دافوس الصحراء كش ملك وهيئة البيعة تبحث عن بديل للعرش
[حسن العمري]
بقلم: حسن العمري
تلقت السعودية صفعة قوية وصدمة كبيرة من المجتمع الدولي أمس الثلاثاء لم تشهدها من قبل، حيث انطلاق أعمال مؤتمر استثماري تحت مسمى "دافوس الصحراء" في العاصمة الرياض وسط حملة مقاطعة غربية دولية واسعة النطاق، بسبب سجل حقوق الإنسان في السعودية وفي مقدمته قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي واصابع الاتهام بالجريمة لاتزال متوجهة صوب ولي العهد محمد بن سلمان رغم كل التبريرات؛ ما دفع بالقائمين على المؤتمر التوسل بأقل المشاركين رئيس وزراء باكستان الجديد عمران خان ليبدأه الذي برر حضوره فيه لحاجة بلاده الماسة للمال!!- حسب مراقبين.
مماطلة السلطات السعودية في الكشف عن مصير خاشقجي وعدم تعاونها زاد الطين بلة ودفع بتصعيد دولي تقدمته العواصم الحليفة مثل واشنطن ولندن وباريس وبرلين، وحتى تبريرات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة مساء الأثنين لصحيفة (يو.إس.إيه توداي) الأمريكية بأنه يعتقد أن "وفاة خاشقجي كانت مؤامرة باءت بالفشل“، لن تشفع لثني رأي المقاطعين بالحضور في المؤتمر، وقال للصحفيين في البيت الأبيض ”أنا غير راض بما سمعت... لا أريد أن أخسر كل هذا الاستثمار الذي حدث في بلادنا... لكننا سنصل الى حقيقة الأمر“.مشيرا الى مشتريات للمملكة من السلاح الأمريكي بمليارات الدولارات واستثماراتها في الشركات الأمريكية، وهو ما كذبته صحيفة "نيويورك تايمز" في مقال لبروس ريدل، الخبير في شؤون السعودية بمعهد "بروكينغز" الأمريكي.
ياسر الرميان رئيس صندوق الاستثمارات العامة السعودي قال لمؤتمر استثمار في الرياض إن حوالي 10% من أصول الصندوق السيادي للمملكة البالغة قيمتها 250 مليار دولار هي أصول دولية، والصندوق يستهدف زيادتها الى 50 % بحلول 2030؛ فيما بلغت تكلفة التأمين على عقود مبادلة مخاطر الائتمان السعودية أعلى مستوياتها، تلك التي يشتريها المستثمرون للتحوط في مواجهة مخاطر التعثر في السداد، أرتفعت الى 100 نقطة أساس للمرة الأولى - وفق بيانات (آي اتش إس ماركت) الدولية. ووصل سعر الريال السعودي الى 3.7514 مقابل الدولار، وهو أضعف مستوى له منذ يونيو 2017.
صحيفة (لوفيغارو) الفرنسية نقلت عن مصادر مقربة من البلاط السعودي أن هيئة البيعة أجتمعت سراً مرة اخرى قبل يومين لإختيار من سيتولى العرش بعد سلمان بإعادة تعيين ولي لولي العهد في إشارة الى خالد بن سلمان، كاشفة أن ولي العهد محمد بن سلمان سيغادر منصبه ولكن ليس فوراً، بذرائع صحية كما حصل مع غريمه محمد بن نايف من قبل؛ تزامن ذلك مع ما كشفه المؤرخ البريطاني مايكل بيرني في مقال نشرته (ميل أون صانداي) البريطانية الذي شبه محمد بن سلمان بصدام ، مضيفا أنه حصل على معلومات مقلقة حول حالته العقلية، نقلها له شخص من عائلة حاكمة خليجية قال له أن الاستخبارات الألمانية على علم بها- وهو ما أكدته صحيفتا (التايمز البريطانية) و(نيويورك تايمز) الأميركية أيضاً.
مسؤولون غربيون ودوليون كبار ورؤساء شركات أوروبية كبيرة ومتعددة الجنسيات أنسحبوا من المشاركة في مؤتمر (دافوس الصحراء) الاقتصادي قبل انطلاقه بأيام، لسبب تورط ولي العهد السعودي بمقتل مواطن في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية قبل أكثر من 20 يوماً، دفع بتهديدات دولية بحظر إقتصادي صارم من الحلفاء الستراتيجيين للمملكة؛ بعد أن كان مؤتمر العام الماضي قد إجتذب لفيفا من النخبة في قطاعات الأعمال من حول العالم، ما جعل المؤتمر يكتسب لقب (دافوس الصحراء) غير الرسمي، والمنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) العالمي، أبدى اعتراضه على استغلال أسم (دافوس) بفعاليات غير ذات صلة بأنشطته.
مراقبون توقعوا أن يصل حجم الاستثمارات الأجنبية التي ستغادر السعودية الى أكثر من 100 مليار دولار، فقد اعلن الملياردير البريطاني (ريتشارد برانسون)، أنه سيجمد مشاريع عدة مع السعودية، كما سيعلق (مشاركته في مشروعين سياحيين) كبيرين في المملكة، وأن مجموعة (فيرجن) البريطانية متنوعة الاستثمار، ستعلق محادثاتها مع صندوق الاستثمار السيادي السعودي حول استثمار محتمل في شركتي (فيرجن غالاكتيك) و(فيرجن أوربيت الفضائيتين)- بحسب تقرير للإذاعة الألمانية (دويتشه فيله).
وزير الطاقة الأمريكي السابق (إرنست مونيز) علق دوره الاستشاري في مشروع مدينة (نيوم) الاقتصادية، التي يرعاها ولي العهد السعودي، وهو واحد من 18 مشرفاً علق غالبيتهم تعاملهم مع المشروع الذي تبلغ كلفته 500 مليار دولار. ورئيس الوزراء الكندي (جاستن ترودو) قال أمام البرلمان، أن بلاده مستعدة لتجميد صفقة أسلحة كبرى مع السعودية وقيمتها 13 مليار دولار.
حالة الإرباك هذه تسببت بانهيارات كبيرة في الاقتصاد السعودي خاصة سوق الأسهم الذي إنهار بشكل كبير ليخسر كل المكتسبات التي حققها منذ بداية العام 2018 والتي بلغت أكثر من 50 مليار دولار - وفق رويترز، وهبط مؤشر البورصة بنسبة 7% مسجلاً أكبر خسائره منذ ديسمبر 2014، وتكبدت أسهم 182 شركة في البورصة خسائر متفاوتة 2018؛ وتراجعت السيولة في سوق الأسهم، بنسبة 50%، وانخفضت الأسهم المتداولة بمعدل 45% بنحو 129 مليون سهم متداول، لتصل الى 156 مليون سهم متداول. فيما تراجعت صفقات سوق المال السعودي بنسبة 31%، أي ما يعادل 46 ألف صفقة، لتصل الى 105 آلاف صفقة، بحسب بيانات "تداول" ووكالة بلومبيرغ الأمريكية التي علقت بالقول: إن "الأوضاع الجيوسياسية هبطت بالبورصة السعودية، وإن استمرار إصرار المملكة على موقفها لن يكون في مصلحة سوقها وأقتصادها".
الضربات الدولية وفي مقدمتها الغربية والأمريكية للسعودية تمثّلت في إلغاء الكثير من وزراء المالية، وكبرى الشركات الاقتصادية، المشاركة في قمة مبادرة مستقبل الاستثمار في السعودية، وتُعدّ هذه المقاطعة بمنزلة أولى العقوبات التي قد تفرضها هذه الدول على السعودية، ومن أهم الشركات التي انسحبت من رعاية المؤتمر، شركة (نيكاي) الإعلامية اليابانية، ووكالة بلومبيرغ الاقتصادية الأمريكية، وشبكة (سي إن إن) و(سي إن بي سي) الأمريكيتان، وصحيفة (ذا فايننشال) تايمز البريطانية، و(نيويورك تايمز) الأمريكية. والإعلامي الاقتصادي الأمريكي أندرو روس سوركين، ورئيسة تحرير مجلة (ذا إيكونومست) البريطانية، زاني مينتون بيدوكس؛ ودارا خسروشاهي، الرئيس التنفيذي لشركة خدمات سيارات الأجرة (أوبر)؛ ووزير التجارة الدولية البريطاني (ليام فوكس) الى جانب وزير المالية الفرنسي (برونو لومير).
الرئيس التنفيذي لمجموعة تاليس الفرنسية لتكنولوجيا الصناعات العسكرية (باتريك كين) هو الآخر قرر عدم المشاركة في منتدى (دافوس الصحراء) السعودي، وكذا وزير المالية الهولندي (فوبكه هوكسترا) ووزير الخارجية (ستف بلوك)، الذي قال في رسالة لبرلمان بلاده: "قرّر مجلس الوزراء ألا يحضر وزير المالية مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض". ضيفاً: "من غير المرجّح الآن المضيّ قدماً في زيارة من المفترض أن تقوم بها وزيرة التجارة، سيخريد كاخ، في ديسمبر"؛ كما أعلنت شركة (ايرباص) عدم حضور رئيس وحدة الدفاع بالشركة ديرك هوك مؤتمر الرياض الى جانب مقاطعة كل من نيوزيلندا واستراليا.
(كريستين لاجارد) مديرة صندوق النقد الدولي أعلنت مقاطعة القمة، فيما اعلنت شركة (بي.إس.بي.إس كونسالتانتس) تعليق مشاركة بعثتها، ووزير الخارجية الألماني (هايكو ماس) يرجئ زيارته للرياض، فيما أعلن مديرون تنفيذيون لكل من شركات جوجل، وفورد للسيارات، وجي بي مورغان تشيس، وشركة بلاكستون، وشركة بلاك روك، وأوبر، وشركة إي إل روتشيلد، الانسحاب من قمة مبادرة مستقبل الاستثمار. وشركة (إنديفور كونتنت) هيليوود اعلنت تخليها عن صفقة استثمار بقيمة 400 مليون دولار مع صندوق الثروة السيادية في المملكة.
ارسال التعليق