يومذاك، فأن دواعي إنشاء هذه المنظمة، هي أن تكون منظمة شعبية تُعنى بالدعوة الإسلامية ومد جسور التعاون الإسلامي والإنساني في أرجاء العالم الإسلامي، وتُنسق الجهود في مجالات التعريف بالإسلام وشرح مبادئه وتعاليمه ودحض الشبهات والافتراءات ضده.
غير إن هذه الرابطة تحولت بمرور الزمن إلى منظمة تعمل في إطار سياسات النظام السعودي، إذ تعبر عن مواقفها ووجهات نظرها بشكل متطابق مع مواقف ووجهات نظر آل سعود، حتى في القضايا السياسية التي هي ليست من اختصاصها، كما ينص على ذلك بيان تأسيسها !
وعند ما جاء الملك سلمان وولي عهده محمد، أقدم الأخير على تجيير وتوظيف هذه الرابطة لتكون الواجهة الدينية لسياساته ومواقفه ورؤاه السياسية وغير السياسية، ذلك بعد تغييره لقيادتها ورؤيتها وأولياتها، حيث وضع بن سلمان على رأس هذه المنظمة وزير العدل السعودي السابق محمد بن عبد الكريم العيسى، وهو الشخص الذي قام بعدة خطوات تطبيعية مع الكيان الصهيوني، وفي آخر فصول التطبيع كشف معهد واشنطن عن رسالة وجهها الأمين العام للرابطة محمد بن عبد الكريم العيسى، إلى مديرة المتحف التذكاري للهولوكوست في الولايات المتحدة الأمريكية، سارابلومفيلد، بمناسبة مشاركة الرابطة في مؤتمر" التصدي للعنف المرتكب باسم الدين" والذي تنظمه الخارجية البريطانية في العاصمة الايطالية روما ".
واستطرد الموقع قائلاً " إن العيسى أدان في رسالته الآنفة ما يعرف بالمحرقة، معتبراً أنها جريمة نازية" هزت البشرية في العمق (!!) وأسفرت عن فضائع يعجز أي إنسان منصف ومحب للعدل والسلام أن يتجاهلها أو يستهين بها ".وذهب العيسى في رسالته بأنه لا يمثل موقف الرابطة فحسب، بل يمثل " الموقف الشرعي للإسلام"!!.
وللإشارة أيضاً، أن هذا الموقف الودي والمتعاطف مع الصهاينة إلى حد " العظم" كما يقولون، من رئيس الرابطة المذكورة، وهذا التباكي الذي أبداه على "ضحايا المحرقة " المزعومة، والتي اعتبرها المفكر الفرنسي روجيه غارودي، مجرد أساطير صهيونية..أن هذا الموقف الودي أثار غضب المغردين العرب ومنهم أبناء المملكة أو شبه الجزيرة العربية، حيث انتقدوا هذا الشيخ المتصهين على تجاهله لمذابح العدو ولمحارقه المتكررة وببشاعة تفوق ما يدعيه هذا العدو حول بشاعة المحارق النازية المزعومة، مثل مذبحة صبرا وشاتيلا، ومذبحة كفر قاسم، ومحرقة قانا وعشرات المحارق بحق الفلسطينيين واللبنانيين التي يواصل ارتكابها هذا العدو منذ اغتصابه لفلسطين وحتى اليوم، حيث يمطر غزة بالصواريخ، وبقذائف المدفعية ويرتكب المجازر بحق الأبرياء..
وفي مقابل تجاهل العيسى لمجازر العدو بحق الفلسطينيين، فأنه وطبقاً لنشاطاته في الاتجاه التطبيعي، ومنذ أن تولى رئاسة الرابطة يواصل تلك النشاطات، ففي 17نوفمبر2017 رعى ندوة بعنوان (حسن الجوار والعيش المشترك) في مدينة ميلوز الفرنسية بمشاركة الحاخام الصهيوني، حاخام المدينة وعضو جمعية الحوار اليهودي الإسلامي، وهي مؤسسة لتكريس التطبيع، (إلي حيون) كما إن العيسى خلال زيارته لباريس زار أكبر كنيس يهودي في العاصمة الفرنسية بدعوة من الحاخام الأكبر ليهود فرنسا (حالييم كورسي)، وحاخام كنيس باريس (موشي صباغ)، وفي حينها أشارت صحيفة جيروزاليم الصهيونية إلى هذه الزيارة واعتبرتها تأريخية ومؤشراً على دفء العلاقات بين الكيان الصهيوني والسعودية، مشيرة إلى أن السفير السعودي في باريس رافق وزير العدل السابق خلال زيارته للكنيس اليهودي، الأمر الذي يعني أن ثمة دعماً رسمياً من قبل النظام السلماني (السعودي) لهذا النشاط الذي يقوم به العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي في إطار التطبيع مع العدو الصهيوني!
