قرابين جديدة بانتظار مقصلة جلاد آل سعود.. الذنب ذنبنا
[حسن العمري]
* حسن العمري
أضفى نظام السلطة والسطوة السلماني أكثر ممن سبقوه في الحكم من الإخوة والأعمام، أضفى الشرعية الدينية والسياسية والقانونية الغابوية على القتل التعزيري أو الإعدام بحد السيف، وشرعن الاستبداد وأحكم أسس الفرعونية وذهب بعيداً جداً نحو تصفية الناشطين بذريعة "الخروج على الولي" أو "القدح في ذمة المسولين ونزاهتهم"، أو تحت عنوان "زعزعة أمن المجتمع والتحريض على مخالفة النظام من خلال الدعوة الى التظاهر أو المشاركة فيها"، أو "تأسيس أو الاشتراك في تأسيس جمعية غير مرخصة".. حيث كل تلك التهم الرخيصة تتعارض بحد ذاتها مع قانون ومعايير حقوق الإنسان، لأنها تُجرِّم الممارسة السلمية لحقوق الإنسان.
منظمة العفو الدولية "أمنستي" وغيرها من المنظمات الدولية والأممية لحقوق الإنسان مثل"هيومن رايتس ووتش " و"ريبريف" والمنظمة الأوروبية - السعودية لحقوق الإنسان، قالت أن السلطات السعودية قد نفذت المئات من عمليات إعدام ضد النشطاء من كلا الجنسين والعلماء والمفكرين والإعلاميين والدعاة والخطباء وحتى المتظاهرين السلميين، غالبيته المطلق وفق "الحكم التعزيري" وهو الحكم الذي لا يستند فيه قاضي آل سعود الى نص قانوني أو ديني لإصدار حكمه، بل يعتمد على ما يطلب منه بحق المعتقلين حيث الغالبية على التمييز القبلي والطائفي، وهو ما يحصل في معظم محاكمات "معتقلي الرأي" التي تنتهي بصدور أحكام إعدام "بحد السيف" ضدهم؛ وذلك منذ وصول سلمان ونجله "أبو منشار" الى سدة الحكم وهو ما يجعل شبه الجزيرة العربية تتصدر قائمة البلدان العربية والاسلامية وربما غيرها في حالات الاعدام.
"هناك ترابط غريب بين الطائش والشر.. ينمو الشر على اللامبالاة ولا يمكن أن يوجد بدونه.. يمكن للعنف أن يدمر السلطة، فهو غير قادر على الإطلاق على خلقها.. وحيثما تكون أهمية الكلام على المحك، تصبح الأمور سياسية بالتعريف، لأن الكلام هو ما يجعل الإنسان كائناً سياسياً.. يصل الرعب إلى ذروته عندما تبدأ الدولة البوليسية في التهام أطفالها، عندما يصبح جلاد الأمس ضحية اليوم.. يمكن دائماً التغلب على قوة أقوى فرد من قبل الكثيرين، والذين غالبا ما يتحدون ليس لأي غرض آخر سوى تدمير القوة على وجه التحديد بسبب استغلاليتها الخاصة.. نهاية التمرد التحرير، ونهاية الثورة أساس الحرية" - مما قالته الباحثة الألمانية "حنا أرندت" احدى أكثر الفلاسفة السياسيين تأثيرا في القرن العشرين.
تقارير حقوقية موثقة تؤكد أن محمد بن سلمان يمضي بخطوات كبيرة نحو تقنين "القتل التعزيري" بغية تصفية الناشطين الحقوقيين والمعارضين السلميين لسطوته على الحكم، حيث يعتبر من أخطر أشكال التحايل للسلطة السعودية على الرأي العام العالمي والداخلي "أن أكثر من مئة مواطن معتقل من أبناء المملكة معرضون لمجازر جديدة بحد سيف "أبو منشار" وتحت مسمى "التأديب"، مستغلاً بذلك تخبط الأوضاع الدولية، وصمت البلدان المتشدقة بحقوق الانسان عبر الرشى التي يبتزونها منه بقضم لقمة عيش المواطن المغلوب على أمره؛ ما يعكس حقيقة وخفايا الجانب القمعي الديكتاتوري لأسرة آل سعود الحاكمة بشكلٍ جليّ لن يبقى لأحد نكران إجرامهم وتعطشهم لدماء أبناء جلدتهم وكذب وزيف ادعاءاتهم بالحداثة والحرية، خاصة وأنه ليس هناك أدنى ارتباط بين مجازر "سيف الحرابة" وما يدعونه "التأديب".
مؤسسة “غرانت ليبرتي” لحقوق الإنسان الدولية، كشفت عن وجود المئات من معتقلي رأي في سجون السعودية في عهد حكم ولي العهد محمد بن سلمان، وأن الأخير استثمر أكثر من ملياري دولار من أجل "غسيل سُمعته" والتغطية على سجل انتهاكاته الوقحة لحقوق الإنسان.. فيما كشفت صحيفة “إندبندنت” البريطانية، إن سجناء سياسيين معتقلين بسبب معارضتهم لحكم "بن سلمان" يتعرضون للقتل و"الاعتداء الجنسي" و"الوحشية المطلقة" من كلا الجنسين، خلال فترة وجودهم في السجن.. فيما طالبت منظمات حقوقية مثل "سند" و"القسط" مرات عديدة الجهات الدولية بالتدخل والضغط على السلطات في المملكة، بحسم قضية معتقلي الرأي وإنهاء المعاناة التي يتعرض لها المعتقلون في المعتقلات الحكومية، مشيرة الى أن بلاد الجزيرة تشهد ومنذ بلوغ محمد بن سلمان منصب ولي العهد إجراءات قمعية وانتهاكات حقوقية وسياسة قمعية وحشية غير مسبوقة، وهو ما يتناقض مع ادّعاءاته حول الإصلاح الليبرالي فيما النظام السياسي في السعودية ملكي مطلق منذ ما يقرب من مئة عام، وأصبح أكثر مركزية في عهد سلمان وابنه الطائش.
نظام محمد بن سلمان يقوم وإستناداً للنسخة المحدثة لقانون ما يسمى "مكافحة الإرهاب" الصادرة 2017، والذي أتى أكثر قسوة وعنفاً ووحشية ودموية من سابقتها، يقوم باعتقال وقتل تعزيري لكل مواطن "يعترض بشكل مباشر أو غير مباشر"، على سياسة سلمان ونجله "أبومنشار" أو يطالب العدالة والتغيير والمساواة وحتى بلقمة العيش الكريمة، حيث السجون في مملكة الموت ممتلئة بالمدافعين والناشطين الحقوقيين، الى جانب المئات من الشخصيات الدينية والأكاديميين والكُتّاب، وأي شخص ينتقد الأداء العام للسلطة الحاكمة حتى لو كان ذلك الاعتراض على التضخم وارتفاع الأسعار ورفع الدعوم الحكومية، فما بالك إذا كان الشخص يصرح برفضه لسلطة مدلل سلمان أو انتقاده لبعض سياساته الفاشلة الخاطئة وهو ما كان وراء الاعتقالات التي طالت حتى المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال وأفرادا من الأسرة الحاكمة.
الإجراءات العملية لسلطة محمد بن سلمان تتعارض وبشكل واضح وصريح مع العبارات المعسولة لتصريحاته وشعاراته الرنانة التي أطلقها منذ أن أصبح ولياً للعهد في يونيو/حزيران 2017 ، أنه تعارض صارخ مع حقيقة وضع حقوق الإنسان في البلاد، فقد طالت حملات الاعتقال لقوات أمنه الخاصة خبراء اقتصاديون، ومدرّسون، ورجال دين، وكتّاب ونشطاء، وهم دعاة سلميون ينادون بالإصلاحات ذاتها التي وعد ولي العهد بإجرائها أو إصدار قوانين بشأنها؛ حيث في نفس العام 2017 استهدفت السلطات السعودية تقريباً كل المدافعين عن حقوق الإنسان، وغيرهم من منتقدي الكيان السعودي من خلال الاعتقالات التعسفية والتعذيب والمقاضاة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، وسواها من المحاكم السلطوية الصورية؛ فما كان من منظمة العفو الدولية إلا أن أطلقت في تقريرها ذلك العام عنوان:” تكميم الأفواه المعارضة: المحاكمات المسيّسة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة”، حيث تم محاكمة مئات المواطنين من الجزيرة العربية بتهم نابعة فقط من ممارستهم السلمية لحقوقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها والتجمّع. وسجّلت التفاصيل المحزنة لحالاتهم، وأنماط انتهاكات حقوق الإنسان التي تبيّنها هذه التفاصيل، خاصة وأنها ضمنت الكثير من أبناء المنطقة الشرقية.
أنه حقاً ذنبنا كما قال لي أحدهم "لأننا نحن الذين نصنع الطغاة، نصنعهم بقوة الخوف الذي يسكن في قلوبنا وبالشكوك التي تحتل عقولنا وبالخنوع الذي يمتص وجداننا وبالكسل الذي يشل أطرافنا، والطاغية لا يولد من العدم وإنما يولد من رحم جهل وفقر شعبه لأبسط مستلزمات حقوقهم".. وكما في قوانين التنمية إن الحرية تولد الحرية والعزم يولد العزم ، فإن التخلف يولد التخلف والطغيان ليس سوى شكل من أشكال إعادة إنتاج التخلف في النظام السياسي الحاكم المستبد الذي يكرس التخلف بدوره ويزيده رسوخا بقوة الطغيان وهو يستخدم سيطرته المطلقة لوأد مواهب التحرر وإمكانات التقدم في شعبه قبل أن تبلغ سن الرشد ضمانا لاستمرار سلطانه.. وهو ما لم تراه في الدول المتحضرة والتي يحترم الحكام شعوبهم وحقوقهم، فيما الطغاة في العالم المتخلف فتراهم راسخين على عروشهم فإذا سقط أحدهم خلفه على الفور طاغية آخر أسوء منه، وكأن الطغيان وهو يعيد إنتاج نفسه بهذه السهولة يؤكد ميدانيا إنه هو القانون الأساسي الذي يحكم علاقات الحاكم بالمحكومين.
ارسال التعليق