سياسة إشعال الحرائق... ومحاولة استنزاف القوى الصاعدة، هل سينقذ أمريكا من الانهيار وعملائها من السقوط المحتوم!؟
[عبد العزيز المكي]
في مقالتنا السابقة أشرنا إلى أن التحرك الأمريكي والصهيوني على صعيد محاولات إقناع النظام السعودي بإعلان رسمي للتطبيع مع العدو بحسب زعم الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية والصهيونية، إنما هو واجهة ومقدمة لمشروع كبير يتحرك عليه الطرفان الامريكي والصهيوني، بجدية وبسرعة ويحشدان له، وذلك لأن الأمريكي كما بات واضحاً، وكما كتب الكثير من الخبراء والمحللين يعيش أزمة داخلية وخارجية مهدد بانهيار الإمبراطورية الأمريكية أو على الأقل غرس مسامير نعشها نحو الانهيار، فمن جهة الاحتقان الاجتماعي يتصاعد حدة واتساعاً بدليل احداث القتل المتنقلة في الولايات المتحدة، والمتكررة بشكل لافت، والتي بحسب اعتراف بايدن باتت تؤذن بانهيار المجتمع الأمريكي وبالتالي انهيار الدولة الأمريكية من الداخل، ولذلك طالب البعض الكونغرس بسن قانون تنظيم أو خطر استخدام السلاح داخل الولايات المتحدة، أما على الصعيد الخارجي فأمريكا كما بات جلياً، تعاني من الضعف ومن انحسار القوة بسبب تراجع قوتها العسكرية، وتفوق خصومها الصين وروسيا، وغيرهما عليها عسكرياً واقتصادياً وتقنياً، ولذلك فإن أمريكا تريد، بل هي شرعت في سياسة استنزاف لخصومها بحرائق الحروب، من أجل المحافظة على هيمنتها وقطع الطريق على القوى الدولية والإقليمية مثل الصين وروسيا وإيران وغيرها من مواصلة الصعود والتفوق عليها وبالتالي تهديد هيمنتها وتهديد عملائها في المنطقة، فهي نجحت في اشعال الحرب الأوكرانية الروسية، وتحاول اشعال الحرب التايوانية- الصينية، واشعال الحرب في منطقة الخليج، وكذلك إشعالها بين الكوريتين، من أجل كما قلنا إضعاف هذه القوى واستنزافها.
وتجدر الإشارة الى ثمة دافع إضافي لاميركا، لإشعال الحرب في الخليج ضد ايران، يتمثل في إضعاف الموقف الروسي في الحرب الأوكرانية من جهة، ومن جهة أخرى ان الحرب على ايران يشكل ضغطاً في سوريا الذي يعتبره الاميركان والصهاينة معرقلاً لكل خططهم في المنطقة والتي تستهدف تغيير الوضع السوري وتصفية المقاومة للعدو والهيمنة الأمريكية في المنطقة، وما يعزز هذا الرأي هو تحرك الكونغرس لمناقشة مشروع أمريكي يتمثل في توحيد مضادات الجو لـ9 دول عربية بالإضافة الى الكيان الصهيوني، وفيما لا يزال النقاش متواصلاً داخل الكونغرس الأمريكي، فأن الهدف من ذلك هو زج الدول الخليجية العربية ومصر والأردن ودول عربية أخرى وحتى تركيا في تلك الحرب التي سوف يشعلها العدو الصهيوني كما سنرى بعد قليل.
أما بالنسبة للعدو فهو الآخر لا يختلف وضعه عن الولايات المتحدة بل أسوأ منها، فعلى الصعيد الداخلي يعيش أزمة خانقة، على صعيد التفكك الاجتماعي وعلى صعيد التراجع العسكري، وباتت شهادات وتحليلات الخبراء الصهاينة متواترة حول قرب انهيار العدو من الداخل ونهاية وجوده، فرئيس الوزراء السابق ايهود باراك قال ان " الكيان الإسرائيلي" لا يمكنه تجاوز عقده الثامن فهو سوف ينهار في اشارة الى نبوءة توراتية.. اما رئيس الموساد السابق تامير باردو والذي ترأس الموساد من عام 2013 الى 2016، فقد أشار الى احتمال انهيار الحلم الصهيوني في ضوء ما يعاني الكيان من أزمات داخلية ومن قوى إقليمية متصاعدة.. وزير الدفاع الحالي بيني غانتس انضم الى جوقة الجنرالات والسياسيين الصهاينة الذين شككوا باستمرار وجود الكيان الغاصب فغانتس وفي جلسة مغلقة عبر عن مخاوفه الوجودية بمستقبل الكيان وقال ان الدولة اليهودية ستتقلص خلال السنوات المقبلة لتصبح مابين مستوطنة غديرا والخضيرة". وهناك العشرات من التصريحات المتشائمة للسياسيين ولجنرالات العدو، حول حتمية زوال " إسرائيل"، ما يؤشر الى ان ثمة قناعة صهيونية متزايدة لدى أوساط صناع القرار من السياسيين والعسكريين، أنهم أصبحوا دولة بدون استراتيجية، كما قالها البعض منهم بشكل صريح، معترفين بأن التهديد الحقيقي لهذا الكيان من الداخل، وفي هذا الإطار أكد الرئيس السابق للموساد تامير باردو، الذي سبقت الإشارة إليه في مقال له لصحيفة ايدعوت احرونوت، نشر موقع عربي 21" ترجمتها أو ملخصها بالعربية في 14/حزيران2022.. أكد هذا الأمر، قائلاً: " أنه بينما كثر الحديث عن التهديدات الكبيرة التي تحوم فوق " إسرائيل" من إيران والفلسطينيين، فإنني أرى التهديد الأكبر يتمثل بنا نحن "الإسرائيليين"، من خلال ظهور آلية تدمير الذات التي تم إتقانها في السنوات الأخيرة، تماماً مثل أيام تدمير الهيكل الثاني، مما يستدعي منا وقف هذا المسار الكارثي قبل نقطة اللاعودة". واستشهد تاميرو على ذلك بالأزمات الاجتماعية والسياسية التي يعيشها الكيان حالياً وتتفاقم يوماً بعد آخر...
اما على صعيد التهديدات الخارجية، فجنرالات العدو قبل سياسيه يؤكدون ان الكيان بات فاقداً لكل عناصر التفوق العسكري الذي كان يتميز به على خصومه العرب، بعد هزيمته المدوية في 2000 وفي 2006 على أيدي أبطال المقاومة الإسلامية في لبنان ،و هزائمه على أيدي أبطال المقاومة الفلسطينية في 2014، وأخيراً في معركة " الرصاص المصبوب"، التي توسل فيها الكيان بترامب لكي يتدخل لدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ليتدخل الأخير لدى قيادة المقاومة الفلسطينية لإيقاف الحرب، وهو ما حصل فعلاً.. ولا نضيف جديداً إذا سردنا اعترافات خبراء العدو العسكريين الذين يؤكدون بين الحين والآخر فقدان العدو للتفوق العسكري على المقاومة، بل ويؤكدون انه فقد كل مقومات الصمود والبقاء أمام سلاح المقاومة اذا حصلت مواجهة مع حزب الله أو مع طرفين من المقاومة، على سبيل المثال، المقاومتين اللبنانية والفلسطينية لامتلاكهما الصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى.
هذه التحديات تعني بنظر المنظرين والخبراء الصهاينة، إذا لم تُواجه فأن مصير العدو الموت البطيء والانهيار الحتمي كما أشرنا، ولذلك هم يرون، أي هؤلاء الخبراء، انه لابد من الحرب لأنها السبيل الوحيد المتاح أمام العدو لعل وعسى أن تتبدل الظروف السياسية والعسكرية والاستراتيجية في المنطقة لصالح بقاء العدو ولصالح هيمنته، ولذلك فالتخطيط الصهيوني يجري بهذا الاتجاه كما سنرى بعد قليل.
إذن إشعال المنطقة بات حاجة صهيونية كما هو حاجة أمريكية، ولكن المشكلة ان الحرب تحتاج إلى تمويل والى عمق لوجستي وجغرافي وما الى ذلك، وهذا ما توفره دول التطبيع الخليجية بالإضافة الى الأردن، وثمة مؤشرات كثيرة توحي بهذا الاتجاه الامريكي الصهيوني منها ما يلي:-
1- تصاعد العمليات الاستخبارية بين الكيان الصهيوني وايران بالتزامن مع تهديدات مسؤولي العدو لمحور المقاومة، تهديدات اقترنت ببعض الخطوات العدوانية، مثل ضرب مطار دمشق واخراجه عن العمل ومثل اقدام الشركة اليونانية النفطية على التنقيب عن النفط في المنطقة البحرية اللبنانية المتنازع عليها، وقبل ذلك المناورات العسكرية الضخمة التي أجراها العدو في الشهر الماضي استعداداً لمحاكات هجوم إيراني بمعية كل قوى محور المقاومة، فكل هذه التطورات تؤشر و وفق نظر المحللين العسكريين إلى ان العدو يريد استدراج إيران ومحور المقاومة إلى حرب حسب توقيته وتوقيت أمريكا، أو انه يريد إشعال الحرب مستغلاً حالة الإرباك والتردد لدى الاميركان الحالية بشأن الحرب من عدمها في المنطقة قبل فوات الأوان. فالعدو يسعى منذ زمن بعيد لإشعال هذه الحرب مع إيران لكن أمريكا ترفض هذه الخطوة لنتائجها الكارثية على أمريكا وعلى العدو نفسه.
2- تفعيل برتوكول التحالف ( الأمريكي- الخليجي بالإضافة إلى مصر والأردن) في قيادة المنطقة العسكرية الأمريكية المختصة في الوقت الذي يواصل فيه الكونغرس الأمريكي نقاشاته، كما أشرنا مسبقاً، بشأن توحيد الدفاعات الجوية لتسع دول صديقة وحليفة لأميركا. فالانطباع لدى بعض العواصم العربية بينها عمان وأبو ظبي بأن سيناريو التصعيد العسكري هو الأرجح وان الجانب الأمريكي منح حكومة العدو الضوء الأخضر لتوجيه "ضربات عسكرية" لمجموعات إيرانية، أو لمجموعات موالية لطهران في سوريا أو لبنان. واقترنت هذه الخطوة الأمريكية، كما هو لافت، بإرسال قوات أمريكية جديدة ضخمة إلى اليمن، وبالضغط على جنرالات حكومة المرتزقة اليمنية لنقل قواتها من حضرموت الى مأرب استعداداً لمعركة كبرى مع الحوثيين كما هو واضح.
3- تحرك أمريكي صهيوني مكثف ومتسارع، بهدف تشكيل قوة إقليمية بقيادة الولايات المتحدة ضد إيران ومحور المقاومة، وتشمل هذه الدول العربية المتحالفة مع واشنطن بالإضافة إلى العدو الصهيوني، اقترن هذا التحرك مع دعوات متكررة لمسؤولي العدو لتشكيل هذه القوة أو الحلف، ففي هذا السياق نقل مكتب وزير الدفاع بيني غانتس عنه قوله، ان مثل هذا التعاون من شأنه أن يعزز قوة جميع الأطراف المعنية، ويرى الكثير من الخبراء ان زيارة بايدن للمنطقة في منتصف تموز القادم سوف يكون هذا الموضوع من أهم محاورها الرئيسية!
على أن المحللين والخبراء العسكريين في المنطقة وفي الغرب يجمعون تقريبا على أن إشعال العدو وأمريكا لأي حرب في المنطقة سيكون أو سيشكل كارثة لهما وقد تؤدي إلى اختفاء العدو من الخارطة نهائياً، والى هزيمة مدوية لأمريكا أخرى بعد هزيمتها في أفغانستان....
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق