قمة الرياض.. بين سفاهة سلمان وسحسوح الحلفاء وحكمة الصباح
[حسن العمري]
بقلم: حسن العمري
صراع مرير قائم على طول التاريخ البشري لا يختلف فيه أثنان، يعيشان ويتبادلان الأدوار ويتماشيان معاً لكن لا يتحمل أحدهم الآخر للفرق الشاسع القائم بينهما الذي يشبه بكثير اختلاف الليل والنهار، ما أن يحل الظلام حتى يغيب عنا النور، وما إن نلبس لباس العلم حتى يغادرنا الجهل، وما أن ينتشر الحقد والكراهية في مجتمع ما حتى يغادر السلام والمحبة تلك الديار، وما تلبس شخص بالحكمة والحنكة حتى غادرته السفاهة وحب الذات والإستعلاء والإستبداد؛ هو ذاته الفرق بين السفاهة والعقل كما قيل "والضد يظهر حسنه الضد.. وبضدها تتميز الأشياء".
رفع سلمان بن عبد العزيز خلال كلمته الافتتاحية لأعمال قمة مجلس التعاون الخليجي الـ39 في الرياض شعاراته المكررة على الدوام وهو منتفخاً بخطاب مليء بالشحن والتهكم والتهجم على الجوار، الى جانب شعارات الدعوة للسلمية في سوريا واليمن متجاهلاً أنه هو ونجله من وراء كل ما يعيشه هذان البلدان والمنطقة من توترات وإضطرابات أمنية وعدم الإستقرار؛ ما أثار سخرية المراقبين وهم يرون أن عينيه شاحبتين على قاطعة الطريق بإنتظار مشاركة السلطان قابوس وأميري الإمارات وقطر ليصيبه سحسوح صاعق (سحسوح باللهجة المحلية اللبنانية تعني ضربة الكف على الرقبة من الخلف مع انحناء الرأس) لعدم حضورهم، ما سجل فشلاً غير مسبوق لهيبة الرياض التي وسياستها المتهرئة بإصرارها لعب دور القائد العربي والاسلامي فيما الحقيقة تجافي ذلك جملة وتفصيلاً.
يقول الفيلسوف والمنّظر السياسي البريطاني هارولد لاسكي: "عندما يتسلط الخوف على حكام مجتمع ما، يبدو أن العقل نفسه أصبح عدوهم. وأولئك الذين يحكمون بأن سياستهم مخطئة يصبحون فوراً أعداءً لهم". ويرى العلماء أنه حينما يغيب العقل، ويغيب معه أصحاب الألباب والنهى، والرأي والمشورة والحكمة؛ يحضر أهل الزيف والنفاق والجهل والتضليل، وتُهيمن على المشهد عقلية الخوف من كل شيء، حتى من الشمع والشمس مصدرا النور والصبح. وهو ما يفعله السفهاء بأممهم، حيث أحلوا بها المحن والمصائب، وأدخلوها في حروب أكلت أخضرها ويابسها، وأزهقت أرواح شبابها، تحت شعارات الزيف والخداع.
المشهد تكرر نوعاً ما في قمة الرياض الخليجية عبر خطاب سلمان المتهجم على بعض الجوار وكيله التهم والسباب بإستعلائية معتادة معتبرا أن النظام الإيراني لا يزال يشكل تهديدا لعدد من الدول، السناتور الجمهوري "راند باول" كان قد عكس وجهة نظر الرأي العام العالمي عندما صرح في مجلس الشيوخ الشهر الماضي، "الولايات المتحدة ركّزت في عملها على ايران بطريقة أنستها الخطر الوهابي، وأن السعودية هي من تدعم التطرف وليس إيران"؛ فيما قال العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ عن ولاية فيرجينيا الأمريكية ريتشارد بلاك يؤكد أن "الداعم الحقيقي للإرهاب هي السعودية وليست إيران".. والجميع لا يزال يتذكر اعترافات وزير الخارجية المرشحة للرئاسة الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون في كتابها قول في كتابها "الخيارات الصعبة"، من أن "واشنطن تقف وراء إنشاء تنظيم الدولة الإسلامية، وأن السعودية وقطر تقدمان الدعم المالي واللوجيستي لأفراد من تنظيم "داعش" الإرهابي.
الأستاذة في جامعة جورج تاون الامريكية "شيرين هانتر"، رأت إنّ البيان الختامي الصادر عن قمة مجلس التعاون الأخير في الرياض، قد بيّن الفراغ والضعف المتزايدَين لهذا المجلس وهشاشته وعدم قوته حيث لم يكن يوماً قط منظمة ذات تأثير فاعل وملفت؛ معللة ذلك لسبب أنّ السعودية دائماً كانت هي المسيطرة على المجلس وكانت توظفه كأداة لخدمة مصالحها. مشيدة بالموقف الكويتي والعماني المتوازن والمعتدل بين دول مجلس التعاون الخليجي تجاه القضايا داخل المجلس والاقليمية خاصة الأزمة السورية والحرب على اليمن.
أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح سرعان ما أخذ زمام المبادرة خلال القمة التي كانت آيلة الى التفكك في كلمة تنم عن عقلانية وحكمة اشار فيها الى أن أخطر ما تواجهه دول مجلس التعاون هو الخلاف فيما بينها مبديا قلقه من ظاهرة الارهاب والتصدي له. مشدداً على دعم المفاوضات اليمنية اليمنية المنعقدة في العاصمة السويدية ستوكهولم، ومعرباً عن أمله بالوصول الى حل سياسي في سوريا وفقا للقرارات الأممية، كما هنأ الشعب العراقي على التطورات السياسية والأمنية الأخيرة. وأكد حرصه على علاقة جيدة مع إيران ضمن الاتفاقات الدولية والتي تحرص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية.
وكما أن الطيور على أشكالها تقع، فكذلك العقلاء وأصحاب الفكر والعلم يميلون لجنسهم، والسفهاء وقليلي الرأي والعلم يميلون أيضاً لجنسهم، فيولونهم ويُقدمونهم، حتى تطفو على السطح قبيح فعالهم وسوء أثرهم! وأتذكر ذاك الرجل الذي قام في قلب منظمة اليونسكو العريقة يهتف ضد مرشح قطر على رئاسة المنظمة في دورتها الأخيرة بشكل فاقد للدبلوماسية والمهنية واحترام الاختلاف والتعامل بيد الدول، وكأنه يصرخ في سوق شعبي.
كلمة الشيخ الصباح وما أعقبها من تأييد شامل من قبل رئيس وفد سلطنة عمان فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء والتي دعا فيها قادة دول مجلس التعاون الى العمل بما جاء في كلمة أمير دولة الكويت التي جاءت معبرة ويقتدى بها في عمل مجلس التعاون، للحفاظ على المصالح العُليا لدول المجلس، وتحقيق طموحات الأجيال الحاضرة والمتعاقبة؛ ثم الرد القطري "غير مسبوق" الصاعق على بيان قمة الرياض عبر مدير المكتب الإعلامي في الخارجية القطرية أحمد الرميحي، في "تويتر" متسائلاً: "ما سبب عدم مناقشة القمة للأزمة الخليجية؟ وما هذا البيان الختامي الذي لم يناقش حصار قطر وسبل معالجته؟..على من تضحكون كفاكم هذا التسطيح والقفز على المشكلات الحقيقية التي يعاني منها هذا المجلس"؛ على عكس ما كنت تشتهي رياح سفينة سلمان ونجله موجهة صفعة معلم لم يشهدها تاريخ المجلس منذ تأسيسه حتى يومنا هذا.
يقول العلماء أن "السفيه لا قدرة لديه لحوارك، استدلالاته باطلة، وتفكيره قاصر، وأفقه ضيق، ومنطقه لجاجة، فما الذي يدفعك لحواره؟، فأنت هدفك الإصلاح وهدفه الزهو بنفسه.. وهدفك التصحيح وهدفه مجاراتك، وما لسفيه في مجارات الحليم دواء.. وهدفك هدايته وهدفه الصعود على كتفك ليكون مثلك، وهيهات للدجاج أن يرافق الصقر. حيث قال العلامة ابن منظور: "السفه والسفاه والسفاهة خفة الحلم وقيل نقيض الحلم وأصله الخفة والحركة وقيل الجهل وهو قريب بعضه من بعض وقد سفه حلمه ورأيه ونفسه سفها وسفاها وسفاهة حمله على السفه"، ووردت في القرآن الكريم بهذا المعنى لما قال المولى عز وجل واصفا اليهود وقيل المشركين وقيل المنافقين (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها)- البقرة – الآية 142.
ارسال التعليق