لم نعد قادرين على التنفس.. أرحلو لقد طفح الكيل
[حسن العمري]
عقود طويلة ونحن نحبس حتى التفكير في آمالنا وأحلامنا وحقوقنا المسلوبة ومستقبلنا الغامض، في صدورنا خوفاً من بطشهم وعنجهيتهم وإجرامهم ودمويتهم وفتاوى مؤسساتهم الدينية الدنيئة السافلة، متجاهلين قوله تعالى " إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" - الرعد:11، ومنشغلين بحب الدنيا وغرامها ولعبها ولهوها وزخرفها لا نفكر سوى باليوم الذي نحن فيه كيف نقضيه مماشاةً لرغبة المتصدين للسلطة.
"تصعَّد سلطات ال سعود من قمع حرية التعبير والاجتماع وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها على عكس ما تدعيه. حيث تعرَّض المئات من منتقدي الحكومة والمدافعين عن حقوق الإنسان، بينهم ناشطات حقوق المرأة وأفراد من الأقلية الشيعية وأهالي النشطاء، للمضايقة والاحتجاز التعسفي والمحاكمة على أيدي السلطات خلال الأشهر القليلة الماضية. مع استمرار محاكمة عدد من النشطاء ورجال الدين سواء الشيعة أو من بقية المذاهب الإسلامية أمام محكمة مختصة بقضايا الإرهاب، وذلك بسبب تعبيرهم عن آراء معارضة.. تريد من وراء ذلك خلق بيئة من الخوف لأولئك الذين يتجرأون على رفع أصواتهم في المملكة" - سماح حديد، مديرة الحملات المعنية بالشرق الأوسط بمنظمة العفو الدولية.
صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، أن "بن سلمان" يخنق السعوديين بإجراءات التقشف القاتلة التي أعلنت عنها في مايو/أيار الماضي ويبعثر المليارات بشراء الأسلحة، مشيرة الى أنه بعد يومين من إعلان الرياض عن إجراءات التقشف، مُنح جناح الدفاع في شركة "بوينغ" الأميركية عقودًا بقيمة 2.6 مليار دولار لتزويد المملكة بأكثر من 1000 صاروخ أرض- جو وأخرى مضادة للسفن. وشركة "لوكهيد مارتن" تعترف أنها لم تشهد تراجعًا في إنفاق الرياض بعشرات مليارات الدولارات على شراء المعدات العسكرية منها أنظمة الدفاع الصاروخية "ثاد".
وكالة "بلومبرغ" الأمريكية كشفت قبل يومين عن موجة تضخم جديدة ستضرب الأسواق السعودية، بسبب الرسوم الجمركية الجديدة، التي سيبدأ فرضها على نحو 3 آلاف سلعة (قائمة من 74 صفحة من المنتوجات المستوردة)، اعتباراً من يوم الأربعاء (10 حزيران 2020)، من بينها منتجات الألبان والأجبان ومشتقاتهما (نحو 10%) واللحوم (7%) والأسماك (6%) والخضار والسجاد ومواد البناء والمركبات. مستهدفاً القدرة الشرائية للمستهلكين من الموظفين والعمال في وقت الأزمات، بحسب التقرير.
منظمة العفو الدولية شددت في آخر تقرير لها أنه "منذ وصول ولي العهد محمد بن سلمان الى السلطة في يونيو / حزيران 2017، وحجم كبير من المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء والنقاد الجريئين يتعرضون للاعتقال التعسفي، أو حُكم عليهم ظلماً بالسجن لمدد طويلة، أو تم إعدام بعضهم لمجرد ممارستهم لحقهم في حرية التعبير". حيث يواجه هؤلاء تهم عديدة منها "المشاركة في الاحتجاجات" التي يعاقب عليها بموجب المرسوم الملكي رقم أ/44 وهو مرسوم متابعة لقانون عام 2014 لجرائم الإرهاب وتمويله.
سلطات ال سعود منذ عام 2010 تدعي انها تدرس "التظاهر السلمي" كحق مكفول للمواطنين (نقلت إحدى الصحف المحلية على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية اللواء منصور التركي)، لكن لم ولن نرى ذلك على أرض الواقع حيث لا يزال الاعتقال بتهمة الإرهاب والإعدام حرابة في انتظار المتظاهرين السلميين القابعين في معتقلات آل سعود منذ انطلاق الربيع العربي عام 2011 وحتى يومنا هذا ذهب ضحيته العشرات الأبرياء لم تسلم جثث غالبيتهم الى عوائلهم حتى يومنا هذا؛ حيث المؤسسة الدينية بدورها تدعم إجراءات السلطة السياسة "بعدم التصريح للتظاهرات الرسمية" معتبرة ذلك "تصد عن ذكر الله، حتى وإن لم يحصل فيها تخريب"، وتصف التظاهرات السلمية بأنها "نوع من الفتن المخلة بالأمن والنظام العام" ظلماً وزوراً وبهتاناً.
مؤسسة "فريدوم هاوس" الأمريكية، أعادة مرة اخرى تصنيف السعودية في ذيل مؤشر الحريات بالعالم لعام 2019، في ظل ما تشهده المملكة من حملات قمع واعتقال تستهدف الناشطين والمفكرين والعلماء والدعاة والإعلاميين، فوضعت السعودية في المرتبة قبل الأخيرة، مصنفة ضمن خانة "أسوأ الأسوأ"؛ مشيرة الى اعتقال الآلاف منهم وزجهم في السجون دون محاكمة من بينهم 23 ناشطة بارزة في مجال حقوق المرأة، منهن لُجين الهذلول، وإيمان النفجان، وعزيزة اليوسف، وسمر بدوي، ونسيمة السادة، ونوف عبد العزيز، ومياء الزهراني اللواتي عُرفن بدفاعهن عن حق النساء في قيادة السيارة (15 مايو/أيار 2018).. فعلى مدار العامين الماضيين شهدت المملكة زيادة حملة الاعتقالات وحدتها وأستهدفت مختلف قطاعات الشعب بينهم علماء وأمراء ومسؤولين ووزراء سابقين، فضلاً عن اعتقال نشطاء مطالبين بحرية الرأي والتعبير وتساوي حقوق المواطنة ونبذ التمييز الطائفي المتفشي في جميع أركان النظام الحاكم.
الحليف الستراتيجي راعي البقر هو الآخر انتقد في تقريره الحقوقي السنوي الذي تصدره الخارجية الأميركية، مجدداً هذا العام، سجلّ بقراته الحلوب السعودية والإمارات والبحرين حيث الانتهاكات الجسيمة تجاه الحقوق الفرديّة لمواطنيها، تشمل التعذيب والاعتقال القسري، فضلاً عن الانتهاكات الأخرى، والتدخل التعسفي في الخصوصيات، وفرض القيود على حرية التنقل، والقيود الصارمة على الحرية الدينية، الى جانب العدوان انتهاكات الإمارات والسعودية في حرب اليمن. وشملت قضايا حقوق الإنسان بخصوص السعودية: "عمليات القتل غير القانوني، والإعدام بسبب الجرائم غير العنيفة، والترحيل القسري، والإخفاء القسري، وتعذيب السجناء والمحتجزين على أيدي موظفي الحكومة"، مشددة أن "السعودية دولة مثيرة للقلق في مجال الحرية الدينية، وأسوأ دول العالم من حيث المحاكمات الدينية- السفير الأمريكي للحريات الدينية سام براونباك.
تحتفظ السعودية بمرتبها الـ 172 التي حققتها العام الماضي تقريبا، في تقرير حرية الصحافة لمنظمة "صحفيين بلا حدود"، وذلك في 180 دولة - وفقا للأمين العام للمنظمة "كريستوف ديلوار". تزامن مع ما كشفه المعلق في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية جايسون رضائيان في مقال له أن "السعودية تسعى جاهدة لإستثمار كمية هائلة من الوقت والمال لتبييض سجلها الرهيب في حرية الصحافة. لكن هيئات مراقبة حقوق الإنسان الدولية "ليست مقتنعة" بذلك حتى الآن.
إنعقاد "منتدى الإعلام السعودي" قبل أيام في الرياض وتصريحات رئيسه محمد فهد الحارثي ما هي إلا مسرحية هزيلة لا يصدقها أحد. حيث أن عدد الصحفيين والمدونين القابعين في السجون السعودية قد تضاعف منذ وصول بن سلمان إلى السلطة، وبات يقف حالياً ما لا يقل عن 58 من الفاعلين الإعلاميين وراء القضبان، علماً أن معظم الاعتقالات بدأت منذ أواخر سنة 2017(تولي محمد بن سلمان ولاية العهد) ففي العديد من الحالات، يتم التكتم بشدة عن أسباب الاعتقال ومكان الاحتجاز.. ولين معلوف، مديرة البحوث للشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية؛ تقول أنه لا تزال عشرات الناشطات السعوديات بينهن إعلاميات ورغم الإفراج عنهن، يواجهن المحاكمة استناداً الى تهم تتعلق بنشاطهن السلمي.
منظمة العفو الدولية وفي تقريرها السنوي عن عقوبة الإعدام الأسبوع الماضي، أكدت إن السعودية لديها واحدة من أعلى معدلات عمليات الإعدام في العالم. وقامت سلطات ال سعود بإعدام 184 شخصاً العام الماضي، وهو أعلى رقم تم تسجيله حتى الآن وفقًا لسجلات بحوث منظمة العفو الدولية، وذلك نقلاً عن أرقام وزارة الداخلية منذ عام 2000. وكانت أغلبية الإعدامات على خلفيات سياسية وطائفية وليست بسبب جرائم لها علاقة بالمخدرات والقتل كما تزعم السلطات، حيث شهد شهر أبريل/نيسان من العام الماضي إعداماً جماعياً لـ 37 شخصاَ في يوم واحد فقط. وإجمالاً، كان 32 منهم رجالاً من الأقلية الشيعية في السعودية، لسبب المشاركة في التظاهرات السلمية - وفق المديرة الاقليمية لمكتب منظمة العفو الدولية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا هبة مرايف.
ولازال قول الشاعر العربي الشهير أبي القاسم الشابي يصدح في المعمورة يتلاقفه أحرار الأمة:
إذا الشّعبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ/ فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ
ولا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي/ وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
إذَا مَا طَمَحْـتُ إلِـى غَـايَةٍ/ رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر
وَلَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُـورَ الشِّعَـابِ/ وَلا كُبَّـةَ اللَّهَـبِ المُسْتَعِـر
وَمَنْ لا يحب صُعُودَ الجِبَـالِ/ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر
ارسال التعليق