عملية طوفان القدس... آل سعود أكثر صهيونية من الصهاينة أنفسهم!!
[عبد العزيز المكي]
كعادته لم يتفاعل النظام السعودي وجوقته الإعلامية والسياسية مع عملية " طوفان القدس" التي قامت بها الفصائل الفلسطينية المقاومة وعلى رأسها حماس في السابع من أكتوبر الجاري، ضد الكيان الصهيوني، والتي تكبد فيها هذا الأخير خسائر فادحة في المعدات والأفراد، بلغت المئات من جنوده وضباطه، واسر اكثر من 200 عسكري منهم، وتعرض لأكبر هزيمة عسكرية ونفسية لحقت به...نقول النظام السعودي كعادته لم يتفاعل مع هذه التطورات الضخمة، بل تجاهلها وفي بعض الأحيان تعامل معها بلا مبالاة، ولم يعرها أهمية، وعند ما لم يستطع الاستمرار بالتغاضي عنها وإهمالها لأنها هزت المنطقة بأكملها، بدأ يتعامل معها بخبث وانحياز واضحين لصالح أشقاءه الصهاينة!! بل وإعلان بتحدي مشاعر الأمة عن اصطفاف واضح وجلي مع الكيان الصهيوني ضد المقاومين الفلسطينيين، وتحميلهم المسؤولية عما يجري من مذابح مروعة بحق الأطفال والنساء والقاصرين من المدنيين العزل في غزة.. يرتكبها العدو بدم بارد!! فهذا تركي الفيصل آل سعود رئيس جهاز الاستخبارات السعودي الأسبق، الذي لا ينطق عن الهوى إنما عن وحي من بن سلمان يوحى إليه لتمرير بعض المواقف السعودية المحرجة من مثل هذه الأحداث، حيث هاجم الفيصل حركة حماس والمقاومة الفلسطينية وأدانها في كلمته في 22/أكتوبر، بمعهد بيكر للسياسة العامة، قائلا " إني أدين بشكل قاطع قيام حماس باستهداف المدنيين من أي عمر أو جنس بحسب الاتهامات الموجهة لها.. ومثل هذه الأفعال تكذب مزاعم حماس بهويتها الإسلامية فالإسلام يوصي بحرمة قتل الأبرياء من الأطفال!!" متبنياً الرواية الصهيونية بشأن هجوم حماس، رغم أنها هاجمت فرقة الجيش الصهيوني المكلفة بمحاصرة غزة ومراقبة المقاومين فيها، أكثر من ذلك انه يعترض على حق المقاومة الفلسطينية وحماس في الدفاع عن نفسها رغم أن العدو يستخدم أعتى أنواع الأسلحة والقنابل المتفجرة والصواريخ والطائرات المتطورة بحق شعب اعزل في غزة!! يقول الفيصل في كلمته الآنفة: انه " يحق لجميع الشعوب المحتلة عسكرياً أن تقاوم الاحتلال حتى باستخدام الوسائل العسكرية، لكني لا أؤيد الخيار العسكري في فلسطين، بل أفضل الخيار الآخر، العصيان المدني"!! وقد أثلجت هذه التصريحات قلوب المسؤولين الصهاينة واستشهدوا بها مراراً في هجومهم الإعلامي والسياسي على حماس!!
في السياق ذاته أشار حساب " رجل دولة" الشهير على منصة إكس (x) تويتر سابقاً إلى أن بن سلمان أرسل رسالة إلى بايدن الرئيس الأمريكي أبلغه فيها موقفه من حرب غزة، وقال حساب " رجل دولة"...إن محمد بن سلمان أرسل رسالة سرية إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن أبلغه فيها أن ما يحدث في غزة لا يعنيه وأنه أكثر تحمساً لإتمام عملية التطبيع من أي وقت مضى"!! الموقف السعودي الآنف ينسجم تماماً مع التعاطي الإعلامي السعودي مع جرائم العدو في غزة، حيث الانحياز الواضح لجبهة العدو الصهيوني والتلاعب بالمصطلحات والمعاني خدمة لمشاريع هذا العدو وضد المقاومة، كما هو واضح وجلي في مسميات قناة العربية السعودية، على سبيل المثال لا الحصر تسمي الشهداء الفلسطينيين بالضحايا!! وتوصم المقاومة الفلسطينية " بالإرهاب"!! وهكذا...
هذا بينما ذهب الكاتب السعودي المتصهين رواف السعين بعيداً في إنحيازه إلى الجانب الصهيوني عاكساً بذلك وجهة نظر وموقف النظام السعودي لان مثل هؤلاء الأبواق لا ينبسون ببنت شفة ما لم يسمح أو يوغر إليهم بالحديث محمد بن سلمان، فقد طالب هذا الكاتب دول الخليج " بإخراج الفلسطينيين من هذه البلدان!! وقال" لا تدخلوا الفلسطينيين لبلادكم" زاعماً أنهم " سيكونون سبباً في خراب الأخلاق والعقليات والسلوك والتربية"!! وأضاف هذا الكاتب محرضاً ضد الفلسطينيين قائلاً: " لا تجعل الفلسطيني يقترب من بلادك إذا كنت تريد بلدك وشعبك... دعوهم يذهبون إلى أوروبا ويعودون إلى بلادهم من حيث أتوا "!! وعلق المغرد الشهير " مجتهد" على حديث رواف السعين بنبرة ساخرة قائلاً " من قال ليس عندنا حرية تعبير...هذا الصهيوني يمارس حرية التعبير ولم يتعرض لأي مضايقة من السلطة" واستدرك مجتهد مضيفاً.." الحقيقة أسوأ من ذلك الحقيقة أنه لا يمارس حرية تعبير بل مكلف من السلطة بأن يتحدث بهذه اللغة".. يشار إلى أن هذا الكاتب كان قد صرح في عام 2020 معارضاً قيام دولة فلسطينية واعتبرها "كارثة"!! على الدول العربية كما اعتبر الصهيوني حملاً وديعاً" والفلسطيني "وحشاً غادراً" إذ قال " انا مستعد أنام عند يهودي، ولا أنام عند فلسطيني، أنا مستعد أربي يهودي في بيتي وأرقده واشربه ولا ادخل فلسطيني بيتي"!! وطالب نتنياهو بحرق الفلسطينيين وتخليص العرب منهم" في فيديو مسجل انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي حيث اجمع المحللون حينها على أن هذه التصريحات جاءت بدفع من بن سلمان!
وإلى ذلك قالت أوساط المعارضة للنظام السعودي، ان الأخير وبتنسيق مع الكيان الإسرائيلي كلف عدداً من الذباب التابع لما يسمى " مركز اعتدال" الحكومي بإنشاء حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي، يتقمصون فيها شخصيات من غزة!! ويدعي مركز " اعتدال لمكافحة التطرف" بأنه يعمل على تعزيز ثقة الشعوب والحكومات في مواجهة أعداء الحياة، ومكافحة الفكر المتطرف، ونشر مبادئ التسامح والاعتدال والتأكيد على فرص السلام العالمي!!
تقوم هذه الحسابات بإحضار شخصيات يقولون أنهم من غزة يهاجمون المقاومة ويحملونها مسؤولية القصف والدمار والقتل الذي ترتكبه إسرائيل"..إضافة إلى قائمة طويلة عريضة من التهم الموجهة لحركات المقاومة أو لأشخاصها أو رموزها!! وهذا ما أكده " مجتهد" الحساب المشهور المعارض للنظام السعودي أيضاً فاضحاً دور هذه الحسابات التي تعمل على التحريض ضد المقاومة الفلسطينية لاسيما حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي.
من جهتها منصة " ايكاد" ذكرت أيضاً في تقرير لها بأنه تزامناً مع بداية عملية "طوفان الأقصى" ظهرت حسابات سعودية تهاجم المقاومة الفلسطينية وتنتقد العملية العسكرية التي قامت بها كتائب القسام، وقالت " الايكاد" أن هذه الحسابات ركزت على ترويج مزاعم حول استهداف المقاومة في إطار طوفان الأقصى للمدنيين " الإسرائيليين" ومعاملتهم بوحشية وأسرهم، مرفقين تغريداتهم بصور لنساء وروايات مضللة حولهن، وربطهم بتمويل إيراني مزعوم!! ذلك رغم أن احدى الأسيرات المفرج عنهن كشفت للإعلام الصهيوني المعاملة الحسنة لهن من قبل المقاومين والرعاية الفائقة بهن، والأخلاق العالية التي عوملن بها من قبل الآسرين.
والمفارقة هي، أن نجد انه بينما يمعن آل سعود وإعلامهم وذبابهم الالكتروني في تشويه المقاومة والتحريض ضدها!! نجد كتاب وإعلاميين وحتى شخصيات سياسية " إسرائيلية" تمتدح هذه المقاومة وتثني عليها، وتعترف بالحقيقة دون تشويه أو تحريف أو تحريض كما يعمل الإعلام السعودي، فهذا المؤرخ " الإسرائيلي" إيلان بابيه، أكد أن حركة المقاومة الإسلامية حماس وكافة الفصائل المقاتلة إلى جانبها في غزة، هي حركات تحرر وطنية، وليست منظمات إرهابية كما يصفها الاحتلال والغرب". ولفت إلى أن اختلاف الرأي حول هذه الحركات والفصائل سواء اتفقنا معهم أولا، لا يحولهم إلى إرهابيين.
هذا، كما أن المؤسسات اليهودية الأميركية شاركت في مسيرات مؤيدة وداعمة للفلسطينيين ومنددة وشاجبة للمجازر الصهيونية ضد المدنيين في غزة، ومطالبين الإدارة الأمريكية بإيقاف شحنات الأسلحة والصواريخ والقنابل المحرمة دولياً للعدو الصهيوني مسجلين بذلك موقفاً إنسانيا أشرف وأرقى من مواقف العرب المطبعين لاسيما النظام السعودي وجوقته الإعلامية والسياسية! أكثر من ذلك أن هؤلاء اليهود الأمريكيين دفعتهم إنسانيتهم إلى التظاهر أمام البيت الأبيض الأمريكي، مطالبين بوقف إطلاق النار مما أدى إلى اعتقال خمسين منهم، كما تظاهروا أمام شركة " إلبتElbit systems "الإسرائيلية" لصناعة الأسلحة في ولاية بوسطن حيث قيد بعضهم أنفسهم بالسلاسل الحديدية على أبواب الشركة مطالبين بإغلاقها. وفي مدينة لوس أنجلوس في كاليفورنيا شارك الكثير منهم في التظاهر أمام السفارة " الإسرائيلية" دعماً لفلسطين مطالبين بوقف النار.....
على أي حال، لم يفاجئني كما لم يفاجأ اغلب المحللين والمطلعين على تاريخ ونشأة ومواقف النظام السعودي، انحيازه للكيان الصهيوني وعدم مبالاته بالمذابح المروعة التي يرتكبها هذا العدو بحق أهالي غزة من النساء والأطفال ومن كبار السن العزل فهذا النظام ومنذ نشأته وقف الى جانب العدو في كل حروبه مع العرب، ووقف إلى جانبه في حرب 2006 باعتراف اولمرت رئيس الوزراء الأسبق، حيث قال :حلفاؤنا السعوديون يدعوننا سراً إلى القضاء على حزب الله! وكان مشايخ الوهابية السعوديون يدعون لهزيمة حزب الله!!، وفي الحرب الأمريكية التي دمر فيها العراق انضم السعوديون إلى جانبهم وكان دورهم رئيسي في زرع المفخخات وإرسال الانتحاريين الوهابيين وإصدار الفتاوى ضد العراقيين!! وهكذا في بقية الحروب التالية، وفي هذا العدوان كشف مبعوث البيت الأبيض السابق إلى الشرق الأوسط دنيس روس في مقال على صحيفة نيويورك تايمز نشر مؤخراً ان كيان العدو الإسرائيلي ليس الوحيد الذي يعتقد ان عليه هزيمة حركة حماس وقال روس: " خلال الأسبوعين الماضيين، عند ما تحدثت مع المسؤولين العرب في مختلف أنحاء المنطقة الذين أعرفهم منذ فترة طويلة، قال لي كل واحد منهم إنه لابد من تدمير حماس في غزة، وأوضحوا انه إذا اعتبرت حماس منتصرة، فأن ذلك سيضفي الشرعية على أيديولوجية الرفض التي تتبناها الجماعة، ويعطي النفوذ والزخم لإيران والمتعاونين معها، ويضع حكوماتهم في موقف دفاعي"!! وأشار روس إلى أن " القادة العرب أدركوا أنه مع انتقام " إسرائيل" وتزايد الخسائر والمعاناة الفلسطينية، فأن مواطنيهم سوف يغضبون ويحتاجون إلى أن ينظر إليهم على أنهم يدافعون عن الفلسطينيين، على الأقل خطابياً"!! أكثر من ذلك أن كوشنر صهر ترامب وصديق محمد بن سلمان قال ضمن مقابلة على قناة فوكس نيوز الأمريكية مؤخراً " السعوديون غاضبون مما قامت به حماس، لذلك هم يرغبون في أن تنجز " اسرائيل" مهمتها لضمان القضاء على حماس"! يضاف إلى ذلك أن قناة العربية السعودية تستمر في فبركة الأخبار الكاذبة لصالح العدو وتروج له أوهام من الانتصارات الكاذبة على المقاومة في إطار حرب نفسية تشنها والعدو الصهيوني وأمريكا ضد المقاومة الفلسطينية ومحاولة إدخال اليأس والإحباط في نفوس المقاومين وأهالي فلسطين، وكذلك تحميل المقاومة المسؤولية عما يجري لأهالي غزة من مجازر!!
أما لماذا هذا الانحياز والاصطفاف السعودي مع العدو، فمثلما قلنا باتت الأسباب معروفة للقاصي والداني، نذكر بعض الذين ما يزالون يعتبرون النظام السعودي زعيم " العالم السني" ببعضها بما يلي:-
1- إن النظام السعودي هو النظام التوأم للنظام الصهيوني رضعوا من ثدي واحد وهو الثدي البريطاني، ولذلك فأن التلاحم بين النظامين تلاحم عضوي، فاحدهما يشكل مبرر وجود واستمرار الثاني، ولذلك فأن سقوط أحدهما يعني سقوط الثاني، ولذلك يعتقد السعوديون أن وجودهم منوط باستمرار ووجود هذا الكيان، ولذلك يقول نتنياهو في تعليق على مجازره الحالية في غزة.." أصدقاؤنا في الدول العربية والعالم يعرفون إننا إن لم ننتصر فسيأتي دورهم"! وهذا يفسر بدوره الهلع الذي مني به النظام السعودي من هذه الحرب ومن الصمود الذي أبدته المقاومة لحد الآن ومن تلاحق الضربات للقواعد والمراكز الحيوية الأمريكية والصهيونية.
2- إن النظام السعودي يتخوف كثيراً من أن أي انتصار للمقاومة سوف يرفع من معنويات الشعب في الجزيرة العربية وبالتالي سوف يعطي ذلك شحنة جديدة لأبناء هذا الشعب في التحرك ضد النظام السعودي، وقد مرّ بنا قبل قليل شهادة دنيس روس حول أن أكثر الحكام العرب الذين زارهم مؤخراً أخبروه بان استمرار جرائم العدو بحق أهالي غزة، ثم انتصار حماس سوف يغضب الجماهير في بلدانهم، وبالتالي فأن ذلك يشكل خطراً عليهم نظراً لتقاعسهم وانكشاف خيانتهم، ولذلك فهم يتماشون مضطرين ولو خطابياً مع الجماهيري!!
3- إن هزيمة العدو في هذا العدوان، ثم الضربة الساحقة التي كان قد تلقاها على يد مقاتلي حماس في عملية طوفان الاقصى، تعني سقوط المشروع الأمريكي في المنطقة والذي يتطلع بن سلمان للحماية في ظل هذا المشروع، وهو يقوم بحسب المفهوم الأمريكي على التحالف بين تلك الأنظمة الخليجية المطبعة والعدو الصهيوني، وإذا سقط هذا المشروع، سيما وان أمريكا في حالة تراجع اقتصادي وعسكري في المنطقة، فأن الأنظمة المتحالفة مع أمريكا، سيما النظام السعودي، تصبح في مهب الريح ولا تشعر بالاستقرار والاستمرار بالوجود، ولذلك تبذل هذه الأنظمة المستحيل من أجل أن يخرج العدو من هذه الحرب منتصراً !!
4- إن هزيمة العدو وانتصار المقاومة يبدد فرص النظام السعودي في تصفية القضية الفلسطينية والتخلص من هذا " العبئ" بحسب وصفه ، " فانتصار" العدو يوفر له الفرصة بتصفية هذه القضية نيابة عن الفلسطينيين على شاكلة صفقة القرن أو صفقات مماثلة، وبالتالي التماهي مع العدو والتحالف معه في محاربة المقاومة في المواقع الأخرى هكذا يطمحون!! ولكن هيهات ان المقاومة سوف ترفع من الصداع المستمر الذي سببته لهم، وستبدد آمالهم الآنفة إلى الأبد! ومهما قدموا الدعم للعدو الصهيوني.. فأن هذا الأخير سيظل آيلاً إلى الانهيار بإذن الله.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق