ضرب الناقلات...مَنْ يلعب بالنار لإشعال الحرب في المنطقة
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكيبعد أقل من شهر على استهداف أربع ناقلات نفط قرب ميناء الفجيرة الإماراتي، استهدفت فجر يوم13/6/2019 ناقلتان نفطيتان، أحدهما نروجية محملة بشحنة نفط، مملوكة لمجموعة فرونتلاين النرويجية، والثانية سنغافورية، محملة بشحنة كيمياويات، تشغلها شركة شحن يابانية، كان يفترض أن تنقل شحنتها إلى اليابان، وتزامن هذا الهجوم مع زيارة الوزراء الياباني شينزو آبي إلى طهران للتوسط بين الأخيرة وواشنطن، بتكليف من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في زيارته الأخيرة الى اليابان...هذا التزامن أثار الكثير من الأسئلة والشكوك حول الجهة التي قامت بهذا الاعتداء، والذي استهدف ناقلة مواد كيمياوية لليابان نفسها!! بالطبع الولايات المتحدة وعلى لسان رئيسها ترامب ووزير خارجيتها بومبيو، وكذلك على لسان مستشار الأمن القومي جون بولتون، وعدد من وسائل الإعلام الأمريكية، كل هؤلاء سارعوا إلى اتهام إيران بأنها وراء الهجوم على الناقلات النفطية في بحر عمان! وسرعان ما انضم عادل الجبير وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية الى الموقف الأمريكي قائلاً أنه " ليس لدينا سبب يدعونا للاختلاف مع وزير الخارجية (مايك بومبيو)، نحن نتفق معه، إيران لها تاريخ في ذلك " على حد زعمه بالطبع جاءت هذه الاتهامات المتسرعة من جانب الاميركان والسعوديين والتي انضم اليها البريطانيون فيما بعد، وكأنها كانت جاهزة تنتظر هذا الاستهداف لتُتهم إيران بذلك! وهذا ما يثير تساؤلاً آخر حول الجهة وماهيتها التي تقف وراء هذه الهجمات والتي قبلها في ميناء الفجيرة الإماراتي...فالاميركان لم ينتظروا إجراء تحقيق دقيق بشأن هذا الاستهداف، لدرجة انه بعض الأوساط الدولية انتقدت هذه الأحكام الأمريكية المتسرعة مثل روسيا. بل إن الروايات التي استندت إليها أمريكا وحلفاؤها في اتهام إيران، كانت روايات مضطربة وغير مقنعة، فالرئيس الأمريكي ترامب "هناك فيديو يوضح زورق إيراني تابع للحرس الثوري، قرب السفينة اليابانية، يقوم الحرس بنزع لغم لاصق لم ينفجر"!! وفي رواية أخرى قال الأميركان أن الإيرانيين خربوا السفن بالطوربيدات، أما رئيس الشركة المالكة للسفينة التي تحمل مواد كيمياوية لليابان، فقال إن أجساماً طائرة ضربت السفينة، وبالتالي فأن هذا الاضطراب في الروايات يؤشر إلى عدم توفر معلومات دقيقة وجازمة حول عملية استهداف هذه السفن، ونوعية السلاح الذي استهدفها، ناهيك عن الجهة التي تقف وراءها...
معسكر الحرب الأمريكي العربي الصهيوني، المكون من أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات والبحرين بالإضافة إلى الكيان الصهيوني، يقول إن ثمة مصلحة لإيران في استهداف هذه السفن، لأن صادراتها النفطية انخفضت إلى 400 برميل يومياً بعد أن كانت أكثر من مليون و800 ألف برميل يومياً، كما أن لدى إيران خبرة قديمة في حرب الناقلات اكتسبتها في عقد الثمانينات خلال الحرب العراقية الإيرانية، التي استمرت ثمان سنوات..غير أن أكثر المحللين والخبراء في الولايات المتحدة الأمريكية، اعتبروا التسرع في اتهام إيران بضرب الناقلات غير منطقي ما لم تتوفر أدلة دقيقة ودامغة على تورطها، وهذا ما ذهبت إليه السلطات الألمانية إذ رفضت اتهام إيران ما لم تُجري تحقيقات دقيقة تثبت ذلك، ورغم ذلك يصر مؤيد معسكر الحرب في المنطقة ومن يدور في فلكهم، أن إيران، هي التي تقف وراء ضرب الناقلات، فيما نفت إيران نفياً قاطعاً هذه الاتهامات واعتبرت على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف أن ضرب الناقلات أمر مريب، واتهمت الولايات المتحدة وحلفائها بصورة غير مباشرة بهذا العمل، بالقول إن أمريكا باتت تشكل تهديداً للأمن والاستقرار في هذه المنطقة، وعلى خلفية هذه المواقف، لابد من أجراء مقارنة بين ما يصب في مصلحة إيران، وما يصب في مصلحة معسكر الحرب، من وراء استهداف ناقلات النفط بين الحين والآخر، ولنفترض أن إيران هي التي تقف وراء استهداف الناقلات فما هي مصلحتها!؟ يقول البعض أن هناك عدد من المصالح تحققها إيران من هذا الاستهداف منها ما يلي:
1ـ توجيه رسالة لمعسكر الحرب الأمريكي العربي، أن إيران لا تسمح للآخرين بتصدير نفطهم، فيما إيران تُمنع من تصدير نفطها، وحرمانها من الحصول على العملة الصعبة اللازمة لاقتصادها الذي يعاني الآن بسبب الحصار الأمريكي والعقوبات التي فرضتها عليها الإدارة الأمريكية مؤخراً..وهذا الاحتمال قد يكون صحيحاً في حال وصل تصدير النفط الإيراني إلى صفر برميل يومياً، فيما لم يصل التصدير الإيراني إلى هذا المستوى، فباعتراف معسكر الحرب أن إيران ما زالت تصدر 400 ألف برميل يومياً، يضاف أن أحداً لم يستهدف ناقلات نفطها، بالإضافة إلى أن مسؤوليتها يقولون إن لدى إيران طرقها الخاصة في الالتفاف على العقوبات في تصدير نفطها، بالشكل الذي يخفف من عبئ الحصار والعقوبات الأمريكية، وبالتالي فهي غير ملزمة ومضطرة حالياً ببعث مثل تلك الرسائل المشار اليها.
2ـ البعض من جماعة معسكر الحرب يقول، إن إيران وصلت إلى مرحلة الاختناق، وأنها أيقنت انه في ظل الإصرار الأمريكي على إرغامها على التفاوض لعقد صفقة نووية جديدة تحت ضغط العقوبات والتلويح بالخيار العسكري، انه في ظل هذا الإصرار الأمريكي، أيقنت إيران، أن طريق الدبلوماسية مسدود وبالتالي، فهي لا تنتظر "الموت " تدريجياً على شاكلة العراق في عقد التسعينات، إنما لابد أن تجر الأطراف إلى الحرب، لكي تغيّر قواعد اللعبة، من خلال الحرب، وترسم معادلات جديدة وأفاقاً جديدة قد تنفذها من انسداد الأفق الحالي الذي تعيشه في ظل استمرار العقوبات الأمريكية، ومرحلة اللا حرب واللا سلم...وهذا الرأي قد يكون مقبولاً في حالة أن وصلت الأمور في إيران إلى ما تصفه تلك الأوساط، لكن الذي يعيش في إيران، وفي طهران تحديداً، يدرك أن الأمور ليست بتلك الحراجة التي يتحدث حولها هؤلاء، صحيح أن هناك غلاء في أسعار المواد، صحيح أن هناك ارتفاع في أسعار السيارات والحاجات المنزلية، إلا أن الأمور مازالت جارية بشكل عادي، والوضع الاقتصادي بشكل عام لم يستدعي إلى الانتقال إلى مرحلة الحرب، فلم يصل إلى المرحلة الحرجة على العكس تماماً، إذ شهد بعض التحسن، حتى أن أسعار السيارات تراجعت الى حد كبير،عن المستويات من الأسعار التي وصلت إليها في الأسابيع أو الأشهر الماضية.
