رغم أنه يقود حمار التطبيع!! لماذا يرفض النظام السعودي الاعلان الرسمي عن ذلك!؟
[عبد العزيز المكي]
لأن من الأهداف الأساسية لإعلان الإدارة الأمريكية عن ما يسمى "باتفاق إبراهيم" "للسلام" بين الأمارات والكيان الصهيوني، هو تحسين صورة ترامب وتعزيز حظوظه الانتخابية، لم اعتراها من تشوه ومنبوذية على صعيد الوسط الشعبي الامريكي بسبب سياساته الداخلية والخارجية، وما أدّى ذلك إلى تراجع حظوظه في الانتخابات القادمة.. نقول لأن تحسين صورة ترامب، كان من الأهداف الأساسية للإعلان عن الاتفاق المشار إليه، سارعت الأوساط الأمريكية وعلى رأسها ترامب نفسه بالتصريح أن قطار التطبيع والتحالف مع العدو الصهيوني انطلق، وان قواطر، أو قاطرات عربية أخرى ستلتحق قريباً جداً بالقاطرة الإماراتية التي تتحرك بسرعة مذهلة نحو الارتماء في أحضان العدو، وعلى رأس هذه القاطرات مملكة سلمان، فبالإضافة إلى ما أشار إليه ترامب في هذا السياق يوم 13 آب 2020 عندما أعلن عن الاتفاق الإماراتي- الصهيوني، صهره "جاريد كوشنر" أكد هو الآخر وفي مقابلة له مع مجلة "نيوزويك" الأمريكية، وقبل ذلك مع قناة "السي أن أن" الأمريكية، أن التطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني والدول الخليجية وبينهم السعودية على غرار ما جرى مع الإمارات، أمر حتمي!! وقال انه يعتقد أن "من المحتم أن يكون للسعودية و"إسرائيل" علاقات طبيعية تماماً، وأنهما سيكونان قادرين على تحقيق الكثير من الأعمال العظيمة معاً.. وان هناك دولاً أخرى مهتمة جداً بالمضي قدماً"! وأشار كوشنر إلى أن القضية الفلسطينية باتت لا تشكل عائقاً أمام هذا الإعلان عن التحالف مع العدو، لأن ما يفكر به هؤلاء "القادة" إلى هذه القناعة!! بالتخلي عن القضية الفلسطينية.. حيث قال في هذا السياق "اعتقد أن هؤلاء القادة أصبحوا أكثر تشاؤماً بشأن قدرة القيادة الفلسطينية على عقد اتفاق نهائي للتحرك إلى الأمام.." وأكد "أن هؤلاء القادة- الخليجيين- لا يريدون لبلدانهم أن تتراجع أكثر من ذلك بسبب هذا الصراع"!!
على حد قوله.. الأكثر من ذلك، أن صحيفة يدعوت احرونوت العبرية قالت في عددها ليوم 30 آب 2020 قالت إن كوشنر يمارس الضغوط على ولي العهد السعودي بن سلمان لإقناعه بالإعلان عن التحالف مع العدو الصهيوني، وبالانضمام إلى احتفال توقيع "اتفاق السلام بين إسرائيل والأمارات" في البيت الأبيض والذي سيعقد في أكتوبر القادم.. وقالت الصحيفة الصهيونية أيضاً أن كوشنر حذر ولي عهد الرياض من انه إما أن تصل السعودية إلى احتفال التوقيع في واشنطن مع الإمارات والبحرين، وأما أن تزداد فرص المرشح الديمقراطي جو بايدن للفوز في الانتخابات الأمريكية المقبلة، وعندها ستبدأ مفاوضات أمريكية إيرانية، وتنتهي المكانة المفضلة للرياض في البيت الأبيض"! وشددت المستشرقة الصهيونية سمدار بيري الكاتبة ومعدة تقرير صحيفة يدعوت احرونوت الذي يتحدث عن ضغوط كوشنر على محمد بن سلمان.. شددت على أن كوشنر قد حدد الهدف القادم له بعد الإمارات وهو إبرام اتفاق مشابه بين العربية السعودية وبين " إسرائيل"!
من جانبه صرح وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" ولأكثر من مرة بأن السعودية ودول خليجية عربية أخرى ستحذو حذو الأمارات، أكثر من ذلك ان كوشنر وبومبيو قاما بجولة على الدول الخليجية أو بعضها بهدف الترويج للتطبيع أو التحالف الإماراتي- الصهيوني ولممارسة الضغط على السعودية وعلى البحرين وسلطنة عمان وحتى الكويت وقطر للإقدام على التحالف مع العدو.. ويكمن كل هذا الدفع الأمريكي باتجاه إعلان الرياض التحالف الرسمي مع العدو من أجل تحقيق عدة أهداف باتت ملحة جداً من وجهة نظر الإدارة الأمريكية، وحتى من وجهة عدة أهداف باتت ملحة جداً من وجهة نظر الإدارة الأمريكية وحتى من وجهة نظر القيادة الصهيونية.. منها ما يلي:
1ــ صحيح أن الولايات المتحدة حققت اختراقاً وتطوراً اعتبرته تاريخياً بدفع الإمارات إلى الإعلان الرسمي عن التحالف مع العدو الصهيوني، لكنه لم يحقق للإدارة أمريكية ما كانت تنتظره من إحداث تطورات مفصلية في المنطقة وعلى صعيد القضية الفلسطينية، فلم يؤدِ إلى تهافت الأنظمة الأخرى مثل السعودية وحتى السودان والمغرب إلى التسابق أو حتى الإتحاف بالركب الإماراتي المتحرك والذي يجري بسرعة نحو العدو الصهيوني، كما لم يُحدث الانعكاسات سواء على المنطقة أو حتى في الداخل الأمريكي التي يمكن لترامب وطاقمه توظيفها في حملته الانتخابية، بأنه حقق انجازاً وانتصاراً على صعيد تصفية القضية الفلسطينية، وتقوية الكيان الصهيوني! ولذلك كان السعي الأمريكي منصب جر السعودية للإعلان عن التحالف، ليحدث ذلك تلك الصدمة للمنطقة وحتى لأمركا والكيان الصهيوني، التي يسعى وراءها ترامب وطاقمه، ومعهم نتنياهو وطواقمه الصهيونية أيضاً، لأن السعودية أعلنت ذلك، فأنه فعلاً يمكن إن تحصل تلك الصدمة، لأنها تعتبر نفسها أنها قائدة "العالم السني" وأنها تمثل ثقل العرب بل وقائدتهم وحاضنة المقدسات الإسلامية، الحرمين الشريفين، وما إلى ذلك كثير، فأن إعلانها التحالف مع العدو وبشكل رسمي، لأن التحالف حاصل حالياً وبكل المجالات والتفاصيل، فأن ذلك سيشكل هزة إقليمية وعالمية يمكن أن ترفع من حظوظ ترامب الانتخابية، وتنهي شعارات النظام العربي الرسمي بــ "إقامة دولة فلسطينية" وبـ "السلام العادل" وما إلى ذلك من الشعارات المزيفة، بتأكيد نتنياهو وبقية المسؤولين الصهاينة وفي أكثر من ألف مناسبة!!
2ـ و من أجل الدفع بالاتجاه المشار إليه، جاء بومبيو لاقناع الدول التي زارها وهي "السودان والبحرين وسلطنة عمان.. و.و.."للمشاركة في مؤتمر إقليمي "للسلام" الأمريكي الصهيوني يعقد في عواصم إحدى الدول العربية الخليجية، تحضره تلك الدول بالإضافة إلى المغرب والسودان ودول عربية أخرى، ليكون ذلك مقدمة لإعلان تلك الدول التحالف مع العدو الصهيوني ولينقذها من الإحراج أمام الشعوب العربية والإسلامية، وهذا ما أشارت اليه صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية في تعليقها عن زيارة وجولة بومبيو وكوشنر في المنطقة، ونقلاً عن مسؤول إماراتي رفيع (لم تسمه) قوله في 25 آب 2020 " ان زيارة وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" الحالية للمنطقة، هي جزء من جهود واشنطن لوضع حجر الأساسي لقمة السلام"!! وأوضحت الصحيفة المقربة من رئيس الحكومة الصهيونية، ان القمة ستعقد في إحدى الدول الخليجية، مشيرة، ونقلاً عن مصادر مطلعة، "الى ان الولايات المتحدة تحاول تأمين مشاركة البحرين وعُمان والمغرب والسودان وتشاد إلى جانب إسرائيل والإمارات
3ــ محاولة إيلاء اعلان الاتفاق الإماراتي الصهيوني أهمية كبيرة، بهدف تضليل الرأي العام، الأمريكي بشكل خاص بالإيحاء الى ان الإدارة الأمريكية حققت انجازاً لصالح الكيان الصهيوني، من أجل توظيف ذلك في التحرك الانتخابي لترامب، هذا من جانب، ومن جانب آخر إيجاد أجواء ضاغطة على الأنظمة العربية ومنها النظام السعودي، بهدف دفع هذه الأنظمة وتشجيعها على كسر الحواجز وتجاوز إرادة الشعوب، والحذو حذو الأمارات!
وفيما نجح بومبيو وضغوط كوشنر في إرغام النظام السعودي على السماح للطائرة الصهيونية التي أقلت وفداً مشتركاً من المسؤولين الصهاينة والأمريكان بالعبور فوق الاجواء السعودية نحو الإمارات، فأنه أخفق في إرغام النظام السعودي على الحذو حذو الإمارات وحتى في تهيئة الأجواء لعقد "قمة السلام" المشار اليها، هذا ما كشفه الصحفي الأمريكي جيم لوبي في تغريدته في حسابه على توتير في 28 آب 2020، يقول ان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عاد من الشرق الأوسط بعدما فشل تماماً في إقناع السودان والبحرين وسلطنة عمان باتباع الأمارات في تطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
من جهته أكد الكاتب العماني خميس بن عبيد القطيطي هذا الأمر بقوله إن وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" اختتم جولته الشرق أوسطية دون أية نتائج أو مؤشرات إيجابية تتعلق بملف التطبيع، سواء في دول الخليج أو السودان. واعتقد أن سبب فشل مهمة بومبيو في حمل الأنظمة التي زارها على الإعلان الرسمي لتحالفاتها مع العدو الصهيوني، هو تردد النظام السعودي في الأقدام على مثل هذه الخطوة الإماراتية، لأن النظامين البحريني والسوداني تابعان للنظام السعودي وامتنعا عن الاستجابة للرغبتين الأمريكية والصهيونية بسبب التأثير السعودي لكي لا تبقى السعودية وحدها، بينما كانت توقعات الكيان الصهيوني أن البحرين سيكون الطرف المسارع بعد الإمارات لإعلان التحالف.
أما لماذا تردد النظام السعودي في إعلان هذا التحالف مع العدو وتوفير الفرصة الذهبية لحليف بن سلمان وداعمه الرئيس الأمريكي ترامب؟ في الوقت الذي يعتبر هذا النظام المهرول الأول والمنسق والمتعاون مع العدو وعلى كل الأصعدة تحت الطاولة وحتى في العلن أحياناً، اكثر من كل المهرولين الآخرين ومن بينهم النظام الإماراتي؟ النظام السعودي تعلل في هذا الأمر "بمبادرته للتسوية" وبأسباب أخرى تافهة وغير مقنعة، لأن النظام السعودي، وولي العهد محمد بن سلمان بالذات آخر ما يفكر به القضية الفلسطينية، بل انه المشارك الأساسي لترامب في اتخاذ الأخير لقراراته المهينة للعرب والداعمة للكيان الصهيوني والخطيرة أيضاً، ومنها اعتراف ترامب " بالقدس عاصمة للكيان الغاصب" والاعتراف بضم الجولان السوري، وصفقة القرن وما الى ذلك، هذا ما أعلنه ترامب نفسه بعد اعترافه بالقدس عاصمة للعدو حيث قال انه اتخذ هذا القرار بالتنسيق مع المسؤولين السعوديين!! الذين هم بعكس الأمريكيين والصهاينة يريدون تقوية وتوسيع هذا الحلف مع العدو الصهيوني ولكن أن يبقي سراً، ما دام لم يتحقق شيء للفلسطينيين يقنع الرأي العام في السعودية وفي العالمين العربي والإسلامي، حتى ولو كان هذا الشيء شكليا على غرار أوسلو أو ما شابه ذلك، ما يؤكد ذلك تعليقات وتصريحات المسؤولين السعوديين أو بعضهم بعد إعلان الإمارات التحالف مع العدو بشكل رسمي وترويج الامريكان والصهاينة بأن السعودية هي من تخطو زيارته إلى العاصمة الألمانية برلين في 19 آب 2020 أن بلاده لن تحذو حذو الإمارات في تطبيع العلاقات مع "اسرائيل"، ما دام الصراع الفلسطينيين- الإسرائيلي لم يُحل، وقال أيضاً، أن المملكة ملتزمة المبادرة العربية بوصفها السبيل الوحيد للوصول إلى حل النزاع الفلسطينيين الإسرائيلي، التي تدعو "إسرائيل" إلى الانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها في العام 1967 مقابل السلام والتطبيع الكامل للعلاقات مع جميع الدول العربية.. وتلى هذا التصريح، تصريح آخر للأمير تركي الفيصل السفير السابق في واشنطن والمدير الأسبق لجهاز المخابرات السعودي، والرئيس الحالي لمركز فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، عبر مقال له في صحيفة الشرق الأوسط السعودية، جاء فيه:.." إذا كانت أي دولة عربية يناهزها اللحاق بدولة الإمارات العربية المتحدة، فيجب أن تأخذ الثمن في المقابل، ولابد أن يكون ثمناً غالياً"..
وأضاف: " وضعت السعودية ثمن إتمام السلام بين "إسرائيل" والعرب، وهو قيام دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس، بناءاً على مبادرة المرحوم الملك عبد الله بن عبد العزيز".
من جانبه قال الكاتب والصحافي السعودي سليمان العقيلي.. "إن السعودية تنظر للاتفاق الإماراتي_ الإسرائيلي لتطبيع العلاقات بينهما كشأن سيادي لا دخل لأحد به، واعتبر أن الاتفاق يمكن أن يسفر عن نتائج جيدة بالنسبة للقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، عبر وقف ضم أراضي الضفة الغربية وغور الأردن "لإسرائيل"، مستبعداً أن تحذو الرياض حذو أبو ظبي في تطبيع العلاقات مع الدولة العبرية.." على حد زعمه.
وكما قلنا في الأسطر الماضية، فأن الدفاع السعودي عن القضية الفلسطينية إنما هو مجرد تلطي وراء شعار زائف، وهذا ما تؤكده الكاتبة والمحررة في صحيفة يدعوت احرونوت المقربة من نتنياهو والتي زارت الإمارات مؤخراً سمدار بيري في مقالها الافتتاحي للصحيفة المذكورة في 1/9/2020 ، حيث قالت: "هاكم حقيقة غير معروفة: كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان شريكاً سرياً كاملاً منذ البداية، لقد أدت علاقاته الطيبة مع صهر والرئيس ترامب، جاريد كوشنر، ومع حاكم الأمارات بن زايد، الى ممارسة ضغط مزدوج في الأيام الأخيرة. ولكن أصر بن سلمان على أن تكون الأمارات الأولى في الطابور، لم تطلق السعودية الصافرة أمس حين مرت طائرة العال باذنها الكامل في سماء المملكة. ووعد كوشنر بأن ثمة دولاً أخرى في الطريق، وهو يعرف على ما يبدو" وتضيف القول: "لا يتعهد ولي العهد السعودي متى سينظم- الى قطار المتحالفين علنا ورسمياً مع العدو- ولكنه يعد بتقديم المعونة، لدى هذه الرباعية- ترامب- بن زايد- نتنياهو- بن سلمان". لكن سمدار ترى كما يرى قادتها الصهاينة، وكما يرى ترامب وطاقمه في البيت الأبيض ضرورة الاستعجال في إعلان هذا التماهي بين الطرفين السعودي والصهيوني بقولها: ".. لا ينبغي لكل شيء ان يتم بسرعة، قبل الانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة. إذا افتعلتم مشاكل- هكذا يحذر المستشارون الأمريكيون السعودية أيضاً فستحصلون على رئيس آخر يهجر الخليج ويجلب الايرانيين". على حد قولها.
ونعتقد ان الاقتناع السعودي عن إعلان التحالف مع العدو أسوة بالإمارات، ليس حرص النظام السعودي على الحصول على ما اسماه تركي الفيصل "الثمن الكبير" مقابل اعلان التطبيع، إنما هناك أسباب جوهرية بنظر هذا النظام نذكر منها ما يلي:
أولاً: السبب الأساسي هو خوف النظام السعودي من هبة شعبية عارمة تسقط هذا النظام، سيما وان الأخير بسياساته الحمقاء هيأ الأرضية اكثر من أي وقت مضى لمثل هذه الهبة، حيث ان نسبة التوتر الاجتماعي والسياسي والقبلي تتفاقم داخل المجتمع السعودي بسبب سياسات بن سلمان كما قلنا وقمعه واضطهاده للمعارضين، وبسبب انتهاكاته للمقدسات الإسلامية بانفتاحه على الثقافة الغربية وعلاقاته مع العدو الصهيوني وتعاونه مع الأخير ضد مصالح الأمة الإسلامية وجرائمه في اليمن و.و. كل ذلك جعل الوضع الداخلي يغلي كمرجل يمكن أن ينفجر بزيادة تسخينه وهذا ما يدركه بن سلمان تماماً خاصة، وآل سعود عامة، فالمجتمع السعودي لا يمكن مقارنته بالمجتمع الاماراتي، فالأخير لا يشكل الّا نسبة أقل من 15% من السكان، اما 85% الباقين فهم من الوافدين متعددي الجنسيات الذين لا هم لهم سوى العمل وجمع الأموال لرفد نفقات عوائهم في بلدانهم الأصلية، بينما المجتمع السعودي، فاكثريته من المسلمين، كما انه يحتضن المقدسات الاسلامية، وبالتالي فهو اكثر حساسية واستشعاراً بالمهانة في حال اعلان النظام السعودي التطبيع أو التحالف مع العدو رسمياً. وهذا ما تؤكده استطلاعات الرأي لجهات أمريكية وغير أمريكية، ففي هذا السياق كان معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى قد اجرى استطلاعاً للرأي في حزيران الماضي 2020، بين المواطنين في السعودية، ووجد أن 9% منهم فقط يعتقدون بأنه يجب السماح للراغبين بالتعامل التجاري والرياضي مع الصهاينة بفعل ذلك.. كما وجد الاستطلاع نفسه أن 14% فقط من شعب السعودية يرحبون بما يسمى "صفقة القرن". وعلى هذه الخلفية يرى المحلل بلال صعب من معهد الشرق الاوسط، أن ثورة دينية يمكن أن تندلع في ظل هذه الظروف بمعنى آخر، ان اقدام النظام السعودي على الخطوة سيشكل استفزازاً صارخاً لمشاعر ومقدسات وهوية الشعب السعودي، الأمر الذي يؤدي الى تفجير مثل هذه الثورة، وكما قلنا فأن التوتر المتفاقم الذي تعيشه المملكة اليوم بدأ يمتد الى القطاع العسكري الذي يدفع الثمن الباهظ بسبب حرب بن سلمان على اليمن وزج هذا القطاع في اتون الحرب مع الشعب اليمني وتحويله الى محرقة!!
ثانياً: السبب الآخر والمهم أيضاً، وهو إسقاط ما يسمونه "شرعية" النظام السعودي، فهذا النظام ليس منتخباً وانما هو مفروض على الشعب كما هو معروف بقوة السيف والأجهزة العميقة وبدعم الأمريكان والصهاينة، وقبل ذلك بدعم البريطانيين ومن أجل المحافظة على استمرار هذا النظام، صنعوا له شرعية مزيفة بتوظيف وجود المقدسات الإسلامية في المملكة.. وبأنه "الساهر" و"المدافع" عن المقدسات الإسلامية، وبأنه "قائد" العالم الإسلامي، ولخداع الأمة الإسلامية، الشعب العربي خاصة، ومنه الشعب الجزيرة بشكل أخص، أسسوا -اي الانجليز- منظمة المؤتمر الاسلامي وجعلوا مركزها في جدة، لاخفاء مسحة اسلامية على النظام السعودي، ولاسباغ نوع من "الشرعية" على وجوده، عززها باطلاق المصطلحات والشعارات والالقاب على نفسه، من مثل "حامي الحرمين"، والساهر على مقدسات المسلمين! وما الى ذلك كثير، حتى ان شريحة من أبناء الأمة الاسلامية صدقت بهذه الهالة المزيفة التي صُنعت للنظام السعودي وأُسبغت عليه!! بيد ان هذه الشرعية المزيفة أصحبت بمرور الزمن ركناً اساسياً من الأركان التي يستند عليها وجود واستمرار النظام، ولذلك فأن إعلان التحالف مع العدو الصهيوني بشكل رسمي، يعني إسقاط هذه الشرعية المزيفة من ألأساسات، ما يؤدي ذلك الى اهتزازات كبيرة للنظام قد تؤدي الى تهاويه وانهياره بشكل لا يمكن تفاديه. وهذا ما اعترف به النظام السعودي ولو بشكل غير مباشر طبقاً لما نقله عن بن سلمان الملياردير الصهيوني الأمريكي حاييم سابان بحيث يقول لصحيفة يدعوت احرونوت: انه "التقى على مأدبة عشاء محمد بن سلمان وسأله: لماذا يبقي العلاقات مع اسرائيل تحت الرادار؟ لماذا لا يخرج ويقود الأمور؟ فأجابه أنه يستطيع أن ينفذ ذلك في لحظة، لكنه يخشى من مهاجمة القطريين والإيرانيين له، كما يخشى من حدوث فوضى داخل بلاده أيضاً" على حد قوله، وتلك إشارة واضحة من بن سلمان، الى ان اعلان التحالف مع العدو بشكل رسمي، إنما يسقط بل يمزق العباءة الإسلامية التي خدع بها الرأي العام العربي والاسلامي معا.
ثالثاً: ان النظام السعودي غير مطمئن لفوز ترامب في الانتخابات القادمة، ما يعني ان اقدامه على إعلان التحالف مع العدو ينطوي على مجازفة كبيرة، خصوصاً فيما يخص طموحات بن سلمان في الوصول والتربع على عرش البلاد، وبالتالي فأن مثل هذا الإعلان يضع بن سلمان أمام خطرين محدقين، فهو كما أسلفنا اذا أقدم على الخطوة الإماراتية فذلك يضعه أمام سقوط مدوي على كل الأصعدة وبالتالي احتمال حصول تحرك شعبي عارم يهدد النظام، كما بينّا فيما مضى من الأسطر، واذا اقترن هذا السقوط بفوز الديمقراطي جو بايدن فيعني ذلك تلاشي الآمال بالوصول إلى العرش لأن الديمقراطيين يعارضون وصول هذا الأحمق المراهق والتربع على عرش مملكة سيما وان خيار السي آي اي ووزاير الداخلية السابق، ولتفادي هذ الخطر المركب قرر بن سلمان تأجيل هذا الإعلان إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية على ما يبدو، وهذا ما يرجحه الوعد الذي قطعه كوشنر، بأن إعلان التطبيع السعودي مع العدو أمر حتمي!!
ارسال التعليق