قوافل ضحایا الاستبداد السعودی لم تتوقف!! والحامد شاهد آخر علی دموي النظام
[عبد العزيز المكي]
لم تجف بعد دماء الشهید عبد الرحیم الحویطي الذی سقط قبل أیام شهيداً مضرجاً بدمه على أيدي أجهزة الأمن وقوات الطوارئ السعودية، لا لذنب سوى أنه رفض التنازل عن منزله وأرضه، وتمسك بهما ولم يتخيل عنهما ليرحل مشرداً، تلبيه لرغبات محمد بن سلمان في إقامة مشروعه الصهيوني "نيوم" على أرض عبدالرحيم واراضي عشيرته كلها في الخريبة وفي مناطق عشيرة الحويطات برمتها!! نقول.. لم تجف بعد دماء هذا الشهيد الذي قُتل بدم بارد.. حتى نعت أوساط المعارضة والناشطين في السعودية وخارجها، وبعض المنظمات الانسانية رحيل المفكر الاصلاحي والمعارض الدكتور عبد الله حامد، حيث توفي في السجن بعد ان قضى في هذا السجن الرهيب سجن سيء الصيت "حائر" في الرياض، مدة سبع سنوات من محكوميته البالغة 11 سنة!! وذلك كما قالت الأوساط الإعلامية أو بعضها، نقلا عن مصادرها الخاصة في السعودية وخارجها، نتيجة نوبة قلبية ألمت به، وقد حملّت بعض المنظمات الدولية وأوساط المعارضة نظام ال سعود المسؤولية عن وفاة هذا المفكر الاصلاحي داخل السجن، لان سلطات ال سعود مارست بحقه التعذيب المستمر والبشع من ناحية، ولأنها حرمته من اجراء عملية قسطرة في آخر كشف طبي له بعد تدهور صحته، لأنه كان يعاني من إنسداد في الشرايين نتيجة معاناته وحرمانه والتعذيب الذي يمارسه معه جلاوزة آل سعود في السجن، حيث نصحه الأطباء في الكشف الطبي المشار اليه باجراء عملية للقلب والّا فأن احتمالات تعرضه لسكتة قلبية ستكون عالية إلّا ان السلطات رفضت ذلك، وحرمته من إجراء العملية التي أوصى الأطباء بضرورة اجرائها.. ولذلك اعتبر حساب معتقلي الرأي، الذي يهتم بشؤون المعتقلين في سجون ال سعود، الوفاة بأنها اغتيال معتمد من قبل سلطات ال سعود، لأنه كما يقول هذا الحساب تُرك الرجل لساعات في غيبوبة قبل نقله الى المستشفى..
وبحسب منظمة العفو الدولية، فأن الدكتور حامد البالغ من العمر 70 سنة، قد أصيب بجلطة دماغية في 9 نيسان الحالي دخل على أثرها في حالة غيبوبة بوحدة العناية الطبية المركزة في مستشفى الشميسي بالرياض.
ويعاني الدكتور من ارتفاع ضغط الدم ومن تردي حالة قلبه.. ويقول حساب معتقلي الرأي، ان السلطات ليس لم تسمح له باجراء عملية في القلب طبقاً لنصيحة الأطباء وحسب، وانما منعته اخبار عائلته وذويه بمرضه ومعاناته الصحية في السجن وهددته بقطع الاتصال باهله ان فعل ذلك! واطلق حساب معتقلي الرأي يوم23 نيسان 2020 تحذيرات خطيرة مما وصفه بمحاولة متعمدة لتصفية عدد من الرموز الوطنية من أهالي المملكة داخل معتقلات آل سعود، وقال ان رموزاً وطنية كبرى مثل عبدالله الحامد وسعود مختار الهاشمي، يتعرضون لاستهداف متعمد من قبل السلطات، من خلال الأهمال والايذاء النفسي، مما قد يشكل محاولة متعمدة لتصفيتهم جسدياً داخل السجن.
وسبق أن إتهمت منظمة " القسط لدعم حقوق الانسان" سلطات ال سعود باهمال الحامد، وقالت انه تعرض لكم كبير من الانتهاكات المتكررة من قبل السلطات التي سجنته قرابة السبع مرات كان آخرها سجنه الحالي الذي بدأ في 9 مارس 2013. واكدت المنظمة الحقوقية أن الحامد تعرض للتعذيب الشديد في مرات سجنه السابقة حتى انه فقد سمعه في احدى أذنيه نتيجة الضرب المتكرر على وجهه أثناء التحقيقات. وتعمدت مؤخراً أي تلك السلطات وضعه في سجون غير ملائمة لتضيّق عليه، كوصفه في سجن لا يتحدث فيه أحد من السجناء العربية، ووضعته في سجن جنائي مع أصحاب قضايا جنائية كبرى!
يشار الى ان الدكتور عبد الله حامد كان قد دخل في شباط الماضي في اضراب عن الطعام احتجاجاً على اعتقاله وسجنه، وعلى سوء المعاملة التي يتعرض لها واصحابه من الدعاة والمشايخ ونشطاء حقوق الانسان في السجون، وطالب الحامد حينها السلطات في بيان أصدره من داخل السجن آنذاك، باطلاق سراح جميع نشطاء العمل السلمي والديمقراطي، وكافة أصحاب الرأي والمعتقلين تعسفياً. وهذه ليست الحالة الاولى بسجون آل سعود، كما يقول النشطاء والمعارضون اذ سبق أن توفي العديد من المعتقلين في السجون، ففي كانون الثاني عام 2019 توفي الشيخ أحمد العماري، عميد كلية القرأن الكريم بجامعة المدينة المنورة سابقاً جراء جلطة دماغية داخل السجن دون تعقيب من السلطات آنذاك، كما توفي الداعية صلاح الضميري باحد سجون المملكة وفق حقوقيين في 3 آب عام 2019. وفي نفس الشهر توفي المعتقل أحمد الشايع في سجن الطرفية!!
مؤسسة حق الحياة، السويدية التي كانت قد حاز الحامد على جائزتها الحقوقية لعام 2018، قد أدانت وفاة الدكتور الحامد معتقل الرأي في سجون ال سعود في بيان لها صدر عنها بهذا الشأن وبأشد العبارات، معربة عن عميق حزنها بوفاته. كما حملت سلطات ال سعود بشكل مباشر مسؤولية وفاة الدكتور عبد الله الحامد.. لأن هذه السلطات حجبت عنه العناية الطبية الكافية لشهور عدة خلال مدة سجنه، بحسب تعبير " فون أويكسكول " مدير المؤسسة السويدية.
واللافت ان تنكيل نظام ال سعود بهذا الرجل استمر حتى بعد رحيله ففي الوقت الذي منع النظام من فك قيده حتى حينما نقل الى المستشفى وحتى رحيله، فأنه منع اخوته من المشاركة في دفنه الذي جرى في يوم الجمعة الموافق 24/4/2020 في مقبرة القصيعة في بريدة، وذلك طبقاً لما ذكره حساب "معتقلي الرأي " الشهير.. ذلك ما يكشف فظاعة ودموية ولا إنسانية الممارسات السعودية تجاه المعارضين والناشطين..
ولعل ما أثار دهشة واستغراب الأوساط الحقوقية الدولية، هو ان النظام، مارس كل أنواع الظلم والتعسف مع هذا الرجل ومع بقية أقرانه ورفاقه، رغم انه من المعارضين المسلمين، فهو لم يكن من دعاة استخدام العنف ضد السلطة، إنما هو طالب باقامة مملكة دستورية، تتوفر فيها الحرية السياسية للجميع، ويشارك فيها الشعب في تقرير مصيره، فهو لم يطالب بإسقاط النظام الحاكم إنما باجراء إصلاحات سياسية، غير ان السلطات بدلاً من التعاطي معه ومع رفاقه ومشروعهم السياسي المشار اليه بالمرونة والتفاعل والاستفادة من طروحاتهم تعاملت معهم بقسوة وبدموية كما هي عادة هذه السلطات للأسف، ولذلك أعتقل الحامد عدة مرات وحكم بالسجن لعدة مرات أيضاً، آخرها الحكم عليه سبع سنوات أضيفت اليها أربع سنوات سابقة أعيد تفعليها، اي تفعيل الحكم بها! والرجل هو ناشط ومفكر وباحث ولد في 12/7/1950 درس في الجامعات السعودية، ثم حصل على الدكتوراه في الأدب من كلية اللغة العربية في جامعة الأزهر في القاهرة قبل أن يعود الى البلاد ويؤسس " لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية " و"جمعية الحقوق المدينة والسياسية " (حسم).
ومن أبرز أفكاره الاصلاحية أن " الحكم السعودي المطلق لا يمكن أن يستمر بهذا الشكل ولا بد أن يتحول النظام الملكي المطلق الى ملكية دستورية بأن تكتفي الأسرة المالكة بالعرش وولاية العهد، ثم بعد ذلك توجد بحيث لا يصل الى منصب وزاري إلّا من فاز حزبه، ثم يخضع أي مسؤول في الدولة للمحاسبة والمراقبة والعزل ".
وكما ذكرت الكثير من المواقع الالكترونية وبعض الناشطين والمعارضين لنظام ال سعود، فأن الدكتور الحامد انتقد أيضاً الحكم السعودي وقال "انه يتضمن استبداداً مركباً، هو استبداد ديني وسياسي، رافضاً استخدام لفظ ولي الأمر"، وقال "ان ولي الأمر هو الشعب وليس الحاكم، فالشعب ولي أمر الحاكم وليس العكس" واَضاف، " ان الانسداد السياسي الذي تعيشه البلاد لا يمكن أن ينشأ في ظله قضاء مستقل على الإطلاق، مشيراً في الوقت ذاته الى ان الثقافة الدينية الرسمية في المملكة هي ثقافة قمعية، فهي توالي الحاكم أيا كان، من خلال نشر ثقافة الاستسلام والتسليم..".
وللدكتور عبد الله الحامد العديد من المؤلفات في مجالات الادب والسياسة وحقوق الانسان، ابرز كتاب (حقوق الانسان بين نور الاسلام وفقهاء غبش الطغيان) والذي نشر بعد إنشاء لجنة الدفاع عن الحقوق الدستورية، بعنوان جديد هو، (حقوق الانسان في الأسلام).
وفيما أراد نظام ال سعود طوي صفحة هذا المعارض الاصلاحي واسدال الستار عليه وعلى أفكاره وطروحاته، بسجنه وحرمانه وتعذيبه ومن ثم موته، لاحظنا والكل معنا، ان رحيله أثار موجة عارمة من الغضب وردود الأفعال الناقدة والفاضحة لآل سعود، ومن الأهتمام الملفت بافكاره ومشروعه السياسي واقرانه، لدى أوساط المعارضة والناشطين ضد نظام ال سعود، ولدى الاوساط الاقليمية والدولية بالشكل التالي:
1ـ ركزت ردود الأفعال على مظلومية الدكتور الراحل عبد الله الحامد من خلال فضح أساليب النظام التعسفية، كالتعذيب والحرمان من أبسط الحقوق المكفولة انسانياً وحقوقياً في الدساتير العالمية، فضلاً عن كفالة الدين الاسلامي لها، وقد اشرنا الى بعض ممارسات النظام بحق هذا الرجل ورفاقه، مما شكل ذلك فضحاً جديداً لهمجية وقمعية ودموية نظام ال سعود، فاغلب الأوساط الحقوقية والانسانية والمنظمات المهتمة بحقوق الأنسان باتت تعرف جيداً ما يعانيه المعتقلون والمعارضون والنشطاء من تعسف وظلم على أيدي جلاوزة هذا النظام الاستبدادي، وبشكل لا يمكن الأموال النفط المتهاوية أن تسد هذه الثغرة وتغطي هذه الفضائح، كما كان يفعل هذا النظام بشراء الاقلام المأجورة والصحف الأجيرة والابواق الاعلامية الأخرى التي يمدها النظام من أجل تلميع صورته والتغطية على الجرائم والتعسف الذي يمارسه مع أبناء الحجاز ونجد وملحقاتهما.
2ـ أثار رحيل الدكتور عبد الله حامد موجة تعاطف وغضب من النشطاء والمعارضين في البلاد ومن أوساط إقليمية ودولية، موجة عارمة اشارت بشكل غير مباشر الى همجية النظام وفضحت أساليبه الدموية، والقمعية تجاه المعارضة والشعب بشكل عام، ذلك في الوقت الذي بّرزت فيه عظمة ومكانة هذه الشخصية، مما يعكس دوره وصوابية فكره ومشروعة، وبالتالي كشف حقيقة هذا النظام الاستبدادية والقمعية، ففي هذا السياق نعت منظمة العفو الدولية الدكتور حامد في بيان جاء فيه "شعرنا بالصدمة عندما علمنا بوفاة الحامد، اثناء بقائه قيد الاحتجاز بسبب نشاطه السلمي" وأضاف البيان أن " الحامد كان بطل حقوق الانسانية في السعودية لا يعرف الخوف، وكان عازماً على بناء عالماً أفضل للجميع " وجددت منظمة العفو الدولية مطالبتها بالافراج الفوري ودون قيد أو شرط عن بقية المعتقلين والناشطين من زملاء الحامد وغيرهم.. كما نعت في تغريدة على حسابها يوم الجمعة 24/4/2020 المقررة الخاصة للأمم المتحدة، المعنية بحالات الاعدام خارج القضاء، أغينيس كالامارد، نعت الدكتور عبد الله الحامد واصفة نبأ وفاته بالخبر الحزين اول أيام شهر رمضان.
وذكرّت كالامار، بأن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الأنسان وخبراء أمميين دعوا للافراج عن سجناء الرأي في ظل جائحة فيروس كورونا.
من جهتها عبرت المعارضة المقيمة في الخارج البروفيسورة مضاوي الرشيد في مقال لها نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني، عن صدمتها من وفاة الحامد مؤكدة ان ذلك يكشف عن وحشية حكومة ال سعود. ومؤكدة أيضاً ان مشروع الحامد سيبقى حياً حتى بعد وفاته قائلة "ستبقى لغة الحقوق والاستحقاق شهادة على عباراته الدقيقة ونضاله الشرس، لنقل المملكة العربية السعودية من ملكية مطلقة الى دولة دستورية". وتحدثت الدكتورة مضاوي الرشيد بالتفصيل وباسهاب عن نضال الحامد وعن مشروعه السياسي وتصديه السلمي لنظام آل سعود موضحة ان النظام يعتبر الاصلاحيين السلميين أخطر عليه من المعارضين المتشددين الذين يحملون السلاح.
والى ذلك كتب الدكتور عبد الله عودة، نجل الداعية المعتقل سلمان العودة في تغريدة له على حسابه قال فيها " فاجعة وفاة رمز الإصلاح الدكتور عبد الله الحامد بعد إهمال طبي متعمد داخل السجن وتأخير لعملية القلب وتركه لساعات في زنزانة بعد أن أغمي عليه بسبب الجلطة الدماغية التي أصابته ".
وأضاف العودة في تغريدة اخرى "عبدالله الحامد لو مات في أمة أخرى.. لاصبح يومه يوماً أسوداً تنكس فيه الأعلام، ويقيم فيه الشعب العزاء، ويتحول به مسار الشعب..لأنه ببساطة قضى نحبه مضحياً لأجلنا ولأجل حقوقنا ولاجل مستقبلنا ".
كما نعى الدكتور الحامد العديد من الشخصيات والمغردين السعوديين والعرب منهم المغرد سلطان العامر الذي وصف الحامد بأنه أحد أهم الشخصيات الديمقراطية في الوطن العربي ورائد حركة الملكية الدستورية في السعودية.. اما الباحث في الشأن العربي والخليجي مهنا الجيل، فقد اعتبر الحامد فارساً عظيماً وقال " لم تغادر كلمتك وجداني، أعرف صعوبة هذا الطريق واني أخوض رحلة استشهاد مدني، اليوم أيها الفارس العظيم تغادرنا شهيداً مظلوماً ترتفع روحك عند الله". وكتب الحقوقي والسياسي المصري، إسامة رشدي عبر توتير" أتوجه بخالص التعازي لعائلة المفكر الاصلاحي الدكتور عبد الله الحامد ولإخوانه وتلاميذه ومحبيه، فقد لقي ربه صابراً محتسباً في سجون بن سلمان بسبب الأهمال الطبي وعدم مراعاة سنه وظروفه المرضية وهو واحد من الرموز ومعتقلي الرأي الذين زج بهم بن سلمان في السعودية وفي البلدان العربية كمصر والاردن وغيرهما، الأمر الذي يكشف حول الجرائم التي يرتكبها بن سلمان وزمرته بحق المعارضين والنشطاء.
وكما أشرنا في ثنايا الحديث ان ردود الفعل الغاضبة والمنددة، عبرت الى جانب التنديد بالجريمة عن الفكر الاصلاحي الذي تبناه الراحل عبد الله الحامد ورفاقه وجهاده السلمي، بما يؤشر ذلك الى مقبولية هذا الفكر وغرسه في نفوس المطالبين بالحقوق السياسية والاجتماعية في ظل حكم آل سعود وآل سلمان، الأمر الذي يؤكد ديمومة واستمرارية المشروع الذي ناضل من أجله الدكتور الحامد وكل المصلحين والمفكرين الذين استشهدوا من أجل إرسائه والدفاع عنه وكل ذلك وغيره يشير الى جملة أمور ذات أهمية كبيرة خصوصاً بالنسبة للمستبد بن سلمان، وجلاوزته من آل سعود ومن المتملقين حولهم من الأزلام الفاسدين.. ومنها ما يلي:
أولاً: ان تصفية المعارضين تعني احياءاً لمشاريعهم الفكرية والسياسية، فهذه باتت حقيقة اكدتها النواميس التاريخية والتجارب المعاصرة، سيما تلك المشاريع التي تلامس معاناة المحرومين، وتعبر عن قيم عادلة، وعن مطالب المجتمع وحاجاته وتطلعاته، فلحد الآن لم يمت المناضل الامريكي الجنوبي "إرنستو تشى جيفارا"، ولم تمت مشاريع الانبياء عليهم السلام، ولم تمت مشاريع والافكار التي حملها مصلحون ومفكرون، عرب ومسلمون توقع المستبد ان باعدامهم سوف تموت مشاريعهم وسوف يطويها النسيان، بدون شك فأن مشروع الدكتور الحامد الاصلاحي، لا يشذ عن هذه القاعدة، ولكن نظام ال سعود لا يدرك هذه الحقيقة وهذا هو ديدن الطواغيت والمستبدين، فعلى مر التاريخ، خصوصاً في عصرنا الحاضر لم يستفد هؤلاء الطواغيت من الدروس والعبر ومن التجارب الاجتماعية والتأريخية، فلقد لاحظنا مما مر بنا في ثنايا السطور كيف تفاعل الكتاب والناشطون والمعلقون في داخل السعودية وفي خارجها مع طروحات وافكار عبد الله الحامد، مما يعني حيوية وإستمرارية هذه الأفكار، سيما وان سياسات بن سلمان تغذي باستمرار الحاجة الاجتماعية في المملكة الى هذه المشاريع والدفاع عنها. ولعل في عبارة الحامد ذات مرة " النهر يحفر مجراه " اشارة تحذير للحاكم السعودي، معناه حتى لو قررتم قتلي فأن هذه المطالب الإصلاحية سوف تأخذ مجراها وتشق طريقها رغماً على أنف هذا الحاكم مهما علا تجبره وجبروته.
ثانياً: والى جانب، ان تصفية المستبدين للاصلاحيين المسالميين سوف تؤدي الى إحياء مشاريعهم وافكارهم، فأن هذه التصفية سوف تؤدي الى نشوء أجيال جديدة من المعارضين النشطاء، اكثر تشدداً وتطرفاً مماً سبقوهم، وهذه حقيقة أخرى، لا يدركها حكام آل سعود، لأنهم لم يستعبروا من تجارب البلدان المجاورة والبعيدة التي مرت بتجارب مماثلة، خصوصاً في العقود الأخيرة، حيث شاهدنا كلما نشأ جيل من المتشددين، يأتي مكانه جيل آخر اكثر عنفاً وتشدداً من الذي سبقه الذي ظن المستبد أنه أنهاه وقضى عليه، لأن الاجيال الجديدة المطالبة بالاصلاح تتكرس لديها قناعة بأن هذا المستبد لا يفهم المنطق السلمي، فهذا المنطق استنفذ وفقد جدواه في ظل تعنت الطاغوت الحاكم، وبالتالي لابد من البحث عن أساليب أخرى، وهذه الاساليب دائماً ما تكون أشد بأساً وتشدداً، ولعل تجربة جيهمان العتيبي خير دليل على ذلك. ولذلك مع تصفية الاصلاحيين السلميين يكون نظام ال سعود قد مهد بنفسه لنشوء تيارات اكثر تطرفاً وتشدداً !!
ثالثاً: حقيقة أخرى لا يدركها ولا يعيرها الأهمية التي تستحق طاغوت ال سعود، كما هو ديدن بقية الطواغيت والمستبدين في المنطقة والحقيقة هذه، هي انه كلما إزداد هذا الطاغوت قسوة وبطشا كلما ساهم في كشف وحشيته وبعده عن الجماهير ومعاناتها ومطالبها وحاجاتها على مختلف الأصعدة، ما يخلق ذلك مناخات سياسية واجتماعية مناسبة للتطرف أولاً، ولخندقة شرائح واسعة في مواجهة النظام، أي في خندق التصدي للنظام وسياساته، بعبارة أخرى، ان نظام ال سعود المستبد، يساهم مساهمة فعالة بهذه الاساليب الاستبدادية في تهديم أركان وجوده واستمراره، فهل يعبء هؤلاء المستبدين والصعاليك في الرياض تكلم الحقائق، ويضعوا حداً لهذا القتل وهذا القمع الدموي للمصلحين وللمعارضين، وللشعب بشكل عام، والذي سيؤدي، أي هذا القمع، الى تفجر الوضع لا محالة إن عاجلاً أو آجلاً؟
ارسال التعليق