3ـ هناك من يظن أن مصلحة إيران ارتفاع أسعار النفط من خلال تلك الاستهدافات، لتفويضها المردودات المالية الناجمة عن انخفاض صادراتها النفطية من جانب ومن جانب آخر سيشكل ارتفاع الأسعار النفطية ضغوطاً على الاقتصادات الأوربية والأمريكية، ما يخلق ذلك ظروفاً ومناخات تؤثر على خطوط فوز ترامب في ولاية ثانية، وتدفع الأوربيين إلى التحرك بجدية أكبر للتخفيف من وطأة ضغوط العقوبات الاقتصادية على إيران، وذلك بالطبع غير مقنع، لأن التحركات الإيرانية الدبلوماسية توحي إلى عكس هذا التصور، فالرئيس الايراني حسن روحاني، صرح أكثر من مرة أن إيران تعارض توتير الوضع في المنطقة، واتهم أمريكا صراحة وعملائها وحلفائها، بتوتير المنطقة، كما أن وزير خارجيته محمد جواد ظريف طرح مبادرة، تقضي بإبرام معاهدة بين إيران وجاراتها العربيات وغير العربيات، عدم اعتداء، وذلك لمنع أمريكا والكيان الصهيوني من توظيف واستغلال ظروف المنطقة لصالح أجنداتهما في التصعيد وفي ممارسة الضغوط على الجهات الإقليمية التي تعارض مشاريعهما وسياساتهما غير المشروعة في تلك المنطقة.
4ـ البعض يقولون، إن إيران أرادت باستهداف الناقلتين النفطيتين إفشال مهمة رئيس الوزراء الياباني السيد شينزو آبي، الذي كان موجوداً في طهران وقت استهداف السفينتين النفطيتين، وهذا أيضاً غير صحيح، لأن إيران لو كانت ترفض الوساطة، لرفضت استقبال شينزو، ولرفضت قبله استقبال للمسؤولين العراقيين والقطريين والعمانيين وغيرهم، إيران أعلنت انه يمكن التفاوض مع أمريكا إذا أبدت حسن نية في رفع الحصار والعقوبات وفي الرجوع إلى الاتفاق النووي، لأن خروجها من النووي جعل طهران لا تثق بواشنطن ووعودها وأي اتفاق جديد معها، كما أن إيران ترفض المفاوضات تحت الضغوط، لأنها تعني بنظر المسؤولين الإيرانيين، استسلاماً واملاءاً، وهذا غير ممكن بنظرهم ومرفوض جملة وتفضيلا...
هذه الأمور وغيرها، هي التي جعلت صحيفة النيويورك تايمز تشكك باتهامات الإدارة الأمريكية لإيران، حيث شبهت ما يقوم به ترامب الآن بإطلاق الاتهامات لإيران بما كان الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون قام به باتهام الفيتناميين بارتكاب حادثة ما يسمى " بحادثة خليج تونكين ". وقالت في عددها ليوم15/6/2019 " وبالعودة إلى التاريخ كان الرئيس ليندون جونسون، قد أقنع الكونغرس بمحنه الإذن بتدخل عسكري أمريكي أكبر في فيتنام، وذلك في أعقاب ما يسمى بحادثة خليج تونكين، حيث تم اتهام الفيتناميين الشماليين بمهاجمة المدمرات الأمريكية في ذلك الخليج عام1964م، وقد توصل المؤرخون إلى أن الهجوم لم يحدث قط، وأنها كانت حيلة من جونسون، يعتبرها العالم الآن عملية تضليل زائفة". ثم تتساءل الصحيفة على خلفية الاستهدافات لناقلات النفط قبالة الإمارات وفي بحر عمان قائلة "فهل يمكن أن يكون هجوم (خليج عمان) نسخة القرن الحادي والعشرين من حادثة خليج تونكين"؟
ما يعني ذلك، أن بعض الأوساط الإعلامية والسياسية في أمريكا ترجح أن ضرب الناقلات، هو قد يكون من صنع أمريكا، أن من صنع حليفها الكيان الصهيوني، أو عملائها، السعودية والأمارات، لأن هناك أكثر من مصلحة لهؤلاء ولأميركا في رفع التوتر في تلك المنطقة...منها ما يلي:
1ـ إن النظامين السعودي والإماراتي وحليفهما العدو الصهيوني يسعيان منذ مجيء ترامب وحتى اللحظة لجر أمريكا وتوريطها في حرب مع إيران، لأنها والكيان الصهيوني يدركون أنهم لا يستطيعون بمفردهم محاربة إيران، وهذا ما بات واضحاً، ولأن أمريكا حاليا لا تريد التورط في حرب جديدة فلا يستبعد أن يكون أحد هؤلاء، وراء استهداف السفن النفطية...واللافت أن حساب (بدون ظل) الإماراتي المشهور الذي يعرف نفسه على انه ضابط بجهاز الأمن الإماراتي، أكد أن الإمارات هي من تقف وراء استهداف الناقلات...ففي تغريدة له في 13حزيران2019 قال (بدون ظل).. "جهازنا الأمني خلف استهداف السفن، التي استهدفت اليوم للمرة الثانية، وذلك لإرغام إيران للتفاوض مع أمريكا، حتى يكسب الرئيس ترامب الانتخابات القادمة، وفي حالة رفض إيران ستشاهدون المزيد من العمليات الإرهابية للاستمرار في الضغط والموافقة على قبول التفاوض".
2ـ أن الكثير من المحللين والخبراء في المنطقة، بل وحتى في الولايات المتحدة يقولون إن رفع مستوى التوتر في المنطقة يخدم أميركا، ففي الاستهداف الأول قبل أقل من شهر للسفن النفطية قبالة ميناء الفجيرة الإماراتي نجحت الإدارة الأمريكية في عقد صفقات بيع أسلحة لكل من الإمارات والسعودية بأكثر من "8" مليارات دولار، كما أن هؤلاء الخبراء يقولون إن التوتر الأخير عزز من موقف ترامب وإدارته الرافضة لمحاولات الكونغرس الأمريكي الرامية إلى سن قانون يحدد حرية ترامب في توريد الأسلحة للنظامين السعودي والإماراتي بعد ما ثُبت بالدليل القاطع أنهما يستخدمان هذه الأسلحة ضد المدنيين العزل في اليمن وذلك ما أحرج الولايات المتحدة التي تدعي بالدفاع عن حقوق الإنسان، وما إلى من المزاعم الأمريكية في هذا الإطار.
3ـ لأن الولايات المتحدة وحلفائها وعملائها أخفقوا في تشكيل تحالف دولي لمواجهة إيران، حيث رفض الأوربيون الانخراط في الالتحاق بمثل هذا التحالف الذي ظل الاميركان والسعوديون والصهاينة يسعون لإقامته، ومنذ مجيء ترامب إلى البيت الأبيض...لأنهم أخفقوا في تشكيل هذا الحلف، فهم يحاولون خلق مناخات وظروف أمنية مناسبة لجر الأوربيين لهذا الحلف من خلال تهديدهم بمصدر الطاقة، الذي لو انقطع فسوف يؤدي إلى انهيارات كبرى في الاقتصادات الأوربية، وذلك من خلال ضرب الناقلات ومحاولة التهديد برفع الأسعار النفطية الذي لا تتحمله هذه الاقتصادات...وما يعزز هذا الرأي، هو أن مسؤولي النظام السعودي سارعوا إلى اعتبار (ضرب إيران للناقلات) بحسب زعمهم هو تهديد للملاحة الدولية، ودعوا المجتمع الدولي، في إشارة واضحة إلى الدول الغربية إلى المشاركة في مواجهة (التهديد الايراني) بحسب ادعاءهم، كما جاء ذلك على لسان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وعلى لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، وحتى على لسان وزير الطاقة السعودي خالد الفالح!! وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد هو الآخر طالب المجتمع الدولي بالمشاركة في الدفاع عن الممرات البحرية لحماية مرور الطاقة، فكل هؤلاء نعقوا وراء وزيري الخارجية والدفاع بالوكالة الأمريكيين بومبيو وشاناهان، اللذين قالا نحن بصدد تشكيل حلف دولي لحماية الملاحة في الخليج، ذلك أن الاميركان لا يريدون كما أشرنا التورط بشكل مباشر في حرب مفتوحة مع إيران وحلفائها في المنطقة، لأن ذلك، كما هو معروف يتعارض مع مزاج الشعب الأمريكي، وبالتالي فأن انخراط أمريكا في تلك الحرب سوف يقضي على حظوظ ترامب في الفوز بولاية أخرى، ولذلك فأن تشكيل مثل هذا الحلف الذي تسعى إليه واشنطن وعملاؤها في المنطقة، يبرر لها الانخراط في أي حرب مقبلة مع إيران أمام الشعب الأمريكي، في الوقت الذي تعتقد فيه، أن هذا الحلف سوف يخفف عنها أعباء خسائر الحرب واستحقاقاتها التي ستكون مكلفة جداً بنظر الخبراء العسكريين الأمريكان وغير الأمريكان، والتي يمكن أن تؤدي إلى ارتدادات سلبية على الداخل الأمريكي ذات بعد استراتيجي، كما أشار إلى ذلك أكثر من تقرير أمريكي استراتيجي.
ارسال التعليق