حركة حماس "الكابوس" الذي يؤرق النظام السعودي !!
[عبد العزيز المكي]
منذ نشوء حركة حماس في عقد الثمانينات، وبروزها كفصيل فلسطيني فاعل ونشط في مواجهة الاحتلال، إتسم موقف النظام السعودي بالتوجس منها والخوف والقلق أيضاً، وهذا ما انعكس في مواقف المسؤولين السعوديين منذ ذلك الوقت وحتى اليوم من الحركة، فكانت القيادة السعودية تدين العمليات الاستشهادية، التي كانت حماس تقوم بها في الأرض المحتلة، بل وتعتبرها إرهاباً وقد حضرت السعودية عبر وزير خارجيتها سعود الفيصل مؤتمر شرم الشيخ لمكافحة(الارهاب) والذي كان مطلبا صهيونيا لمواجهة العمليات الاستشهادية التي قادها حينئذ الشهيد يحيى عياش المسؤول الامني في حركة حماس !!
وظل هذا التوتر وهذا التوجس السعودي من حركة حماس يحكم الموقف السعودي من الحركة ويرسم معالم وأركان العلاقة معها، ولذلك سارع المسؤولون السعوديون إلى إدانة عملية الطوفان، أو عملية هجوم طوفان الأقصى التي قامت بها حركة حماس، وباقي الفصائل الفلسطينية المقاومة، وإلى معارضتها واعتبارها إرهاباً كما جاء ذلك على لسان تركي الفيصل، مهندس التطبيع السعودي مع العدو، والسفير السعودي الأسبق في واشنطن، ورئيس المخابرات السعودية السابق، حيث اعتبر عملية طوفان الأقصى إرهاباً وقال.. "أنه لا يؤيد الخيار العسكري في فلسطين، بل الخيار الآخر، وهو العصيان والتمرد المدني الذي اسقط الإمبراطورية البريطانية في الهند والإمبراطورية السوفيتية في أوربا الشرقية.." بحسب زعمه، ومن الجدير الإشارة إلى أن تركي الفيصل هذا انقلب على موقفه الآنف في انتقاد حماس ومعارضته خيار المقاومة، حيث أشاد بطوفان الأقصى وقال إنها حطمت صورة "إسرائيل" في العالم ولعل فشل العدو في القضاء على حماس هو الدافع الأساسي لهذا التراجع لأن النظام السعودي من عادته التراجع والاحتفاظ بشعرة معاوية مع الطرف الذي يكن له العداء!!
على أن تراجع تركي الفيصل لا يعني تراجع الموقف السعودي من حماس، إنما تراجعه ظاهرياً أما في الجوهر فظل محكوماً بتلك المعادلة!! فتركي الفيصل يقول "لم تكن لدينا علاقات جيدة مع حماس !! بل ودعا في ذات مرة لإيقاف عدوان العدو على غزة بتغيير القيادات في حماس وفي كيان الاحتلال، والتزام حماس بالاعتراف بالعدو!! كما أن المقبور مارتن انديك مندوب واشنطن في قضية الشرق الأوسط القضية الفلسطينية قال صراحة.. "إن بعض قادة الدول العربية التي زرتها تتحدث وراء الكواليس حول ضرورة أن تقضى إسرائيل على حركة حماس" وكان قد زار السعودية بعد عملية طوفان الأقصى.. وهكذا فإن النظام السعودي يدعو صراحة الى ضرورة التخلص من حماس!! وموقفها هذا لا يحكمه إنزعاج السعوديين من تبنيها المقاومة فحسب، بل هناك عدة أمور تحكم هذا الموقف نذكر منها ما يلي:
1- الانتماء الفكري والديني، فحماس حركة إسلامية تتبنى فكر المقاومة للعدو الصهيوني، وبحكم هذا الانتماء يفترض أن تكوس حماس عمقا استراتيجيا للنظام السعودي الذي يتبنى العقيدة الاسلامية ظاهريا ويعتبر نفسه قائدا للعالم الاسلامي السني لكن النظام السعودي اعتبر حماس نداًله وتهديدا أيضا لأنها تشكل خطراً على الوظيفة التي أقيم من أجلها هذا النظام، فحماس تتبنى العقيدة الإسلامية التي تؤكد على التحرر من العبودية والاحتلال الصهيوني عبر الجهاد والمقاومة، وبحكم انتماء الأمة الإسلامية إلى هذه العقيدة ومنها الشعوب العربية فإنها تنشد وتطرب لهذه الحركة وتلتف حولها وتتبنى مواقفها والوقوف إلى جانبها في كل المحافل وفي كل المواجهات مع العدو.. أما النظام السعودي فهو أقيم من قبل الاستعمارين البريطاني ومن ثم الأمريكي، ليتولى التسويق والترويج للإسلام المفصل على المقاسات البريطانية والأمريكية أي الإسلام الذي يحصر العقيدة في إطار العبادات فحسب ويجمد الجهاد والمقاومة ويرضى بل يشرع للخنوع والانقياد للمستعمر الأجنبي البريطاني ومن ثم الأمريكي.. نعم ومنذ نشأتها "المملكة السعودية" روجت لهذا الإسلام البائس الذي يسوغ ويبرر و يشرع كما قلنا كل موبقات الحكام والملوك وانحرافاتهم وتوليهم المستعمرين، ومؤامراتهم ضد المسلمين!! ولذلك فإن إسلام حماس ورغم ما يقال عن مشتركات كثيرة بينه وبين اسلام النظام السعودي من ناحية بعض العقائد، إلا انه يختلف اختلافاً جوهريا في كثير من الثوابت والأركان، وهذه قضية باتت معروفة فشتان بين الإسلام المقاوم والاسلام الخانع (الإسلام الأمريكي البريطاني)، ولذلك فإن النظام السعودي يرى ان إسلام حماس وأفكارها وبعض العقائد لهذا الإسلام تشكل خطراً ليس على الاسلام السعودي والإسلام الأمريكي، وحسب وإنما يشكل خطراً على وجود النظام السعودي نفسه، لأن الأمة تنسجم بحكم فطرتها وانتمائها الأصيل للإسلام، مع الإسلام المقاوم الذي يرفض الاحتلال والعبودية، ما يؤدي ذلك مع التراكم الى عزل النظام السعودي وإسلامه الأمريكي!!
2- إسلام المقاومة الفلسطينية وحماس على رأسها، بالمواصفات المشار إليها وانسجامه مع فطرة الأمة، في الجهاد والمقاومة ورفض الذل والخنوع و. و. بات يشكل خطراً لقيادة السعودية "للعالم الإسلامي السني" ، فالنظام السعودي كما هو معروف بذل الأموال الطائلة وأسس مئات المدارس والمساجد وعشرات المؤسسات الاسلامية في داخل وخارج المملكة السعودية، وفي العالم الإسلامي وحتى في العواصم الأوربية من أجل تدريس أجيال الأمة الاسلام السعودي وتزريق مفاهيمه في عقول هذه الأجيال، ولقد لاحظنا كيف ان أمريكا والصهاينة والغرب سخروا ووظفوا الآلاف من خريجي هذه المدارس في تخريب وقتل بعض الدول الإسلامية بحجة أنهم كفار فداعش وقبلها القاعدة خرجت من رحم هذا الإسلام السعودي الأمريكي "ولهذا فإن المقاومة الفلسطينية بمشروعها الإسلامي والجهادي أضحى يهدد عرش النظام السعودي في قيادة ما يسمونه الإسلام المعتدل" ليس هذا وحسب فقد كانت السعودية بإعلامها الهائل وبدعمها الضخم من قبل الدوائر الأمريكية والغربية كانت تصور للأمة، الشعوب العربية خصوصا، أن الإسلام الذي تتبناه وتروج له هو "الإسلام الصحيح" وغيره إرهاباً وعنفاً" وخروجاً عن الدين الحنيف و للأسف أثر هذا الإعلام وهذا الضخ الفكري والثقافي على قطاعات الأمة، حتى من بين المثقفين والمتنورين ومن المتعلمين، بل بعضهم وقف إلى جانب الكيان الصهيوني، عندما توجه المقاومة الفلسطينية أو نظيرتها اللبنانية ضربة لهذا العدو ويعتبرون تلك العمليات "إرهاباً وتطرفاً" ونظير ذلك ما يسوقه الإعلام السعودي والمراكز والمؤسسات الدينية والفكرية الوهابية السعودية، لكن رغم هذا الإعلام وهذا التشويه للإسلام المحمدي الأصيل راكم مشروع المقاومة وعياً متعاظماً لدى الأمة وكشف زيف شعارات وإسلام النظام السعودي، بل وصل هذا الوعي عند بعض قطاعات الأمة إلى اعتبارها هذه الأنظمة بأنها خائنة وحليفة لعدو الإسلام والأمة الإسلامية أمريكا والصهيونية، وذلك ما بات يقلق النظام السعودي ويقض مضاجعه، لأن استمرار وجود المقاومة ومشروعها الإسلامي من شأنه مراكمة المزيد من الوعي وبالتالي تعاظم الأخطار على النظام السعودي وعلى قيادته لما يسمى "بالعالم الإسلامي المعتدل" !!
3- النظامان السعودي والصهيوني كما تؤكد النشأة التاريخية لهما، وكما تؤكد الأدلة وشهادات الخبراء التاريخيين، هما الأخوة التوأم، فالبريطانيون دعموا آل سعود في حكم منطقة مكة والحجاز وملحقاتهما لأن بن سعود تعهد بالدفاع عن "اليهود المساكين" كما تؤكد الوثيقة التي نقلها الباحثون في تاريخ آل سعود. ويحسب هذه الوثيقة فإن بن سعود تبرع "بفلسطين للمساكين اليهود" بحسب تعبير بن سعود !!
أما الكيان الصهيوني فمن جملة أهداف قيامه في خاصرة الأمة الإسلامية هو الدفاع عن مشيخات الخليج خصوصاً النظام السعودي، وعلى خلفية هذه النشأة إرتهن وجود الكيان السعودي بوجود واستمرار الكيان الإسرائيلي وبالعكس، وهذا يفسر استقرار الدعم السعودي للكيان سرا وعلانية، وقد لاحظنا في الأحداث الأخيرة أي بعد طوفان الأقصى، أن النظام السعودي لم يصدر بياناً واحداً يستنكر فيه المجازر التي يرتكبها الاحتلال في غزة، وان اصدر مثل هذا البيان فإنه يساوي بين الضحايا الفلسطينيين والجلادين الصهاينة!! بل ما بات متواتراً أن النظام السعودي وعد العدو وعلى لسان بن سلمان نفسه، باحتضان هذا العدو في اليوم التالي لتوقف العدوان الصهيونية على غزة، عبر لافتة التطبيع مع هذا العدو، كما أن السعودية باعتراف المسؤولين الصهاينة، عوض الكيان المحتل ما كان يحتاجه من الوقود والبضائع والمواد الغذائية التي كانت تصله قبل محاصرته بحريا من قبل أنصار الله، كما اشرنا في بداية الحديث، كما أن الموقف الإعلامي والسعودي ظل الى هذه اللحظة منحازاً للعدو ومعادياً للمقاومة بل ومتشفيا بالفلسطيين، وقد كان ومازال وفي ذروة جرائم القتل والذبح بحق الأطفال والنساء في غزة يتبادل الوفود مع الكيان الصهيوني، فقد استقبل بن سلمان الكثير من الشخصيات والوفود الصهيونية السياسية والدينية، كما انه فتح الأجواء السعودية للكيان وقد اعترف مسؤلو الأخير بأنه نسق مع السعودية في الحملة الجوية التي نفذها على اليمن، وان الطائرات الصهيونية المغيرة استخدمت الأجواء السعودية نحو ميناء الحديدة! وعلى هذا لا يوجد تطابق في الأهداف بين حماس والسعودية، فالأخيرة مثل العدو الصهيوني ترى في حماس خطراً وجوديا عليها، لأن حماس وباقي الفصائل المقاومة تتبنى مشروع تحرير الأرض المحتلة وإزالة الاحتلال، وإذا أزيل الاحتلال تنتهي مبررات وجود النظام السعودي، حيث سترفع أمريكا وبريطانيا أيديهما عن حمايته ويترك مكشوف الظهر ويصبح رحيله والتخلص منه أمراً ميسوراً للشعب في الجزيرة العربية..
يعتقد النظام السعودي أن وجود حماس وعملياتها الجهادية ضد العدو أفسد عليها ويفسد مشاريعه الأمنية والعسكرية مع حلفائه الأمريكان والصهاينة، فما هو معروف أن واشنطن قطعت شوطاً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية في إقناع وحشد الدول الخليجية العربية وعلى رأسها السعودية ومصر والأردن والكيان الصهيوني لإقامة حلف عسكري وأمني في المنطقة في مواجهة إيران وفصائل المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن وما إليها..
وأطلق على هذا الحلف اسم "الناتو العربي الصهيوني"! وكان الإعلام السعودي والأمريكي الصهيوني والغربي قد شن حملة إعلامية جبارة لتسويق وتسويغ هذا الحلف لإقناع الأمة به وبانضمام العدو إليه، والذي سيجلب لها هذا الانضمام التقدم التطور والتخلص من الأخطار المحيطة بها والمزعومة التي يروج لها ذلك الإعلام من "إيران ومن قوى المقاومة" !! بحيث ان خبراء وإعلاميين سعوديين وغير سعوديين باتوا يطرحون تساؤلات، منها أيهما يشكل خطراً على العرب، إيران أم "إسرائيل" ويجيبون بالجواب القاطع أن "إيران" هي الخطر الأول على العرب!! وأن الإرهاب سيصدر منها ومن قوى المقاومة!! لكن كل هذا الدجل وكل هذا الزيف والتظليل على الحقيقة نسفته عمليات المقاومة الفلسطينية واليمنية واللبنانية، وكشفت للأمة أن الإرهاب الذي عانت منه المنطقة طيلة العشريات الماضية ولحد الآن هو أمريكي وصهيوني، فداعش صناعة أمريكية باعتراف هيلاري كلينتون والقاعدة وطالبان وباقي المسميات هي صناعة أمريكية وصهيونية، وبالتالي ان هذا المشروع وباقي المشاريع المماثلة كلها فشلت بعد هذا الوعي الذي امتلكته الأمة من عمليات المقاومة حيث تعتبر طوفان الأقصى قمة هذه العمليات التي ضخت موجة عالية من الوعي كشفت كل الحقائق حول إرهابية ودموية العدو وأمريكا الأمر الذي عرقل وحال دون مضي السعودية وغيرها في إقامة مثل هذه الأحلاف مع العدو الصهيوني، سيما وان عمليات المقاومة كشفت ان هذا العدو غير قادر على حماية نفسه، فكيف باستطاعته حماية الدول العربية المتحالفة معه !؟ ولذلك كانت السعودية كما اخبرنا مارتن انديك ومستشار ترامب جيرالد كوشنر تطالب سرا بضرورة قضاء إسرائيل على حماس وتصفيتها في غزة !!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق