عملية تسويق سلمان وابنه تصطدم بمعارضة الشعوب
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكيلا نجانب الحقيقة، إذا قلنا إن جريمة الغدر بالصحافي جمال خاشقجي ثم قتله وتقطيعه وثم تذويب جثته وبهذه البشاعة، بعد دخوله قنصلية بلاده في إسطنبول بتركيا، فرقت ما تبقي من نسيج مزيف، صنعه الذباب والبعوض الإعلامي السعودي والإعلام العربي والغربي الأجير حول الوجه الحقيقي للنظام السعودي، الوجه الإرهابي العدواني والقاتل، صاحب المنشار والاسيد والمصادر للحريات، صحيح أن النظام رغم كل الجرائم التي ارتكبتها قطعانه التكفيرية في العراق وسوريا ومصر والصومال والنيجيريا وليبيا وافغانستان، وحتى في بعض العواصم الأوربية، ساهمت في إزاحة الستار الذي صنعه الأعلام الآنف، عن بعض من عيوب وجه النظام القبيحة إلا انه لم ينكشف على حقيقته للرأي العالم العربي والغربي بالشكل الذي تابعنا ورأيناه في الفترة، من مقتل خاشقجي، وحتى قيام ترامب الرئيس الأمريكي بتبرئة بن سلمان من دم خاشقجي، حيث تمت تعرية هذا النظام، وانكشف على حقيقته للرأي العام، وأعيد النظر من كثير من الأوساط السياسية والإعلامية الغربية بما يقوم به من جرائم ومذابح بحق الشعب اليمني المظلوم، تجلّى ذلك بسيل التصريحات والتحليلات والمطالبات من كثير من هذه الأوساط بضرورة استبدال بن سلمان، بأمير آخر، وبوقف الدعم العسكري للنظام السعودي، ولعل أشد زخم لهذه الموجة، هو من الولايات المتحدة، فـ (السي آي أي) أكدت بعد زيارة رئيسة هذا الجهاز جينا هاسبل لتركيا، أن بن سلمان هو المسؤول المباشر وهو المتهم الرئيس في جريمة خاشقجي، وشكل هذا التأكيد دافعاً إضافياً للعديد من الأعضاء الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي للمطالبة بتغيير بن سلمان، وبقطع المساعدات العسكرية عنه، هذا بينما لم تتوقف حملة الصحافة الأمريكية والغربية، البريطانية منها على وجه الخصوص في الاتجاه المذكور حتى الآن، رغم أن ترامب حسم الأمر كما أشرنا، وبرأ بن سلمان وكذّب (السي آي إي)، ورفض معاقبة النظام السعودي، لأن هذه المعاقبة تعني تهديداً " لإسرائيل"، بحسب ما اعترف به ترامب نفسه، الذي قال انه لولا النظام السعودي لرحلت " إسرائيل" أي لقضي عليها منذ زمن بعيد..
وبدون شك أن انكشاف وتعرية النظام من شعاراته المزيفة، ومن عباءته الإسلامية، وظهوره على حقيقته، تسبب في اهتزاز قواعد النظام السعودي برمته، خصوصاً بعد ما ظل العالم يترقب الوضع السعودي حول مصير بن سلمان بعد المطالب والدعوات، كما أشرنا من مسؤولين أمريكيين وغربيين بإزاحة هذا الرجل المتهور والذي يمكن أن يعرض المصالح الأمريكية والغربية إلى التهديد بسبب سياساته الحمقاء والمتهورة..ولعل ما يؤكد هذا الاهتزاز في قواعد النظام، الارتباك والتخبط الذي ساد تحركات النظام وردود أفعاله على قضية جريمة خاشقجي، وعلى الاتهامات التركية والغربية والأمريكية لبن سلمان بارتكاب هذه الجريمة بأمر مباشر منه، بل أكثر من ذلك أن مجتهد ذكر أن بن سلمان جلب قوات مسلحة لحمايته من انقلاب تقوم به أجنحة النظام المناوئة له، وتسقطه وأيضاً تسقط أبوه الملك سلمان..
على أن وقوف ترامب ومن وراءه بنيامين نتنياهو خاصة بالإضافة إلى اللوبي الصهيوني الأمريكي، وراء بن سلمان وأبيه سلمان وحمايتمها من تحديات تحركات الأسرة السعودية وكذلك من تحديات تحركات الشعب الغاضب ضد هؤلاء في المملكة..كل ذلك جعل الملك سلمان وابنه يتنفسان الصعداء، ثم يتحركان لمحاولة إعادة الصورة السابقة للنظام السعودي ولمحمد بن سلمان، تلك التي كان سوقها بحملاته الإعلامية وبشراء الأبواق الأجنبية على انه "رجل المرحلة" "المصلح" الذي يريد أن ينقل السعودية إلى مرحلة جديدة، و"زعيم الدول الإسلامية" و(إمام السنة) وما إلى ذلك من الشعارات والعناوين التي ساهم الإعلام الصهيوني في الترويج لها خلال الفترة الماضية، والتي قال أنها سقطت بالضربة القاضية بعد انكشاف حقيقة النظام الإرهابية الدكتاتورية والإجرامية أمام الرأي العالم الداخلي والخارجي..
تلميع النظام، وإعادة تأهيل بن سلمانكان أحد المعلقين الصهاينة قد كتب قبل أيام، ان سقوط، أو استبدال بن سلمان يشكل كارثة بالنسبة إلى كيان الاحتلال، وحتى إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أيضاً المعلقة في صحيفة هاآرتيز غرين فيلد أكدت ما قاله الكاتب الصهيوني الآنف، وقالت إن عزل بن سلمان سيكون مدمراً " لإسرائيل"..ما يؤكد ذلك أن ثمة تعويل كبير من جانب الصهاينة وإرادة ترامب على ما سيقوم به بن سلمان لهم في المنطقة، وهذا ما أوضحه ترامب نفسه، وأيضاً نتنياهو وسفيره في واشنطن رون ديرمر، حيث نقلت القناة العاشرة " الإسرائيلية" أن نتنياهو تحدث مع كبار المسؤولين الأمريكيين حول مقتل خاشقجي، وأوضح لهم أن الرياض شريك استراتيجي في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، مؤكداً دعمه لابن سلمان في ضوء مقتل خاشقجي على حد زعمه..وكما قلنا إن المهمة الصهيونية كانت في إنقاذ بن سلمان من تهمة قتل خاشقجي وهم نجحوا إلى حد ما، على الأقل في ارغام ترامب على تبرئة بن سلمان، رغم التأكيد (السي آي إي) في تقريرها انه المسؤولون الرئيس عن مقتل خاشقجي..صحيح أن القضية مازالت تتفاعل دولياً وإقليمياً لكن إلى حد ما الصهاينة نجحوا في تخليص بن سلمان من تبعاتها..بيد أن بن سلمان لا يمكنه والحال هذه إكمال الدور الذي رسمه له الصهاينة للقيام به، لأن قضية مقتل خاشقجي كما قلنا هزت النظام نفسه وهزت صورة بن سلمان بل حاصرت وضيقت على النظام لذلك رأى الصهاينة والأميركان انه لابد من إعادة تأهيل بن سلمان ليواصل مشواره في تنفيذ وتمشية الأمريكية الصهيونية في المنطقة، ولابد من عملية ترميم للنظام نفسه، لتحقيق هذه الغاية تحرك الملك سلمان وابنه، وإعلامها على الصعد التالية:-
1. تحرك الملك سلمان داخلياً، حيث قام هذا الأخير ولأول مرة منذ توليه العرش في2015 بجولة استغرقت أسبوعا، زار خلالها منطقتي القصيم وهائل الواقعتين شمال غربي الرياض،وقادته هذه الجولة أيضاً إلى منطقة الحدود الشمالية، حيث تم تدشين مشاريع جديدة بتكلفة تقارب23مليار دولار، وحاول الملك سلمان قدر المستطاع استرضاء سكان المملكة من خلال هذه الجولة ومن خلال الوعود وإطلاقها بإجراء هذه المشاريع، ومحاولته إعطاء انطباع انه يهتم بأمور الناس ومعاناتهم واحتياجاتهم وهنا تجدر الإشارة إلى أن النظام السعودي، كلما أحس بالضعف، أو بتذمر الشعب من النظام يقدم على مثل هذه المبادرات، من أجل استرضاء الناس، فالملك عبد الله، أيضاً قام بمثل هذه الخطوات عندما اجتاح ما يسمى بالربيع العربي المنطقة وبدأ أنه يمكن أن ينتقل إلى المملكة السعودية، حيث أقدم الملك عبد الله على زيادة رواتب الموظفين، وأعطى منحاً وعلاوات للعاملين في سلك الدولة وهكذا، أي أنه قام بتقديم الرشاوى للشعب من أجل حملة على السكوت وعدم التحرك...
وعلى هذا الأساس، أكد المراقبون أن الهدف من تحرك الملك سلمان محلياً في إطار هذه الجولة النادرة، "هو امتصاص الغضب الشعبي داخل المملكة السعودية تجاه ما قيل إنها أسوء مرحلة في تاريخ المملكة، ممثلة بحصار قطر واعتقال ناشطين وعلماء وأمراء سعوديين، وقتل الصحفي خاشقجي بطريقة بشعة واتهام ولي العهد بإصدار الأمر بذلك".2. تحرك ولي العهد خارجياً: والى جانب تحرك الملك سلمان داخلياً لترميم قواعد النظام التي اهتزت كثيراً كما قلنا بدء ولي العهد محمد بن سلمان تجوله خارجية بدأها بالبحرين والإمارات، الحليفين للنظام السعودي، ثم شملت مصر وتونس وانتهت به إلى الأرجنتين لحضور قمة الدول العشرين، وقد أجمعت التقارير على بن سلمان هو الذي طلب هذه الزيارات بل وقدم رشوات لتلك الدول من أجل أن تستقبله في عواصمها، لأن هذه الزيارة ووجهت برفض شعبي شديد وغاضب سواء في تونس أو في البحرين أو حتى في مصر، أما الجزائر فقد عبر شعبها عن رفضه القاطع لاستقبال هذا "القاتل" و"الدموي" لا بل إن الشعب التونسي رفع صوراً ولافتات لبن سلمان كقاتل، وأبو منشار، ودموي، وصاحب المجازر بحق الشعب اليمني المحروم وأطفاله..وما إلى ذلك، ولعل القارئ العزيز تابع على شاشات التلفزة المظاهرات الصاخبة الغاضبة الرافضة لاستقبال هذا الجزار الصغير،ولذلك فأن هذا الرفض الشعبي العارم جعل من هذه الزيارات مدفوعة الثمن، ففي هذا السياق أكدت الناطقة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية التونسية، سعيدة قراش، أن بن سلمان هو الذي طلب زيارة تونس في إطار هذه الجولة الدولية التي استهلها بالأمارات". وأشارت مصادر فرنسية إلى أن بن سلمان قدم مابين مليار إلى مليارين دولار كوديعة لتونس قبال هذه الزيارة ، من جهته نفى المحلل السياسي الجزائري، عبد العالي رزاقي، أن تكون زيارة ولي العهد السعودي-إن تمت-مجرد زيارة دبلوماسية روتينية، وقال في تصريح صحفي أن " قدوم سلمان المرتقب جاء بطلب منه ضمن خطة لتصحيح صورته".
إذن هذا التحرك الدبلوماسي من جانب ولي العهد هو كما قال المحلل الجزائري الآنف يستهدف تسويق نفسه مجدداً من خلال المحاولات التالية:
أ- تلميع صورة بن سلمان، ومحاولة طلائها مجدداً بمساحيق التجميل لإخفاء تجاعيدها وخداع الرأي العالم بها مجدداً، وهذا ما بات يعرفه القاصي والداني، فالقيادي في حركة النهضة الجزائرية، يوسف خبابة، نفى ان تكون زيارة ولي العهد السعودي مجرد زيارة دبلومسية روتينية، موضحاً..أنه إذا تأكدت هذه الزيارة، فهي تأتي في ظروف استثنائية يمر بها النظام السعودي، ولاسيما ولي العهد بن سلمان،الذي حوله شكوك قوية في التورط في مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي..ويضيف هذا القيادي في حركة النهضة قائلاً..في تقديري، وبالرغم من العلاقة الجيدة بين الجزائر والسعودية، إلا أن هذه الزيارة تصب في خانة وخدمة ولي العهد السعودي ولا تخدم الجزائر بالنظر إلى الاتهامات التي يواجهها في المجتمع الدولي"..ويعتقد يوسف خبابة أن "ولي العهد السعودي يحاول تلميع صورته وتسويق شخصه في محاولة للخروج من قفص الاتهام تحضيراً للقاء مجموعة العشرين الأخيرة بالأرجنتين، فهذه القمة ستكون حاسمة بالنسبة لمصير ولي العهد السعودي الذي يتعرض لإدانة دولية واسعة، لم يشهد وان تعرض مسؤول سياسي لمثلها".
والى ذلك فأن الحركة المدنية الديمقراطية المعارضة في مصر، والتي تضم تسعة أحزاب وشخصيات سياسية بارزة، عبرت عن امتعاضها من زيارة ولي العهد السعودي وقالت في بيان لها- أي تلك الحركة، حمل عنوان (لا أهلاً ولا سهلاً).
إن ولي العهد السعودي هو أحد مهندسي جريمة انتزاع جزيرتي تيران وصنافير المصريتين، واعتبرت زيارته لمصر، محاولة لتجميل صورته المشوهة نتيجة جريمة خاشقجي، التي تشير الأدلة إلى أنه أمر شخصياً بتنفيذها". أما في تونس فقد أعلنت مجموعة مكونة من خمسين شخصاً محامياً تقديم دعوى قضائية لمنع بن سلمان من زيارة تونس، واعتبرت هذه المجموعة أن زيارته لتونس تأتي لفك عزلته على خلفية مقتل خاشقجي.
ب - محاولة بن سلمان توجيه رسالة للداخل والخارج، للداخل، للشعب في المملكة وللمعارضة تحديداً، سيما داخل الأسرة الحاكمة، فحسب المعلومات الشحيحة المتسربة من كواليس هذه العائلة تقول إن الأمراء المعارضين لبن سلمان زادوا من تحركهم ولقاءاتهم في ضوء توقعاتهم بأن الضغط من الداخل الأمريكي سيقنع الرئيس ترامب بإبدال بن سلمان بولي عهد آخر، سيما في ظل الدعوات المتكررة من أعضاء في الكونكرس الأمريكي، ومن شخصيات أمريكية بارزة في عالم الصحافة أو عالم السياسة للرئيس ترامب بضرورة التخلي عن بن سلمان، ولذلك يقول مجتهد المغرد المطلع على أوضاع العائلة كما أشرنا ان بن سلمان استعان بقطعات عسكرية لضبط الوضع ولمنع وقوع تطورات قد تؤدي إلى إزاحته بشكل وآخر، فهذا السفير أراد به بن سلمان إعطاء انطباع بأنه قوي ومازال قوياً، ويمسك بكل مفاصل الدولة، وتلك عين الرسالة للشعب في المملكة الذي كان يترقب تغييراً في نظام آل سعود على خلفية التطورات الأخيرة وعزلة هذا النظام.
أما رسالته للخارج، فهو يريد القول، أو إعطاء انطباع انه تجاوز قضية خاشقجي، ويخطى "بشرعية دولية وإقليمية"،ذلك من خلال استقباله في الإمارات والبحرين ومصر وتونس،حتى ولو عارضت أغلبية شعوب الدول التي زارها، ثم انه عوّل كثيراً على مشاركته في قمة العشرين، فأنه أعتقد أو هكذا صوّر له المستشارون، أن حضوره هناك، ولقاءاته ببعض قادة الدول المشاركة ستضفي عليه نوعاً من التأييد الدولي، يمكن أن يبدد الحملة الدولية، الغربية والأمريكية خاصة، المطالبة بإزاحته عن السلطة، بل وزجه في قفص المحاكمة والسجن..كما انه ومن خلال هذه المشاركة أراد أن يوجه رسالة للمجتمع الدولي المؤثر في الأحداث الدولية، انه الرجل القوي في السعودية والماسك بمفاصل السلطة، إنطلاقاً من قناعة أن هذا المجتمع يحترم القوي وليس للمبادئ والقيم الإنسانية أي اعتبار في قاموسه رغم انه يرفع لافته حقوق الإنسان ويدعي انه يدافع عنها، وما إلى ذلك من الشعارات المماثلة، التي يخدع بها هذا لا مجتمع الدولي، الشعوب والرأي العالم العالمي.
ج- محاولة بن سلمان حشد تأييد شعبي عربي لشخصه من خلال هذه الزيارات، لكنه على هذا الصعيد حصد الخيبة والرفض الشعبي العارم في البحرين وتونس وحتى مصر، حيث فجر موجة غصب عارمة في تلك الدول، رفضاً لاستقباله و قدومه، الأمر الذي شكل نكسة لبن سلمان وللصهاينة ولإدارة ترامب، لأن هذا الواقع الجديد الذي يعيشه النظام السعودي وولي عهد، سيصعب عليه الدور الذي يمكن أن يلعبه في إطار المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، فلم يكن بعد كل هذه التطورات والانكشاف أمام الرأي العام العربي والإسلامي،من تمرير صفقة القرن، وتصفية القضية الفلسطينية، كما بات من المستحيل عليه خندقه " الدول العربية المعتدلة السنية" بحسب التسمية الصهيونية وجمعها في " ناتو عربي صهيوني" لمحاربة إيران والمقاومة..
3- ولأن شخصية بن سلمان اشتهرت على خلفية الضجة الدولية والإقليمية حول جرائمه البشعة، بقاتل الأطفال، بسبب سقوط الآلاف من الأطفال والنساء الأبرياء في اليمن، في المجازر المتكررة التي يرتكبها العدوان السعودي الإماراتي على الشعب اليمني لدرجة حتى أن ترامب أدان قصف حافلات طلاب المدارس الابتدائية في صعدة التي راح ضحيتها أكثر من عشرين من هؤلاء الطلاب شهداء وأكثر منهم جرحى.. فأراد بن سلمان مسح ذاكرة الرأي العام وتغيير انطباعه بأنه ذلك الشخص الوديع المحب للأطفال! وذلك من خلال نشر مشاهد مناقضة تماماً لقوة الجريمة وبشاعتها، وذلك من خلال ظهور المسؤول الأول عن قتل الأطفال، محمد بن سلمان، مع أطفال بأعمار صغيرة يتودد إليهم، في مشهد قال كثيرون عنه إنه تمثيل، كما يقول كاتب عربي. فلقد ظهر بن سلمان وهو يتحدث مع الأطفال ويتودد إليهم ويلاطفهم ويُقبل بعضهم، في مظهر يذكرنا بما كان يقوم به الجزار العراقي صدام حسين لخداع الرأي العام والضحك على عقولهم، في حين أن الناس بدأت تعرف كل شيء ولا تنطلي عليهم أية لعبة أو تمثيلية يقوم بها أمثال بن سلمان وبقية الجزارين في منطقتنا العربية والإسلامية.
4- ولأن تركي الفيصل ابن عم محمد بن سلمان، كان رئيساً سابقاً للمخابرات السعودية، ومن ثم سفيراً للملكة في كل من واشنطن ولندن ولرد طويلة، وله بحكم هذه المناصب والمسؤوليات علاقات دولية وإقليمية واسعة، وله أيضاً علاقات متينة مع اللوبي الصهيوني في والولايات المتحدة، ومع الكيان الصهيوني نفسه حيث يعتبر مهندس أو أحد مهندسي التطبيع مع العدو، فلأن هذا الشخص يتملك كل هذه الإمكانات سخّرة الملك سلمان وابنه، لتسويق النظام السعودي مجدداً،ولتسويق بن سلمان شخصياً تحديداً..فتركي الفيصل بدأ تحركه في هذا الإطار بمهاجمة السي آي إي، واعتبر تقريرها كذباً وزوراً، مثلما كذبت بالادعاء أن العراق يجوز أسلحة دمار شامل، في حين أن السعودية نفسها زودت السي آي إي في ذلك الوقت بالمعلومات عن وجود أسلحة دمار شامل في العراق، وتعتبر شريكة في العدوان الأمريكي على العراق يومذاك! ومنذ ذلك الوقت، أي منذ بدأ التحرك، أخذ الفيصل، يكثر من إطلالة إعلامية التي يحاول فيها تلميع صورة بن سلمان، فقد قال في تصريحات له الوكالة أسوشييتدبرس "سواء انخرط القادة في تلك القمة- قمة العشرين في الأرجنتين- بحرارة مع ولي العهد أم لا، فإنني أعتقد أنهم جميعاً- قادة العشرين- يدركون أن المملكة كدولة والملك سلمان وولي العهد هم أشخاص يتعيّن عليهم التعامل معهم". وفي محاولة لتلميع وجه بن سلمان أقام تركي الفيصل حفل كوكتيل في نيويورك، رفض خلاله أي تحقيق دولي في قضية خاشقجي، وأكد أن بلاده ستعتمد في مواجهتها مع إيران على "إسرائيل" وكان تركي الفيصل قبل ذلك، تقول وكالات الأنباء انه شرع خلال الأسابيع القليلة الماضية بحملة للتواصل مع السياسيين ورجال الأعمال وقادة الفكر، لاستعادة علاقات السعودية مع تلك الجهات ولتحسين صورة بن سلمان، ومازال تركي الفيصل نشيط في هذا الاتجاه لإعادة تأهيل بن سلمان. ولكن بعد كل هذا الجهد هل سينجح النظام السعودي في رد الاعتبار لنفسه؟ والجواب، يمكن أن ينجح في الإفلات من جريمة خاشقجي لكنه لا يمكنه إعادة الاعتبار لنفسه كما كان قبل جريمة خاشقجي بكل تأكيد، فقد عرف الناس حقيقة هذا النظام الدموي والقاتل.
ارسال التعليق