"...مآلات العدوان السعودي الإماراتي على العدوان السعودي الإماراتي على اليمن.
[عبد العزيز المكي]
عند ما شاهدت آثار القصف السعودي الإماراتي لصنعاء وباقي المدن اليمنية الأخرى، والتدمير الهائل الذي أحدثته موجات القصف الأخيرة والتي مازالت متواصلة حتى كتابة هذه السطور، ثم مشاهد الأشلاء المقطعة والمتناثرة بين ركام البيوت والمهدمة على أهلها ، ومناظر الأطفال والنساء والرجال الذين ذبحوا من الوريد الى الوريد بفعل القصف الذي خلط دمائهم ولحمهم وهرسها مع اكوام احجار البيوت المهدمة..إنها مشاهد مروعة وبشعة تهتز لها المشاهر وتقشعر منها الأبدان، وتكشف همجية وعدوانية وحقد الطيارين ومن يرسلهم لتنفيذ هذه المهمة القذرة، بهدف قتل العوائل اليمنية وهدم بيوتها على رؤوس أهلها..!!
أقول حينما شاهدت وتابعت مشاهد القصف السعودي الإماراتي للعاصمة اليمنية صنعاء، المروعة والوحشية، من خلال ما عرضته شاشات التلفزة عادت بي الذاكرة إلى الحرب العراقية- الإيرانية، والى فصلها الأخير ، " حرب المدن" أو ما سمي بحرب المدن
وللإشارة أن ثمة تشابه ومشتركات الى حد كبير بين ما حصل البارحة بين العراق وايران، وبين ما يحصل بين السعودية واليمن، فالحربان هما من تخطيط ودفع ودعم أمريكي، لوأد ثورتين فتييّن، هما الثورة الايرانية، والثورة اليمينية في 21 سبتمبر، بتوريط عميلين هما صدام في حالة العراق وبن سلمان في حالة السعودية، على خلفية تصورات وأهداف متشابهة الى حد ما، فصدام كان قد وعد أسياده بالقضاء على الثورة خلال أيام أو أسابيع، والثمن هو ان يصبح سيد المنطقة الأمريكي حيث وُعدَ بإخضاع كل ممالك الخليج تحت سيطرته بحسب ما اوردته مجلة التايم البريطانية في عقد السبعينات، تماماً مثل ما وعد من سلمان الأميركان بالقضاء على " الحوثيين" وارجاعهم الى كهوف صعدة" ليكون ذلك التاريخ انطلاقه له لتسيّد المنطقة واخضاع الممالك الخليجية تحت سيطرته وليكون الند للقوى الرامية الى التخلص من الهيمنة والعبث الأمريكيين بشؤون المنطقة وشعوبها..
ومثلما كانت "حرب المدن" الصدامية بدفع ودعم وتخطيط أمريكي بريطاني فرنسي وصهيوني باعتراف " مناحيم بيغن" رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق، وحتى بدعم الاتحاد السوفيتي قبل تفككه، فان تدمير المدن من قبل السعودية أو البن سلمانية اذا جاز التعبير، هي أيضاً من تخطيط ودفع أمريكي واضح وجلي، تجلّى بتصعيد سياسي واعلامي ضد أنصارالله، وبدعم اعلامي وتزويد السعودية بصفقة اسلحة بمليارات الدولارات ، أغلب هذه الصفقة، هي عبارة عن صواريخ الطائرات المقاتلة وبعضها من المحرم دولياً، ثم الاعلام الأمريكي عبر الصحافة الأمريكية بأن 42 طياراً صهيونياً يشاركون في الحملات الجوية الأخيرة على صنعاء وبقية لمدن اليمنية الواقعة تحت سيطرة أنصار الله الحوثيين! بل ان اميركا اعترفت أيضاً أنها دخلت بشكل مباشر في مشاركة النظامين السعودي والنظام الصهيوني، في شن الحملات الجوية على المناطق السكنية في المناطق الخاضعة لسيطرة أنصار الله.. وذلك بعد ما أعلنت واشنطن ان معركة مأرب هي معركتها وليست معركة " التحالف السعودي" فحسب!!
وإلى ذلك، فأن الأهداف والمبررات، التي ساقتها أميركا و" التحالف العدواني السعودي الإماراتي، لهذه الجولة من "حرب المدن"، جولة استهداف المدنيين العزل في مساكنهم وفي استهداف البنى التحتية أو ما تبقى منها.. تكاد تتطابق مع تلك التي أعلنها النظام الصدامي في ذلك الوقت، والتي قلنا أنها من بنات أفكار وتخطيط نفس العدو الامريكي الصهيوني السعودي، الذي يعيد فصول هذه الحرب على الشعب اليمني اليوم، نحاول التذكير ببعض هذه الأهداف بما يلي:-
1- التغطية على الهزائم والانكسارات العسكرية التي مُنيت بها قوات " التحالف" في جبهات القتال، سيما في جبهات مأرب والجوف، حيث كبد أنصار الله القوات المعتدية خسائر فادحة، وحققت انتصارات كاسحة بالسيطرة على مديريات ومساحات شاسعة تابعة لهاتين المحافظتين فضلاً عن تحرير محافظة البيضاء، وجزء من محافظة شبوة ومناطق أخرى تم تحريرها خلال جولات القتال المحتدمة منذ أشهر في تلك الجبهات، وما جعل من هذه الانكسارات والهزائم نكبة وتشديداً للمأزق السعودي الامريكي، هو ان السعوديين والاميركان حشدوا لهذه المعارك كل ما في جعبتهم من ذخيرة من الاسلحة المتطورة ومن المرتزقة والجيش السعودي ومن الدواعش الذين جلبتهم امريكا وبدعم لوجستي سعودي من العراق وسوريا، تماماً مثل ما كان الغرب وامريكا قد أمدّوا صداماً بكل أنواع الأسلحة المتطورة جداً من أجل الحاق الهزيمة بالقوات الإيرانية لكن دون جدوى.. هذه الاستعدادات الامريكية والسعودية جعلت الهزائم العسكرية لقوات التحالف السعودي الإماراتي مركبة ومخزية، لأن أنصارالله قلبوا معادلة الميدان لصالحهم، ونقلوه الى مرحلة جديدة باتت تنذر بانهيارات قوى العدوان وحصول تطورات خارج نطاق السيطرة، الأمر الذي يعني احتمالات هزيمة المشروع الامريكي الصهيوني في المنطقة عامة وفي المنطقة الخليجية خاصة، ذلك رغم تواضع أسلحتهم مقارنة باسلحة الخصم الأمريكية، ولانهم نجحوا بثباتهم من تفجير طاقاتهم الخلاقة والابداعية واعتمدوا على الله وعلى أنفسهم في صناعة الأسلحة المتطورة التي نجحت في سلب عناصر التفوق العسكري عند الخصم، الواحدة بعد الأخرى.
و مثلما حاول صدام رفع معنويات قواته المهزومة في ذلك الوقت والهاء لشعب العراقي بانتصارات وهمية مستغلاً تفوقه الجوي على خصومه، فأن النظام السعودي يحاول أيضاً إشغال الشعب في نجد والحجاز وملحقاتهما اي بلاد الحرمين الشريفين والهائه بانتصارات وهمية من خلال تزييف الحقائق والادعاء بأن القوات الجوية استهدفت مخازن أسلحة ومرابض طائرات مسيرة!! ومخازن صواريخ بالستية، في حين ان النظام السعودي كان قد أعلن في السنوات الأولى للعدوان أنه دمر مخازن الأسلحة وفجر الصواريخ وجرّد الجيش اليمني واللجان الشعبية من كل أسلحتها الاستراتيجية والثقيلة!!
2- و لأن ثبات الجيوش والمقاتلين وصمودهم، والانتصارات التي يحققونها تحصل بفضل ثبات وصمود ودعم جماهيرهم وشعبهم لهم، وإيمان هذه الجماهير بأهداف التصدي للعدوان، وهو التخلص من الهيمنة والعبودية السعودية، ثم تحقيق الاستقلال والإرادة الحرة، فأن النظام السعودي، استهدف الجبهة الداخلية بالتدمير وهدم البيوت وتحطيم البنية التحتية وحرق الاهالي وتقطيع أوصالهم بتمويل مساكنهم وأسواقهم إلى محارق ومآتم، من أجل تفكيك هذا التماسك وهذا الالتفاف المنقطع النظير حول الجيش واللجان الشعبية، ثم مده المقاتلين بالمجاهدين وبالسلاح، وبالدعم المعنوي من الصمود والثبات والإيمان بالنصر والحاق الهزيمة بالطرف الآخر، وهي عناصر أساسية كما يعرف الخبراء العسكريون في ميزان المعركة وعوامل حاسمة في تقرير نتائجها.
النظام السعودي يحاول تفكيك هذا التماسك وقتل هذا الحماس المتزايد لدى الشعب اليمني والتصميم القاطع بالحاق الهزيمة بالعدوان وقطع دابره في اليمن، من أجل التأثير على معنويات هذا الشعب، ومعنويات مقاتليه وجيشه في جبهات القتال، ومن ثم محاولة يائسة وبائسة أيضاً، بقتل الروح المعنوية عند هؤلاء المقاتلين والأمل بالانتصار وتفكيك وتشتيت عزمهم وإصرارهم على مواصلة القتال!! وهو ما لم يحصل، لا للنظام السعودي، ولا للذي قبله أقصد النظام العراقي عند ما استخدم هذا الأسلوب البائس، اي الانتقام من العمق الشعبي للمقاتلين الذي كانوا يلحقون الهزائم بجيشه المنكسر يومذاك.
و يمكن أن نضيف دافع آخر لتفسير حقد بن سلمان والأسياد الاميركان والصهاينة على العمق الداخلي الشعبي للجيش واللجان الشعبية، إضافة الى ما تقدم، وهو تفكك الجبهة الداخلية للمرتزقة اليمانيين الذين زج بهم المحتل الإماراتي والسعودي في اتون الحرب ومواجهة أخوانهم في الجيش اليمني واللجان الشعبية دفاعاً عن أهداف المحتل، فهؤلاء تحولوا الى فصائل متناحرة متقاتلة يضطر كل من المحتلين السعودي والاماراتي الى قصف مرتزقة بعضهما البعض الآخر، وقتل العشرات بل المئات منهم، غير ان الأخطر من ذلك وبعد تكشف أهداف العدوان، وتكشف وممارساته الاحتلالية ضد الحاضنة الشعبية في المدن المحتلة، قيام هذه الحاضنة وإعلانها رفض ومقاومة المحتلين الناهبين لثروات الشعب اليمني، وهو ما أرق السعودية والإمارات، فتلك الجماهير التي استقبلت قوات الاحتلال السعودي والإماراتي في البداية أو سكتت عن الاحتلال، اليوم تشهد تحركاً جماهيرياً مقاوماتياً تستخدم فيه الأسلحة الخفيفة والثقيلة لدرجة أن النظامين السعودي والإماراتي لجأوا الى استخدام الطائرات في قصف القبائل والجماعات الرافضة الى هذا الاحتلال..
ليس هذا وحسب، بل ان تكشف أهداف واطماع المحتلين، وسحقهم للشعب اليمني في المدن المحتلة، بل وحتى للمرتزقة الذين يتقدمون قواتهم في المواجهة مع أنصار الله.. نقول بعد تكشف هذه الأطماع، راجع الكثير من المرتزقة مواقفهم وانسحبوا من جبهات القتال مع المحتلين والتحقوا بجبهة أنصار الله، الذين فتحوا لهم الأبواب مشرعة للتراجع وللمجئ الى صنعاء حيث يجدون كل الرعاية والترحيب وهو ما أثار الفزع والهلع عند السعوديين والإماراتيين لأن مازال فصائل من المرتزقة يسلمون لصنعاء بكامل أطقمهم وأسلحتهم، بل سلمت أفواج كاملة بعدتها وعديدها لأنصار الله. بل حتى من بين وزراء وكوادر حكومة المرتزقة من انشق عن الاحتلال وفضح السعوديين والإماراتيين وأهدافهما الاستعمارية في اليمن، وسحقهما وعبوديتهما لحكومة المرتزقة. وما أغاض السعوديين والإماراتيين أكثر، هو رفع المتظاهرين والمحتجين ضد الاحتلال السعودي الإماراتي في المحافظات المحتلة، شعارات المطالبة بعودة أنصار الله والترحيب بهم وهذا ما تجلّى من خلال مشاهد التلفزة التي عرضت احتجاجات تلك الجماهير في عدن وفي شبوة وفي المهرة وغيرها من المحافظات الجنوبية.
3- ممارسة الضغوط على القيادة في صنعاء من أجل ثنيها وإرغامها على القبول بإيقاف الحرب، من خلال هذا الإجرام، وبالشروط السعودية، لأن كل الوسائل الأخرى التي استخدمها النظام السعودي وسيده الأمريكي، من ضغوط سياسية واعلامية وحرب نفسية عالية الوتيرة، لم تجدِ نفعاً ولم تؤثر في قرارات وتصميمات تلك القيادة، خصوصاً الإدارة الأمريكية الحالية، فأنها استخدمت كل الأساليب الضاغطة، حتى العسكرية منها المباشرة وغير المباشرة!!
و مثلما كان حصاد النظام الصدامي والنظام الصهيوني من حرب المدن الخيبة والخسران، فأن حرب المدن السعودية لم تحصد الى الآن سوى الخسران والخيبة، وارتكاب المزيد من الجرائم بحق الشعب اليمني وانكشاف الحقد السعودي بصورة اكثر، على هذا الشعب المظلوم وقيادته الصلبة..و فضلاً عن ذلك فإن حرب المدن السعودية المتواصلة حتى الآن كشفت المزيد من الحقائق نشير الى بعضها بما يلي:
1- رغم كل الضجيج الاعلامي الهائل حول هذا الاجرام بحق أهالي اليمن لم ينجح النظام السعودي في التغطية على هزائمه العسكرية، وعلى انتصارات الجيش اليمني واللجان الشعبية، ولإدراكه هذا الإخفاق لجأ إلى الزج باسم ايران وحزب الله اللبناني من خلال عرض فيديوهات مفبركة بشكل بدائي شكلت بدورها فضيحة للنظام ومادة تندر حتى من قبل المقربين من النظام لان عملية الفبركة كانت واضحة جداً ومثيرة للشفقة وكاشفة للحالة المزرية التي يعيشها الفريق الإعلامي للنظام. فبدلاً من أن تكون هذه الفبركة الإعلامية عوناً للنظام يبرر به هزائمه العسكرية أمام الرأي العام افتضح أكثر وانكشف ضعفه أمام قوة أنصار الله المتصاعدة.
2- بعكس ما كان النظام السعودي وسيده الامريكي يتوقعانه، إعلان الحرب على الشعب اليمني الأعزل والمحاصر في مدنه ومحافظاته، زاد ذلك من تماسك هذا الشعب والتفافه حول قيادة صنعاء، والأهم من ذلك أثارت فيه اي بهذا الشعب، جرائم القصف الجوي الوحشية، المزيد من الحماس بل ضاعفت لديه الحماس برفد جبهات القتال بالمزيد من المقاتلين المجاهدين، وتحقيق تقدمات متسارعة في زحوفات الجيش واللجان الشعبية، ففيما ضيقوا الخناق على المرتزقة وأسيادهم السعوديين والإماراتيين في مأرب، فأنهم حرروا اكثر من 1200 كم من الجوف بما فيها منطقة اليتمة النفطية والقريبة من الحدود السعودية من جهة نجران والتي كانت ومنذ 60 سنة خارج سيطرة اليمن، حيث استحوذ النظام السعودي على نفطها ومنع النظام اليمني السابق من الوصول إليها معتبراً ذلك خطاً أحمراً، ما يعني ذلك حرمان النظام من عمليات نهبه للنفط اليمني من هذه المنطقة ولأول مرة أكثر من خمسة عقود مضت ، مما يشكل ذلك تطوراً خطيراً في مجريات الحرب، وبالتالي دخولها في مرحلة جديدة كما وعد المتحدثون باسم أنصار الله، اذ وعدوا بأن هذه الحرب وفي جبهة الجوف لاتبقى داخل الحدود اليمنية إنما ستتوسع وستمتد الى العمق السعودي!
3- تفاقم مأزق النظام السعودي وارتفاع منسوب إحباطه، وإحباط أسيادهم الأميركان أيضاً، يعكس ذلك بوضوح التقلبات في المواقف الأمريكية، وعمليات النقل والانتقال في صفوف المرتزقة وتغيير قيادات الألوية والكتائب، سيما بالنسبة للوحدات العسكرية التي تقف على خط المواجهة مع أنصارالله...
و ذلك ما يفسر الأرباكات والفوضى التي تشهدها ألوية وفصائل المرتزقة والقوات السعودية والاماراتية في المواقع الخلفية للجبهات!
4- وكل ما تقدم يؤشر بوضوح الى قرب الهزيمة النهائية للعدوان السعودي، بحسب تأكيد العديد من الخبراء الأمنيين والعسكريين في المنطقة.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق