عندما تتدخل فيما لا يعنيك الكل يبيعك الأحلام ويمتطيك
[حسن العمري]
لا تطاوعه نفسه بأن يفيق كل صباح كسائر الناس دون أن يتدخل في أمور لا تعنيه لا من قريب ولا من بعيد ولا شأن له بها بتاتاً، لكنه متعود على تلقي الصفعات المؤلمة وذهبان القطرات المعدودة الباقية من ماء الوجه إن وجدت؛ هذا هو حال الكيان الحاكم في بلاد الحرمين الشريفين الذي لن يتوانى من تدنيس كل شبر من أرضه بخططه المعادية للسلام والاسلام والانسانية والبشرية؛ فيدس أنفه في أمور لا يفقهها ولا يعرف حتى كيفية الحوار فيها أو حلحلتها والعدوان الإجرامي على اليمن واحتلال البحرين واحداً من تلك النماذج، نضف اليها تأسيس ودعم الجماعات الإرهابية المسلحة بالأفراد والعتاد والمال في سوريا والعراق من أجل إيجاد تحقيق رغبات شعوب تلك الدول - وفق مدعى آل سعود.
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، اعلنت إن "الكثير من الدول العربية والاجنبية أبدت رغبتها ومساعدتها في العمل الانتخابي منها الكويت والسعودية واليابان وفنزويلا وفنلندا والفلبين ولبنان واليونان والهند وفرنسا".. الدول المتقدمة بهذا الطلب كلها تشهد على الدوام انتخابات حرة نزيهة تجري في بلدانها حتى فنزويلا ذات النظام اليساري، لكن المضحك المبكي أن كيان آل سعود لا يعرف للكلمة من معنى ولم يشهد طيلة دويلاته الثلاث حتى انتخابات بلدية بسيطة كتجربة تقدمها للآخرين ووسائل اعلام السلطة المرئية والمسموعة والمقروءة مملوءة كل يوم بمقالات وتقارير تتحدث عن مسار الديمقراطية في سائر بلاد العالم ونحن نعيش القرون الوسطى وعصر الجاهلية القبلية في بلادنا.
رغبة الكيان السعودي بالمشاركة في الإشراف على الانتخابات النيابية العراقية والتي جاءت بتوصية من المعلم "محمد بن زايد" إنتقاماً لما آلت اليه ما تسمى "قمة العلا" التي خيبت أماله، سرعان ما واجه بردة فعل كبيرة لدى الكتل والأحزاب العراقية وحتى المستقلين من البرلمانيين العراقيين، مشددين أن جميع الدول التي لها مصلحة في البلاد تسعى لتحقيقها تحاول أن تزج نفسها في الانتخابات العراقية القادمة، لكن على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والحكومة العراقية التفكير بالسيادة الوطنية قبل كل شيء.. ثم أن الإشراف على الانتخابات يتطلب الاتيان بدول محايدة، فيما السعودية دولة داعمة للإرهاب في العراق ولكتل سياسية معلومة الحال واشرافها على الانتخابات غير مقبول ومرفوض جملة وتفصيلاً.
يُروى إن فلاحاً كان عنده ثوران لحراثة الأرض، وكذلك كان يقتني حمارًا يركب عليه حين يذهب إلى عمله، وفي إحدى الليالي حدث أن الحمار رغب في أن يبدأ حديثًا مع واحد من الثورين، فسأله عن صحته وأحواله، فما كان من الثور إلا أن أجابه بأنه مرهق، ذلك أن صاحبه الفلاح يفلح عليه، فتبرع له الحمار بنصيحة، وقال: “اترك عليقك ولا تأكله هذه الليلة، فيظن صاحبنا أنك مريض ويعفيك من عملك”، وبالفعل قبل الثور بنصيحة الحمار وترك عليقه.. في صبيحة اليوم التالي أتى الفلاح، وألفى عليق الثور ما زال في معلفه، فقال: لا شكّ أن الثور مريض فتركه، واتجه الى الحمار فربطه مع الثور الثاني وفلح عليه، عندئذ اعترف الحمار، وقال: ”صدق من سماني حماراً، وما حدث اليوم دليل على حمرنتي”، وعندما عاد مساءً شكره الثور طالبًا منه نصيحة ثانية، فقال الحمار: لا توجد عندي غير نصيحة واحدة أنصح نفسي بها قبل الآخرين: “من تدخل بما لا يعنيه، لقي ما لا يرضيه”.
نقطة نظام كما يقال خلال جلسات مجلس الشورى أو الملتقيات العلمية والسياسية التي تنعقد هنا وهناك لوجود تذكير بالقانون أو إعتراض على كلام مغاير للحقيقة ومجافياً للواقع (مما يذكر أن آخر ممارسة انتخابية في الحجاز كانت عبر آلية إختيار فتى من كل قبيلة في مكة من أجل قتل النبي الأعظم قبل أكثر من 1440 سنة)... دعونا نسأل الرياض التي تقدمت بطلب للإشراف على مجريات الانتخابات البرلمانية العراقية، كم انتخابات أقام آل سعود طيلة القرون الثلاثة الماضية من سطوتهم على بلاد الجزيرة العربية؟ أو كم انتخابات أجريت خلال العهد السلماني الذي يتشدق بالانفتاح فيما السجون تعج بعشرات آلاف من أبناء شعبنا الأبرياء لا ذنب لهم سوى المطالبة بحرية الرأي التعبير والعدالة والمساواة والتغيير تماشياً مع العصر والحداثة التي يتشدق بها أبو منشار.
منظمات دولية ناشطة في مجال حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير سرعان ما وجهت هي الاخرى نداءات الى الأمم المتحدة والى المفوضية العراقية للانتخابات بعدم السماح لنظام يحتل مركز الصدارة في انتهاكاته لأبسط حقوق الإنسان ودوره الريادي في نمو واتساع نطاق الإرهاب التكفيري اقليمياً وعالمياً، واحتلاله لبلدين شقيقين مجاورين، وقتله عشرات آلاف الأبرياء في اليمن الفقير خلال أكثر من خمس سنوات مضت بذريعة "الدفاع عن الشرعية"، ومعتقلات المملكة مملوءة بالدعاة والناشطين والعلماء والمفكرين والأكاديميين والإعلاميين من كلا الجنسين؛ المشاركة في الإشراف على سير عملية الانتخابات في العراق هذا البلد الذي شهد أربعة انتخابات برلمانية على أقل تقدير خلال فترة زمنية قصيرة لا تتعدى العقدين من الزمن.
الرئيس الفرنسي المعتوه ماكرون وبعد سقوط البوفالو المخبول ترامب وخسرانه الانتخابات الرئاسية الأمريكية للمرة الثانية، يسعى للإستفادة من سياسة الراعي الأمريكي في استحلاب بقراته عبر إطلاق جملات ملونة جذابة تمكنه من ملئ اقتصاد بلاده بدولارات البترول المنهوبة والمسروقة من لقمة عيش شعبنا الذي يعيش الويلات والآهات بسبب الغلاء الفاحش في أسعار المواد الغذائية والمستهلكة، وارتفاع نسبة البطالة وفقدان السكن والضريبة المضافة و... مطبطباً عل رأس نجل سلمان الفارغ بدعوته مشاركة الرياض في المفاوضات النووية مع ايران، رغبة في تهيئة الأرضية اللازمة لصفقات تسليح توقفت واشنطن وروما عن تنفيذها دعماً لوقف العدوان على اليمن.
المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية لمجلس الشورى الايراني "أبو الفضل عموئي" أن لا علاقة للسعودية بالاتفاق النووي، معلناً أن طهران لن تتفاوض مرة أخرى حول هذا الاتفاق.. وأن الرياض لم ولن يكن لها موقع في المفاوضات النووية، ولا علاقة للسعودية بالقضايا المرتبطة بالاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين ايران ودول مجموعة "5+1"، لا من قريب ولا من بعيد. ليأتي هذا الرد صفعة ثانية في يوم واحد على وجه أبو منشار الذي ضاق العالم ذرعاً من تحمله وتحمل سياساته الطائشة والتدخل في شؤون دول المنطقة.. ما يذكرنا بالمثل القائل "هم شالت الخنفسانه رجلها وقالت نعلوني"- من الأسطورة الفلسطينية "قصة الخنفساء" والتي سنذكرها في مقال آخر مستقبلاً.
لا ننسى قضية المقاطعة لدولة قطر طيلة أكثر من ثلاث سنوات وكيف انتهت بمذلة لـ "محمد بن سلمان" الذي ركن مطأطأ الرأس أمام سلم طائرة الشيخ "تميم بن حمد" ثم يستقبله بالأحضان شاكراً إياه المشاركة في "قمة العلا" تلك المسرحية الهوليوودية الهزيلة التي ولدت ميتة بالمشاركة الضئيلة لسائر بلدان حلف أبو منشار ضد الدوحة، لم يكن للشروط الـ 13 التي وضعوها ذكر يذكر، ولا تزال العلاقات بين قطر وكل من البحرين والامارات ضلعي الحصار الظالم على الشعب القطري متوترة دون انفراج ليذهب الجميع الى قوله أن ما أطلق عليها "قمة العلا" هي بالأحرى الاعلان عن عودة العلاقة بين الرياض والدوحة فقط ولا شأن لسائر عواصم المقاطعة بمخرجاتها.. وقطر تواصل علاقاتها المتينة والمتطورة مع كل من طهران وأنقرة وقناة "الجزيرة" تواصل نشاطها ليل نهار.
ارسال التعليق