كيف تعاملت السعودية مع الانتخابات البرلمانية في العراق؟
[ادارة الموقع]
لانجد أنفسنا بحاجة لأن نثبت بأن نظام آل سعود لايؤمن إطلاقاً بالديمقراطية وإجراء الانتخابات لاختيار نوع الحكومة والأشخاص الذين ينبغي أن يقودوا زمام الأمور في البلاد، وهذا الأمر ثابت بالدليل القطعي لأن النظام قائم أساساً على النزعة القبلية والتوريث بين الآباء والأبناء للهيمنة غير المشروعة على مقدّرات الشعب في شتى المجالات.
الأمر الذي يثير الانتباه أن نظام آل سعود يتحدث عن الانتخابات التي تقيمها الدول الأخرى في المنطقة ويتدخل بشؤونها وكأنه القيّم على هذه الدول ناسياً أو متناسياً أو متوهماً بأن الديمقراطية قد قطعت أشواطاً طويلة في تلك البلدان في وقت لازالت فيه الرياض تقبع في ظلمات التعسف الطائفي والمناطقي وحرمان الشعب من أبسط حقوقه في اختيار من يرى فيه الأهلية لإدارة شؤون البلاد.
وخلال الشهور الأخيرة رصدنا الكثير من المحاولات التي قامت بها أجهزة النظام السعودي للتدخل في تغيير المسارات الديمقراطية في عدد من دول المنطقة لاسيما لبنان والعراق إلى درجة وصلت الوقاحة بهذه الأجهزة أن تطلق مزاعم وتصريحات منافية للأعراف والقوانين الدولية التي في مقدمتها ضرورة عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وكان الهدف من هذا التدخل من قبل الدوائر التابعة لنظام آل سعود واضحاً وصريحاً وهو السعي لمنع الأطراف والمكوّنات السياسية الرافضة للتدخل الأجنبي في لبنان والعراق من الوصول إلى مراكز حساسة في هذين البلدين، في مقابل بذل أموال طائلة لإيصال من ترى الرياض بأنهم يمثلون مصالحها ويدافعون عن سياساتها في عموم المنطقة وهي سياسة تهدف في الواقع لبثّ الفرقة الطائفية في جسد الأمة الاسلامية لتحقيق مآرب تخدم المشروع الصهيوأمريكي الرامي إلى تمزيق المنطقة والعبث بمقدراتها ومصيرها.
والمحاولات التي بذلتها السفارة السعودية في بغداد لاستقطاب عناصر متورطين بدعم قتل الابرياء لغرض زجّهم في العملية الديمقراطية التي شهدها العراق مؤخراً لاختيار البرلمان القادم ماثلة أمام العيان ولايمكن أن تنكرها الرياض لأنها موّثقة بالأدلة القاطعة التي وصلت إلى حدّ الافصاح عنها وكشفها من قبل الكثير من وسائل الإعلام الإقليمية والدولية.
واللافت أن سلطات آل سعود لاترى ضيراً بأن يُقال عنها بأنها تصرف الأموال الطائلة وتسخّر الماكنة الإعلامية الضخمة والأقلام المأجورة لتجيير التطورات السياسية والعسكرية والأمنية التي تشهدها العديد من دول المنطقة لصالحها وإن كانت هذه المصالح تتقاطع تماماً مع مصالح شعوب تلك الدول، وهو ما حصل فعلاً من خلال التدخلات السافرة في شؤون لبنان والعراق وسوريا.
الأمر الآخر الذي لايمكن تجاهله هنا هو أن النتائج التي تمخضت عنها الانتخابات البرلمانية في العراق جاءت مخيّبة وصادمة لآمال آل سعود الذي بنوا أحلامهم على الرمل الذي عصفت به إرادة الناخب العراقي وأحالته إلى كوابيس تقضّ مضاجع الدوائر الاستخبارية في السعودية وأطراف أخرى في مقدمتها أمريكا والكيان الصهيوني، لأن هذه النتائج كشفت بوضوح أن العراقيين يرفضون تماماً أن يكون للأيادي الخارجية أي دور في تقرير مصير بلادهم خصوصاً وأنهم متيقنون من أن نظام آل سعود ومن يقف وراءه قد لعبواً دوراً مخرّباً في العراق من خلال دعمهم للجماعات الإرهابية والسياسيين الفاشلين طيلة السنوات الماضية.
ولاننسى أن الرياض كانت قد سعت إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية العراقية عبر وسائل وأساليب شتى لكنها أخفقت في ذلك بفضل إصرار القيادات الوطنية العراقية على إجراء هذه الانتخابات في وقتها المحدد (12 مايو 2018)، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن آل سعود لايروق لهم رؤية أي مظهر من مظاهر الديمقراطية في أي من دول المنطقة، فضلاً عن مساعيهم لحياكة مؤامرات من شأنها أن تخرق مصداقية الانتخابات في هذه الدول وتغيير دفّتها لصالح أجندة لاعلاقة لها بحقوق الشعوب ومصالحها المشروعة في تشكيل حكومات وطنية تخدم تطلعاتها وطموحاتها في شتى الميادين، لأن آل سعود هم في الأساس خارج هذا السرب، والديمقراطية والانتخابات تسبب لهم صداعاً في الرأس في وقت يعانون فيه من مغص في الأمعاء نتيجة جرائمهم وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان في داخل البلاد وخارجها، وقتلهم للشعب اليمني وتدمير ما تبقى من بناه التحتية مثال حيّ وشاهد دامغ على هذه الحقيقة.
من هنا يمكن الجزم بأن تعامل الرياض مع الانتخابات البرلمانية العراقية لم يكن سوى محاولة لوضع العصي في دواليب العملية الديمقراطية في العراق وتعكير صفو الانتخابات لتحقيق عدّة مآرب يمكن إجمالها بما يلي:
- خلط الأوراق لمنع العراقيين من المشاركة الواسعة في الانتخابات لأن الرياض تدرك تماماً أن هذه المشاركة تمثل صفعة قوية لنظام آل سعود الذي لايؤمن بالانتخابات والحكم الديمقراطي برمته.
- التأثير على إرادة الناخب العراقي من خلال السعي لبثّ الشكوك في الرموز الوطنية والدينية العراقية التي ترفض التدخلات الأجنبية في شؤون البلاد، وتسعى لإقامة نظام ديمقراطي يهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار في العراق ويمهد الأرضية لإعادة بناء البلد، لأنّ سلطات آل سعود بذلت أموالاً طائلة من قوت الشعب لإرباك الاستقرار في العديد من دول المنطقة كما فعلت وتفعل الآن في سوريا واليمن ولبنان.
- يعتقد آل سعود أن تحقق إرادة العراقيين في الانتخابات من خلال تشكيل برلمان قويّ وفاعل ستنعكس سلباً على خططهم الرامية لإبقاء العراق في دوامّة العنف والنزاعات الطائفية والعرقية والتي يمكنهم من خلالها تنفيذ مآربهم التي تتلخص بتأزيم الأوضاع في المنطقة بأسرها خدمة للأغراض المشؤومة للقوى الاستكبارية وانصياعاً لأوامرها مقابل الحصول على دعم من هذه القوى للبقاء مدّة أطول في سدّة الحكم.
من خلال هذه المعطيات وغيرها لايبدو أن نظام آل سعود في طريقه للكفّ عن التدخل في شؤون العراق ودول أخرى في المنطقة؛ بل هو يسعى لاختراق المنظومات السياسية لهذه البلدان خصوصاً مع وجود التنافس غير المجدي مع أطراف أخرى إقليمية ودولية يسعى كل منها لتثبيت أقدامه نتيجة تقاطع المصالح من جهة، وتباين الرؤى الأيديولوجية بين هذه الأطراف من جهة أخرى، لكنّ الشعوب التوّاقة للحرية والانعتاق من السطوة الخارجية ستبقى شوكة في عيون كل من يسعى للتسلط عليها واللعب بمقدراتها بأساليب لاتمتّ للتحضر بصلة ولاتنم إلّا عن جهل فاضح بحقيقة الشعوب التي ترفض الخنوع وتأبى مدّ اليدّ إلّا لمن هو أهل للثقة وتوسم الخير، وهذين الأمرين أبعد ما يكونا عن آل سعود الذي بنوا سلطانهم على هياكل وجماجم ودماء الشعوب المظلومة طيلة عقود من الزمن.
ارسال التعليق