دور حكومة السعودية في تعميق معاناة حجاج بيت الله، و تحريف مقاصد الحج .
[ادارة الموقع]
إن تحديد حصص كل دولة يتم وفق معادلة حسابية معمول بها منذ نحو 28 سنة، وتقوم على نسبة 1/1000 ، أي 1000 عن كل مليون نسمة في البلاد. وبسبب أعمال التوسعة المقامة بالحرم المكي، تم تخفيض أعداد حجاج الخارج بنسبة 20%، ومن داخل المملكة بنسبة 50%، الأمر الذي انعكس سلباً على أسعار تكلفة الحج، حتى أن بعض منظمي الرحلات قاموا بتخفيض أيام الإقامة والزيارات، بل وبعضهم قام بإلغاء زيارة المدينة والحرم النبوي من البرنامج تماماً. فإرتفاع الطلب على الحج في معظم البلاد الإسلامية و لدى غالبية المسلمين الذين يتطلعون إلى هذه الرحلة التعبدية للديار المقدسة، خاصة في ظل تنامي ظاهرة التدين الشكلي، فنسبة أولئك الذين يرغبون في أداء الحجة الثانية و الثالثة وربما العشرين في تصاعد في مختلف بقاع العالم الإسلامي، مع العلم أن إنفاق هذه المبالغ على فقراء البلد لا يقل أهمية وثوابا عن الحج المتكرر و العمرة كل عام، فإطعام البطون الجائعة أعظم عند الله من كسوة الكعبة بثوب الحرير المرصع بالذهب، و التوسيع على فقراء المسلمين و السعي في تأمين حاجاتهم لايقل أهمية عن السعي بين الصفا و المروة، نحر الأضحية يعني نحر كل عبادة لغير الله، بمعنى نحر حب المال ونحر الأنانية و حب الذات، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ {الحج:77}
فالفهم المحدود لمقاصد الإسلام الكبرى يشمل أيضا هذه الشعيرة العظيمة عند الله، فكم من مسلم يحج بيت الله أكثر من مرة، ويعتمر كل سنة بألاف الدولارات ، وربما لا بحرص بالقدر نفسه على أداء زكاة ماله، و لايبدل قليل جهد في السعي لمصالح الناس و تسخير جزءا مما أتاه الله في مساعدة الفقراء و تفريج كربهم، وما أكثر المحتاجين و اليتامى و المساكين الذين في حاجة للعون وهم أولى بالعناية و الاهتمام قال تعالى: {۞ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة : 177]…
كما أن توجه الحكومة السعودية في التعامل مع الحرمين الشريفين، على أنهم مصدر للحصول على العملة الصعبة، وإنعاش السياحة الدينية لتوفير المزيد من الدخل، و الاستثمار الطائل و المبالغ فيه، في بناء الفنادق ذات الخمس نجوم على مشارف الحرم المكي، و على حساب المساحات المحيطة بالحرم و التي ينبغي أن توظف لزيادة عدد الوافدين بغرض خفض الكلفة الإجمالية للحج، والاهتمام براحة ضيوف الرحمان و توفير السبل التي تجعلهم أكثر خشوعا لرب البيت العتيق…فارتفاع تكلفة الحج أصبحت عائقا في وجه غالبية المسلمين، خاصة في البلدان متوسطة ومنخفضة الدخل، و ارتفاع الكلفة نابع من ارتفاع الطلب على الحج وضعف الحصص المتاحة لكل بلد، واستثمار السعودية في مشاريع التشييد و التوسعة و محاولة ترحيل كلفة هذه الاستثمارات ليتحملها حجاج بيت الله عبر رفع رسوم الحج… و المثير للانتباه أن السعودية أصبحت تتعامل مع الحرمين على أنهما مصدر من مصادر الدخل و التشغيل، ولذلك فمن غير المعقول المن على الحجاج بأن حكومة السعودية وفرت لهم الفرصة لأداء الحج، كما لو أن هذا الحج يتم مجانا!! فالحاج يدفع كلفة الغداء و الإقامة و يؤدي رسوم الحج ، كما ينفق الأموال في النقل و في شراء الأضحية بأكثر من ثمنها في السوق مع أنه لا يستفيد من لحومها، بل إن ماء زمزم تم تسليعه …ومبدئيا، ليس هناك مانع شرعا من تحقيق مكاسب و منافع مادية من الحج، لكن ينبغي أن يكون ذلك باعتدال ودون استغلال حجاج بيت الله و التضييق عليهم، انطلاقا من مبدأ التيسير لا التعسير ، فمكة المكرمة عبر التاريخ بأنها مهوى التجار، ومازالت حتى الآن كذلك، خاصة في موسم الحج، حيث تشتد الحركة التجارية لإقدام الحجاج على الإنفاق على مختلف حاجياتهم مثل الهدايا التي تستأثر بنحو 14% من إجمالي إنفاقهم، قال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة : 198]…ومن المفارقات أن يقوم إمام خطبة عرفة، بتوجيه أمر للحجاج بالدعاء لخادم الحرمين ولولي عهده، لأنهم وفروا السبل لحج بيت الله الحرام، وغاب عن ذهنه أنهم يأخدون رسوما مبالغا فيها ، و الخدمات التي يتم توفيرها فهي مدفوعة الثمن، ففي السابق قبل قيام المملكة السعودية كان الحج مفتوحا في وجه جميع المسلمين، و لايحتاج الحاج إلا لدابة ليمتطيها، و أن يتوفر على قدر من المال من أجل قوته و قوت دابته…فالحدود مفتوحة و بيت الله لعباد الله المسلمين دون تمييز…فالحج في ظل الوضع الراهن أصبح بعيدا كل البعد عن مقاصد الإسلام، فالحج مؤتمر إسلامي للتتعارف و الحوار و تدارس قضايا الأمة وخطبة عرفة هي بيان شامل لحال الأمة الإسلامية ككل، فأين هي معاناة الشعب اليمني المسلم الذي يسفك دمه بأيادي عرببة مسلمة وبأموال ربما بعضها من مداخيل الحج، وأين هم مسلمي قطر الذين منعوا من أداء مناسك الحج بقرار سياسي من الرياض ؟ كما أن الحج فرصة لتجرد من حب الدنيا وزخرفها و تذكير المسلمين بيوم الحشر، عندما يقف الناس جميعا وفي صعيد واحد أمام رب العالمين فلافرق يومئذ بين غني و فقير ولا أمير و غفير، لذلك فإن تشييد البروج المشيدة و كسوة الكعبة بالحرير و الذيباج ليس هو الغاية من الحج، و ليس أفضل الطرق لتقرب إلى الله تعالى، قال الرسول صل الله عليه وسلم : {لأن تهدم الكعبة حجرًا حجرًا، أهون عند الله من أن يراق دم امرئ مسلم”}.. فالبيت العتيق بني بحجارة مرصوصة لا تختلف عن أسلوب بناء غالبية بيوت المسلمين، و في ذلك رسالة لكل مسلم أن الله جل وعلا برئ مما يحدث باسم خدمة البيت الحرام، فالغاية ليس توفير “ميكرفون” من ذهب خالص، و إنما الغاية والقصد إخلاص العبودية لله و قول كلمة الحق، و القصد ليس تشييد البروج العالية وإنما القصد التيسير على الحجاج لا التضييق عليهم، بدعوى ارتفاع تكاليف التشييد او الصيانة…وحسبنا الله ونعم الوكيل…إعلامي و أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني والشرق آسيوي
ارسال التعليق