زيارة بايدن ل"السعودية": طيّ لملف جريمة خاشقجي وبلا مكاسب إستراتيجية
[عبد الرحمن الهاشمي]
بقلم عبد الرحمن الهاشميقبيل وصول طائرة الرئيس الأمريكي جو بايدن مباشرة من مطار بن غوريون إلى مدينة جدة أعلنت الهيئة العامة للطيران المدني أن "السعودية" قررت فتح مجالها الجوي أمام جميع الناقلات التي “تستوفي متطلبات الهيئة لعبور الأجواء” وذلك بموجب المعايير الدولية التي “تقتضي عدم التمييز بين الطائرات المدنية المستخدمة في الملاحة الجوية الدولية"، وهو قرار بفتح المجال الجوي لبلد الحرمين الشريفين أمام الخطوط الجوية الإسرائيلية. القرار أشاد به جو بايدن، وقد كان في الواقع إشارة من النظام السعودي -لجهة التوقيت- بأنّ هناك مسارا من العلاقات والتفاوض بين "السعودية" و "إسرائيل" نشطٌ وفعّال ومستقل جزئيا عن أي إشراف أمريكي مباشر. ففي تعليقه على هذا القرار اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد أنه تتويج لما سماه ب"طريق طويل من الدبلوماسية المكثفة والسرية مع المملكة". وكان لافتا أن مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان حصر عوائد هذا القرار السعودي في الطرفين الأمريكي والإسرائيلي دون أي فائدة للنظام السعودي حين اعتبره أمرا شديد الأهمية لأمن ورخاء الولايات المتحدة والشعب الأمريكي وأمن ورخاء "إسرائيل"!ونستنتج من توقيت فتح الأجواء أمام الطيران الإسرائيلي بأنه تنبيه لبايدن بأن العلاقة مع "اسرائيل" لم تعد مرتهنة بالإشراف الأمريكي ضرورة ، بل تحولت إلى علافة استراتيجية عززتها من جهة مخاوف الإنسحاب الامريكي من المنطقة بعد الهروب الأمريكي الكبير من أفغانسان، ومن جهة أخرى التحدي الذي يمثله العدو المشترك لكلا الكيانين والمتمثل في إيران وتقاطع رؤيتهما بخصوص الملف النووي الإيراني، وانخراطهما سويا في نشاطات أمنية داخل الأراضي الإيرانية.اذا كان الوضع على هذا المستوى من التشبيك الإستراتيجي فلماذا يتحدث المتابعون لزيارة بايدن إلى المنطقة بأن من أهدافها الكبرى ترتيب العلاقة السعودية الإسرائيلية كمقدمة لإدماج "إسرائيل" في المنطقة وضمن حلف صهيو-عربي لمواجهة إيران وقوى المقاومة في المنطقة؟في التقدير السياسي فإن ترك هامش للأمريكي في الظهور كمهندس للتحالفات في المنطقة ينبع من أنه حليف استراتيجي للسعودية و ل"إسرائيل"، وكذلك لتخفيف وقع الحوار والتفاهمات المباشرة على شعب الجزيرة العربية والشعوب الإسلامية ، وحتى يبدو الحلف مع الإسرائيلي أنه من متطلبات السياسة الدولية وإكراهاتها التي ترعاها قوة عظمى ممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية.عند مطالعة البيان المشترك بين مملكة آل سعود والولايات المتحدة الأمريكية الصادر عن الإجتماع الرسمي الذي جمع الملك السعودي والرئيس الأمريكي جو بايدن بحضور كبار المسؤولين من الجانبين، والمؤرخ ب 15 يوليو2022 فإننا لا نجد فيه إلا تأكيد المؤكد عما يسمى بالشراكة الاستراتيجية والحديث عن تعزيز مصالح البلدين ورؤيتهما المشتركة نحو شرق أوسط يسوده الاستقرار والازدهار والأمن والسلام ومواجهة الإرهاب والتطرف العنيف. في البيان إشارة إلى ترحيب أمريكي برؤية 2030 وإشادة بتعزيز الحوار بين أتباع الأديان ضمن هذه الرؤية الإنفتاحية الأصلاحية المزعومة. فلسطينيا ورد كلام إنشائي مكرور عن مبادرة السلام العربية وحل الدولتين. يمنيا، جاء التأكيد على الهدنة والحل السياسي مع دعم ما يسمى ب"مجلس القيادة الرئاسي اليمني" المنصّب سعوديا. ويبدو أن الطرف السعودي لم ينجر الى إدانة العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا لذلك جاء البيان مؤكدا على احترام مبادئ القانون الدولي ووحدة الأراضي والسيادة الوطنية. وفي سياق الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على وضعية الطاقة في العالم اتفق الطرفان على التشاور بانتظام بشأن أسواق الطاقة العالمية على المديين القصير والطويل، وهذا يشي بتجاوب سعودي في موضوع الطاقة قد تتبين سقوفه لاحقا باعتبار موضوع الطاقة هو على رأس أجندة هذه الزيارة. وطبعا لم يفت البيان تحت بند الأمن والدفاع إدانة إيران إذ شدد الجانبان على ضرورة ردع التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول، ودعمها للإرهاب!إذا فالبيان المشترك لم يتضمن اي معطى جديدا، فكل النقاط هي ضمن مندرجات ما يسمى بالرؤية المشتركة، اللهم الا ذلك التحفظ السعودي في موضوع اوكرانيا لعدم إغضاب روسيا والحفاظ على ورقة العلاقة الروسية في الجيب السعودي. لكن ومع ذلك يمكن اعتبار البيان المشترك طيّا للأزمة التي أعقبت إغتيال جمال خاشقجي وعفوا أمريكيا عن الأمير القاتل محمد بن سلمان بدلالة اشتمال البيان على ترحيب أمريكي بما يسمى رؤية 2030 وهي رؤية ولي العهد محمد بن سلمان، ثم ما ورد من تقدير الرئيس الأمريكي لدور سلمان بن عبد العزيز، و ولي العهد في تحقيق هدنة اليمن وتجديدها!ويبقى أن الأهم من البيان؛ وإن كان البيان لا يعلن بالضرورة عن كل التفاهمات؛ هي التغطية الأمريكية للحلف الإسرائيلي السعودي، والذي سيتطور إلى مديات كبرى تحت ذريعة التصدي للمخاطر التي مصدرها تعاظم الدور الإقليمي لإيران لكن دون الحاجة إلى إعلان رسمي عن علاقات دبلوماسية، لأن الأطراف الثلاثة الولايات المتحدة الأمريكية و"السعودية" و"إسرائيل" على قناعة بأن الإعلان رسميا عن علاقة دبلوماسية بين المملكة والكيان المؤقت ستصب في الحساب الإيراني وسيضر ذلك بصورة ومكانة المملكة في العالم الإسلامي، كما أن عدم الإعلان مرفوقا بخطوات تطبيعية لا يمكن التستر عليها لا يؤثر على واقع التحالف الإسرائيلي-السعودي.وللأسف سيكون الإعلان الرسمي للعلاقة مع "إسرائيل" هو ما قد يغضب شعوب العالم الإسلامي أما الخطوات التطبيعية مع العدو الصهيوني كفتح أجواء بلاد الحرمين الشريفين أمام طيران العدو ، وتهديد أمن المنطقة وإستقرارها عبر الدخول في حلف أمني وعسكري مع هذا الكيان والتآمر معه على قوى المقاومة وتحوير بوصلة العداء تجاه بلد إسلامي كبير ومناصر لقضايا الأمة الكبرى هو إيران..فإن كل ذلك لا يستثير ردود فعل متناسبة مع هذه الخيانة وهذا التآمر على مصالح الأمة الإسلامية. فأن يتجرأ الرئيس الأمريكي في قمة جدة على القول أمام قادة دول خليجية وعربية بأن" إيران تقوم بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط ونحن عازمون على القضاء على مصادر الإرهاب"، بما يعني ذلك من خضوع مذل للمنطق الأمريكي الذي يتستر ويدعم مصدر الإرهاب الحقيقي والتوتر في المنطقة، وهو وجود الكيان الصهيوني وإغتصابه لحقوق الشعب الفلسطيني، وليحور الصراع في إتجاه آخر من أجل استنزاف المنطقة ودفع دولها الى التقاتل بدل التعاون والتكامل وبسط السيادة الكاملة على ارضها ومياهها .بقي أن نشير أخيرا إلى أن زيارة بايدن تعثرت وتبددت رهاناتها بعد الموقف الاخير للمحور المقابل والذي اعلنه الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ، والذي أفهم الامريكي قبل الإسرائيلي ان لا أمريكا العاجزة على الجبهة الأوكرانية ولا أي حلف عربي متصهين معلن أو سري يمكن له أن يغير من حقيقة أن الكلمة العليا في المنطقة هي لقوى المنطقة.جاء بايدن للمنطقة ، من مطار بن غوريون الى جدة ، مخلفا فضيحة للنظام السعودي، وفرزا واضحا بين أنظمة الخيانة والتآمر والعمالة للصهاينة وبين قوى التحرر والمقاومة في الأمة.
ارسال التعليق