ليس هذا وحسب، بل إن العيسى اعتبر مواجهة العدو من قبل الفلسطينيين واللبنانيين ليس جهاداً، مخالفاً في ذلك إجماع علماء الأمة الإسلامية الذين يعتبرون مواجهة المحتل الغاصب الصهيوني جهاداً، فكان هذا العيسى قد وصف في 21 نوفمبر2017، أعمالهما بأنها عنف وقال " إن أعمال العنف غير مشروعة بأي مكان حتى في (إسرائيل)". وفي حينها اعتبرت صحيفة معاريف الصهيونية، أن تصريحات رئيس رابطة العالم الإسلامي تنطوي على محاولة منه لأن يزيل عن السعودية صورة الدولة الداعمة للإرهاب والمنظمات الإسلامية المتطرفة مثل داعش!
وفي الحقيقة أن نشاط العيسى التطبيعي وتجييره الرابطة ومواقفها في هذا الإطار يعتبرا جزءًا وحلقات مكملة لما يقوم به علماء وهابيون سعوديون ومؤسسات (إسلامية سعودية) أخرى في ذات الاتجاه، فهناك الكثير من الفتاوى التي أطلقها بعض دعاة الوهابية في مكة والمدينة لتبرير التقارب السعودي والتعاون الأمني والعسكري أيضاً مع العدو الصهيوني، الذي يقوم به بن سلمان، الأمر الذي يؤكد أن التطبيع الديني الذي يقوم به هؤلاء الدعاة الوهابيين، هو حاجة ماسة لابن سلمان ولآل سعود، كما أشرنا بقدر ما هو حاجة ماسة لكيان الصهيوني...حاجة ابن سلمان لتحقيق أمرين هما:
الأول: لتسويق عملية التطبيع مع العدو الصهيوني ولإضفاء نوع من الشرعية، أو المشروعية الدينية على التعاون والتنسيق الأمني مع هذا العدو في مواجهة الفلسطينيين، ذلك أن التطبيع وهذا التعاون شكل ويشكل استفزازاً للأمة الإسلامية، سيما للشعب الفلسطيني الذي يعاني الأمّرين على أيدي هذا الاحتلال، خاصة في غزة والضفة الغربية..ليس هذا وحسب، بل أن سكوت النظام السعودي أو بالأحرى تأييده الضمني لقرار ترامب حول القدس، ثم دعم هذا النظام وتحمسه لـ (صفقة القرن) كل ذلك شكل طعنة للفلسطينيين وخيانة لقضيتهم.فابن سلمان يريد الإيحاء بأنه يحظى بتأييد علماء السعودية في الذهاب بعيداً نحو التطبيع والتعاون مع الكيان الصهيوني!
الثاني: يحاول ابن سلمان من خلال التطبيع الديني مع الكيان الصهيوني إقناع الدول الإسلامية، أو بعضها على الأقل وشعوبها بالتخندق مع النظام السعودي في عملية التطبيع وصولاً إلى تشكيل جبهة أو حلف تحت مسمى ديني يقف في مواجهة إيران وحلفائها والاصطفاف مع الكيان الصهيوني، وهو هدف ظل نتنياهو يسعى إليه وما يزال، من خلال دعواته المتكررة للنظام السعودي ولبقية الأنظمة العربية الملكية المصطفة معه مثل النظام الإماراتي والنظام البحريني والنظام المغربي والأردني، إلى تشكيل جبهة سنية لمواجهة ما أسماه الخطر الشيعي الذي بحسب زعمه وادعاءه يشكل تهديداً للدول السنية ولإسرائيل معاً!! أما أن يكون التطبيع الديني حاجة للكيان الصهيوني فيمكن أن نشير إلى عدة أمور منها ما يلي:-
1ـ التطبيع الديني مع العدو يضفي نوع من المشروعية على ادعاءاته بأن أرض فلسطين لليهود، أو تأكيد (يهودية الكيان الإسرائيلي) بحسب ما يركز عليه القادة الصهاينة في الفترة الأخيرة، بل وضعوا ما يسمونه (يهودية إسرائيل) شرطاً للتفاوض مع السلطة الفلسطينية، وبالتالي فأن التطبيع الديني تحت مسمى (التسامح بين الأديان)، أو أي عنوان آخر، سوف يوظفه الصهاينة في عملية انتزاع اعتراف سعودي مجاني بيهودية الكيان الغاصب، ما يشكل إنجازاً خطيراً للعدو الصهيوني، لأن الأخير يريد من تأكيد أو اعتراف الآخر بيهودية كيانه، أو بالطابع الديني لهذا الكيان تحقيق أمرين:
الأول: يتمثل في تثبيت حق تأريخي للصهاينة بفلسطين!! ينسف كل القرارات الدولية وكل المواثيق التي تؤكد اغتصاب فلسطين من أهلها، وتؤكد حق هؤلاء الأهل التأريخي فيها.
والثاني: تثبيت هذا الحق يمكّن الصهاينة من إخراج بقية الفلسطينيين من أرضهم، سيما فلسطينيو الضفة الغربية، ومناطق الثمانية والأربعين، وهذا أيضاً ما يتحرك الصهاينة حالياً لتحقيقه.
2ـ يريد الصهاينة من التطبيع الديني، تسهيل عملية التطبيع التي تقوم بها الأنظمة المطبعة مع الكيان الصهيوني كالنظام السعودي، من خلال عملية تبرير وتسويق هذا التطبيع وهذا التعاون الأمني والعسكري، لأن هذا الأمر بحسب الموقف الحقيقي للشريعة الإسلامية يعتبر حراماً، بل الشريعة توجب الجهاد لإخراج الغزاة من الأرض الإسلامية فلسطين وتدعو إلى تحريرها وتحرير المقدسات، وبالتالي فأن ما يقوم به دعاة السعودية، والمؤسسات الدينية السعودية، هو عملية تسويق وتخدير للأمة ومحاولة تطويعها للقبول بمثل هذا التعاون مع الكيان الصهيوني كما أشرنا فيما مر.
3ـ العدو الصهيوني يريد من خلال هذا النوع من التطبيع تثبيت مفاهيمه المزيفة حول موقف الشريعة الإسلامية من الاحتلال والتطبيع معه، وتزييف مفاهيم الشريعة الحقيقية والثابتة من هذا الاحتلال والتي أشرنا إليها قبل قليل، فالعدو سوف يوظف كل إمكاناته ونفوذه وهيمنته الإعلامية العالمية في سبيل تثبيت تلك المفاهيم المزيفة التي تتمثل في تصرفات ومواقف دعاة الوهابية، واعتبارها المفاهيم الصحيحة، مقابل تشويه المفاهيم الصحيحة للشريعة الإسلامية من الاحتلال، بوصمها (بالإرهاب، والتطرف) وما إلى ذلك من عمليات التشويه لإقناع الأمة بذلك، أو على الأقل لإرباك هذه الأمة فكريا ومفاهيمياً وإثارة الانقسامات بين شرائحها على هذا الأساس.
4ـ هذا النوع من التطبيع يسعى إليه الكيان الصهيوني لأنه يمنح الأخير زخماً إضافياً للضغط على ابن سلمان لتغيير المناهج الدراسية في المدارس والجامعات السعودية، بما يتلائم مع مناخ التطبيع والتحالف مع الكيان الصهيوني، فلأن الكثير من المصطلحات والمفاهيم الخاصة بالموقف من العدو الصهيوني ذات جذور دينية، أو تستند إلى قواعد فقهية وفكرية إسلامية فذلك يساهم في تسهيل مهمة ابن سلمان تغيير المناهج وتطويعها بالشكل الذي يتلائم وعمليات التطبيع، وأيضاً الاعتراف بالكيان الصهيوني، هذا من جهة ومن جهة أخرى، فأن للمؤسسة الدينية الوهابية دور كبير في صياغة بعض المناهج المدرسية في السعودية، وذلك ما يجعل أمر تغييرها سهلاً، وللإشارة فأن الصهاينة أعلنوا في وسائل إعلامهم أكثر من مرة إنهم يواصلون متابعة ما تقوم به المؤسسات التعليمية والثقافية السعودية من تغيير للمناهج، فعملية التغيير تجري الآن على قدم وساق، في السعودية، الأمر الذي يؤشر إلى أهمية التطبيع الديني السعودي بالنسبة إلى العدو الصهيوني، وخطورته على الأمة ومقدساتها في شبه الجزيرة العربية وفي خارجها.
ارسال التعليق