تفاؤل العدو الصهيوني بالتطبيع مع السعودية...ماذا يعني بعد عودة العلاقات السعودية الإيرانية؟
[عبد العزيز المكي]
إلى ما قبل العاشر من مارس الماضي حيث أعلنت كل من الرياض وطهران عن عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما وفتح صفحة جديدة؛ على خلفية وساطة الرئيس الصيني؛ كان نتنياهو يغرق بين الحين والآخر؛ المستوطنين وعوداً بانضمام السعودية إلى "اتفاقات أبراهام" خلال أشهر أو خلال العام الحالي؛ بل ذهب إلى أكثر من ذلك؛ بالتوهم أنه سيشكل" الحلف العربي الصهيوني" ضد إيران في المنطقة الخليجية!!لكن ما أن أعلن البلدان إيران والسعودية عن عودة العلاقات بينهما في ذلك التأريخ المشار إليه؛ حتى ساد الاضطراب والحيرة الأوساط الصهيونية السياسية والإعلامية؛ فهذه الأوساط المرتبكة من هذا التطور راحت تنتقد نتنياهو واعتبرته كذاباً؛ وحالماً؛ وزارعاً للأوهام والتمنيات وما إلى ذلك من الأوصاف والنعوت؛ وأيضاً التحليلات التي اعتبرت ان هذا التطور شكل صفعة لنتنياهو الذي كما قلنا كان يعد المستوطنين بعودة العلاقات العلنية والتطبيع مع السعودية؛ سيما في تلك الفترة التي ما فتأ الإعلام الصهيوني يتحدث باستمرار عن تبادل لزيارات سرية وعلنية لوفود ومسؤولين أمنيين وسياسيين وحاخامات؛ وإعلاميين بين الطرفين!!
على أي حال؛ ان عودة العلاقات الإيرانية_السعودية؛ دفع بالصهاينة إلى إلقائهم اللوم على الولايات المتحدة وتحميلهم مسؤولية ما وصلت اليه الأمور في المنطقة نتيجة انسحابهم منها وإهمال حلفائها؛الأمر الذي بحسب رأي الصهاينة اضطرهم الى سلوك مسارات أخرى لحماية أنفسهم من الأخطار الخارجية؛ ومنها توجه السعودية وتطلعها إلى الصين والى تسوية خلافاتها مع إيران؛ والتحرك للخروج من المستنقع اليمني.. على أساس هذه الخلفية نشط الأمريكيون بالتحرك على الرياض بشكل لافت سياسياً وإعلاميا من أجل إعادة السعودية إلى المسارات السابقة، وبالتالي إحياء آمال العدو الصهيوني بإعلان التطبيع مع الرياض، لأن هذا العدو ورئيس وزرائه باتوا ينظرون الى أن انجاز التطبيع الرسمي مع الصهاينة، سوف يشكل مفصلاً أساسياً على الأقل في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها، لإنقاذه من تداعيات هذه المرحلة المهددة ليس لكيان فحسب بل ولوجوده كما يرى الخبراء الصهاينة، ومن هذه التداعيات ما يلي:-
1- بالاضافة الى تراجع الولايات المتحدة عن منطقة الشرق الأوسط عسكرياً وسياسياً وحتى اقتصادياً يشهد العدو هو الآخر، تراجعاً على كل الأصعدة، ويشهد تفككاً داخلياً خطيراً حتى ان قادته العسكريين يطلون علينا بين الحين والآخر بتحليل يتحدث عن قرب زوال الكيان الصهيوني والقضاء عليه نتيجة تعاظم التفكك الاجتماعي الداخلي وتراجع العقيدة القتالية، وتزايد ما يسمونه الهجرة المعاكسة من الأرض المحتلة إلى الغرب وأمريكا...، ذلك مقابل تعاظم قوة محور المقاومة في داخل الأرض المحتلة وخارجها وتشكيله خطورة متزايدة بل متعاظمة على وجود واستمرار الكيان الصهيوني
2- صحيح ان الولايات المتحدة مازالت ملتزمة بحماية الكيان الصهيوني والدفاع عنه عسكرياً، لكن الصهاينة يرون ان الدور الوظيفي للعدو تراجع كثيراً، فلم يعد هذا الكيان، كما كان في السابق، القاعدة العسكرية او حاملة الطائرات الامريكية في المنطقة، نظراً لضعف امريكا وتراجعها عسكرياً، واستغنائها الى حد كبير عن نفط السعودية تحديداً والمنطقة بشكل عام، فيما يرى اكثر الخبراء الصهاينة ان تراجع هذه الدور الوظيفي يعني تراجع الحماس بل والالتزام الامريكي بالدفاع عن الكيان عسكرياً، اكثر من ذلك، ان التراجع الاقتصادي لاميركا والغرب جعل من العدو الذي يعتمد على الدعم الامريكي. والغربي الاقتصادي، عالة على هذا الغرب ويطمح الأخير للتخلص من هذه العالة، يضاف الى ذلك ان الرأي العام الغربي يشهد تحولاً في النظرة الى هذا العدو، حيث اثبتت الاستطلاعات التي تجري بين الحين والآخر ان هذا الرأي العام يعي حقيقة الصهاينة وارهابهم وعدوانيتهم وجرائمهم تجاه الشعب الفلسطيني خاصة وشعوب المنطقة عامة..
3- اختلال المعادلة التي يقوم عليها الوجود الصهيوني، وهي ضمان تفوقه العسكري في المنطقة، الى جانب إغراقها بالخلافات والتوترات السياسية والجغرافية التي تتوالد في المنطقة، فهذه المشاريع كلها فشلت، بالتزامن مع تفوق محور المقاومة عسكرياً على العدو وتعاظم قوته كما أشرنا، ولقد اعترف قادة العدو صراحة بأن أسلحة هذا المحور باتت تهدد العدو وجودياً وان هذا العدو ليس بمقدوره مواجهة هذا المحور، سيما على اكثر من جبهة وساحة، اذ نشبت الحرب..
4- من أخطر تداعيات التراجع العسكري للعدو، مقابل الصعود العسكري لمحور المقاومة، هو تعزيز الأمل عند الشباب الفلسطيني بالتخلص من الاحتلال وقرب القضاء عليه، وذلك ما ضاعف من التحرك والانخراط في ميدان المقاومة والمثابرة في تطوير السلاح وفي تثوير كل الساحات الفلسطينية التي خدرها اتفاق أوسلو، كما نشهد تطور الوضع في الضفة الغربية، حيث أصبح التحرك الجهادي في تلك الضفة وفي مناطق الثمانية والأربعين من أخطر التحديات الأمنية للكيان الصهيوني ولوجوده واستمراره، بل اعتبر بعض الخبراء الصهاينة ان التحرك الفلسطيني في مناطق الثمانية والأربعين مؤشراً على قرب زوال كيان الصهاينة وأفوله الى غير رجعه.
لهذه الأسباب ولغيرها، يرى قادة الكيان الصهيوني وخبراؤه أن إعلان السعودية التطبيع مع العدو، بمثابة المنقذ للعدو من أزماته الداخلية، لأن التطبيع العلني مع السعودية يفتح آفاق المنطقة بوجه العدو على كل الأصعدة، وبالتالي يفرض واقعاً جديداً ومعادلات جديدة، يعتقد الصهاينة أنها سوف تنقذ العدو من التآكل والأفول، لأنها:-
1- سوف تبدد الاحباط واليأس عند الصهاينة، وبالتالي تجديد الأمل ببقاء هذا الكيان..
2- منح العدو جرعة حياة جديدة، من خلال الدعم الاقتصادي السعودي والعربي لهذا العدو، ومنحه عمقاً استراتيجياً وجغرافياً يؤهله للعب دور في المنطقة وفي شؤونها، وفك العزلة المفروضة عليه الآن.
3- يعتقد نتنياهو وبقية الخبراء والقيادات الصهيونية ان التطبيع الرسمي مع السعودية سوف ينهي الصراع العربي الصهيوني، لأن تطبيع السعودية سوف يفتح الطريق لغير المطبعين من الانظمة العربية والاسلامية للتطبيع مع العدو ومن ثم دفع العدو الأمور الى تبني طروحات ومشاريع تنهي مقاومة الشعب الفلسطيني وتصفي القضية الفلسطينية بغطاء عربي واسلامي، وصولاً الى فرض وقائع جديدة على محور المقاومة وتكبيل مشروعه هكذا يعتقد نتنياهو..
