جولة بن سلمان الآسيوية.. ما بين التلميع لصورته ... وفشل الأجندات والاملاءات الامريكية والصهيونية!
[عبد العزيز المكي]
أعتقد أن ثمة إطارين يمكن أن نحصر فيهما ، الأهداف الرئيسية لجولة بن سلمان الآخيرة، والتي شملت عددا من الدول الآسيوية البارزة ، هي باكستان والهند، والصين، وكان من المفترض أن تشمل الجولة ، ماليزيا وأندونيسيا، الاّ أن البلدين أجّلا هذه الزيارة في اللحظات الآخيرة ، لاسباب أتصور أنها معروفة للمحللين والمتابعين لشؤون السعودية ولشؤون البلدين المشار اليهما..
الأطار الأول ، ويتضمن محاولات بن سلمان تسويق نفسه دوليا وعالمياً بأنه الرجل الأول والأقوى في نظام آل سعود وفي المملكة برمتها، ذلك أن جريمة خاشقجي المروعة والمتهم بها بن سلمان ، ثم أخفاقاته العسكرية في اليمن ، وكذلك حملات الضغط الامريكية الاعلامية والسياسية على الادارة الامريكية الرامية الى عزل بن سلمان، والى وقف الدعم العسكري للسعودية في حربها على اليمن، بالاضافة الى التقاريرالمتواترة من داخل أروقة العائلة السعودية الحاكمة، حول تفاقم الخلافات بين الامراء واتساع آفاق الانقسامات حول صعود وسياسات بن سلمان وزيادة الاعتراض عليها.. كل ذلك وغيره أضعف من موقع بن سلمان على صعيد الساحة الدولية ، ولم تستطع جولته السابقة التي انتهت بالارجنتين ومشاركته بقمة العشرين قبل عدة أشهر لم تستطع ايقاف التآكل المستمر لمكانته وموقعه كوريث لعرش ، الذي سيصبح الرجل الأول في مملكة آل سعود، لذلك جاءت هذه الجولة لتحقيق عدة أهداف نذكر منها ما يلي:
1ـ محاولة فك العزلة عن شخصه ، وتلميع صورته، بأنه رجل دولة، وليس ذلك الشخص المجرم والقاتل وصاحب المنشار الذي ينشر به أجساد ضحاياه وهم أحياء، كما فعل مع خاشقجي وغيره من المعارضين، هم كثيرون الاّ أن الحظ لم يسعفهم كما أسعف خاشقجي ليعرف العالم فضاعة وبشاعة ودموية الجرائم التي ارتكبت بحقهم كما عرفت عن تعرض له خاشقجي من هذه الدموية والاجرام على يد عصابة بن سلمان .. ولعلّ، بل من المؤكد ان تنظيم هذه الاستقبالات والحفاوات المبالغ فيها، والتي نظمتها الدول المضيفة أو بعضها لبن سلمان ، والتي نعتقد بأن الأخير دفع أثمانها نقدا مقدماً، تدخل في إطار هذه المحاولات..
2ـ محاولته تكريس قناعة لدى أعضاء المجتمع الدولي، خصوصاً الحكومات الغربية ، بأن بن سلمان هو الرجل الذي ينبغي التعاطي معه في المملكة، وهو الشخص المخول عقد الصفقات المالية والتجارية، وهو الذي من خلاله يمكن تحقيق مثل هذه الصفقات ، وبالتالي فأنه رجل المملكة الآمر والناهي!.
3ـ محاولة أقناع المجتمع الدولي ، بأن عليه مغادرة حالة ما سببته جريمة خاشقجي من تشويه وفضح وكشف لحقيقته الأجرام السعودي، واجرام بن سلمان تحديداً، والتركيز على مصالح الدول الغربية مع السعودية التي لا تتحق الاّ من خلال التعامل الواقع أي مع بن سلمان الذي يشكل قوام وعمود النظام السعودي في المملكة.
