زيارة بن سلمان للكويت ومؤشر فقدان السعودية سطوتها على شقيقاتها
[ادارة الموقع]
بقلم: عبد العزيز المكيأن يقوم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بزيارة إلى الكويت، فذلك يعني بكل تأكيد أنها جانب كبير من الأهمية، من ناحية الموضوعات التي سيتطرق إليها مع القيادة الكويتية، سيما وأن هذه الزيارة جاءت بعد تطورات ولقاءات مهمة أيضاً، منها طلب الرئيس ترامب من الملك السعودي سلمان زيادة الإنتاج النفطي للتعويض عن النقص في الصادرات النفطية الإيرانية نتيجة الحصار الذي ستبدأ الإدارة الأمريكية بفرضه على تلك الصادرات في تشرين الثاني المقبل، وأيضاً لخفض الأسعار، عن طريق رفع السعودية لإنتاجها النفطي، ومنها لقاءات المسؤولين الأمريكيين مع مسؤولي دول مجلس التعاون لبحث قضية تشكيل ما يسمى "بالناتو العربي"، يضاف إلى ذلك التصعيد الأمريكي ضد إيران، كما جاء ذلك في إلقاء ترامب أثناء خطابه في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة...
وبغض النظر عما ذهب إليه بعض المحللين والمراقبين حول طبيعة وماهية الموضوعات التي جاء بن سلمان لبحثها مع قادة دولة الكويت، فأنا أعتقد ان ثمة موضوعات مهمات جاء من أجلها، وهما:
1. بحث قضية حقلي النفط في مدينتي الوفرة والعبدلي، أي حقلي الوفرة والخفجي الواقعان في المناطق المشتركة، والمتوقفان عن الإنتاج منذ عامي 2014و2015 على التوالي، بسبب الخلاف بين السعودية والكويت عليهما، فبن سلمان يريد إعادة تشغيل هذه الحقول التي تنتج500برميل يومياً، من أجل تلبية طلب ترامب من الملك السعودي، برفع سقف الإنتاج من أجل خفض الأسعار والتعويض عن النقص بسبب احتمالات انقطاع الصادرات النفطية الإيرانية، كما أشرنا قبل قليل..
2. إقناع القيادة الكويتية بالتخلي عن سياسة الحياد، فيما يخص المواجهة مع إيران، فالتصعيد الأمريكي الأخير ضد إيران، كان الهدف منه، إلى جانب الضجة الصهيونية المماثلة أيضاً، هو تهيئة الأرضية المناسبة لحشد الدول العربية الخليجية المماثلة أيضاً، هو تهيئة الأرضية المناسبة لحشد الدول العربية الخليجية إلى جانب مصر والأردن، ومحاولة إقامة جبهة مشتركة، تحت مسمى "حلف الناتو العربي" أو ما شابه ذلك، لتوظيف هذا الحلف في المواجهة مع إيران، سيما في المواجهة الاقتصادية، التي بات خندقها يتقدم اليوم في خطط الأمريكان والصهاينة وآل سعود، على بقية الخنادق العسكرية والأمنية والسياسية وما إليها، ذلك أن سياسة الحياد التي تتبعها الكويت في التعاطي مع إيران ومع بقية الجيران تعرقل الخطط المشار إليها، أو على الأقل تقلل من فاعليتها وتأثيراتها بالشكل الذي يطمح إليه الأمريكان وحلفاؤهم الصهاينة وعملاؤهم السعوديون..
ويبدو لي أن توقعات ولي العهد السعودي كانت كبيرة بدليل التهريج الإعلامي السعودي الذي سبق هذه الزيارة، والذي ركز على أهميتها و"تاريخيتها" وما إلى ذلك، ثم أن التهريج تخلي عن سياسة "الغمز واللمز" السعودي إزاء الكويت، مبّرزاً الثناء عليها وعلى العلاقات التاريخية بين القيادتين السعودية والكويتية، غير أن النتائج جاءت صادمة لبن سلمان، ذلك رغم أن الطرفين السعودي والكويتي وإعلامهما حاولا التغطية على فشل الزيارة، من خلال رسائل الشكر السعودية "لحسن الضيافة" و"حفاوة الاستقبال"، ومن خلال تصريحات المسؤولين الكويتيين الذين أشاروا فيها إلى نجاح الزيارة وتحقيقها نتائج مهمة في صالح البلدين..فمحاولات التغطية هذه فشلت في التغطية على فشل الزيارة لأسباب كثيرة نذكر منها ما يلي:
إن الزيارة بحسب ما أعلنت المصادر السعودية والكويتية تستغرق يومين كاملين في حين أن الزيارة احُتضرت بأقل من ساعتين!! وكانت مقررة يوم السبت الموافق 29/9/2018، إلا أنها تأجلت إلى يوم الأحد، ما يعني ذلك معارضة القيادة الكويتية لمطالب بن سلمان، وحتى حينما جاء عادل الجبير مستبقاً مجي ولي العهد، لم يستطع هو الآخر إقناع الكويتيين بالموافقة على المطالب السعودية التي أشرنا إليها قبل قليل... يعزز هذا الأمر، إلغاء اللقاء الصحفي الذي كان من المقرر أن يجريه بن سلمان مع مجموعة من وسائل الإعلام الكويتية...
3. تواتر المعلومات الواردة والمسربة من لقاءات بن سلمان مع المسؤولين الكويتيين، بأن الأجواء التي ساءت هذه اللقاءات كانت متوترة للغاية، وان بن سلمان كان منزعجاً من المواقف الكويتية بشأن الأمور التي تم تناولها..وفي هذا السياق، قال ناشط سياسي وشيخ قبيلة كان من ضمن الوفد المدعو من الديوان الأميري لاستقبال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مطار الكويت، لموقع " العربي الجديد" مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، أن الأجواء كانت متوترة، والمسؤولون من الجانبين السعودي والكويتي كانوا متوترين بشكل لا يوصف، خصوصاً بعد التأخير المتكرر للطائرة.4. على الرغم من أن بن سلمان إصطحب معه وفداً كبيراً وعالي المستوى، ضم وزير الداخلية عبد العزيز بن سعود بن نايف آل سعود، وماجد القصبي وزير التجارة والاستثمار، وخالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، وعادل الجبير وزير الخارجية، وعواد العواد وزير الإعلام، وعدد آخر من أمراء المناطق المنتمين للأسرة الحاكمة...على الرغم من اصطحابه هذا الوفد إلا أنه لم يوقع أي اتفاقية تجارية أو سياسية، أو نفطية، أو في مجال آخر، بين الطرفين...إذ أن هذا الوفد الكبير يؤشر إلى أن بن سلمان كان يعتزم مكافأة الكويت بعدة اتفاقيات تجارية وغير تجارية، ان هي وافقت على مطالبة..
5. نقلت وكالة الصحافة اليمنية، عن وكالة بلومبرج الأمريكية، قول الأخيرة، بأن الكويت توقفت تقريباً شحن النفط للولايات المتحدة، للمرة الأولى منذ إيقافه في أعقاب اجتياج صدام حسين للبلاد عام 1990م،حيث جاءت هذه الخطوة المفاجئة بعد ساعات من زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الكويت...وإذا صح هذا الخبر، فأنه يؤشر إلى انزعاج الإدارة الأمريكية من الموقف الكويتي، إذ يؤشر توقف شحن النفط الكويتي إلى الولايات المتحدة، إلى محاولة الأخيرة الضغط على الكويت مالياً، لأن الكويت كما تقول بعض الأوساط الكويتية بحاجة إلى الأموال، ولذلك هي تكرر طلباتها من السعودية للاتفاق حول حقلي الوفرة والخفجي وإعادة تشغيلهما للاستفادة من مردوداتهما المالية...
على أن فشل هذه الزيارة في تحقيق ما كان يصبو إليه بن سلمان لا يقتصر على خيبة الأمل والصدمة للسعوديتين فحسب، وإنما يؤشر إلى تطورات هي الأخرى غير سارة لبن سلمان ولأبيه سلمان منها ما يلي:
1. إن سياسة فرض الاملاءات السعودية على دول مجلس التعاون الخليجي قد ولت إلى غير رجعة، فالزمن الذي كانت فيه المملكة السعودية تغامر بسياسات ومصالح هذه الدول الأعضاء في المجلس قد انتهت، وهذا بحد ذاته يشكل نكسة للنظام السعودي، لأنه يريد بقية الأنظمة على شاكلة نظام البحرين يتحرك ويرسم سياساته على واقع السياسات السعودية، ولذلك لأن قطر وعمان وحتى الكويت رفضت هذا النوع من التعامل معها، قامت السعودية بحصار قطر وبالضغط على عُمان، حيث مازالت هذه الضغوط متواصلة، بهدف إخضاع القيادة العمانية لإرادة النظام السعودي، وبدون شك أن الضغوط السعودية سوف تتضاعف على الكويت أيضاً، لكن هذه الدول قررت التمرد والخروج من القمقم السعودي، بسبب تصرفات النظام السعودي ومحاولاته مصادرة إرادة الأنظمة الأخرى في هذه المجلس، ما تسبب ذلك في إضعاف الموقف السعودي، وتتجلى هذه الحقيقة للعيان إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن القيادة السعودية تعتبر أن تشكيل مجلس التعاون كان بهدف منح السعودية ثقلاً جغرافياً وعسكرياً ونفطياً أيضاً في مواجهة ما يسمونه الصحوة الإسلامية التي اجتاحت المنطقة بعد انتصار الثورة الإيرانية عام 1979م. فهذا التمرد على الإرادة السعودية جرد النظام السعودي من القوة التي هو اليوم بحاجة إليها أكثر من أي وقت مضى في ظل سياسات المجازفة والحمقاء التي يتبناها منذ مجيء الملك سلمان وابنه محمد...
2. وإذا كان هذا التمرد على النظام السعودي قد بدأته قطر داخل منظومة مجلس التعاون منذ عدة سنوات وبالتالي أضعفت هذه المنظومة، ثم تبعتها عمان، وأخيراً الكويت، فأنه أي هذا التمرد يعزز بشكل لافت قلق هذه الدول بعد مجيء الملك سلمان وابنه محمد إلى عرش المملكة وإتباعهما سياسات لا تهدد أمن السعودية واستقرارها فحسب بل تهدد أمن المنطقة برمتها، خصوصاً بالنسبة إلى الكويت التي اكتوت بنيران سياسة الاملاءات والذهاب بعيداً وراء السياسات والمواقف السعودية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الكويت دفعت ثمناً باهظا وراء معاداة النظام العراقي المقبور، نظام صدام حسين، إنسجاماً وتماشياً مع الإرادتين السعودية والأمريكية في ذلك الوقت، حيث إن أمريكا وجدت في القوة العراقية العسكرية الهائلة خطراً على أمن الكيان الصهيوني، وبنفس المستوى من الخطر الذي استشعره النظام السعودي على استقراره ووجوده، ولكن الكويت هي التي دفعت الثمن الأكبر، نتيجة احتلالها من قبل النظام الصدامي، ونتيجة تحول الكويت إلى ميدان المعركة والتدمير، بين القوات الأمريكية والقوات العراقية، صحيح أن الكويت تحررت، لكن الحرب خلفت ورائها مآسي وآلام وتخريب ودمار ظلت الكويت وشعبها يعانيان منه على مدى عقد كامل أو أكثر بعد التحرير...ولذلك فالقيادة الكويتية خصوصاً لا تريد تكرار هذه المأساة للشعب الكويتي، من أجل الاصطفاف مع سياسات بن سلمان، سيما وان القيادة الكويتية ترى في هذه السياسة بأنها غير مبررة، فمثلاً معاداة إيران والتحريض على المواجهة العسكرية معها، لا تصب في مصلحة دول المنطقة، ولذلك اتصف موقفها بالحيادية، وأحيانا بمجاملة السياسات السعودية، وكذلك الأمر بالنسبة الى مواقفها من الأوضاع في سوريا أو حتى العراق، فقد اتسمت تلك المواقف بالخجل فلم تتدخل في أوضاع هذه الدول على شاكلة ما قامت به السعودية والإمارات وقطر، وهي اليوم تلزم الحياد تقريباً من عدوان السعودية والإمارات على اليمن وتقوم بعملية وساطة بين الأطراف المتحاربة من أجل وقف نزيف الحرب...وهكذا، فالنظام الكويتي يحرص اليوم بالنأي عن سياسات النظام السعودي ولا يريد التورط في متاهات قد تؤدي إلى تدمير البلاد مرة أخرى، والى تهديد الأسرة الحاكمة نفسها.
3. فشل زيارة بن سلمان للكويت يعني توجيه صفعة للمشروع الأمريكي الصهيوني السعودي، المتمثل بإقامة ما يسمونه "بالناتو العربي" أي حلف عسكري وأمني يضم كل من السعودية والأمارات والبحرين وقطر والكويت وعمان ومصر والأردن وبمحورية السعودية، بالإضافة إلى الكيان الصهيوني في وقت لاحق، فمطالب وإملاءات بن سلمان من القيادة الكويتية عمقت الشكوك لدى هذه القيادة من هذا الحلف الجديد، ففي الوقت الذي تتخوف فيه الكويت من أن هذا الحلف يمكن أن يرمي بهذه الدول في متاهات وفي مشاكل هي في غنى عنها، فأنها باتت أكثر تخوفاً من أن يتحول هذا الحلف إلى أداة قمع الشعوب الخليجية ولأنظمتها التي يمكن أن تعارض أو تتمرد على السياسات السعودية الحمقاء. وهذا ما أشار إليه الباحث في معهد كانودوغ باندو في مقال له على موقع ناشونال انترست، حيث وصف هذا الحلف "بناتو العاهات" الذي سيتحول لأداة قمع سعودية وإماراتية لدول الخليج المجاورة...ويقول إن " السعودية والأمارات مصممتان على التحكم بجيرانهما وفرض أجندتهما عليها وبالحرب إن اقتضى الأمر، وشنتا غزوا على اليمن وعملتا على عزل قطر وخططتا لغزوها لولا التدخل التركي والمعارضة الأمريكية."
ارسال التعليق