"سلمان" يهرع لطمأنة "ابن البدوية" بقراراته الجديدة
[حسن العمري]
* حسن العمري
قرارات جديدة اصدرها الملك سلمان بن عبد العزيز مستعجلة عصفت بالمؤسسة العسكرية السعودية، اثارة حفيظة البعض ومخاوف لدى آخرين، فيما طرح المراقبون أكثر من سؤال حول أسباب هذا التغيير الذي استهدف كبار الجيش السعودي وتوقيته بعد التسريبات العائلية التي كانت تدور في أروقة القصور الملكية في الرياض وجدة بوجود مساعي لمحاولة انقلاب على نجل سلمان المدلل "ابن البدوية" بسبب ارتفاع منسوب السخط لدى أعضاء الأسرة الحاكمة من قرارات الأخير وتسلسل فشله في سياساته الداخلية والخارجية خاصة الاقليمية، وسط موجة انتقادات حادة ولاذعة لمواقف الرياض الدنيئة والمخجلة والمخزية أمام ما يحدث ضد أهالي غزة من مجازر دموية ودمار وإبادة جماعية، دون تحريك ساكن من الحاكم السعودي الحالي او حتى موقف سياسي شجاع يشد من عضد المقاومين.
"سلمان" اصدر عدداً من الأوامر الملكية قبل أيام، تضمنت إنهاء خدمة الفريق أول مطلق الأزيمع قائد القوات المشتركة وإحالته الى التقاعد، فيما تم ترقية اللواء فهد السلمان الى رتبة فريق وتعيينه قائداً للقوات المشتركة.. وتم إعفاء الفريق الركن فهد الغفيلي، رئيس أركان القوات البحرية من منصبه، وترقية اللواء محمد الغريبي الى رتبة فريق وتعيينه رئيسا لأركان القوات البحرية؛ واعفت القرارات الجديدة الفريق فهد المطيري رئيس أركان القوات البرية من منصبه، بجانب ترقية اللواء فهد الجهني إلى رتبة فريق وتعيينه رئيسا لأركان القوات البرية؛ كما تم سمير الطبيّب المستشار في أمانة مجلس الوزراء، وتعيينه مستشاراً في وزارة الدفاع بالمرتبة الممتازة.. حيث جاءت التغييرات هذه بناءاً على طلب ورغبة ولي العهد – وفق مصادر مقربة من البلاط.
كل ذلك جاء للتركيز على مركزية السلطة الحاكمة في الجزيرة العربية ومنذ نشأتها، كونها أنها سلطة مركزية وقرارها بيد الملك فقط، وما مجلس الوزراء أو الشورى أو المؤسسة العسكرية وحتى الدينية الداعمة الأساس لسطوة آل سعود على مقدراتنا واحتلالهم لبلادنا، ما هي إلا مجالس ومؤسسات شكلية لتمرير قرارات الملك وإلباسها لباس القانون والتنفيذ دون جدل أو أدنى نقاش يذهب بصاحبه الى مقصلة سيف الحرابة أو الرمي بالرصاص أوعمليات الإغتيال التي شهدناها خاصة للعديد من القادة العسكريين.
القرارات الجديدة جاءت تبعا للقرارات التي سبقتها عام 2018 عندما أقال نجل سلمان آنذاك قادة أركان الجيش السعودي. وقد تمّ إستبدال رئيس الأركان المشتركة وقائد الجيش ومدير الدفاع الجوي وقائد سلاح الجو الملكي السعودي من دون توضيح؛ واطاحته بوزير الحرس الوطني السعودي (الأمير متعب بن عبدالله.. وفضيحة فندق الريتز وما سبقها وتلاها من أحداث أزمة داخل الأسرة الحاكمة، لتعيد الى "بن سلمان" أزماته الطفولية وسنين الحداثة عندما كان غير مرغوب فيه في أوساط أمراء آل سعود وحتى من قبل أخوانه من أبناء زيجات والده سلمان الاخرى؛ ولم يرغب أحدا منهم حتى بلعب الكرة معه، وزملائه كانوا يفضلون رفقة أبناء عمومته الأعلى ترتيبًا في خلافة العرش منهم- وفق تقرير كتبه الصحفي في مجلة "الإيكونوميست" في الشرق الأوسط "نيكولاس بيلهام"، سبر فيه أغوار شخصية ولي العهد السعودي.
الحياة المنزلية كانت صعبة جداً بالنسبة للطفل المعزول محمد بن سلمان، فقد كان لوالده 5 أبناء بالفعل من زوجته الأولى المتعلمة والمنحدرة من عائلة نخبة حضرية، أما والدة "بن سلمان" فقد كانت الزوجة الثالثة لـ"سلمان" وأمرأة قبلية، وعندما كان الأمير يزور القصر الذي يعيش فيه والده مع زوجته الأولى كان إخوته يدعونه بـ"ابن البدوية".. واذا بهذا الطفل المنكوب ينتقل من الحافة الى المركز وأصبح صانع القرار في الجزيرة العربية، رغم وجود والده الثمانيني ما زال الملك أسمياً وهذا ما يفسر أسباب عزل الطبيب المستشار له لإخفاء حقيقة حالته الصحية وفسح المجال لأبو منشار باتخاذ قرارات تدعم بلوغه العرش بأقل الخسائر.. والده سلمان المصاب بعدة أمراض مزمنة قاتلة وفي مقدمتها الزهايمر العضال، لم يعد يُرى إلا نادراً، ولم يعد الملك فعلياً- كما قال مسؤول استخباراتي أميركي سابق.
"بن سلمان" بات مثل الديكتاتور العراقي المعدوم "صدام"، الذي كان مدمناً لمراكمة السلطة وتحول الى طائش وخطير، وقال ضابط استخبارات غربي سابق: "السلطة في البداية تمنح العظمة، لكن بعد ذلك تأتي الوحدة والشك، والخوف من أن يختطف الآخرون ما اختطفته".. من هنا بدأت رحلة القمع لدى "ابن البدوية" ضد الجميع مستهدفاً بداية رجال الدين والنشطاء والمفكرين والمثقفين والجامعيين من كلا الجنسين ليزج المئات منهم في السجون.. ثم بات يستمتع بكسر المحرمات الدينية وانهيار الشعارات القومية التي كان آل سعود يتشدقون بها طيلة عقود متمادية.. بات استعمال المخدرات والكحوليات وتفشي ظاهرة بائعات الهوى أكثر تفشياً في بلاد الحرمين الشريفين حتى من مدينة كاليفورنيا الأمريكية الشهيرة بدعارتها ومخدراتها وصالات قمارها؛ وقضية الأمة فلسطين في خبر كان.
حادث "الريتز" كانت إحدى العمليات المركزية في ترسيخ سلطة محمد بن سلمان، حيث تمكن من خلالها السيطرة على عدد من أجهزة الأمن وأخذها من الأمراء.. ومن ثم سيطر بالكامل على "أرامكو"، وعين نفسه مديرا للصندوق السيادي "هيئة الاستثمارات العامة، وبنهاية عام 2017، أصبح القانون والمال والأمن في المملكة تحت سيطرته.. وبدأ تهوره يزداد رويداً رويداً وأخذ يكثف من إمعانه في تقييد أعضاء الأسرة الحاكمة خشية من تحركهم ضده، ومنع غالبيتهم من السفر من المملكة دون إذنه حتى وإن كان السفر من أجل العلاج.. وبات يمعن في إهانتهم ويضيق عليهم تحركاتهم وأعمالهم وحتى مجالسهم الخاصة، وأن خوفه من الاغتيال أو العزل يدفعه لارتكاب أعمال همجية بحق كل من هم حوله- وفق مراقبون.
خبراء غربيون أكدوا أن افعال محمد بن سلمان هذه ستؤدي الى تحالف أمراء مع الساخطين عليه وعلى سياسته بغرض منعه من الوصول الى العرش، حيث هناك اتصالات سرية في هذا الإطار منها اتصالات جرت بين بعض أعضاء الأسرة الحاكمة مع عدد من المشايخ لإعادة إحياء التحالف الذي كان قائماً بين المؤسسة الدينية والقوة السياسية والعسكرية بغية الانقلاب على "ابن البدوية" واقصاءه من السلطة.. وهذا ما زاد من مخاوف وتوتر الأخير وأجبر والده على إصدار القرارات المتتالية لتصفية كل من يشك في عدم ولائه له.. ومؤخرا كشف موقع ميدل ايست البريطاني إن المعارضة الملكية قد تمنع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من تولي العرش في المملكة.
استخبارات غربية استندت لتسريبات دبلوماسيين في السعودية عام 2018، كشفت فيها عن مساعي حثيثة بسلاح الحرس الوطني في (الرياض والشرقية وجدة) لتنفيذ انقلاب ضد ولي العهد السعودي "بن سلمان" تقوده قيادات عليا داخل السلاح.. حيث التنسيق العسكري الميداني لضباط كبار في الحرس الوطني اتُخذت بشكل عملي وأن أمراء معارضين لولي العهد ينقلون رسائل سرية بين عمه الأمير أحمد بن عبد العزيز وأبناء عمومته الأميرين متعب بن عبدالله ومحمد بن نايف.. مشددة أنه قد ينجح "بن سلمان" في أن يصبح ملك المستقبل، لكن هذا لن يأتي دون تحديات جدية. إن الطريقة التي يدير بها مختلف القوى التي استفزها وأذلها ستحدد ما إذا كانت خلافته ستؤدي الى بزوغ فجر جديد أو مشاكل جديدة ربما ستكون نهاية سلطة آل سعود على الجزيرة العربية على يده مثلما حدث للاتحاد السوفياتي على عهد غورباتشوف.
وكالة "بلومبرغ" الأمريكية تقول إن "ولي العهد السعودي يواجه لعبة {توازنات معقدة للغاية} بينما يعمل على تعزيز سلطته في المملكة الخليجية الغنية بالنفط".. فيما شدد مراقبون غربيون ومحليون، أن المرحلة القريبة المقبلة ستكون الأكثر خطورة على مصير العرش السعودي خلافاً لكل ما مضى، إذ لم تشهد “السعودية” قلقا وتوتراً أمنيا يطوق بظلاله قصور الأمراء والشارع الشعبي على حد سواء، كما هو الوضع الحالي..لقد حدثت الكثير من المتغيرات، والارتباكات في القيادة السعودية، المرحلة حافلة بالفوضى والتصدّع وبالتحديد في إدارة شؤون العائلة الحاكمة. لا يبدو أنهم سيجيدون ضبط أي حراك شعبي في الميدان والذي قد يقلب الأوضاع رأساً على عقب ويغير وجه البلاد.
ارسال التعليق