4ـ محاولة بن سلمان تلميع صورة بلاده، بتغيير الصورة السابقة عنها التي انطبعت في اذهان وفي تفكير المجتمع الدولي بما في ذلك حلفاء السعودية وعلى رأسهم الفكر التكفيري الوهابي، وتربي وتخرج المئات بل الالاف من الارهابيين والتكفيريين والذباحيين والقتلة من مدارسها ومساجدها في داخل المملكة أو من تلك المنتشرة في أنحاء العالم ، سيما في الدول الغربية والأسلامية ، فبن سلمان يحاول إعادة الصورة السابقة بمحو الصورة الحقيقة لهذا النظام الأرهابي، وهي صورة رسختها ممارسات واجرام النظام في اليمن وفي داخل المملكة وفي اصقاع العالم. هذا بالنسبة للأطار الاول، أما ما يخص الأطار الثاني، فهو الذي يتمثل في محاولات تمرير الإجندات الأمريكية الصهيونية في المنطقة، وتنفيذ املاءات الأمريكيين و الصهاينة الخاصة باستراتيجيتهم في تلك المنطقة بتوظيف امكانات ونفوذ وأموال النظام السعودي، مقابل حماية بن سلمان ، وضمان الصعود له لعتبة عرش المملكة، وأرى أن الأستراتيجية الأمريكية ، على ضوء زيارة أو جولة بن سلمان الاخيرة تتمحور بشكل رئيسي حول تطويق ومحاصرة ايران ، واحتواء الأمتداد الصيني في تلك المنطقة، أي منطقة آسيا، وحتى تتضح لنا الصورة نحاول التوقف عند كل محطة في محطات جولة بن سلمان لنلقي الضوء على ما يمكن أن يحققه بن سلمان من أهداف في خدمة المشروع الأمريكي الصهيوني الرامي الى تقويض القوى المعادية لهذا المشروع والمهددة له سيما في ظل تراجع وتصدع هذا المشروع وتداعيه بشكل مستمر ، مقابل تصاعد وتعاظم مشروع الدول المعارضة والمعادية للمشروع الأمريكي الصهيوني ونبدأ من باكستان، فهي المحطة الأهم في جولة بن سلمان ، والأهم في الاستراتيجية الامريكية، التي يرى الامريكيون والصهانية إنهم يمكنهم من خلالها تحقيق الكثير من الأهداف ، نظراً للعوامل الجغرافية والآيديولوجية والاقتصادية التي تؤثر في العلاقات الباكستانية مع كل من ايران والسعودية ، فهذه الأخيرة تتمتع بقاعدة نفوذ كبيرة في الباكستان تحكمها عدة عوامل موضوعية منها ما يلي:
1ـ أن البلدين يرتبطان بعلاقات تاريخية معروفة، لدرجة ان أكثر الحكومات الباكستانية، مثل حكومات ضياء الحق ونواز شريف، وحكومة برويز مشرف اضطلعت بدور كبير في حماية الأسرة السعودية، اذ ارسلت كتائب عسكرية ضاربة لحماية الاسرة من الأخطار.
2ـ على خلفية هذه العلاقة أستطاع السعوديون ( آل سعود) وعلى مدى العقود الماضية من زرع آلاف المدارس الوهابية في مدن باكستان، تدرس كلها المذهب الوهابي أو الديوندي القريب من الوهابية، والذي يستقي أفكاره من هذا الفكر المنحرف ونجحت السعودية بذلك من خلال هذه المدارس التي يقدر بعض الباحثين عددها بـ 70 ألف مدرسة دينية بالاضافة الى المراكز الاسلامية والى المؤسسات الأخرى، التي لا تقل أهمية عن تلك المدارس .. نقول نجحت السعودية في أرساء قاعدة باكستانية كبيرة لها تنتمي الى الفكر الوهابي، ولذلك حينما لعبت السعودية في افغانستان عندما طلبت منها أمريكا لم تجد صعوبة في اطلاق تيار طالبان، أو ما يعني طلاب المدارس الدينية، وهذا ما اعترفت به رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بي نظير ذو الفقار بوتو، حيث قالت أن المخابرات الامريكية السي آي أي والمخابرات السعودية والباكستانية هي التي أسست حركة طالبان واطلقتها ضد الاحتلال السوفيتي آنذاك.
3ـ ترتطب المخابرات السعودية مع جهاز الاستخبارات الباكستاني ISI بعلاقات تعاون وتنسيق قديمة تمتد في عمق التأريخ، الى التنسيق بين الطرفين منذ العام 1980 أي بعد الاجتياح السوفيتي لافغانستان وما زالت العلاقات موجودة تحكمها إعتبارات أمنية وشخصية ومالية، ورعاية سعودية خاصة لبعض جنرالات هذه المؤسسة. والى ذلك فأن النظام السعودي كان قد نجح الى حد ما بنسج علاقات وروابط مع بعض جنرالات الجيش، وكان للنظام السعودي ولدعمه الضابط ضياء الحق الدول الكبير في تنفيذ الانقلاب على ذو الفقار على بوتو وقتله..
4ـ يضاف الى ذلك ، شكّل الفقر والعوز الاقتصادي الذي ظلت تعاني منه باكستان عاملاً آخر من عوامل النفوذ والضغط الاقتصادي ، فمن خلال الدعم المالي السعودي لباكستان، نجح النظام السعودي في فرض أجنداته ، والاجندات الأمريكية على حكومة وشعب الباكستان، لان الأخيرة لم تستغن عن المساعدات والدعم السعودي الاقتصادي حتى في أوج محاولات الاطراف الباكستانية التحرر من التأثير السعودي والنأي بالبلاد من التوظيف أو تنفيذ الاجندات السعودية والأمريكية، فحتى بعد فوز رئيس الوزراء الحالي عمران خان والذي كان قد أتهمته صحيفة عكاظ السعودية بأنه يتلقى أوامره من قم، لانه حاول ان يقيم علاقات متوازنة مع كل من ايران والسعودية فحتى هذا الرجل لم يستغن عن الدعم السعودي وأعلنها صراحة ان بلاده لا يمكنها تجاهل أو الاستغناء عن الدعم الاقتصادي والمالي السعودي لباكستان، وعلى هذه الخلفية نظم عمران استقبالاً حافلاً لبن سلمان...
5ـ أكثر من ذلك ، أن النظام السعودي لديه أزرار ضغط أخرى على حكومة الباكستان هي اداة الضغط الطائفية فبأمكانه ومن خلال توظيف قاعدته الوهابية المشار اليها في تفجير صراع طائفي في باكستان بين السنة والشيعة داخل البلد وبالتالي تقويض الاستقرار والأمن الاجتماعي فيه، وكان للنظام السعودي دور كبير في لعب هذه الورقة في ضغوطه على الحكومات الباكستانية عندما تشيح بوجهها عنه وعن أجنداته الأمريكية الصهيونية ، بل أن وزير داخلية عمران خان الحالية كان قد أتهم النظام السعودي بأثارة الفتنة الطائفية في باكستان بين السنة والشيعة !! وللاشارة فأن النظام السعودي كان مسؤولاً عن آلاف الضحايا من المواطنين الباكستانيين الذين قضو على ايدي التكفيريين تفجيراً أو قتلاً أو اغتيالاً وما الى ذلك ، وبالادلة الدامغة على تورط آل سعود,.
على خلفية هذه العوامل وعلى خلفية إشتراك باكستان مع ايران بحدود جغرافية تمتد لـ 900كم، ارادت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني توظيف كل هذه لعوامل من أجل محاصرة أيران عبر ضم باكستان الى جبهة التحالف الامريكي الصهيوني السعودية المناهض لايران، ذلك أن الامريكان يعتقدون أن كل هذه العوامل تمكنهم من تحقيق هدفين هما:
1ـ محاصرة أيران من جهة باكستان وبالتالي ايجاد او فتح جبهة جديدة ضدها تستنزفها أمنياً واقتصادياً ونفسيا، وصولاً الى امكانية زرع أو اثارة القلاقل في محافظاتها خصوصا القريبة من الحدود مع باكستان. ذلك فضلاً عن اثارة التوتر بين البلدين الذي يمكن أن يشل جزءاً كبيراً من القوات العسكرية الايرانية ويشغلها عن التفرغ لمواجهة التحالف الذي يضم السعودية وعملائها في المنطقة.
2ـ الاستفادة من هذه المناخات في ارسال المجاميع الارهابية الى الداخل الايراني المحسوبة على السعودية أو حتى على جهاز الاستخبارات الباكستاني وكذلك السي آي أيه والمخابرات الامريكية والصهيونية لقيام بعمليات آمنية واستهداف للمواقع الاستراتيجية على شاكلة الهجوم الذي سبق زيارة بن سلمان واودى بحياة 27 من الحرس الثوري الايراني غير الجرحى بتفجير انتحاري، حيث كان هذا الهجوم رسالة واضحة لايران من امريكا ومن السعودية والكيان الصهيوني ، بأنهم قادرون على فتح جبهات متعددة ضد ايران.
على أنه ، ورغم كل ذلك لا بد من الاعتراف بأن محددات كثيرة سوف تحد من انزلاق باكستان ، أو من عملية التوظيف السعودي الامريكي لباكستان في اطار فتح جبهة جديدة ضد ايران ، تجعل هذه المحددات من أدوات الضغط السعودية الأمريكية على باكستان محدودة التأثير نذكر منها ما يلي:
1ـ أن القيادات الباكستانية التي تعيش علاقات بلادها توترًا متصاعداً مع الهند على خلفية أزمة كشمير، لا تريد فتح جبهة جديدة ضدها لأن ذلك يستنزف البلاد ويشتت طاقاتها وتركيزها ولذلك، كانت هذه القضية سبباً اساسياً في محاولات القيادات الباكستانية النأي عن السياسات السعودية فيما يخص معاداة ايران.,
2ـ أذا لعبت السعودية وأمريكا بالورقة الطائفية في ايران، انطلاقاً من باكستان، فأن هذه اللعبة سوف ترتد على باكستان نفسها وسوف تؤدي الى تفجير السلم الاهلي هناك لان نسبة الشيعة في باكستان 25-30% أي ما يعادل 30 الى 40 مليون نسمة.
3ـ اذا انساقت باكستان مع اللعبة السعودية الامريكية في دعم الجهات الايرانية المعارضة لللحكومة الايرانية فأن الرد من المخابرات الايرانية بالمثل وارد جدا وفيما لا تستطيع الحكومة الباكستانية في ظل مشاكلها الاقتصادية والامنية تحمل مثل هذه المعركة ، أذ لا بد أن تتسبب في تقويض الأمني الداخلي والاستقرار أيضاً.
4ـ ذلك فضلاً عن أن أي توتير باكستاني للعلاقات مع ايران سوف يتسبب في توجيه ضربه للعلاقات الاقتصادية بين البلدين التي لا يمكن لباكستان الاستغناء عنها والتي تقدر باكثر من عشرة مليارات دولار.
وفي ضوء تلك المحددات وغيرها لا نعتقد ان بن سلمان سوف يحقق للامريكان والصهاينة ما يطمحون له من أهداف ، صحيح أن بن سلمان عقد أتفاقات تجارية وغير تجارية واستثمارات بعشرين مليار دولار مع باكستان ، لكن تبقى اليد السعودية محدودة، صحيح أن بن سلمان لمع نفسه وسوق بلاده لكن تبقى طموحاته في تحقيق ما يريده الامريكان متدنية جداً سوى أن هذه الأموال يمكن أن تساهم في إحتواء التمدد الصيني التجاري والاقتصادي كما يقول بعض المراقبين.
الهند: ما يهم بن سلمان وأمريكا في ما يخص الهند، وزيارته لها، محاولة إقناعها بالتخلي عن استيراد النفط الأيراني، من جانب ومحاولة إقناعها بتخفيف التوتر مع باكستان لكي تتفرغ الأخيرة ، للانخراط في الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. ورغم الاستقبال الحافل الذي اقامته القيادة الهندية لبن سلمان، الاّ أن الهند لا تنظر لعلاقاتها مع ايران من منظار تزويدها بالنفط الايراني، أو منظار المصالح الاقتصادية فحسب، كما يتصور بن سلما ن، أنما تنظر الى مصالحها مع أيران من منظار استراتيجي يتجاوز هذه الامور، والاّ كان بأمكانها الاستغناء عن النفط الايراني، ولديها الحجة الكافية منذ اعلان ترامب العقوبات على ايران وانسحابه من الاتفاق النووي، ثم أن النفط السعودي متوفر ، أي ان البديل حاضر ولعله باسعار مغرية لأن النظام السعودي أعلن بصراحة أنه على استعداد لتزويد الدول بالطاقة والتي تعتمد على النفط الايراني، الهند تنظر كما قلنا الى الأمور أبعد من ذلك، حيث تتداخل فيها الاوضاع التي تعيشها المنطقة والصراع الباكستاني والهندي، والدعم السعودي لباكستان، والارهاب الوهابي التكفيري الذي ترعاه السلطات السعودية والعلاقة مع كل من روسيا والصين والوضع في افغانستان وغير ذلك كثير..
أما بالنسبة الى الصين، فأن القيادة الصينية أذكى من أن يؤثر عليها بن سلمان لصالح الاجندات المشار اليها، ولذلك فأن هذه القيادة استبقت زيارة بن سلمان باعلان مواقف صريحة وقاطعة، قاطعة الطريق على بن سلمان ، وعلى كل التأويلات والاشاعات التي كان الغرض منها، الاضرار بالعلاقات الايرانية الصينية، أو قد يكون كذلك، ففي هذا الاطار وقبل ساعات من وصول بن سلمان الى الصين قال الرئيس الصيني شي جين بينغ لرئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني الذي كان في بكين في ذلك الوقت ( أن رغبة الصين في إقامة علاقات وثيقة مع ايران لم تتغير بغض النظر عن الموقف الدولي) واضاف( مهما تغير الموقف الدولي الاقليمي فأن عزم الصين على تنمية شراكة استراتيجية شاملة مع ايران لن يتغير حسبما نقلت وزارة الخارجية الصينية) والى ذلك كان مسؤولون صينيون آخرون ومنهم وزير الخارجية الصيني قد اكدوا على استراتيجية العلاقة مع ايران ، وعلى حرصهم في اقامة علاقات متوازنة مع دول الأقليم.. ولذلك تبقى كما قلنا مساعي بن سلمان في التأثير على مواقف الصين والهند من ايران ، ولصالح الاجندات السعودية والامريكية محدودة ومحدودة جدا..
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق