ردا على "حمود أبو طالب": بل المملكة" ضاربة في التّيه!
[عبد الرحمن الهاشمي]
بقلم عبد الرحمن الهاشمي
"العالم تغير، والمملكة تغيرت بالشكل الذي يضمن لها أن تكون فاعلة ومؤثرة وصاحبة مشروع تنموي مادي وإنساني لا توجد منه نسخة مشابهة في دولة أخرى الآن. وعلى هذا الأساس أصبحت دول العالم تفهمها وتتعاون معها". بهذا ختم "حمود أبو طالب" مقاله في جريدة عكاظ المعنون بـ "المملكة شرقا..المملكة في كلّ الإتجاهات".
ولا بأس من أن نضع هذه الخلاصة الكبرى تحت مجهر النقد، النقد الموضوعي، وليس المناكفة السياسية، ولنبدأ من الإعلام "السعودي" نفسه الذي يخلو من الرأي الآخر، الرأي الناقد وليس حتى المعارض، وحيث الكَـتَـبة الأمناء على الكلمة وشرف الكلمة هم أشبه بحملة المباخر بل بعضهم كما لو أنهم من فئة أولئك العبيد الذين يركضون خلف عربة الأمير المذهّبة.
إنها رؤية، أو بالأحرى رؤيته، وإن هي في حقيقة الأمر إلا ترجمة لطموح شخصي لأمير، رؤية تقوم على فكرة التحديث، وعلى المستوى الإجرائي نجدها أقرب إلى التجريف العبثي، فهي تمس بفوقية وإستعلاء غروري وعبر أوامر أميريّة ببنية المجتمع العميقة حيث التشكل التاريخي والهوياتي لمجتمع الجزيرة العربية، فهل هناك رأي آخر يطرح بعض المحاذير أو ينبّه إلى بعض الإرتدادات الخطيرة على هوية المجتمع وخصوصياته الثقافية، هل ثمة من يقول بأن التحول يجب أن ينبع من ديناميات المجتمع نفسه، فيحفظ ما يجب حفظه ويستدمج على مهل ما يخصب صيرورة التطوير والتحديث للدولة والمجتمع؟! لا شيء من ذلك، فالإعلام في "المملكة" هو ما يقوله البلاط كما أن الديبلوماسية هي الأخرى ما يقوله البلاط وفقط.
نعم العالم تغير ويتغيّر، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن "المملكة" تغيرت، فهل نشهد إنتقالا ديمقراطيا مثلا؟ أو هل نشهد إنفراجا سياسيا عبر إطلاق سراح معتقلي الرأي وإقرارا للحريات السياسية والحقوق المدنية؟ هل هناك حوارا وطنيا بمخرجات سياسية "ثورية" يدشن لعصر الإرادة الشعبية والمشاركة السياسية ورسم السياسات الإقليمية والدولية بالشراكة؟ وهل قطعت (السعودية) مع الإستراتيجيات الملكية إلى إعتماد استراتيجيات وطنية تبلورها الخبرات الوطنية وكفاءات يصدق فيها معنى "رجال دولة".
فهل مجيء أمير يتأبط حلمه الخاص ويفرضه بقوة السلطة يساوق التغيير ويسوغ معه القول أن "المملكة" تغيرت بل وأضحت صاحبة "مشروع تنموي مادي وإنساني لا توجد منه نسخة مشابهة في دولة أخرى الآن"؟! علما أن محمد بن سلمان وعند مجيئة إلى ولاية العهد تمحور كل إهتمامه على إقصاء بل وإلغاء أي بديل محتمل عنه قد تميل إليه الولايات المتحدة الأمريكية. فأي ملمح إنساني وحقوقي في التنكيل بذوي القربى من الأسرة الحاكمة ووصولا إلى إسكات كل صوت معارض او مستهجن لمنطق الأمير وأسلوبه في مقاربة الملفات المعقدة ل "المملكة"؟
المشروع التنموي المادي والإنساني لا يعتمد على المال في كلّ شيء، ولا يمكن إختزاله في مشاريع مدن مدججة بالجيل الفائق من التكنولوجيا الحديثة، فالفكر هو الموجه للتنمية والإنسان المتمدن هو أساس التنمية، فمن هو يا ترى المفكر (السعودي)، الفيلسوف (السعودي) الذي يشق الطريق إلى هذا الأفق الذي يتحدث عنه الأستاذ "حمود أبو طالب" وكأنه واقع متحقق؟ علما أنّ النخبة المثققة لا مكان لها ضمن نظام حكم توليتاري مغلق ومستبد، وحيث تحول "المنشار" إلى تكثيف وإختزال لمنطق تعامل النظام مع المثقف الحر والمعارض السياسي والداعية الناصح !
لا أحد ينكر أو يجادل في مقدرات بلاد الحرمين الشريفين، فالمكانة الروحية السامية مستمدة من الأماكن المقدسة وحيث مكة المكرمة مهبط الوحي والمدينة المنورة دار هجرة نبينا الكريم (ص)، فضلا عن باقي المقامات والآثار الدينية، كما أن الله حباها بالثورة النفطية الهائلة وعائداتها المالية والاستراتيجية. فمن الطبيعي أن تكون البلاد غنية روحيا وماديا. لكن انخراطها في الاستراتجية الأمريكية منذ عقود وقيام دولتها المعاصرة على ذلك التعاقد السياسي الوهابي جعلها مشكلة لمحيطها الإقليمي ووطأة على شعبها في تنوعه القبلي والمذهبي بل وقاعدة لنشر التطرف الديني في العالم الإسلامي. هل ننسى دور (السعودية) وما أنفقته من مليارات من أجل تقويض سوريا، سوريا صاحبة الدور في صناعة التاريخ، وفي صناعة الحضارات!
إذن ، فلا منّة لأحد حول مقدرات بلاد الحرمين الشريفين، والإنطلاق من هذه المقدرات نحو أدوار ريادية ومكانة عالمية يقتضي الخروج من نمط حكم القرون الوسطى، والإعتماد على النخب بعد إعداد البيئة السياسية والثقافية لبروزها، ففائض المال لا يشتري الصورة الحضارية ولا يصنعها، يمكن أن يحاكي نسختها لكنها سرعان ما تبهت لإنعدام الروافد التي تغذيها بأسباب البقاء والنمو.
إنّ المرحلة خطيرة وهي محكومة بكثير من الغرور والإندفاع والتفرد، وهناك عملية تجريف قسرية لثوابت تاريخية ودينية، وبالتالي فإن شهادة الزور التي يستسهلها البعض خوفا أو طمعا هي حجة على أصحابها، لا أحد يطلب من جوقة الكتَبة الأميريين أن يعارضوا لكن لا أقل الكف عن المبالغات التي هي تضليل سافر وإفتئات على الحقيقة.
ارسال التعليق