عمليات "إعصار اليمن الثانية "...وخيارات الإمارات الصعبة، أما الانسحاب من الحرب أو الانتحار!
[عبد العزيز المكي]
بينما لاتزال المركز الاستراتيجية الأمريكية والغربية وحتى الصهيونية والمحللين العسكريين والأمنيين فيها.. تواصل الجدل والنقاش والتحليل، حول التداعيات والآثار التي تركتها وسوف تتركها عملية إعصار اليمن الأولى، استهدف فيها أنصار الله أهدافاً عسكرية واقتصادية في أبو ظبي ودبي مستخدمين الصواريخ الباليستية والمسيرات الملغمة شرح المتحدث بإسم الجيش اليمني واللجان الشعبية العميد يحيي سريع تفصيلاتها وجزئياتها، وما يميز العملية الثانية التي قال سريع أنها تحذيرية أيضاً للسلطات الإماراتية، هي استهداف قاعدة الظفرة العسكرية في أبوظبي، التي تتمركز فيها القوات الأمريكية.. وتعد هذه القاعدة من أهم القواعد العسكرية في المنطقة، حيث تحتضن الفرقة الجوية الامريكية380 وسرب الاستطلاع 99 الذي يعد المسؤول عن توفير المعلومات الاستخبارية الحرجة لاعلى مستويات القيادة في واشنطن، وتضم القاعدة مابين (3500و3800) جندي أمريكي. والقاعدة تعد الوحيدة من نوعها خارج حدود الولايات المتحدة، تضم أنواعاً متطورة من الطائرات، حيث تضم القاعدة اكثر من 60 طائرة متنوعة، منها سرب من مقاتلات إف-15 إس، وطائرات متنوعة مخصصة لتزويد الطائرات بالوقود. كما ان الولايات المتحدة دعمت هذه القاعدة بسرب من طائرات اف-16، وتعد المقر الرئيسي للقوات الأمريكية في دول المنطقة، وشاركت في عمليات الأجلاء من أفغانستان بعد الاحداث الأخيرة.
وتستخدم الولايات المتحدة القاعدة للتجسس على دول المنطقة، بالإضافة الى مهمات استراتيجية ولوجستية تضطلع بها هذه القاعدة، الأمر الذي يعني أن استهدافها وإستهداف الأهداف الأخرى في الامارات ينطو على الكثير من المعطيات نشير الى بعضها بما يلي:-
ان العملية تنطوي على قدر كبير من التحدي والجرأة والاقتدار أيضاً فرغم ادعاء " التحالف السعودي الإماراتي" انه قضى على مخزونات الصواريخ والمسيرات اليمنية، ورغم السيطرة المطلقة والمتواصلة لهذا التحالف على أجواء اليمن، الّا ان الجيش اليمني واللجان الشعبية تمكنا من اطلاق هذا الكم الهائل من الصواريخ والمسيرات نحو أهدافها في الأمارات وكذلك في السعودية وإصابتها بدقة عالية بشهادة وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون، فقد أقروا بأن أنصار الله باتوا على مستوى كبير من التطور في صناعاتهم العسكرية، لاسيما صناعة الصواريخ والمسيرات.
و بنظري ان التحدي اليمني يحمل رسائل متعددة ولاطراف متعددة، من هذه الرسائل ما يلي:
رسالة تحدي للولايات المتحدة والكيان الصهيوني مفادها ان قواعدكم العسكرية وقواتكم باتت تحت مرمى صواريخنا وضمن مديات مسيراتنا، ونمتلك الارادة الحديدية لضربكم وقصف قواعدكم ان تماديتم في دعم هؤلاء الادوات النظامين السعودي والإماراتي، وواصلتم المشاركة في هذا العدوان على الشعب اليمني المظلوم، بمعنى ان هذا الاستهداف اليمني للوجودات الامريكية قد يتكرر في سقطري وميون وفي المدن السعودية والمدن الاماراتية وفي اليمن نفسها، بمعنى آخر، ان الاميركان والصهاينة يجب ألّا يعتبروا أنفسهم من الآن فصاعداً ان استمروا في دعم العدوان، أنفسهم وقواعدهم في الامارات وفي السعودية وفي الجزء الجنوبي المحتل من اليمن بمأمن من الاستهداف من قبل القوتين اليمنيتين الصاروخية والجوية. وهذا بحد ذاته يشكل نقلة جديدة في الحرب جعلت أمريكا والكيان الصهيوني طرفاً أساسياً في هذا العدوان الى جانب السعودية والامارات بعد ما كانا يعتبران أنفسهما أنهما يقفان في الوسط وانهما يدعمان السعودية والامارات سياسياً، بل ان أمريكا نصبت نفسها وسيطاً بين أدوات العدوان السعوديين والأماراتيين وبين أنصارالله! يضاف الى ذلك، ان أنصار الله أرادوا إعلام الأمريكيين، ان انخراطهم في إرتكاب المجازر المروعة والدموية بحق ابناء الشعب اليمني بقصف احيائهم ومساكنهم وتهديمها على رؤوسهم وهم نيام، وتقطيع أوصالهم ودفنها تحت ركام البيوت المهدمة.. ان هذا الانخراط في ارتكاب تلك المجازر لا يمر بدون جواب وبدون رادع.
ورسالة الى الإماراتي، أقصد القيادة الاماراتية، أن انخراطها بالصورة التي تابعناها مؤخراً في شبوة ومأرب، سينطوي على أثمان باهظة، لان الاقتصاد الإماراتي، اقتصاد هش باجماع كل الخبراء الاقتصاديين وانه يعتمد على المردودات النفطية وعلى الاستثمارات الخارجية، وبالتالي ان توالي الضربات لهذين القطاعين سوف يؤدي الى إنهيار الاتحاد وفرط عقده وسقوط النظام الأماراتي. فقد اعتبر " مركز ستراتفور" الامريكي للدراسات الاستخبارية، بحسب مانقلت عنه صحيفة الاخبار اللبنانية في 26/1/2022، ان الهجمات على الأمارات قد تؤدي الى سلسلة من الضربات التي ستقوض سمعة البلاد كمركز تجاري آمن، لافتاً- اي المركز الامريكي المذكور- الى ان الإماراتيين يخشون من إثارة مواجهة عسكرية قد تخيف السائحين والشركات والمستثمرين، وهي ركائز أساسية لاستراتيجية الدولة للتنمية الاقتصادية ونقلت الصحيفة اللبنانية عن وكالة رويترز قولها، أنه " للمرة الاولى يشعر بعض سكان أبو ظبي بالقلق حيال الوضع الأمني بعد هجومبن صاروخيين في غضون إسبوع على عاصمة دولة الأمارات التي تزخر بالأبراج الشاهقة والمتاحف العالمية بجانب حلبة لسباقات فورمولا! ". وهذا ما جاء في تعليقات الكثير من الصحف والمواقع الالكترونية الغربية والامريكية، فمثلاً، ان موقع سي جي ويرليمان، إنسايد أرابيا، نشر تقريراً حول الضربات اليمنية للامارات، ترجمه موقع الخليج الجديد في 27/1/2022 جاء فيه، ان هذه الهجمات تطرح أسئلة مهمة بالنسبة لسمعة وأمن الامارات حيث استثمرت مليارات الدولارات في الترويج لسمعتها كبوابة للعالم وكملاذ آمن بعيداً عن الاضطرابات والعنف في الدول العربية المجاورة، بالرغم من تورطها في النزاعات المسلحة في جميع أنحاء المنطقة. كما أشار التقرير الى سقوط مزاعم الامارات بأنها " سويسرا" الشرق الاوسط، بعد هذه الهجمات الصاروخية، واكد التقرير ان استمرار هجمات اليمن على الامارات سوف يؤدي الى إنهيار " نظرية الملاذ الآمن"، وقد تدفع تلك الهجمات المستثمرين الدوليين والسياح الدوليين والعمال المهاجرين الأجانب الى الفرار وترك الامارات، الامر الذي يؤدي ليس الى شلل الاقتصاد الاماراتي وحسب وانما الى شلل الحياة العامة كلها في البلاد.
من جهتها علقت وكالة ما ذهبت اليه الاوساط السابقة من تحليلات ومن تداعيات كارثية على الأمارات لهذه الهجمات اذا تكررت، حيث اشارت الى تأثيرات هذه الهجمات الاقتصادية والأمنية، بعد سلبها الامارات (الواحة الآمنة) التي سوقها الاعلام الاماراتي طيلة الفترة الماضية! واشارت الوكالة الأمريكية الى ان " هجوم الحوثي الأخير تسبب في تعطيل حركة الملاحة لمدة ساعة في مطار أبو ظبي الدولي، موطن شركة الاتحاد للطيران المتخصصة لرحلات المسافات الطويلة". ونقلت الوكالة الامريكية عن توربجن سولتفيدت المحلل في شركة استشارات المخاطر "verisk Maple croft" قوله: " اذا إنتهى الأمر بهذه الأنواع من الهجمات الى الحدوث على أساس أسبوعي كما يحدث في السعودية، فأن ذلك سيغير مفهوم مشهد التهديد في الأمارات ومستواه " وتابع هذا المحلل قائلاً: " بأن القلق سيكون أوسع اذا بدأنا في رؤية هجمات ضد البنية التحتية المدينة ".
و نختم هذه الفقرة بحديث الخبير الاقتصادي حسام عايش لموقع " الخليج اون لاين " في 24/1/2022 حول تلك الهجمات، الذي قال فيه " ان الاستهداف الحوثي لعاصمة الامارات فيه الكثير من التداعيات الاقتصادية والأمنية " مضيفاً.. " هذه التداعيات ستكون كبيرة اذا ما تبين ان الهجوم كان كبيراً، أو اذا ما تبين ان هناك تقصيراً في رصد الهجوم والتصدي له، أو اذا كانت هناك هجمات إضافية خلال الفترة المقبلة". وتابع: ان " صورة دولة الأمارات وسمعتها باعتبارها دولة رفاهية عالية واقتصاد وخدمات رفيعة المستوى ستتضرر بشدة اذا تواصلت هذه الهجمات". وبعد شرحه المفصل للاثار المدمرة للاقتصاد الاماراتي اذا استمرت تلك الهجمات قال الخبير الاقتصادي حسام عايش، مشدداً على ان " الاقتصاد الإماراتي حساس جداً تجاه هذا النوع من الأحداث، لأنه اقتصاد رفاهية عالية المستوى، وأي خدش في الاستقرار يؤثر مباشرة في أداء الاقتصاد وقدرته على النمو والتطور".
و ما تقدم يؤشر بوضوح على ان ثمة إجماع لدى أغلب الاوساط الاعلامية والسياسية، واوساط الخبراء على ان تلك الضربات سوف تؤدي الى إنهيار وتفكك المنظومات الاقتصادية والتجارية الاماراتية وحتى المنظومات الأمنية والعسكرية.
إن عملية إعصار اليمن الثانية أكدت للإماراتيين خطأ حساباتهم فيما يخص مشاركتهم في التصعيد الأخير وسقوط كل الرهانات التي كانوا قد وعدوا بها من قبل السعوديين والاميركان الذين استدرجوهم الى هذا الفخ، فعلى ما يبدو ان الأميركان والسعوديين قبل التصعيد الأخير أقنعوهم بالمشاركة في تحريك ميليشيات الامارات " قوات العمالقة " نحو جبهات شبوة ومأرب، وتكثيف القصف الجوي على القوات اليمنية ( الجيش اليمني وانصار الله)، وقصف المدن الشمالية الرئيسية، مثل صنعاء وصعدة، وفق استراتيجية الأرض المحروقة، فحسب تقديرات الاميركان والسعوديين، ان التحرك العسكري بالمواصفات المشار اليها، سوف يضمن أحد أمرين، اما فرض معادلة عسكرية جديدة ترغم انصار الله على الجلوس على الطاولة، والقبول بتسوية بحسب المواصفات والمقاسات السعودية الاماراتية والامريكية، وأما يحصل انهيار تام في جبهة الحوثيين العسكرية حتى صنعاء وبالتالي إخراجهم منها وحصرهم في "كهوف الجبال وصعدة" كما كان النظام السابق يفعل ذلك، فعلى أساس هذا التصور انخرطت الأمارات في التصعيد الاخير للحرب، سيما وان ما روج له إعلام " التحالف السعودي" والاعلام الغربي حول " الانتصارات" التي حققتها قوات العمالقة شجع الأمارات اكثر في التحمس للانخراط بهذه اللعبة، اذ كان تصور الاميركان والسعوديين بأن القصف المركز والمدمر لصنعاء وللمواقع الحوثية الحساسة يسلب من أنصار الله المبادرة، عن الرد باطلاق الصواريخ البعيدة المدى والطائرات المسيرة نحو العمقين السعودي والإماراتي، بينما تبين ان انصارالله انسحبوا من جزء من بيحان وحريب لأنها أرض مسطحة وبقاءهم هناك يعني سيكونون أهدافاً سهلة للطائرات السعودية والإماراتية، ولذلك إنسحبوا نحو المناطق الجبلية وتلك التي تعتبر تضاريسها مضاريس وحامية للمقاتلين من قصف الطائرات، وهذا ما اكدته التقارير وشهادات حتى أنصار " التحالف" من بعض السياسيين والاعلاميين، حيث اكدوا هذه الحقيقة واستدلوا عليها بالمقتلة العظيمة التي تعرضت لها قوات العمالقة في بيحان وعسيلان وحريب اذ فقدت هذه القوات اكثر من 800 عنصراً بين قتيل وجريح وأسير بينهم قيادات رفيعة لدرجة ان أطلق بعض قيادات الجنوب الموالية للامارات، على هذه المقتلة في صفوف العمالقة بالمحرقة المتعمدة من قبل " قوى التحالف" للتخلص من القوة الجنوبية بحسب زعمهم.. وبالاضافة الى ذلك فأن استراتيجية " التحالف"، الأرض المحروقة لم تسلب من أنصارالله المبادرة في ضرب العمقين الاماراتي والسعودي، بل على العكس جاءت عمليات الاعصار اليمنية التحذيرية منها والتدميرية سريعة وقوية ودقيقة جداً بشهادة الخبراء الأميركان والصهاينة، كما اشرنا فيما مضى من السطور. ذلك ما اشارت اليه الكثير من الاوساط الاعلامية في الضرب وفي الكيان الصهيوني، فعلى سبيل المثال قالت صحيفة " التريه نتوزيه " altrenotizie" الايطالية في 27/1/2022 " ان الهجمات على ابو ظبي تبشر بعرقلة مخططات أبو ظبي والرياض في اليمن. وان القوات المسلحة اليمنية أثبتت أنها باتت أقوى من أي وقت مضى.. ومع تغيّر ميزان القوى لصالح صنعاء، يبدو أن أهداف أبو ظبي الاستراتيجية الاقليمية تعرضها للخطر". وتحدثت الصحيفة مطولاً عن تطور قدرات الجيش اليمني واللجان الشعبية وكيل الضربات للمعتدين السعوديين والاماراتيين. أما في الجانب الصهيوني فقد عرض محلل الشؤون العربية في القناة13 العبرية تسفي يحزيكالي، تقريراً تحدث فيه عن تهديد أنصار الله في اليمن وكيفية تعاظم هذا التهديد الى حد أصبح يشكل خطراً على " اسرائيل" بعد الهجمات الاخيرة في الامارات.
ان تصريحات يحزيكالي الآنفة تؤكد بوضوح وصول رسالة انصار الله للعدو الصهيوني، فانصار الله ارادوا بهذه العمليات كبح الاندفاع الصهيوني وأيضاً الاميريكي في الذهاب بعيداً في تبني الاستراتيجية العسكرية الاخيرة، بمعنى انصارالله ارادوا القول انكم من ضمن اهدافنا وهذا ما حذر منه فعلاً يحزيكالي لجدية القرار اليمني بالقول " إن أنصارالله بعد دبي والسعودية سيأتون الينا، وهذا يعني ان التهديد جدي و" اسرائيل" في يوم من الأيام ربما تستعد لذلك، إنهم تهديد، ولديهم صواريخ قادرة على الوصول الى ايلات". وهناك الكثير من الصحف الصهيونية تناولت هذا الأمر وذهبت الى ما ذهب اليه محلل الشؤون العربية للقناة13 العبرية، وعبرت بوضوح عن قلق القيادة الصهيونية من احتمال فقدان العدو التمويل الأماراتي من جانب وكذلك الاستثمار في هذا البلد اذا انهار الاقتصاد الاماراتي اذا استمرت ضربات انصارالله. ما يعني ذلك ان انخراط العدو في هذه الحرب مشاركة ودعماً للمعتدين له ثمن باهض جعل العدو يفكر بجدية بسبب نجاح أنصار الله في فرض معادلة الردع واثباتهم تفوقهم النوعي على الاعداء.
على أي حال، امام هذه الورظة وجدت القيادة الاماراتية نفسها معلقة بين خيارين احلاهما مر، اما ان تنسحب وتتراجع وتسحب مرتزقتها من شبوة ومأرب لتضمن سلامة عمقها، واما ان تواصل التصعيد مع حتمية الانهيار الاقتصادي والسياسي وحتى العسكري، ولذلك سارعت بعد عملية اعصار اليمن الثانية الى التحرك في كل الاتجاهات، حتى مع أنصارالله أنفسهم، بهدف احتواء هذه الورطة والخروج من المأزق، ويبدو انها اختارت الخيار الاول، حيث اوعزت الى مرتزقتها من العمالقة والدواعش الى الانسحاب تحت لافتة إعادة التموضع في شبوة ليوقف أنصار الله تهديداتهم للامارات.. ولكن الانصار أعلنوا ان الانسحاب الإماراتي لا يستبعد ان يكون مناورة جديدة لامتصاص الصدمة، ولذلك فهم يراقبون الموقف ويحكمون على جديته من عدمها بحسب تطورات الميدان والممارسة العملية من الجانب الأماراتي حينذاك، اذا كان الامر جاداً سوف يمتنعون عن قصف العمق الأماراتي. وفي كلا الخيارين هناك هزيمة ساحقة تنتظر النظام الاماراتي.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق