جولات بذخ وترف لأبن سلمان والمملكة تغرق في ظلمة الديون
[حسن العمري]
* حسن العمري
وقع محمد بن سلمان على حزمة كبيرة من الاتفاقيات والاستثمارات بقيمة عشرات مليارات الدولارات في باكستان والهند والصين، سعياً منه لتبييض صورته التي تلطخت بدماء الأبرياء في داخل المملكة وخارجها وفي مقدمتها الحرب على اليمن ومقتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول بذلك الشكل الإجرامي البشع عبر تقطيع أوصاله بالمنشار وتذويبها - وفق الرواية التركية التي أكدتها وكالة الاستخبارات الأمريكية ايضاً بل وحسب اعتراف رسمي من قبل ال سعود
ولي عهد آل سعود أستهل زيارته لاسلام آباد بإطلاقه سراح ألفي معتقل باكستاني لأسباب جنح وإجرام في غالبيتها، فيما آلاف المواطنين السعوديين يقبعون في السجون ذات الصيت السيء وفي مقدمتها سجن الحائر غوانتانامو المملكة لأسباب بسيطة جداً وهي التعبير عن الرأي؛ قبل أن يتمها بالتوقيع على إستثمارات بقيمة 20 مليار دولار تصدرتها مشروعات الطاقة بينها مصفاة “آرامكو” ومجمع للبتروكيماويات بتكلفة تبلغ 10 مليارات دولار، سعياً منه لإنقاذ الاقتصاد الباكستاني المتردي فيما اقتصاد مملكة الذهب الأسود آيل الى الانهيار والحضيض.
مجلة "تايم" الأمريكية نشرت تقريرا للكاتب "جون هينكس"، تحدث فيه عن الاستثمارات السعودية في باكستان، مشيراً الى أن ولي العهد السعودي مرفوض من معظم العالم بعد جريمة مقتل جمال خاشقجي في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، التي توصلت المخابرات الأمريكية الى أنه هو الذي أمر بتنفيذها.. ناهيك عن حربه الضروس على اليمن الفقير وهو ما دفع بمجموعة الأسماء الرفيعة في عالم المال والأعمال الابتعاد عن مؤتمره الاستثماري، الذي أطلق عليه "دافوس الصحراء"، كما قوبل بتظاهرات حاشدة رافضة لزيارته الى كل من تونس والجزائر، فيما رفض المغرب الحليف الاستراتيجي إستقباله.
يقول مراقبون أن جولة ابن سلمان وبذخه وترفه والتودد لقادة الدول التي يزورها، بل وحتى تماشيه مع الصين في إجرامهم ضد الأقلية المسلمة في مقاطعة الإيغور هي محاولة لتصحيح صورته المشوهة، وتقديم نفسه بصفته رجل دولة، فيما يراه العالم على أنه رجل عصابات لا أكثر؛ مشيرين الى دور السعودي طيلة العقود الماضية في إقامة المدارس الدينية ودعمها المادي الكبير لنشر الفكر الوهابي التكفيري المتطرف أخرجت تنظيمات إرهابية عصفت بالأمن الأقليمي والاسلامي والعالمي منها "القاعدة" و"طالبان" و"داعش" وغيرها.
باكستان كانت قد حصلت في تشرين الأول/ أكتوبر على 6 مليارات دولار مساعدات من محمد بن سلمان بعد زيارة رئيس وزرائها خان الى الرياض، إثر تراجع الاحتياطي في البنك المركزي الباكستاني الى 40%، ضمن سياسة آل سعود التاريخية بالنفقات الباذخة لكسب العقول والقلوب والتي لم تعد قائمة بعد لما تعانيه المملكة من تدهور اقتصادي وسياسي بسبب العهد السلماني الذي تعيشه بطيش وتهور وحروب بالوكالة عن السيد راعي البقر ضد دول الجوار والاقليم.
"أندرياس كريغ" الخبير في شؤون الشرق الأوسط في كينغز كوليج بلندن، يقول إن "السخاء الذي اتسمت به السعودية كان ممكنا في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ولم نره في المرة الماضية، وبالتأكيد لن نراه في ظل (أم بي أس)"، فيما يرى آخرون أن هذه الإستثمارات لن تعطي ثمارها كما في السابق بخصوص باكستان خاصة وأن الصين الشريك الاستراتيجي في مصفاة تكرير النفط بميناء جوادر الباكستاني ترفض كل الرفض دخول شركاء في المشروع مثل السعودية والامارات – وفق الخبير في شؤون المنطقة "جيمس دورسي".
مملكة البترول تواصل الغرق في ديونها المحلية والأجنبية بالتزامن مع تدهور اقتصادها بشكل متسارع وارتفاع عجز موازناتها السنوية وزيادة النفقات العامة، ما يؤكد فشل رؤية 2030 ويجعلها بمواجهة عاصفة مزلزلة كبيرة برز جانب منه في اعلانها إصدار صكوك دولية بقيمة عشرات مليارات الدولارات، في النصف الثاني من العام الجاري على شاكلة الأعوام الثلاثة الماضية؛ لتغطية جزء من عجز موازنتها المتوقع عند 65 مليار دولار- وفق فهد السيف مدير مكتب إدارة الدين العام التابع لوزارة المالية السعودية، اضافة الى ما أعلنته وزارة المالية السعودية في يناير الماضي، بأنها أتمّت طرح الإصدار الرابع من السندات الدولية، بقيمة تبلغ 7.5 مليار دولار، وذلك ضمن برنامج الحكومة الدولي لإصدار أدوات الدين!!.
ديون السعودية ومنذ العام 2016 آخذة نحو الصعود الخطير، وتفاصيل موازنة المملكة للعام الجاري 2019 تؤكد زيادة حجم الدين العام الى 678 مليار ريال (نحو 180 مليار دولار)، الى جانب زيادة الإنفاق الحكومي بنسبة 7% ليصل الى 1.106 تريليون ريال (295 مليار دولار)، بعد أن كان 1.030 تريليون ريال العام الماضي، بسبب الترف والبذخ الأميري لإسكات الأصوات المتعالية جراء سياسة القمع والبطش والتخريب الداخلي والاقليمي، ما أوصل الدين العام للمملكة الى 576 مليار ريال (153 مليار دولار) نهاية 2018، بعد أن كان لم يتجاوز نحو 11.8 مليار دولار نهاية 2014- حسب بيانات وزارة المالية على صفحتها الرسمية بموقع "تويتر".
يقول الرئيس الأمريكي السادس عشر أبراهام لنكولن: "يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكنك لن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت"، حيث تنطبق هذه المقولة مع سلوك سلمان ونجله مع شعبنا وسائر شعوب العالم بغية التضليل على الحقائق القائمة على أرض الواقع في داخل الوطن وفي محيطها الأقليمي وسمعتها الدولية التي إنحطت كثيراً لسبب العهد السلماني السيء، وهو ما أكدته ايضاً "بلومبيرغ إل بي" الشركة العالمية للخدمات الإخبارية والإعلامية والمعلومات المالية، ترى أن غياب التوازن والدقة في إطلاق محمد بن سلمان للمشاريع العملاقة في جولته الآسيوية هذه ما سيؤدّي الى فشل هذه المشاريع.
توقع ولي العهد السعودي خلال لقاءه مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في نيودلهي الى بلوغ فرص الاستثمار السعودي في الهند الى أكثر من 100 مليار دولار في الهند، وقع مع الصين 35 اتفاقية تعاون اقتصادي ثنائي مشترك تقدر بأكثر من 28 مليار دولار، وتسليم 4 تراخيص لشركات صينية متخصصة في عدد من المجالات؛ ليذهب الى أبعد من ذلك حيث دافع بشكل كبير وحقير عن استخدام الصين معسكرات الاعتقال الجماعية لمسلمي الإغور الصينية، سعياً منه الى تشكيل تحالفات جديدة، في ظل انتقادات من دول غربية حول القتل الوحشي للصحفي السعودي جمال خاشقجي والخرب على اليمن - وهي أبرز ما ورد في تقرير نيوزويك الأمريكية.
العديد من التقارير الصادرة عن مؤسّسات اقتصادية دولية ترى أن ارتفاع مستويات الدين العام للمملكة وارتباط عجز موازناتها بأسعار النفط ينسف الأساس الذي بُنيت عليه رؤية 2030، وترى أن السعودية ستفشل في خططها الاقتصادية - وفق موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، مضيفاً إن "اقتصاد السعودية أحاديّ المصدر منذ اكتشاف النفط في 1938، وقد أدخلت الحكومات المتعاقبة 10 خطط إنمائية على الاقتصاد، أوّلها عام 1970 وآخرها عام 2016، جميعها حملت هدف تحقيق اقتصاد متنوّع لا يعتمد كلياً على النفط.. حيث فشلت الخطط كلها فشلاً ذريعاً بتحقيق الهدف، ولم تتمكّن السعودية حتى ألآن من إحراز أي تقدّم واضح يتعلّق بالبنية التحتيّة الصناعية التي لم تتجاوز وجود بعض مصانع البلاستيك والبتروكيماويات والأغذية الأساسية، بما فيها (رؤية 2030) لأن عقلية السلطة تفتقر لمقوّمات القيادة في عصر ما بعد النفط كونها تعتمد على المال السهل والسريع من مبيعاته.
ارسال التعليق