عيد العمال السعودي.. قمع وبطالة وتضخم ونهب للثروات
[حسن العمري]
* حسن العمري
مر علينا "عيد العمال" هذا العام وكما عهدناه في السنوات والعقود الماضية دون أي خبر أو تحرك أو احتفال أو مطالبة بزيادة رواتب العمال في بلاد الذهب الأسود وكأنه محرماً على أبناء بلدي إحياء هذه الذكرى التي يحتفل بها العمال في شتى بقاع العالم مطالبين بحقوقهم المادية والمعنوية.. لكن هنا في هذه البلاد خرج علينا النظام السعودي الدموي السفاك في ذكرى هذا اليوم بخبر الحكم بإعدام عدد من خيرة شباب الوطن واعدام احد الأطباء بذنب لا يغتفر آلا وهو المطالبة بحرية الرأي والعدالة والمساواة، بعد أن خطف وسرق أعواماً من أعمارهم، وحرمهم وأهليهم حتى من لحظة وداعٍ قبل جريمة الإعدام، ثم حرم أهاليهم حتى السلوى الوحيدة المتبقية لهم، وهي زيارة قبور أبنائهم.
يتسم سوق العمل السعودي بانخفاض معدل تشغيل المواطنين الأمر الذي يعكس تدني مساهمتهم في الأنشطة الاقتصادية. ويتضح من البيانات الإحصائية أن معدل التشغيل لا يتجاوز 51.3% أنها نسبة منخفضة جداً مقارنة بالمعدلات العالمية سواء تعلق الأمر بالدول الصناعية أم النامية منها، حيث الإحصائيات تؤكد أن ملايين من المواطنين في سن العمل خارج قوة العمل، ما يؤكد من أن بلادنا ورغم ما تملكه من موارد نفطية وسياحية ضخمة تعاني من معدلات بطالة قياسية، تستحوذ على نسبتها الأكبر فئات الشباب والمرأة والمتعلمين.. ففي الربع الثاني من عام 2018 بلغت بطالة النساء 55% وبطالة الرجال 45%، حيث شكل عدد العاطلين من حملة شهادات البكلوريوس نسبة 52.7% من مجموع العاطلين.
إحصائيات سوق العمل في مملكة البترول تشير الى أن معدل البطالة العام يرتفع سنويا حيث انتقل من 8.0% في عام 1999 الى 12.9% في الربع الثاني من عام 2018، لتتوقف السلطة من بعده على إعلان هذه النسبة في ما واقع الأمر يتجاوزه بكثير وفق مراقبين بفعل إعلان الكثير من الشركات السعودية إفلاسها وطرد عمالها وموظفيها منذ ذلك العام وحتى يومنا هذا اضافة الى جانحة كورونا وما تسببه من مشاكل في سوق العمل، فيما ترجع مراكز الإحصاء الرسمي الأمر في ارتفاع عدد العاطلين قياساً بنسبة زيادة قوة العمل أو فرص العمل وهو تبرير يسخر منه المراقبون وخبراء السوق خاصة ونحن نعيش في أغنى بلدان العالم، مشيرين الى أن السبب الحقيقي يعود الى إيقاف مشاريع البنى التحتية بسبب نهب مخصصاتها من قبل أعلى هرم السلطة الحاكمة؛ فقد ارتفع عدد العاطلين السعوديين بنسبة 245 نقطة في حين لم ترتفع قوة العمل (فرص العمل) إلا بنسبة 115 نقطة.
ارتفاع المعدل العام للبطالة يدلل على معاناة الاقتصاد السعودي من مشاكل كبيرة بسبب سياسات السلطة الفاشلة على مختلف الصعد الاقليمية والدولية والمحلية، وهذا ما يحول دون خلق فرص كافية لامتصاص العاطلين.. خاصة وأن القطاع الحكومي يشغل نحو ثلثي العمالة في المملكة فيما الثلث الثالث فهو من نصيب القطاع الخاص؛ ولما كانت ميزانية الدولة تعاني من عجز مزمن ومرتفع حيث نظمت ميزانية عام 2019 بعجز قدره 195 مليار ريال أي 7.6% من الناتج المحلي الإجمالي ليزداد هذا العجز عام بعد عام بعد ذلك وفق صندوق النقد الدولي، يتعذر معه تخصيص أموال لامتصاص العاطلين.. فقد نقلت وكالة رويترز عن مسؤول كبير بوزارة العمل السعودية، من إن المملكة كانت تستهدف توفير 1.2 مليون فرصة خلال العام 2022 لكنها فشلت في تحقيق ذلك ما شكل تحديا كبيرا لولى العهد محمد بن سلمان، الذى يشرف على السياسة الاقتصادية للمملكة، أكبر مُصدّر للنفط فى العالم، ما يشير الى نفوق أموال البترول الهائلة التي تدر على البلاد نحو جيوب صاحب العرش وأمراء الأسرة الحاكمة كالعادة.
"لقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع، وخير ممن كسا الكعبة وألبسها البراقع، ...............، وإذا نزل الدقيق في بطن جائع له نور كنور الشمس ساطع، فيا بشرى لمن أطعم جائع" – من كرم للشيخ عبد القادر الجيلاني، ذكره العجلوني في "كشف الخفاء (2 / 145)"، ونقله الشيخ محمد بن محمد درويش، أبو عبد الرحمن الحوت الشافعي في كتابه "أسنى المطالب (ص 250)"؛ وساقه حافظ الحكمي في كتابه: "دليل أرباب الفلاح مثالًا لقرائن وضع الحديث".. والسلطات السعودية تقيم مهرجانات عهر وغناء وحفلات رقص ومجون ولهو ولعب وطرب على طول السنة تكلف مئات الملايين من الدولارات، ووعاظ سلاطينهم الذين أصموا آذاننا بمثل هذه الأقوال كذا "طوفوا حول بيوت الفقراء ولا تطوفوا حول الكعبة"، يلتزمون الصمت على فسق وفجور وترف محمد بن سلمان ومقربيه في تفسيق المجتمع .
لا أدري لماذا كلما مر علينا "عيد العمال" تحملني الذكريات الى الماضي لأبحث وأطالع بين سطور الذاكرة القديمة، حين كانت شوارع الدول في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي تشهد انتفاضات وحركات شعبية تطالب بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ومن ضمنها شوارع شرق الجزيرة العربية والتي كان لها نصيب من هذه الانتفاضات ايضاً حيث حملت أسماء عدة مثل "اتحاد شعوب الجزيرة العربية" والذي كان قطبها وممثلها الأساسي آنذاك الكاتب السعودي والقيادي في المعارضة الوطنية ناصر السعيد الشمري (كتابه الشهير تاريخ آل سعود) ابن مدينة حائل والذي له مسيرة نضالية طويلة ، حيث قاد مظاهرات وحركات من قلب شركة "أرامكو" مطالبا بحقوق العمال السعوديين والعرب.. لينتهي الأمر به الى الهروب من المملكة الى كل من مصر واليمن وسوريا ولبنان بعد أن صدرت أوامر عليا باعتقاله وإعدامه بدعوى "الخيانة خاصة"!!، ثم تم خطفه من هناك بالتعاون مع قيادات أمنية فلسطينية (منها أبو الزعيم عطالله) لقاء عشرة آلاف دولار ، وترحيله الى المملكة ليتم رميه حيا من إحدى الطائرات فوق صحراء الربع الخالي ليندثر جسده بين رمال الصحراء(حسب احد التوقعات).
منظمة العفو الدولية "أمنستي" أكدت مرارا في تقاريرها عن وضع حقوق الإنسان المتردي والبشع في شبه الجزيرة العربية، عن وجود مئات العمال المعتقلين في سجون آل سعود بسبب مطالبتهم بحقوقهم والعدالة والمساواة حيث تم إعدام البعض منهم بسرية ولم تسلم جثثهم الى ذويهم حتى يومنا هذا، ناهيك عن تقارير سرية للمخابرات السعودية عن قيام بعض أمراء آل سعود أصحاب الشركات الكبيرة باغتيال بعض العمال الذين يطالبون برفع الرواتب أسوة بنسبة التضخم الكبيرة التي تعصف في بلاد الذهب الأسود بسبب النهب الكبير الذي يتعرض له بيت المال العام من قبل محمد بن سلمان لتأمين مخططاته في إشاعة الفساد والفاحشة بين صفوف شبابنا الملتزم والمحافظ بمهرجاناته الغنائية الراقصة الفاضحة ومشاريعه الفاشلة مثل مشروع "نيوم" وخطته التي ولدت ميتة منذ اللحظة الأولى والتضخم ينخر في عظام الشعب ليرتفع بنسبة 2.7% في مارس/آذار الماضي، وفقا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية، فيما حقيقة السوق تجافي هذه النسبة بشكل أكثر... وتشكل ثقلا كبيرا على كاهل المواطن الغني إعلانا والفقير حقيقة والذي يبحث عن لقمة عيش كريمة وبعزة فلم يجدها وبات مسلوبا من كل حقوقه ودعاة الزيف والتزوير البلاطي يؤكدون على أن "لقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع، وخير ممن كسا الكعبة وألبسها البراقع.." وموائدهم الطويلة العريضة قائمة على كسوة الأكاذيب في خطب البيت العتيق ومساجده!!.
ارسال التعليق