لماذا رفضت الأردن ومصر مشاركة "ابو منشار" في قمة أبوظبي؟!
[حسن العمري]
* حسن العمري
أكثر من شهر مر على أُسدال الستار على القمة الخليجية العربية العاجلة التي استضافتها أبو ظبي (19 يناير/ كانون الثاني 2023) وشارك فيها كل من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ومحمد بن زايد رئيس الإمارات، وهيثم بن طارق سلطان عمان، وحمد بن عيسى ملك البحرين، وتميم بن حمد أمير قطر، وعبدالله الثاني ملك الأردن؛ لكن السؤال الكبير الذي لا يزال عالقاً في الأوساط الدولية هو "لماذا لم يشارك محمد بن سلمان القمة هذه ياترى؟ هل لم يتم دعوته بناءً على طلب اردني ومصري أم أن هناك أسباب اخرى، لعل قضية جزيرتي تيران وصنافير السعوديتين أحد اسبابها؟!".
تكهنات المراقبين ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي المتابعين للعلاقات العربية، شددوا على وجود خلافات حادة بين الرياض من جهة وكل من عمان والقاهرة من جهة اخرى دفعت الأولى الى وقف مساعداتها دون انذار مسبق لكلا العاصمتين، فيما وعدت الامارات سد الفراغ هذا خلال القمة المصغرة في تحدٍ جديد لمحمد بن سلمان ينبئ عن عمق الخلافات بين المعلم والتلميذ؛ في الوقت ذاته ذهبت تقارير الاستخبارات الأمريكية أن السيسي وعبدالله هددا بعدم المشاركة في حال حضر "أبو منشار" القمة بسبب التطورات الأخيرة التي طرأت على ملف جزيرتي تيران وصنافير، اللتين تعطّلت عملية تسليمهما من مصر الى المملكة.
وكالة الأنباء الرسمية الإماراتية أشارت خلال أيام انعقاد القمة الى أنها "قمة تشاورية لتعزيز العلاقات بين دول الإخوة المشاركين وسبل وبحث مسارات التعاون والتنسيق المشترك في جميع المجالات"، ما يعني أنهم لم يضعوا السعودية ضمن الاجتماع "الأخوي التشاوري" رغم انه لم يستمر سوى بضع ساعات فقط، وأن القمة المزعومة جاءت بعد أقل من 24 ساعة على القمة الثلاثية التي استضافتها القاهرة تلك التي جمعت السيسي بنظيره الفلسطيني محمود عباس والأردني عبدالله الثاني، لبحث آخر "تطورات القضية الفلسطينية في ضوء ما تتعرض له من مستجدات وانتهاكات إسرائيلية من حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة".
محمد بن سلمان أطلق العنان لأبواقه الاعلامية وذبابه الالكتروني مهاجمة الجيش المصري والسيسي وانهما وراء الأزمة الاقتصادية الحادة في مصر، الى جانب تأجيج الاضطرابات التي شهدتها الأردن مؤخراً وتمويل كبار العسكريين في الجيش الاردني وبعض القبائل الداعمة لولي العهد السابق؛ للضغط على كل من السيسي وعبدالله تلبية مطالبه لكنه فشل في ذلك.. فما كان من الأكاديمي السعودي علي الشهابي كبير مستشاري "أبو منشار" الا ان فتح النار على مصر واصفاً إياها بالدولة المتسولة حيث كتب يقول: "تستمر مصر في الاعتماد على إنقاذها باستمرار، لكن شهية المانحين تتضاءل الآن بشكل كبير.. مصر عبارة عن ثقب أسود لن يغلق أبدًا ما لم تكن الحكومة قادرة على إجراء إصلاحات هيكلية مادية تحد من الفساد المستشري فيها...".
الطلب الأردني والمصري بعدم إشراك أرعن آل سعود قوبل بموافقة "بن زايد" بكل رحابة صدر على خلفية تدهور العلاقات بين النظامين الخليجيين بسبب الحرب على اليمن والبترول، وهو ما ظهر جلياً عبر غياب رئيس دولة الإمارات عن القمم الثلاث التي شهدتها الرياض مع الزعيم الصيني "شي جين بينغ" قبل شهرين.. والتصريح السعودي بقطع المساعدات أو المنح المالية للحلفاء دون استجابة تلك الدول لمطالب "بن سلمان" وعلى لسان وزير المالية السعودي محمد الجدعان في كلمته أمام "مؤتمر دافوس" بعد يوم واحد من قمة أبوظبي المصغرة، يؤكد وجود تباين واضح في الرؤى السياسية بين الرياض وأبوظبي، سيما في مسألة المساعدات لكل من مصر والأردن، ما دفع الأخيرتين الطلب بعدم إشراك السعودية في القمة المذكورة؛ بعد اتضاح التغيير في نهج المساعدات السعودي لهما، فيما الاتجاه في الإمارات جاء معاكسا.
مصادر موثوقة من داخل السلطات السعودية، أكدت أن أحد الاسباب الاساسية وراء عدم حضور السعودية قمة أبوظبي هو "عدم رغبتهما في إقراض القاهرة اية اموال اخرى بعد أن طالب صندوق النقد الدولي الدول الخليجية منح مصر 14 مليار دولار لسداد ديون الصندوق والشركات الدولية"، عقب توقف القاهرة تنفيذ اتفاقية تيران وصنافير الجزيرتين الاستراتيجيتين في البحر الأحمر، ما سيعرقل المسار التطبيعي السعودي - الإسرائيلي، وفق ما نقله موقع "أكسيوس" الأميركي عن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين مقربين من البيت الأبيض، كاشفاً عدم انسحاب القوة متعددة الجنسيات من الجزر، بسبب التحفظات المصرية.
الأكاديمي السعودي تركي الحمد أحد أبرز مسؤولي الذباب الالكتروني لأبن سلمان حمل السيسي وجيشه مسؤولية تدهور الأوضاع في مصر بسبب تدخله وسيطرته على الاقتصاد.. في الوقت ذاته وعد "بن زايد" منح القاهرة مساعدات مالية بقيمة 10 مليارات دولار والأردن 5 مليارات دولار.
الجزيرتان السعوديتان بالغتا الأهمية بالنسبة للكيان الاسرائيلي لفرض سيطرته على خليج العقبة بالكامل، بعد أن وعد "بن سلمان" ايداعهما تحت تصرف تل أبيب ما أن يتم استلامهما من مصر خلال زيارته الى نيويورك ولقائه كبار قادة اللوبي الصهيوني "إيباك" آخر مارس 2018، بغطاء استثماري سياحي اسرائيلي في الجزيرتين ذات الأهمية السياحية وطبيعة جذابة كبيرة حيث تحتويان على مستعمرات مرجانية نادرة وتعد مستقرا لعدد كبير من الأحياء البحرية النادرة والطيور المهاجرة ومكاناً مميزاً لممارسة سياحة الغوص- وفق موقع “غلوبس” الاقتصادي العبري.
العلاقات المصرية - السعودية المتدهورة تجلت في مقال لرئيس تحرير صحيفة "الجمهورية" المصرية تحت عنوان "الأشجار المثمرة.. وحجارة اللئام والأنذال" وصف السعودية وأخواتها بأفضع المواصفات وبكل قسوة بقوله "لا يجب على الحفاة العراة الذين ارتدوا أفخر الثياب مؤخرا التطاول على مصر زينة وأم الدنيا.. مصر أكبر وأعظم من أحاديث الإفك التي يروجها الأنذال والأقزام واللئام والحاقدون.. هم مجرد هواء وفراغ يتلاشى بمجرد هبوب عواصف بسيطة.. ليس من حق دويلات عمرها لا يزيد على عمر أصغر أبنائي أن تتحدث عن مصر إلا بالأدب والإجلال والاحترام”؛ وذلك رداً على المواقف السلبية لمحمد بن سلمان وأذرعه الإعلامية ضد مصر.. وفي الرياض انبرى محمد الساعد أحد أذرع "أبو منشار" الاعلامي فكتب مقالاً حمل عنوان “لماذا يكرهوننا؟، واشار فيه الى سبب كره الأوروبيين لأميركا، رغم أن الأخيرة حررتهم من "النازية"، وقال "الصورة تبدو مقاربة بالنسبة لشعوب عربية (لم يسمها) تجاه السعودية.. في هذه البقعة من العالم وأقصد الشرق الأوسط، تعيش كثير من الشعوب على الكراهية والحسد والجحود ونكران الجميل..".
الأهمية الاستراتيجية للجزيرتين تكمن في الممرات المائية الثلاثة حولهما، حيث يقع ممران بين جزيرة تيران وشرم الشيخ، ويبلغ عمق الأول 290 متراً ويُسمّى ممر "إنتربرايز" وهو الممر الوحيد الصالح للملاحة، فيما الممر الثاني يُسمّى ممر "جرافتون"، ويبلغ عمقه 73 متراً، والممر الثالث يقع بين جزيرتي تيران وصنافير ويبلغ عمقه 16 متراً؛ وتتحكم هذه الجزر بالمداخل الوحيدة لمضيق تيران، الذي يبلغ عرضه 4.5 كم، ويُعد البوابة الوحيدة لخليج العقبة، ما يجعلها تتحكم في حركة الملاحة الدولية وتمكن الطرف المسيطر عليها من إغلاق الملاحة في المنطقة الخليجية باتجاه ميناء "إيلات" في فلسطين المحتلّة وميناء العقبة في الأردن، في أي وقت يشاء.
ارسال التعليق