نعود الى التحرك الأمريكي للضغط على السعودية واقناعها باعلان التطبيع مع العدو في هذه المرحلة، حيث اتخذ هذا التحرك كما تابعنا، المسارات التالية:-
1- الضغط الدبلوماسي فقد شهدت العاصمة السعودية الرياض تعاقب عدة شخصيات سياسية وأمنية خلال الشهرين الماضيين وحتى الآن، حيث حلّ في الرياض جاك سوليفان مستشار الأمن القومي الامريكي يوم 6/5/2023 بهدف اقناع بن سلمان باعلان التطبيع مع العدو وفي هذا السياق قال سوليفان مشيراً الى هدف زيارته الاساسي للسعودية.." ان الولايات المتحدة تعمل جاهدة لتطبيع العلاقات بين " إسرائيل" والسعودية". مضيفاً: " في نهاية المطاف الوصول إلى التطبيع الكامل هو مصلحة أمن قومي معلنة للويالات المتحدة، لقد كنا واضحين بشأن ذلك".. وكان السناتور الجمهوري الأمريكي ليندسي عزاها قد اجرى مباحثات في الرياض في 18/ ابريل الماضي مع ولي العهد السعودي حول ذات الموضوع، ويبدو انه قايض تحسين العلاقات الامريكية مع بن سلمان، باعلان التطبيع مع الكيان الصهيوني، كما يؤكد ذلك تصريحه خلال لقائه بنتنياهو بعد مباحثاته في السعودية حينذاك، اذ قال " أخبرت السعودية أنني اريد تحسين علاقاتنا، وانه علينا
ان نفعل ذلك بطريقة تطمئن أصدقائنا في اسرائيل"! واستطرد هذا السناتور بلغة أوضح قائلا".. اخبرت ولي العهد السعودي ان أفضل وقت لتحسين العلاقات بنتنياهو الآن، وان الرئيس بايدن مهتم جداً بتطبيع العلاقات مع السعودية"! و" مقابل ذلك ستعترف السعودية بالدولة اليهودية الوحيدة (دولة الاحتلال الصهيوني)، بقدر ما يمكنني المساعدة في الترويج لذلك كجمهوري سافعل"!! واردف السناتور الامريكي قائلاً: " اعتقد ان الحزب الجمهوري يريد بالتأكيد العمل مع الرئيس بايدن من أجل تغيير العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، الأمر الذي يمكن أن يؤدي في النهاية إلى اعتراف الحكومة السعودية " بإسرائيل" هذا هو سبب وجودي هنا.."!! وقبل ذلك كان رئيس السي آي اي وليم بيرنز قد جاء للسعودية، كما زار المنطقة والأرض المحتلة رئيس الكونكرس الأمريكي " مكارثي".. الأمر الذي جعل نتنياهو يثني على الجمهوريين والديمقراطيين لقيامهم بهذا الجهد، ويشيد بالرئيس الامريكي بايدن، في جهود دفع التطبيع ودعم الحزبين في الكونكرس!
2- التحرك على المباحثات السعودية مع أنصار الله بهدف التأثير عليها وتخريبها ويبدو ان الولايات المتحدة نجحت في تخريب وتاخير الاتفاق الأخير الذي توصل إليه السعوديون لإنهاء الحرب مع أنصارالله، اذ ان الضغوط الأمريكية أفضت الى اجبار السعوديين على التراجع عن تفاهماتها واتفاقها الأخير مع أنصار الله، والانقلاب عليه!!
3- إجبار الأنظمة لخليجية على اتخاذ خطوات من شأنها إثارة الفتن وتوتير الأجواء في المنطقة، ومحاولة تسميم العلاقات بين دول هذه المنطقة، كما تقول الصحف الأمريكية، والتي أضافت أن أمريكا تحاول الآن إقناع الدول الخليجية بنشر مائة زورق مسير في مياهها لمواجهة ما تسميه أمريكا " بالتهديدات الإيرانية" رغم التقارب الذي تشهده هذه الدول في علاقاتها مع جارتها ايران!!
4- الضغط الإعلامي، فالملاحظ أن هذا الضغط الموجه للنظام السعودي يتعاظم يوماً بعد آخر لحمل بن سلمان على الانصياع لرغبات نتنياهو...
وفيما تتواصل هذه الضغوط على بن سلمان بات من المشكوك فيه انصياعه وإذعانه للإرادة الامريكية والصهيونية، لأنه يدرك جيداً أن مثل هذا الإذعان والاستجابة سيشكلان مجازفة محفوفة بالمخاطر الجمة إذ يمكن أن تؤدي إلى إسقاط النظام السعودي واقتلاعه من الجذور، وليس سقوط بن سلمان فحسب.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق