لماذا دفع الأمريكي البلدان الخليجية لتوثيق التعاون مع الصين؟!
[حسن العمري]
* حسن العمري
الاعلام الخليجي والبعض العربي المنتفع ذهب بعيداً جداً في تقييم القمم الصينية الثلاثة التي عقدت في الرياض، وسط تطبيل وتهويل غير معهود لذبابهم الإلكتروني مدعين أن هذه القمم تؤكد استقلالية القرار الخليجي وفي مقدمتها السعودي على المستويين السياسي والاقتصادي، تتجه صوب الغرب أم الشرق كيفما تشاء بعيداً عن الضغوط الأجنبية حتى لو كانت من أقرب الحلفاء وأكثرهم استراتيجية وعمق تمتد العلاقة معه على مدى عقود طويلة.. ما يذكرنا بطبيعة النعامة التي عندما تحس بالخطر تغمس رأسها في الوحل أو مستنقع المياه القريب منها معتقدة أنه لن يراها الصياد ويصطادها!!.
البيت الأبيض تعامل مع الخبر بشكل عادي دون إعطائه أهمية تذكر سوى أنه "مشهد سيء" لا يليق بعمق العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن والرياض.. فيما وسائل الإعلام الأمريكية وتزامنا مع أعمال القمم العربية - الصينية في الرياض، كشفت النقاب عن نيّة الكونغرس الأميركي معاقبة النظام السعودي على سياساته الإجرامية في داخل المملكة وأقليمياً بدعم الارهاب، فضلاً عن “دوره الخبيث” في الحرب على اليمن والتعاون مع روسيا بخصوص الحد من انتاج البترول ضمن منظمة "أوبك"، يعيد للأذهان موعد تنفيذ بايدن مقولته الانتخابية من أنه سيجعل "النظام السعودي منبوذاً".
عودة الى الوراء، الرئيس الأمريكي جو بايدن وخلال القمم الثلاث التي عقدها في الرياض عربياً وسعودياً واسلامياً، أكد محذراً سلمان ونجله الأهبل من أن " أميركا لن تبتعد عن منطقة الشرق الأوسط وتترك أي فراغ يمكن أن تدخله الصين أو روسيا أو إيران".. ثم اعاد الكلام وبشكل إيحائي على عدم السماح لبكين بالزحف غرباً معلناً عن "تعهد أمريكا بدفع المبالغ المالية لدعم البلدان الأفريقية والنامية في ضوء التكيف مع التغيرات المناخية"، للحد من التمدد الصيني في القارة السوداء.. وأخيراً كلمته الصادمة في القمة الصينية/الامريكية التي عقدت على هامش قمة العشرين في جزيرة بالي الأندونيسية بقوله: " نعم للتنافس، لا للاستقطاب"!!، وهو ما أكدته فيما بعد التصريحات الصادرة عن مجلس الأمن القومي الأمريكي والخارجية الأمريكية والبيت الأبيض وحتى البنتاغون!.ليس هناك حاكم عربي يسمح لنفسه بالتفكير ملياً عن أسباب سماح الراعي الأمريكي لأقرب الحلفاء الاستراتيجيين له في منطقة هي أهم مصدر للطاقة في العالم، بعقد قمم مماثلة لما عقدها هو في الرياض تنتج عنها التوقيع على اتفاقيات تعاون استراتيجية طويلة الأمد بين منظومة مجلس التعاون الخليجي (بقرات العم سام الحلوب) وبين الخصم السياسي الاقتصادي الأصفر الذي يسعى جاهداً انهاك الاقتصاد والسياسة الأمريكية ليس على مستوى الشرق الأوسط فحسب بل في جميع مناطق العالم، حتى أن الاقتصاد الأمريكي هو ايضاً بات رهن اليوان الصيني؛ فيما البعض يرى هذا التحرك وبكل سذاجة انه رسالة صريحة من الأرعن محمد بن سلمان الى الادارة الأمريكية مفادها أنه "موجود في حال تراجعت علاقاتها معه"!.
البعض أرجع التخطيط الى زيارة الرئيس الصيني للمملكة وعقد القمم الثلاث الى فشل زيارة الرئيس الأمريكي بايدن للرياض في منتصف شهر يوليو/ تموز الماضي، ليعلن عادل الجبير وزير الدولة السعودية للشؤون الخارجية وعلى هامش قمة المناخ بمنتجع شرم الشيخ المصري عن موعد زيارة الرئيس الصيني تشي جينبينغ الى المملكة في النّصف الثاني من شهر كانون الأوّل (ديسمبر) المقبل، وذلك تزامناً مع وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن للقمة.. ثم تزامن الزيارة هذه مع قمة بالي، فيما الحقيقة أنه تم الإعداد لزيارة الرئيس الصيني الى الرياض منذ حوالي عامين من انعقادها وهو ما يفسر تحذير الرئيس الأمريكي للبلدان الخليجية خاصة السعودية خلال كلمته في القمة الأمريكية الخليجية بالرياض من التقرب كثيراً من الخصم الصيني.
كلمات الأمراء والرؤساء العرب خلال القمة الصينية - العربية في الرياض كانت تعبر عن فحوى الخطاب العربي والذي لم يجرؤ الخروج في مضمونه عن طرح الرئيس الأمريكي في "قمة بالي" والتي ذكرناه مسبقاً أي (نعم للتنافس، لا للاستقطاب)، وأن كلمات رؤساء الوفود العربية كانت استنساخاً لما صدر عن دوائر السياسة والقرار الامريكي بكل جوانبه من البيت الابيض، وزارة الخارجية، مجلس الامن القومي والبنتاغون؛ والذي أكدت كلها على عدم السماح لدول مجلس التعاون الخليجي والحلفاء العرب من التمادي في علاقاتهم مع التنين الصيني مهما كلف ذلك ثمناً؛ وليس كما أدعى الجبير في حديثه مع وكالة “رويترز” أن السعودية باتت تعطي الأولوية لمصالحها وشعبها بالدرجة الأولى، مما يعني أنها في طريقها للتخلص من الهيمنة الأمريكية التي استمرت حوالي سبعين عاما بالتوجه للانضمام الى النظام العالمي الجديد بزعامة الصين وروسيا".
الرئيس الأميركي جو بايدن وفي أول مؤتمر صحافي له بعد دخوله البيت الأبيض كان قد ركز على ضرورة "منافسة شديدة" مع الصين، وأكد أن "إدارته ستتعاون مع الحلفاء في جميع أنحاء العالم لمحاسبة بكين على "انتهاك القواعد الدولية بأفعالها العدوانية".. ما يعني أن ما أقدم عليه "بن سلمان" لم يكن نابعا من إرادة واستقلالية كما يدعي الاعلام السعودي وانما تم باملاءات أمريكية تبغي من ورائها إيقاع الرقيب الصيني العتيد في فخ كبير وهو قطع الطريق على الصين لتحالفها مع كل من روسيا وايران، ما سيشكلا قطباً قوياً يتصدى للسياسات الأمريكية في العالم خاصة في الشرق الأوسط، الى جانب البدء بحرب باردة بين الطرفين وهذا ما سيضر كثيرا بمصالح أمريكا ويؤثر سلباً على نفوذها الآخذ بالتراجع جراء سياساتها الإجرامية الداعمة للأنظمة الديكتاتورية ووقوفها وراء تأسيس الجماعات الارهابية المسلحة التي تعيث في المنطقة الفساد.
القرار الأمريكي خطط لإستراتيجية جديدة تضمن مصالحه أكثر في منطقتنا الغنية بالطاقة والثرية بالموارد الطبيعية، فما كان منه سوى التوجه الى تشكيل تكتل شرق أوسطي أفريقي بقيادة الكيان الاسرائيلي ودعم الأنظمة العربية الخليجية والحليفة مثل الأردن ومصر والمغرب وغيرها ليكون بديلاً عن التكتل الأوروبي الذي سيتحول الى ساحة صراع مع روسيا لإنهاكها، خاصة وأن التكتل الجديد يمتلك مصادر للطاقة وعائدات مالية هائلة على عكس أوروبا التي تتهاوى تحت ضغوط اقتصادية، كما جرى تعويم اليمين المتطرف في أوروبا لتوفير البيئة اللازمة للتصادم داخل أوروبا وبين اوروبا وروسيا (في أوكرانيا وايطاليا وفرنسا وبولندا، وأخيراً في المانيا حيث محاولة الانقلاب الفاشلة).. الإستثمار بتفجير أوروبا يضمن للولايات المتحدة تحقيق أهداف عديدة بكل الاتجاهات السياسية والاقتصادية والجيوسياسية والاستراتيجية - وفق خبراء.
مراقبون سياسيون أكدوا أن التكتل الجديد يضمن للولايات المتحدة تشكيل خط دفاع متقدم بوجه الصين التي قدرت الدراسات الامريكية أنها تسعى لتكون أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العام ٢٠٤٩، ولا مانع لدى واشنطن من استقطاب هذا التكتل لبكين في مرحلته الاولى والتشبيك معها في مجال الطاقة ونقل التكنولوجيا والتنمية الصينية لهذا التكتل، وهو ما سيضمن وضع الصين تحت رحمة مصادر الطاقة لحلفاء أمريكا الاقليميين؛ ثم إبعاد الصين عن حليفيها التقليدين (روسيا وايران).. ومن هنا يمكن فهم الانفتاح الخليجي بقيادة السعودية على الصين، ما سيكون كله يصب في الجيوب الامريكية في نهاية المطاف، وما دول مجلس التعاون سوى حصان طروادة في هذا المخطط.
أن يدعو الرئيس الصيني في قمم الرياض الى "تجارة النفط باليوان"، هذا تجاوز فاحش وكبير بالنسبة لواشنطن التي تنوي الوغول في الفناء الخلفي الاستراتيجي للصين، حيث قال بايدن خلال لقائه قادة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، "إن الولايات المتحدة عليها أن تعمل مع (آسيان) من أجل الدفاع عن نفسها في وجه التهديدات الكبيرة التي يواجهها النظام القائم على القواعد وسيادة القانون".. الأنظمة الخليجية من غير المعقول أن تعي سياسة واشنطن هذه ومفروض عليها أن تنفذ دون نقاش حتى تضمن عروشها.
ارسال التعليق