لماذا يركز الصهاينة على التطبيع مع النظام السعودي!؟
[عبد العزيز المكي]
رغم أن النظام السعودي لم يعلن بعد، رسمياً عن التطبيع مع العدو الصهيوني، إلا أن هذا النظام يسارع الخطى في تعزيز وتوثيق أواصر هذا التطبيع مع الغاصب لأرض فلسطين وللمقدسات فيها، وعلى كل الأصعدة، فالأخبار التي يسربها العدو عن توسع التعاون والتنسيق بين الطرفين في مجالات الأمن والعسكرة تتوالى بشكل لافت ومثير حتى بالنسبة للصهاينة الذين لم يخفوا فرحتهم وغبطتهم من هذا اللهاث السعودي ورائهم ولم يصدقوا أن " نظام خادم الحرمين الشريفين" كما يشتهي هذا النظام إطلاق هذا اللقب على نفسه يقوم بكل هذه الخطوات من أجل تمهيد التطبيع، وللدرجة التي شجعت قيادة العدو بإملاء الشروط على الطرف السعودي من أجل الموافقة على التطبيع معه!! بعد ما كان هذا العدو يتوسل بالإدارات الأمريكية من أجل أقناع هذا النظام ( السعودي) بالتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب!
وإذا كانت احتفالية وسائل الإعلام الصهيونية، وحتى الأوساط الصهيونية السياسية، بتوسع التعاون العسكري والأمني السعودي مع العدو، أصبحت عادية للرأي العام ومكررة، فأن هناك جانب آخر من هذا التعاون أخطر بكثير من التعاون العسكري والأمني، لا يتطرق إلى محطاته النظام السعودي إلا لمما، والعدو نفسه يطرقه بتحفظ خوفاً من ردات فعل الرأي العام داخل وخارج مملكة آل سعود، لأنه يشكل استفزازاً، يفسد العمل برمته، ولذلك نرى العدو بين الحين الآخر يطل علينا من خلال وسائل إعلامه أو بعض مسؤوليه، أو حتى من خلال بعض وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية القريبة من الأوساط الصهيونية.
وجديد هذه الإطلالات، هو ما كشفه معهد " إمباكت سي “ Im pact-se الصهيوني في تقريره السنوي عن التعليم المدرسي في السعودية،مؤكداً على انه تم القضاء على معاداة السامية إلى حد كبير في الكتب المدرسية في مملكة آل سعود!!
ووفقاً للمعهد فقد أزيلت الآيات التي تصف تحويل اليهود إلى قرود وخنازير.. بالإضافة إلى حذف آيات القرآن الكريم التي تحرم الصداقات مع اليهود وتدين المثلية الجنسية، من الكتب المدرسية! وأشار تقرير المعهد الصهيوني إلى انه في عام 2021 تم حذف العديد من الدروس التي تصور اليهود والمسيحيين بغير المؤمنين من المناهج الدراسية، حيث تم إخراج وحدة كاملة من الكتب المدرسية عن الجهاد من المناهج الدراسية! والى ذلك فأن تقرير المعهد الصهيوني أشار إلى انه قبل ذلك بعام، تم حذف فصل بعنوان " الخطر الصهيوني" تناول هذا الفصل مواضيع مختلفة تتعلق بنزع الشرعية عن حق العدو في الوجود، مؤكداً أي التقرير انه تم إزالة هذا الفصل بالكامل!!
واستطراداً أشار التقرير إلى أن السعوديين حذفوا من مناهجهم كل معلومات تشير إلى مسؤولية الصهاينة عن حرق المسجد الأقصى في عام 1969م، والى كل ما يسئ للصهاينة!!
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن الأوساط الإعلامية الأمريكية أو بعضها، وبعض الأوساط السياسية الأمريكية أشارت إلى أن المملكة بدأت تغيير مناهجها الدراسية، ابتداءاً من مرحلة رياض الأطفال وحتى المراحل الجامعية من عام 2016م، وبطلب أمريكي ملح، ولتأكيد هذا الأمر فأن وزير التعليم لدى النظام السعودي كان قد صرح بأن النظام قطع شوطاً كبيراً في تغيير المناهج الدراسية وفق رؤية بن سلمان، أو ما سماها الوزير يومذاك " برؤية التسامح" ومغادرة خندق الإرهاب، وقال الوزير في حينها أن المملكة أتمت أكثر من 1700 تغييراً على تلك المناهج ولازال العمل يجري على قدم وساق في هذا المجال..
وإلى ذلك كشف موقع " جيوش انسايدر Jewish Insidwr”" العبري ان مجموعة تضم 13 شخصاً من القادة اليهود الأمريكيين أجروا جولة سياحية في السعودية هي الأولى من نوعها وذلك بتخطيط واستضافة رابطة العالم الإسلامي برئاسة المقرب من ابن سلمان ،محمد العيسى!! وقال الموقع العبري ان هذه المجموعة التي قامت بهذه الجولة السياحية في السعودية في الأسبوع الأخير من حزيران جاءت للتعرف على الوضع عن كثب وتعليم السعوديين عن اليهودية وقال بعض القادة في هذه المجموعة انهم بلقاءاتهم مع عادل الجبير وزير الخارجية السعودي السابق ورئيس رابطة العالم الإسلامي محمد العيسى ومسؤولين آخرين سياسيين ودينيين في السعودية أرسوا أسس التعاون بين المؤسستين اليهودية في امريكا والكيان الصهيوني و" الإسلامية" في السعودية للتبشير بالتعاليم اليهودية ونشرها بين الشباب في السعودية وفي خارجها، بمعنى آخر أن الجهود الأمريكية والصهيونية الحثيثة لإجراء التغيير اللازم الثقافي والفكري والديني في السعودية يجري على قدم وساق وانتقل إلى مراحل متقدمة، إلى مراحل التبشير بالفكر الصهيوني اليهودي، وبمحاربة الفكر الإسلامي!!
وفي الحقيقة، أن ذلك، كما قلنا، يعتبر تطوراً خطيراً جداً، لم تصل إليه لا مصر ولا الأردن رغم عدم ادعائهما " بالولاية على المسلمين، السنة خصوصاً" أو " بخدمة الحرمين الشريفين" ولا يرعيان المئات بل الآلاف من المدارس الدينية، المنتشرة في جميع أنحاء العالم وترصد لها المليارات من الدولارات، مبالغ طائلة لدعمها واستمرارها ولجعلها مستقطبة وجاذبة لشباب العالم.. لم يحصل فيهما رغم مرور الأربعين سنة، أو أكثر قليلاً!!على معاهدات التطبيع مع العدو
ولا تكمن الخطورة في هذا التغيير المتسارع في الثقافة والفكر بما يتلأئم والرؤى الأمريكية والصهيونية وحسب، وإنما هناك عوامل أخرى تدخل تجعل من هذا التغيير أكثر خطورة، أو أخطر مما يتصور البعض، ومن تلك العوامل ما يلي:
1- لأن للسعودية عشرات الآلاف من المدارس والمراكز " الاسلامية"، ومراكز أخرى تحت عناوين " إسلامية" وغير إسلامية، منتشرة في طول العالم وعرضه، خصصت لها السلطات السعودية أموالاً طائلة وهيأت لها الآلاف من الأساتذة والمشرفين، وللتدليل على خطورة هذه المدارس تكفي الاشارة الى باكستان حيث تنتشر فيها اكثر من مئة ألف مدرسة كلها تخرج تلاميذ ودارسين مشبعين بالفكر الوهابي تربوا فكرياً ودينياً على يد اساتذة وخريجين من المدارس الوهابية السعودية الأم، فحركة طالبان أفغانستان ونظيرتها الباكستانية تخرجت من هذه المدارس، حركة القاعدة وداعش واخواتهما كلها تخرجت ونتجت من المدارس السعودية الوهابية المنتشرة في السعودية وفي عواصم العالم، سيما العالم الاسلامي ومنها باكستان التي أشرنا اليها.. ولأن هذه المدارس تشرف عليها المؤسستان السعودية والوهابية، فأن عملية تسويق هذه التغيير أو عملية غسل ذاكرة الاجيال بعبارة أدق سوف تجري بالسرعة التي أنتجت فيها هذه المدارس القاعدة وداعش وبقية العناوين من الحركات الوهابية المجرمة والأرهابية، ومن هنا تكمن خطورة محورية النظام السعودي في عملية غسل الأدمغة وتزريق الافكار المنحرفة وبالتالي تغيير الثقافة والفكر والقيم وصولاً الى القضاء على حضارة الأمة ودفنها.
2- و كما أشرنا أعلاه، فلأن النظام السعودي يسيطر على الثروات الطائلة في هذا البلد، النفطي منها بشكل خاص، فهو يخصص الأموال الطائلة ويرصد ميزانيات مالية ضخمة على شراء الذمم وشراء الأساتذة والمعلمين من مختلف الجنسيات والالسنة، والاستفادة منهم بعد تدريبهم وتلقينهم بالأفكار التي يريد تزريقها في عقول الأجيال، مما يجعل عملية نشر الأفكار التطبيعية وتحريف الإسلام، و" تأصيل الإسلام الامريكي الصهيوني" عملية متسارعة وضخمة وذات مخاطر جمة!!
3- يضاف إلى ذلك، أن مملكة آل سعود، شئنا أو أبينا، تحتل موقعاً بارزاً في " العالم الاسلامي" السني منه بشكل خاص" بحكم احتضانها للحرمين الشريفين، المدينة المنورة ومكة المكرمة وبحكم نفوذها المالي والسياسي في العالم الاسلامي، فالكثير من أطياف العالم " السني" اذا جاز التعبير، ممن يعتبر " المملكة السعودية" "مرجعيته الإسلامية"، ويعتبرها قدوته، ويمكن أن يعتبر كل أعمالها صحيحة، وبالتالي فأن الاستجابة لما تقوم به السلطات السعودية من تغييرات على الثقافة والفكر الإسلامي، سوف تكون سريعة جداً وخطيرة!
و ما تقدم يفسر لنا لماذا يركز العدو على التطبيع مع النظام السعودي، فالمسؤولون الصهاينة، كانوا قد قالوا صراحة أن السعودية سوف تؤثر على العالم الإسلامي برمته، " العالم السني" خصوصاً، فهي ستشجع بقية الدول الإسلامية " السنية" اذا طبعت مع هذا العدو، على الحدو حذوها!!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق