بن سلمان: هل يحسم خياراته بترك محاولات أمريكا توريطه مجدداً بحرب طاحنة مع اليمنيين ؟؟
[عبد العزيز المكي]
من الواضح أن التطورات السياسية والعسكرية والأمنية التي شهدتها المنطقة في الأشهر الأخيرة وتشهدها حالياً... أوجدت عند المسؤولين السعوديين قناعة، بأن الرهان على حماية أمريكا والغرب، وحتى حماية الكيان الصهيوني للسعودية، ولبقية حلفاء أمريكا وعملائها في المنطقة.. هو أمر بات محفوفا بالمخاطر، لأن تلك التطورات أفرزت معطيات استراتيجية في غاية الأهمية، نذكر منها ما يلي:
1 - ثبت من خلال التجربة الميدانية، أن الولايات المتحدة لا تفي بوعودها فهي في أية لحظة تترك عملائها وتهرب ومتى ما لاحظت أن التطورات العسكرية تمضي لغير صالحها، وهذا ما حصل في فيتنام في عقد الستينات، ولقد لاحظ العالم مشاهد ركل الأمريكان العملاء الفيتناميين ومنعهم من ركوب الطائرات الأمريكية التي أقلت الأمريكان الفارين من الثوار الفيتناميين، حيث تعلق هؤلاء العملاء بتك الطائرات، وتساقطوا نحو الأرض بعد إقلاعها، وقضوا سقوطاً في مشاهد مأساوية.. ولا نذهب بعيداً فهذه المشاهد تكررت أيضاً في أفغانستان قبل فترة قصيرة بعد هزيمة وهروب القوات الأمريكية من هذا البلد، حيث لاحظ العالم عبر شاشات التلفزة كيف هربوا في أجواء من الخوف والذعر والهلع، وكيف ركلت العملاء الأفغان ومنعتهم من ركوب الطائرات بالركل والدفع وحتى الضرب فتعلقوا بالطائرات وسقطوا حال إقلاعها وماتوا سقوطاً .. ودائماً هذا هو حال عملاء أمريكا سواء كان ذلك في فيتنام أو أفغانستان أو في أي مكان آخر مثل العراق والصومال وما إلى ذلك !!
أكثر من ذلك، أن بن سلمان لاحظ عياناً كيف أن الرئيس السابق ترامب خذل السعودية ولم يدافع عنها بعد ضربها من قبل أنصار الله بالصواريخ والمسيرات وتعطيل نصف انتاجها النفطي اليومي البالغ 12 مليون برميل يوميا في منطقة بقيق وخريص، رغم أن ترامب تقاضى من ابن سلمان (٤٥٠) مليار دولار لقاء الحماية ورغم أن ترامب أكد مرات وهو يتباهى أنه سلب هذه الأموال من السعودية لقاء حماية النظام، لكنه لم يحرك ساكنا بعد تعرض المصالح السعودية للقصف !! معلناً بوقاحة انه غير مستعد للتضحية بجندي أمريكي من أجل السعوديين ! وفعل كذلك الرئيس الذي سبقه باراك اوباما الذي قال إن الأخطار التي تهدد السعودية هي من الداخل وليس من الخارج !! ونحن غير مستعدين للدفاع عنها !!
وحتى الكيان الصهيوني الذي طرح نفسه مؤخراً، وطرحته أمريكا أيضاً لحلفائها العرب بديلاً عنها لحماية هذه الأنظمة، حيث كان هذا التصور حافزاً للتطبيع مع العدو وتسارع التعاون الأمني والعسكري والاقتصادي معه، حيث سبق هذا التعاون التطبيع !!..
نقول إن هذا الكيان بات بالتجربة غير قادر على حماية نفسه فكيف سيكون قادراً على حماية حلفاء أمريكا ومنهم السعودية !؟ ولا أدل من ذلك استنفار أمريكا بكل أجندتها العسكرية والصناعية والاقتصادية لحماية العدو الصهيوني.. إذ في ظل التوتر الذي تشهده المنطقة، والتصعيد العسكري والأمني بين محور المقاومة والكيان الصهيوني بات مسؤولو هذا الأخير يتحدثون صراحة عن احتمالات سقوط العدو ونهايته إذا لم تحميه أمريكا !! فهذا الباحث إيلان بابيه يتحدث في مقال ترجم إلى العربية عن احتمالات انهيار المشروع الصهيوني وتفكك دولته بفعل عوامل، منها الانقسام الداخلي والضرب المستمر لدول الجوار وعجز المؤسسات عن تقديم الخدمات للناس وباتت كلها اليوم متوفرة.. كما أن الجنرال الصهيوني المتقاعد والمستشرق المختص في "الصراع العربي الصهيوني" شاؤول أرئيلي نشر مقالاً في صحيفة هاآريس العبرية، نشرت ترجمته في بعض المواقع العربية في عام ٢٠٢٢ خلاصته أن المشروع الصهيوني سقط، وان حلم إقامة دولة إسرائيلية ديمقراطية بأغلبية يهودية سقط ويتآكل بالتدريج !! أما المحلل الإسرائيلي المعروف آري شافيط فهو الآخر نشر مقالاً في الصحيفة العبرية الآنفة نفسها، كان أكثر تشاؤماً وقال فيه ما خلاصته "اجتزنا نقطة اللاعودة.وإسرائيل، تلفظ أنفاسها الأخيرة ولا طعم للعيش فيها" !! من جهته الكاتب المحسوب على اليسار الصهيوني جدعون ليفي أيضاً يرسم مستقبل قائم ونهاية مأساوية للكيان. وجاء في إحدى مقالاته "نواجه أصعب شعب في التأريخ وعملية التدمير الذاتي والمرض السرطاني الإسرائيلي بلغا مراحلها النهائية، ولا سبيل للعلاج بالقبب الحديدية، ولا بالأسوار ولا بالقنابل النووية" وذهب إلى هذا الرأي الجنرال الاحتياط الكبير في الجيش الصهيوني إسحاق بريك، حيث قال إن الجيش لم يحقق أي انتصار وانه يضعف مع استمرار المعركة وسينهار في النهاية وتنهار إسرائيل وتتلاشى ! وفي ظل تدهور الكيان الغاصب كان رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق ايهود باراك قال: إن الكيان طبقاً للتوراة لا يمكنه العيش أكثر من ٨٠ سنة ! أكثر من ذلك ذهب رئيس الموساد السابق "أفرايم هاليفي" إلى أن اغتيال الشهيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي في طهران مؤخراً قد يعجل من سقوط الكيان قائلا: "هذه الحماقة - أي الاغتيال - تركتنا أمام خيارات كلها مر، أما أن نبتلع الرد الإيراني ونكسر قاعدة الردع وبهذا تسقط هيبة إسرائيل، وأما أن نرد وندخل في حرب لسنا مستعدين لها اجتماعيا، وبهذا يؤدي إلى نبوءة سقوط إسرائيل"..
2- هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية البحرية في معركتها مع فصيل من فصائل المقاومة وساحة واحدة من ساحاتها. هي ساحة أنصار الله وجيشهم اليمني، ذلك باعتراف الأمريكيين أنفسهم وحتى الغربيين من عسكريين وسياسيين ووسائل إعلام وما إلى ذلك .. فكان قائد الأسطول الخامس المرابط في البحرين قد قال "نحن لم نواجه عدواً بهذه الشراسة والخطورة مثل الحوثيين منذ الحرب العالمية الثانية" كما أن صحفيين وعسكريين تحدثوا عن ضرب أنصار الله لحاملة الطائرات آيزنهاور ورغم إنكار الأمريكان ألا أن الخبراء الأمريكيين اقروا بضربها، ثم أن صحيفة الوول ستريت جورنال الأمريكية نشرت تقريراً مفصلاً في آذار الماضي قارنت فيه بين القيمة المالية لحاملة الطائرات "جيرالدفورد" البالغة ١٣ مليار دولار، السفينة الحربية الأغلى في التاريخ، وبين القيمة المالية للطائرات المسيرة التي يمكن لها أن تغرق"جيرالدفورد" وتنزل بها إلى أعماق البحار" معترفة بصورة غير مباشرة بضرب أنصار الله لحاملة الطائرات الأمريكية آيزنهاور.. في السياق ذاته قالت مجلة "ذانا شونال إنترست".. أصبح البحر الأحمر ساحة مشتعلة، وتمكن اليمنيون - أنصار الله - من استغلال موقعهم الاستراتيجي لانزال أكبر الهزيمة بالأوربيين والأمريكيين في هذه المنطقة الهامة من العالم" وأضافت المجلة.. "إن عمليات اليمن في البحر الأحمر لقنت الغرب دروساً قاسية !!
واستطردت المجلة شارحة بالتفصيلات والأدلة، وقائلة ان انتشار البوارج الحربية وحاملات الطائرات الأمريكية والغربية ليس مقياساً ومؤشراً لهذه القوة على سيطرتها على الممرات البحرية، لأن الصواريخ والمسيرات غير القابلة للغرق يمكن أن تشكل تهديداً اكبر من تلك البوارج القابلة للغرق، مؤكدة أن الغرب وأمريكا أصبحا في مأزق في البحر الأحمر.. وتأكيداً لما قالته تلك المجلة جاء في دراسة "المركز ويلسون" وهو في واشنطن تابع للكونغرس الأمريكي.. "إن الوصف الدقيق لما قامت به اليمن بشأن الحرب على غزة يطلق عليه توصيف (البجعة السوداء) والتي تعني في السياسة الأمنية الأمريكية الحدث غير المتوقع وغير المتوقع على الإطلاق، يؤدي إلى عواقب وخيمة غير متوقعة، وأشارت الدراسة إلى أن الهجوم الذي نفذته القوات اليمنية على ست سفن تجارية في البحر الأحمر والعربي والأبيض المتوسط نهاية مايو الماضي.. "يوضح قدرة الحوثيين المستمرة على ضرب أهداف كبيرة ومتعددة حتى بعد ستة أشهر من الحملة العسكرية التي تقودها أمريكا لإنهاء هجمات اليمن..".
وأقرت الدراسة المطولة بهزيمة الولايات المتحدة العسكرية أمام أنصار الله في البحر الأحمر، وبفشل كل خطط ومحاولات واشنطن الرامية لحماية التجارة العالمية مع العدو الصهيوني التي حضرها أنصار الله ما لم يتوقف العدوان على غزة...
وأنهى المركز البحثي الأمريكي دراسته بالإشارة إلى: "إن الحكومة الحوثية، على الرغم من أنها لا تحظى باعتراف دولي، إلا أنها أثبتت قوتها العسكرية وجاهزيتها في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية وفرضت على الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي النظر إليها كقوة لا يستهان بها..".
هذا واعترفت صحيفة (AGC) الإيطالية بفشل الخطة الأمريكية والبريطانية لتأمين الشحن التجاري في البحر الأحمر من خلال عملية "حارس الازدهار" ! ، وبعد إشارتها إلى نجاح أنصار الله في إجهاض الخطط الأمريكية والبريطانية الرامية إلى كسر الحصار البحري على العدو، قالت الصحيفة "لم تتوقف هجمات الحوثىين بل ازدادت حدة وتتنامى قدراتهم باستمرار كما يتسع نطاق عملياتهم" . وخلصت الصحيفة الإيطالية إلى أن اليمنيين نجحوا في تحقيق أهداف استراتيجية وتكتيكية، فيما فشلت الولايا المتحدة وبريطانيا بوضوح في تنفيذ خطتهما في البحر الأحمر.. وهذا ما أكدته صحيفة الواشنطن تايمز الأمريكية أيضاً.. وقالت ".. على الرغم من التحالف البحري الأمريكي والدولي الضخم الذي يصطف ضدهم فإن اليمنيين يواصلون هجماتهم وينجحون في أحداث اضطراب كبير في أنماط الشحن..".
في ذات السياق قال معهد دول الخليج العربية في واشنطن، في تحليل أجراه الباحث جريجوري د. جونسون وترجمه الموقع بوست". "إن النهج الدفاعي الوحيد للولايات المتحدة ضد هجمات الحوثيين لم ينجح، والآن نهج الضربات العسكرية المحدودة أيضاً لم ينجح". وجاء التحليل مطولاً، ومستعرضا الإخفاقات الأمريكية والفشل أمام ضربات أنصار الله، ومؤكداً أن كل الخيارات المتبقية في مواجهة الحوثيين للتأثير على قدراتهم في ضرب السفن التجارية والحربية لأمريكا وإسرائيل وحلفائهم الغربيين تبقى خيارات غير مجدية ولا طائل منها.. وهذا ما عززه مقال المرشح الرئاسي الأمريكي السابق رون بول، حيث هاجم الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن وقال: "أنفقنا مليار دولار لمحاربة الحوثيين وفي النهاية فشلنا... ولم نتمكن من فتح الطريق أمام السفن الإسرائيلية" وهناك العشرات من الشهادات الأمريكية والأجنبية حول الهزيمة الأمريكية في البحر الأحمر، بل حتى الأوساط الصهيونية اعترفت بهذه الهزيمة وتحدثت بتهكم على تلك الهزيمة، فهذه صحيفة جيروزاليم بوست تقول: "إن الهجمات على السفن في البحر الأحمر مستمرة بلا هوادة، وتلحق أضرارا جسيمة بالتجارة البحرية، ولا نهاية لها في الأفق" مضيفة أنه نظرا لعدم قدرة القوات البحرية الغربية على حماية الشحن التجاري، تختار الشركات تحويل مسارها بعيدا عن البحر الأحمر وخليج عدن، مؤكدة الصحيفة العبرية أن "الحوثيين نجحوا في إحداث الخراب والضرر، وإضافة تكاليف هائلة إلى النقل البحري للبضائع". وهذا ما أكده المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي، حيث قال: إن الحوثيين حققوا نجاحات استراتيجية هائلة في رفع تكاليف الشحن العالمي وتقويض مصداقية الولايات المتحدة، وأضاف "إن هجمات البحر الأحمر وفشل الولايات المتحدة في إيقافها، يقوض مصداقيتها بحماية الشحن البحري والتزاماتها الأخرى بما فيها، التزاماتها تجاه الشركاء والحلفاء على مستوى العالم..
3 - إن المواجهة العسكرية البحرية بين أمريكا وبريطانيا وأنصار الله كسرت هيبة الولايات المتحدة وأسقطت قوة الردع النفسية للقوات الأمريكية، فإلى ما قبل المواجهة كان مجرد مجيء حاملة الطائرات ودخولها المنطقة، يشعر الحلفاء بالأمان ويذهب عنهم القلق والخوف لأنه لم يجرأ أحد على التحرش بهذا السلاح الضارب بل حتى الدول الكبرى كانت تتجنب التحرش بأمريكا من خلال النيل من حاملات طائراتها خوفاً من الانتقام، أما بعد المواجهة، وبعد استهداف أنصار الله لحاملة الطائرات آيزنهاور ثلاث مرات وإجبارها على الهروب والخروج من ميدان المعركة، باتت هذه الأسلحة الثقيلة عبئاً على الأميركان، وبات بالإمكان إغراقها بأسلحة المسيرات والصواريخ كما يفعل الحوثيون، وللإشارة فقط تحدثت وسائل الإعلام الصينية مطولاً عن سقوط الهيبة العسكرية الأمريكية في المواجهة مع أنصار الله، بل ان بعضها قال: إن تلك المواجهة كشفت أن القوة البحرية الأمريكية نمر من ورق !!
وإزاء هذه المعطيات وغيرها خصوصا أن المقاتلين اليمنيين أولو بأس شديد في القتال وأساليبهم شهد لها الأمريكان والغربيون تعززت قناعة بن سلمان بأن الأمريكان الذين يدفعون لتوريطه مجددا بالحرب سوف يتركونه لوحده في النهاية وانهم أثبتوا أنهم غير قادرين على حماية أنفسهم وقواتهم البحرية، وان حمايتهم مكرسة فقط للكيان الصهيوني !! ولذلك يحاول مقاومة الضغوط الأمريكية الرامية لتوريطه، لكنه لم يحسم أمره بشكل نهائي أيما الخيارين سوف ينتخب، الذهاب وراء أمريكا وحماقاتها أم تسوية خلافاته مع أنصار الله ؟؟ لننتظر ونرى. ولكن نأمل بأن يفكر جيدا ويبتعد عن امريكا ومؤامراتها لأن استمرار الرهان على حمايتها سوف يؤدي بالمملكة إلى الكارثة ونموذج عراق صدام خير درس وعبرة لمن يريد .
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق