قرار وقف الحرب على اليمن...بيد السعودية أم بيد أمريكا!؟
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكيبعد انسحاب القوات الإماراتية من اليمن، أو إعادة انتشارها، أو انسحابها من خطوط وخنادق المواجهة المباشرة مع جماعة الحوثي... بعد هذه التطورات، كثر الكلام، وكثرت التحاليل حول انسحاب النظام السعودي، لأنه ما لم يستطع تحقيقه من أهداف العدوان في وقت مؤازرة القوات الإماراتية له، لا يمكنه تحقيق تلك الأهداف أو حتى بعضها، مؤازرة القوات الإماراتية له، لا يمكنه تحقيق تلك الأهداف أو حتى بعضها، بعد تخلي الإمارات عن هذه المؤازرة، بل إن صحفاً أمريكية دعت النظام السعودي إلى وقف هذه الحرب والتفاوض مع الحوثيين لأن من المستحيل تحقيق أي انتصار له في تلك الحرب، سيما في ظل هذا التطور العسكري الذي تشهده ساحة المواجهة لصالح الحوثيين، حيث فرضوا معادلات جديدة، معادلات عسكرية وحتى سياسية وإعلامية بصواريخهم البالستية المجنحة وغير المجنحة، وبطائراتهم المسّيرة والضاربة.
برأيي لن كثرة الحديث في السياق الآنف ومن وسائل إعلام غربية وأمريكية وحتى من أوساط سياسية، غير بعيدة عن السلطات السعودية، ولا أستبعد حتى أن يكون هناك تنسيقاً بين هذه السلطات، والأوساط المروجة لضرورة خروج السعودية من المأزق اليمني، لتحقيق عدة أمور نذكر منها ما يلي:
1ـ محاولة خلق أجواء ومناخات سياسية وإعلامية وحتى نفسية لتراجع النظام السعودي عن سقوفه السابقة والتي أعلنها في بداية العدوان، وعلى رأسها إرجاع حكومة منصور هادي إلى صنعاء، وإعادة الحوثيين" إلى كفوفهم في جبال صعدة!! بمعنى خلق تلك المناخات ومن أوساط غير سعودية لتبرير هذا التراجع والتعاطي مع العدوان بمقاربات جديدة..وما يفرز هذه الرؤية التصريحات التي أدلى بها بعض السياسيين السعوديين، أو وسائل إعلامهم أو وسائل إعلامية مقربة لهم، بأنهم فعلاً يريدون إيقاف الحرب ووضع حد لها.. ففي هذا السياق نقلت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية في 10تموز2019 عن المتخصص في الشؤون اليمنية في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي فرانسوا روش، قوله.." اعتقد أن محمد بن سلمان يرغب في الخروج من هذا الصراع، ومع ذلك فهو يريد حفظ ماء وجهه. فهو لا يستطيع تحمل قدرة " المتمردين الحوثيين" على الوقوف في وجه القوة الأولى في شبه الجزيرة العربية. وعلى الصعيد الداخلي، هل يمكن أن يحافظ على مصداقيته إذا أعطى الانطباع بخسارة صراع بدأه بنفسه؟" بحسب تعبيره.. والى ذلك غرد نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان على توتير يوم16تموز 2019 قائلاً " التقيت اليوم المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، وأكدت له حرص المملكة على الشعب اليمني الشقيق، وضرورة وقف "التدخلات الإيرانية" الإجرامية في شؤون اليمن، وان الحل السياسي الذي ندعمه يتطلب التزاماً تاماً من "الميليشيا الحوثية" بما توافق عليه اليمنيون، ويتضمن ذلك اتفاق ستوكهولم ".
أكثر من ذلك، كشف مندوب السعودية في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي في مؤتمر صحفي عقده في 19 تموز 2019، عن موقف سعودي جديد إزاء العدوان السعودي على الشعب اليمني قائلاً: " أنه آن الأوان للازمة اليمنية أن تنتهي، وان المملكة لا تريد حرباً مع إيران، سواء في اليمن أو غيرها " وأضاف: أن " هناك اتصالات جرت مع طهران من خلال مؤتمر القمة الإسلامية الذي عقد في مكة المكرمة، مطلع حزيران الماضي، دون مزيد من التوضيح "..وذلك ما اعتبره بعض المحللين، انه توجه سعودي جديد في التعاطي مع العدوان على اليمن، وذهب البعض الآخر من المحللين إلى أن ذلك نتاج من آثار الانسحاب الإماراتي ومن انعكاساته، على التحالف المشؤوم.
2ـ كما أن الحديث عن ضرورة خروج السعودية من المستنقع اليمني، يدخل في إطار تهيئة الأجواء لإجراء اتصالات مع جماعة الحوثي... بصورة مباشرة أو بشكل غير مباشر من خلال تلك الرسائل الإعلامية والسياسية، بأن السعودية تفكر بالخروج من اليمن، أو إيجاد صيغة لوقف الحرب، تجنبها تداعياتها وآثارها التي باتت مهددة للأمن القومي السعودي بشكل جدي أكثر من أي وقت مضى.. ويبدو أن السلطات السعودية ذهبت في هذا المجال إلى أكثر من ذلك، فالبعض يقولون أنها، أي السلطات السعودية اتصلت فعلاً بالحوثيين.. فقد علم "موقع الخبر اليمني"يوم 14تموز2019من مصدر دبلوماسي مطلع أن المملكة السعودية بعثت برسائل إلى صنعاء عبر طرف ثالث طلبت فيه إيقاف استهداف العمق السعودي بالطائرات المسيرة والصواريخ البالستيا مقابل خفض التصعيد من الجانب السعودي في كافة الجبهات وخوض حوار ثنائي. ونوه المصدر إلى أن السعودية تريد فتح قناة خليفة مع المتمردين الشيعة على غرار الذي حدث في الظهران منتصف عام 2016، غير أن الحوثيون يؤكدون أن عملياتهم دفاعية وان على السعودية أن تظهر جديتها بإيقاف عملياتها العسكرية وغاراتها الجوية على الشعب اليمني. وبين المصدر أن السعودية لا تزال مستمرة في مساعيها، ولم يتضح حتى الآن، إذا كانت ستلبي شروط جماعة الحوثي أم لا..
ما نقله " موقع الخبر اليمني " أكده " مجتهد" صاحب الموقع الشهير على توتير إذ كشف يوم 14تموز2019 عن أن محمد بن سلمان يتوسط قبائل يمنية من أجل التواصل مع حركة الحوثي، وأكد مجتهد، " أن بن سلمان يستخدم وسطاء من القبائل اليمنية لإقناع الحوثيين بالتفاهم ويعرض عليهم تسليمهم الشمال بالكامل مقابل تقديم عروض لهم ". وأوضح مجتهد، أن هذه العروض التي يطالب بها بن سلمان هي " عدم التدخل بالجنوب، وغض الطرف عن مشروع أنبوب النفط الذي يمر في منطقة المهرة "..لكن مجتهد يقول إن جماعة الحوثي رفضوا هذه العروض، ويصرون على كامل اليمن مع اعتذار سعودي إماراتي وتعويضات بعشرات المليارات..
3ـ لا أستبعد أن يكون هذا الحديث عن اتصالات سعودية مع الحوثيين، وإثارة كل هذه الأجواء، يأتي في إطار التحركات الأمريكية الرامية إلى فتح قنوات سرية مع جماعة الحوثي، ضمن توجه جديد على ما يبدو، إذا أخذنا بنظر الاعتبار ما أعلنه زعيم حزب الله اللبناني نصر الله، والذي قال في إحدى خطبه في الأسابيع الأخيرة أن الأميركان حاولوا التواصل معنا عبر أطراف أخرى لكننا رفضنا..فلا يُستبعد أن يكون هذا التحرك في إطار محاولات لتبني خطة احتواء، ما من أجل تحييدها في أية مواجهة محتملة مع إيران، أو حتى ضربها، وفي هذا السياق قالت صحيفة البناء اللبنانية في عددها ليوم 18/7/2019 أن تفاوضاً يجري " بين القيادة العسكرية الأمريكية للمنطقة الوسطى وجماعة الحوثي في مسقط عبر وساطة عمانية طلبها الجانب الأمريكي تحت شعار صياغة قواعد اشتباك تمنع التصادم في الخليج " وأشارت الصحيفة إلى أن المصادر أكدت أن هذا التفاوض سرعان ما تطور لأكثر من ذلك، وقالت أن " السعوديين يتوجسون من تفاهمات أمريكية يمنية على حسابهم، وان استئناف مساعي المبعوث الأممي مارتن غريفيث في الحديدة وتمهيده لإنعاش فرص الحل السياسي لاحقاً يحظيان بتغطية أمريكية للنجاح، وأن الرياض أعطت موافقتها على تفاهم لتطبيق اتفاق ستوكهولهم بصورة رضائية لم يكن مقبولاً منها ومن مؤيديها اليمنيين في حكومة عبدربه منصور هادي من قبل، لأن الرياض بدأت تقترب من قرار الخروج من حرب اليمن بأقل الخسائر". وهذا يؤشر إلى حقيقة باتت معروفة لدى المتابعين لسياسة الولايات المتحدة، فالأخيرة في أكثر الأحيان تنظر بواقعية إلى الأمور، أي عندما ترى أن خصمها قوي ولا يمكن القضاء عليه تفتح قنوات سرية معه وتتوصل أو تحاول التوصل معه إلى تفاهمات وحتى اتفاقات، تكون دائماً على حساب عملائها، بل أكثر من ذلك، عندما ترى أمريكا أن الخسائر التي تتكبدها كبيرة تهرب من الميدان وتترك عملائها مكشوفي الظهر، حيث يكون مصيرهم الحساب العسير من شعوبهم، كما فعلوا في فيتنام وفي لبنان وفي الصومال والعراق أيضاً، ولذلك فالسعوديون يتخوفون من احتمالات أن يقدم الأميركان على إجراء توافقات مع المتمردين الشيعة تتجاهل مصالح السعودية، ولذلك، بادرت السلطات السعودية إلى مثل هذه التحركات.
على أي حال، أن التحركات السعودية في الاتجاه المشار إليه، تصطدم بعدة عقبات أو محددات تجعلها غير قابلة للتمخض عن نتائج مهمة توفر للنظام السعودي الخروج مع حفظ بعض الماء الوجه من اليمن، منها ما يلي:-
أولا: إن النظام السعودي، ونتيجة لعنجهيته وغطرسته ما زال يطرح شروطاً على الحوثيين، غير قابلة للتنفيذ، فهو يتصرف وكأنه هو المنتصر وعلى الطرف الآخر التسليم بما يمليه عليه الطرف المنتصر، فما زال النظام السعودي يطرح نفس الشروط السابقة، أي تسليم السلطة لجماعة السعودية، والعودة إلى مرجعيات الحوار قبل الحرب وبعد شنها مثل المبادرة السعودية، ومخرجات الحوار، وتسليم الأسلحة وما إلى ذلك، فهذه الشروط عفا عليها الزمن، ثم أن العدوان أفرز واقعاً جديداً ومعادلات جديدة، لابد أن يأخذ النظام السعودي بها بنظر الاعتبار في أية مقاربة مع الجانب الآخر لإنهاء الحرب والخروج من اليمن بنصف هزيمة على أقل تقدير.
ثانياً: إن الولايات المتحدة، وان تتحدث بعض الأوساط الإعلامية والسياسية عن اتصالات يجرونها وراء الكواليس، بواسطة عمان أو غيرها، مع المتمردين الشيعة، ولكن الإدارة الأمريكية..إدارة ترامب، وكارتل الصناعات العسكرية، ذهباً، إذن أن تلك المصانع صرفت أسلحتها القديمة والجديدة، وأضافت خطوط إنتاجية جديدة لمصانعها من تغطية احتياجات القوى المشاركة في العدوان على اليمن، وهذا بدوره ساهم في حل مشكلة البطالة، وحقق لترامب إنجازات انتخابية، ذلك فضلاً عن الحضور الأمريكي العسكري والاستخباراتي الذي تعاظم في اليمن وفي المنطقة على خلفية هذا العدوان، وفضلاً عن المليارات السعودية التي تنهال على ترامب بين الحين والآخر، على شكل هبات وعقود وهمية، وفضلاً أيضاً عن هرولة بن سلمان نحو أمريكا والكيان الصهيوني للاحتماء بهما من تداعيات العدوان، ومن احتمالات ثورة الشعب الجزيري على النظام..
إذن بات نظام بن سلمان بين نارين، الأولى انه لا يستطيع الانسحاب من الحرب، لأنه يعتبر هزيمة عسكرية، ستترك آثاراً استراتيجية على مستقبل نظام آل سعود برمته، فضلاً عن أن تكون تداعيات تلك الهزيمة سقوط بن سلمان نفسه، أو حتى قطع رأسه. وحتى لو جازف بن سلمان وتنازل للحوثيين فأن إدارة ترامب لا تريد إنهاء العدوان، وسوف يخسر بن سلمان الدعم الترامبي، مما يصبح في مهب الريح الأمريكية، إذا أخذنا بنظر الاعتبار اتساع المعارضة لبن سلمان في أوساط الكونغرس الأمريكي والسي آي إي، ومؤسسات أمريكية أخرى.. أما النار الثانية، فهي كما أسلفنا معارضة إدارة ترامب لوقف العدوان وكما أشرنا قبل قليل، فيما بات يدرك بن سلمان أن استمرار الحرب لا يجري لصالحه، على العكس تماماً يجري لصالح المتمردين الحوثيين، فغدت المدن والمطارات السعودية مستباحة من الطائرات المسيرة والصواريخ اليمنية التابعة لجماعة الحوثي، فيما يجري قضم للأراضي السعودية باستمرار، ذلك فضلاً عن التحول الهائل في معادلات الحرب لصالح الجماعة، وهذا ما تؤشر له بوضوح تطورات الميدان، وبالتالي فأن النظام السعودي بات في مأزق قاتل فهو إمام خيارين أحلاهما مر، الأول، هو أن ينسحب من الحرب كما فعلت الأمارات، وذلك كما قلنا يعتبر هزيمة ساحقة، سوف تسحق معها كل طموحات بن سلمان للوصول إلى العرش وغير ذلك، وأما أن يواصل العدوان، لكن مواصلة العدوان باتت مكلفة جداً، لأن الموقف العسكري بعد إنسحاب أو انتشار القوات الإماراتية أضعف جبهة العدوان، هذا من جانب ومن جانب آخر، أن الوضع الاقتصادي للنظام السعودي بات يعاني كثيراً من نفقات الحرب الهائلة، وهروب الاستثمارات الأجنبية بسبب ضربات الحوثي داخل العمق السعودي، وفي هذا الإطار كشفت صحيفة المونيتور الأمريكية في شهر آب الماضي أن الاستثمارات الأجنبية في السعودية سجلت انخفاضاً ملحوظاً بنسبة 80%. كما أن الدين الحكومي السعودي بات يشكل نحو 1/19% من الناتج المحلي للبلاد في عام 2018، أي انه في حالة تصاعد مستمر مقارنة بالأعوام السابقة، حيث شكل 3/17% في عام 2017 وقرابة، 1/13% و6/1% في عامي 2016، و2014 على التوالي...بما يعني أن الاقتصاد السعودي في حالة إنهاك مستمرة ومتواصلة.
الأكثر بل الأخطر من ذلك، هو حالة الغضب التي يعيشها الشعب بكل فئاته داخل المملكة السعودية، بحسب ما يقول المعارض الناشط سعد الفقيه، وفي هذا السياق يشير إلى انه " لا توجد شريحة داخل المجتمع السعودي اليوم ألا وهي في حالة غضب وغليان، بسبب سياسات محمد بن سلمان الذي لم يعد يحترم لا شيخ دين، ولا زعيم قبيلة، ولا أعضاء العائلة الحاكمة، ولا أبناء العوائل الأصيلة في البلد، ولا التجار ولا الأعيان ولا المثقفين ولا الأكاديميين". وبعد تعرضه لسياسات البطش والقمع والتنكيل التي يتبعها بن سلمان بحق أبناء هذا الشعب يقول سعد الفقيه في 18/7/2019 "أن الوضع في السعودية قابل للانفجار في أي لحظة. وأتوقع بهذا الخصوص حدوث أحد أمرين، الأول أن تتصاعد الأحداث الإقليمية بأن تشتغل حرب مع إيران، وتتضاعف الخسائر في حرب اليمن، ويحتاج الحوثيون جيزان ونجران، عندها ستنهار السلطة التي ستفقد مصداقيتها وتوفر أمام الشعب الغطاء الذي سيؤدي إلى ثورة عارمة". وتابع الفقيه قائلاً " الأمر الثاني أن يتحول الغضب والاحتقان الداخلي إلى ثورة، وهذه الثورة لن تكون سلمية على غرار ثورات الربيع العربي، بل ستكون مسلحة، لسبب بسيط، هو أن كل القوى الحية في المجتمع القادرة على قيادة التحرك السلمي قمعت وغيبت بين سجن وتهجير، فشعبنا مسلح ويؤمن بانتزاع حقه ممن ظلمه بالقوة".
وفي ظل هذه الخيارات البائسة، فماذا سيفعل بن سلمان؟ والملاحظ انه هرع للاميركان لحمايته، حيث طلب منهم إرسال قوات إلى المملكة السعودية، وفعلاً جاء قرابة الـ500 عسكري أمريكي وانتشروا في قواعد عسكرية بعد 16سنة من خروجهم.. ولكن لجوء النظام إلى أمريكا، فضلاً عن مزيد من الإذلال والحلب والاحتقار له من قبل الاميركان فأن هؤلاء لا يحمونه أبداً، ومصير مبارك وصدام وشاه إيران، وزين العابدين حاكم تونس والقذافي، وغيرهم كثير ممن خدم أمريكا وحلفائها، لكن الأسياد كافئوهم بالتخلي عنهم أو بإسقاطهم بعد انتهاء مصرفهم، نقول إن مصير هؤلاء خير دليل على مآلات مصير بن سلمان وأعوانه، فهو لا يختلف عن مصير من أشرنا إليهم.
ارسال التعليق