مأزق النظام السعودي المتفاقم في اليمن (القسم الأول)
[عبد العزيز المكي]
يوماً بعد آخر، يزداد المأزق السعودي في اليمن تعقيداً، وتتعمق الورطة السعودية في الساحة اليمنية وتزداد تشعباً، وتتوالد تحديات خطيرة باتت تهدد وجود النظام السعودي، إن لم يسارع إلى إنقاذ نفسه والخروج من هذا المأزق، قبل أن يسقط في قاع هذا المأزق وحينذاك يكون الخروج صعباً جداً، بل يعني الهلاك!
هذا ما تؤشر إليه تطورات الساحة اليمنية العسكرية خصوصاً، المتلاحقة، لاسيما التطورات الأخيرة، فمن جهة أن التصدع الذي أحباب جبهة التحالف السعودي العدواني، منذ احتلاله للجنوب اليمني يزداد باضطراد، وتحوّل مؤخراً إلى شقوق في هذه الجبهة يصعب ردمها أو اصلاحها، فجزيرة سقطري الارجيل الاستراتيجي سقط كلياً بيد حلفاء الأمارات (المجلس الانتقالي الجنوبي) والتوتر مستمر في اليمن بين شرعية هادي وبين الانتقالي الذي مازال يسيطر على عاصمة الجنوب، (محافظة عدن) خلافاً لاتفاق الرياض!! ومن جهة أخرى أصبح الحوثيين على مشارف الانتصار في مأرب وباتوا قاب قوسين أو أدنى من طرد التحالف ومرتزقته منها، فيما وجهوا ضربة قاصمة للتحالف لوأد فتنهم في محافظة البيضاء عبر تجنيد المرتزق ياسر العواضي، ذلك إلى جانب العملية الكبرى التي اسماها الحوثيين، بـ (عملية توازن الردع الرابعة) بتسيير وإطلاق، طائرات مسّيرة ملغمة وصواريخ (قدس) المجنحة بعيدة المدى، حيث شق العشرات من هذه الطائرات والصواريخ الأجواء السعودية متحدية دفاعات منظومات الباتريوت والثاد الامريكيتين المتطورتين، وقطعت أكثر من 1300 كم وأصابت أهدافها الاستراتيجية بدقة عالية، وهي كما صرحت به وكالات دولية وكذلك كما أعلنه المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد (يحيي سريع)، مقر وزارة الدفاع السعودية، ومقر الاستخبارات العسكرية، وقاعدة سلمان الجوية، بالإضافة إلى استهدافها أهدافاً عسكرية حيوية السعودية في جيزان ونجران..
وحتى تتجلى لنا صورة هذا المأزق، نتوقف بشيء من التحليل، مع هذه التطورات على صعيد جبهة "التحالف السعودي" الداخلية وعلى صعيد تعاظم القدرات العسكرية لجماعة الحوثي.
جبهة التحالف السعودي... ومظاهر التصدع في جدرانها!
مما هو ثابت تاريخياً، واستراتيجياً، ومعروف أيضا، هو أن النظام السعودي يعتبر اليمن باحته الخلفية، وعمقه الاستراتيجي، على خلفية المعادلة التي وضعها مؤسس الدولة السعودية الثالثة عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وهي ضعف اليمن في قوة السعودية والعكس بالعكس، وحتى يظل الشق الأول من المعادلة قائماً أوصى بن سعود المؤسس بأن يبقى اليمن ضعيفاً، وفعلاً ظل هذا البلد طيلة العقود الماضية وحتى ثورة 21 سبتمبر 2014 يُحكم من الرياض وأنظمته خاضعة ومعيّنة ومدعومة من الرياض، عد الرئيس إبراهيم المحمدي الذي أراد عتق اليمن من هيمنة السعودية فاغتالته الأخيرة. وعلى أساس هذه الخلفية جرى غزو السعودية عام 2015 لليمن بعد ثورة الحوثيين خوفاً من بروز قوة اليمن، وبالتالي تهديد النظام السعودي، بحسب مقولة بن سعود الآنفة. وكان تصور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إن شن العدوان وإعادة اليمن لبيت الطاعة نزهة!! هذا ما وعد به الأمريكان في ذلك الوقت بحسب ما صرح به رئيس أركان الجيوش الأمريكية الأسبق كولن باول، وحرص بن سلمان على تشكيل تحالف ومشاركة عدد من الأول الخليجية والعربية بقيادته ليكون ذلك التشكيل غطاءً عربياً ودولياً لتزويق الغزو، فانضمت قطر والبحرين والإمارات، بالإضافة إلى الأردن ومصر والمغرب ومن ثم السودان، وباشكال من المشاركة مختلفة كما هو معروف، ولم يخلد ببال بن سلمان الذي اعتاد على أن الرياض هي "الشقيقة الكبرى" لدول الخليج، أن يكون الإماراتي منافساً له على حديقته الخلفية (اليمن)، فعلى خلاف توقعات النظام السعودي، تصرف النظام الإماراتي منذ بدايات العدوان على أن طرفاً أساسياً في التحالف وليس ظلاً أو تابعاً على شاكلة البحرين أو الأردن وما إليهما، كما يريد الحليف السعودي، "الشقيقة الكبرى" ولذلك منذ بدايات العدوان بدأ النظام الإماراتي يعبر عن نواياه وأطماعه، ويعمل بشكل يكاد يكون مستقلاً عن السعودي حتى تمكن في النهاية من تشكيل وتأسيس جيش ومسلحين يتبعون له من أبناء الجنوب اليمني، ويصنع قيادات ميدانية وسياسية تابعة له، لدرجة أن قرقاش، صرح يوم أعلنت الأمارات عن انسحابها الصوري من اليمن، أو بالأحرى سحب قواتها مع بقاء قيادات عسكرية إماراتية... صرح بأن بلاده شكلت قوة عسكرية وسياسية تدير اليمن في المحافظات الجنوبية، وتحقق لها مصالحها بدون الحاجة إلى القوات الإماراتية، وفعلاً أثبتت التطورات الميدانية أن المجلس الانتقالي الانفصالي بقيادة عيدروس الزبيدي وبقية الرموز المحيطة به يمتلك قوة عسكرية وسياسية تمكن بها من إلحاق الهزائم العسكرية والسياسية بمرتزقة عبدربه منصور هادي.. وفيما ظل الصراع والصدام بين مرتزقة الإمارات ومرتزقة السعودية محتدماً متفاقماً تارة، وخامداً تارة أخرى، فأن النظام السعودي أخفق في محاولاته تهميش مرتزقة الإمارات ودور الأخيرة، رغم النفوذ التاريخي والأموال الطائلة التي أنفقها السعودي على عملائه، وللإشارة فأن السعودي رغم كل المحاولات لاحتواء تحدي تعاظم النفوذ الإماراتي في المحافظات المحتلة من اليمن، أخفق في ذلك، بل استسلم للدور الإماراتي المنافس والمتعاظم، كما لاحظنا في مقطعين مفصليين من الصراع بين مرتزقة الطرفين، وهما سيطرة الانتقالي على عدن، ومن ثم سيطرته على ارخبيل سقطري وذلك ما يعد خسارة فادحة للنظام السعودي، وهزيمة مدوية لما يسمونه الشرعية بقيادة هادي وقواتها، لدرجة أن بعض وزراء الشرعية السابقين اتهموا السعودية بالتواطئ مع ما اسموه انقلاب الانتقالي في سقطري، فهذا وزير النقل السابق والمستقبل صالح الجبواني، اعتبر ما جرى في سقطري " تواطؤاً وتآمراً سعودياً على الشرعية، قاموا عبره- السعوديون- بتسليم الجزيرة للإمارات" بحسب قوله...و وجه حديثه للسعوديين بالقول " إما أن تصلحوا ما أفسدتموه أو ترحلوا " مطالباً المسؤولين في " الشرعية " بالخروج من الرياض " والتوقف عن إهانة أنفسهم واليمنيين واستمرار قبول الذل والمهانة ". ورأى تعويل اليمنيين على السعودية لإعادة الأمور إلى نصابها لا طائل وفائدة منه، ووجه هذا التعويل بانقلاب ميليشيا مدعومة من الأمارات في عدن وان الإمارات هي المهندس لكل ما يجري والسعودية تعمل على التسويق عبر دعوات تنفيذ اتفاق الرياض.
بدوره اعتبر محافظ جزيرة سقطري المحسوب على (الشرعية) رمزي محروس أن السعودية متواطئة مع مؤامرة سقوط الجزيرة بيد الانتقالي، متفقاً مع الجبواني في اتهام السعودية وقال محروس "إن السعودية سلمت سقطري للانتقالي، بهدف الضغط على قوات حكومة هادي ووقف المعارك في محافظة أبين" موضحاً.. "إن الرياض أعطتهم ضمانات بإيقاف تصعيد الانتقالي، لكنها تراجعت عن تعهداتها ". أكثر من ذلك اتهم محروس السعودية بالغدر والتخلي عن حماية " الشرعية ".. وذهب عدد من وزراء ومسؤولي الشرعية إلى هذا الموقف متهمين الرياض بالتنسيق مع الإمارات، وبالاعتراف بالوقائع التي يفرضها الانتقالي بالقوة على الأرض، وبتبادل الأدوار مع الإمارات، وما إلى ذلك من قائمة الاتهامات المتعددة.. وقد تكون بعض هذه الاتهامات صحيحة، غير أن ذلك لا يعني أن النظام السعودي يقوم بها عن رضا وخاطر بال أبداً، إنما هو مجبر على القيام بها ومفروضة عليه، لأسباب لا يتطرق لها المحللون، وحتى جماعة (الشرعية) وهي تجسد عمق المأزق السعودي في اليمن وتعقيداته، ومن هذه الأسباب، ما يلي:-
1ـ أن الدور الذي تقوم به الأمارات في اليمن، هو جزء من الدور الذي تقوم به في المنطقة بتكليف أمريكي صهيوني، فالامريكان والصهاينة ومنذ وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز ومجيء المخرف سلمان وابنه، أناطوا ببن زايد مهمة الدفاع عن مشاريعهم ومصالحهم في المنطقة على حساب الدور التقليدي الذي كان يضطلع به النظام السعودي، وفي فترة من الفترات النظام القطري بعيد انقلاب الشيخ حمد بن خلفية آل ثاني على أبيه الشيخ خلفية آل ثاني، وذلك لان المرحلة والظروف الأمنية والعسكرية تتطلب اتخاذ خطوات جريئة لصالح المشاريع الصهيونية ومنها التطبيع والتحالف مع العدو، والنظام السعودي لا يمكنه اتخاذ مثل تلك الخطوات بحكم، إدعائه بقيادة المسلمين واحتضان المملكة للحرمين الشريفين، يضاف إلى ذلك الهوية الإرهابية للنظام السعودي، والفكر الوهابي الذي يروجه في العالم والمسؤول عن إنتاج القطعان التكفيرية المجرمة، فضلاً عن حماقة بن سلمان ومراهقته السياسية، إلى آخر الأسباب، بينما وجد الأمريكان والصهاينة ببن زايد الشخص الذي لم يتردد في اتخاذ المواقف الجريئة في الدفاع عن المصالح وعن المشاريع الأمريكية والصهيونية في المنطقة وكان لهم ما أرادوا، إذ لم يخيّب بن زايد ظنهم!!
2ـ بناءاً على ذلك فأن ما يقوم به الانتقالي وسيدته الأمارات يحظى بالدعم الامريكي الصهيوني، ما دام يصب في المحصلة النهائية بالمشروع الأمريكي الصهيوني الرامي إلى السيطرة على الجنوب اليمني ومضيق باب المندب والى تقسيم اليمن، ولذلك فأن الإمارات وعلى خلفية أطماعها في اليمن، والدعم الذي تحظى به الدوائر الأمريكية تنافس السعودية، وهذه الأخيرة تجد نفسها مجبرة على التسليم والقبول على مضض، ولا خيار لها إلا الصدام مع الدور الإماراتي وهذا مالا يقبل الامريكان والصهاينة به.
3ـ صحيح أن بن سلمان وبن زايد يتسابقان في الجري نحو الارتماء بأحضان العدو، والتحالف معه، وعقد معاهدات وأحلاف أمنية وعسكرية، سرية وعلنية، إلا بن زايد فاق بن سلمان وتفوق عليه باعتراف الصهاينة في تنفيذ المشاريع الصهيونية، ولذلك فهو باعتراف المسؤولين الصهاينة لم يكتفِ بالتحالف مع العدو وتحدي مشاعر الشعب العربي والشعوب الإسلامية بالتفاخر بتسويق العدو وتحسين صورته ومحاولة دمجه في المنطقة، لم يكتفِ بن زايد بهذا وغيره كثير وحسب، وإنما راح يضغط ويوظف ويستخدم كل إمكانات وتأثير الإمارات ليعبد الطرق الوعرة للعدو بإقناع بعض الأطراف العربية، وحتى تقديم الرشى المالية والمادية لها، بإقامة علاقات وتطبيع وتحالف مع العدو، وللإشارة تحدثت وسائل الإعلام العربية والصهيونية أو بعضها عن دور بن زايد في هندسة العلاقات الصهيونية السودانية، مع النظام السوداني الجديد، واليوم يلعب النظام الإماراتي هذه اللعبة مع مرتزقته اليمنيين من الانتقالي وغيرهم، فصحيفة ايدعوت احرونوت بشرت الصهاينة بقرب إقامة دولة جديدة في الجنوب اليمني، وبإقامة علاقات مع أصدقاء جدد، في إشارة إلى مسؤولي الانتقالي!!
وبالمقابل فأن الانتقالي أعلن رسمياً استعداده للتطبيع مع العدو الصهيوني، جاء ذلك على لسان هاني بن بريك نائب رئيس ما يعرف بالمجلس الانتقالي قائلاً.. "إن التطبيع مع إسرائيل" بالنسبة لهم مطمع ومطمح"! مؤكداً استعدادهم إقامة العلاقات مع أي دولة ستساعدهم على إعادة ما سماها دولتهم! جاء ذلك تعليقاً على حديث صحيفة يدعوت احرونوت عن وجود محادثات سرية بين المجلس الانتقالي والكيان الصهيوني! ليس هذا وحسب بل ذهب بن بريك ابعد مما ذهب إليه سيده الإماراتي بالإطراء على اليهود الصهاينة واعتبارهم أبناء عمومته!! قائلا: " اليهود جزء من العالم وجزء من البشرية ونحن مع السلام.. ولو كان علاقة مع أبناء عمومتنا اليهود ودولة " إسرائيل" سنعلن عنها".. وأردف متحدثاً عن اليهود.. " إنهم جزء من العالم جزء من البشرية جزء من الحياة عاشوا مع أجدادنا وآباءنا وأجيال في بلداننا وكانت الحياة طبيعية"!! على حد زعمه وقوله.. ووصف اليهود بـ " أبناء عمنا إسحاق نعم هم عيال عمنا اليهود. قد يكون أخوك في ملة وأنت في ملة "! وكانت صحيفة إسرائيل اليوم قد كشفت في 22 حزيران 2020 الى جانب صحيفة يدعوت احرونوت كما اشرنا، عن وجود محادثات بين الطرفين وتحدثت عن الصديق السري الجديد في اليمن!!.
4ـ هذا الدور الإماراتي في دفع المرتزقة اليمنيين إلى التطبيع مع العدو الصهيوني الهدف منه ليس خدمة الكيان الصهيوني وتقديم شهادة حسن السلوك له وحسب، وإنما نيل الدعم منه لمشاريع الأمارات وأطماعها في اليمن، وهي أطماع باتت غير خافية لا على اليمنيين ولا على المتابعين، وفعلاً فأن الإمارات مُنحت زخماً إضافياً في تعزيز مشاريعها في اليمن على حساب الحليف السعودي الذي ليس بإمكانه أن يقول لا للصهيوني والأمريكي...
3ـ أكثر من ذلك، أن النظام الإماراتي فتح شهية الصهيوني والأمريكي بإقامة قواعد عسكرية لهم في الأراضي اليمنية تحت سيطرة (المجلس الانتقالي الجنوبي) وللإشارة أن الأمريكيين والصهاينة منذ زمن بل منذ عقود يتوقعون لإقامة قواعد عسكرية لهم هناك للسيطرة والتحكم بالممرات البحرية، خصوصاً البحر الأحمر ومضيق باب المندب الاستراتيجي، ولقد تحدث المحللون العرب والأجانب عن هذه الأطماع الأمريكية والصهيونية بالتفصيل المدعوم بالخرائط والوثائق، ما يؤشر ذلك إلى أن سقوط جزيرة سقطري بأيدي الانتقالي وتسليم السعودية بالأمر، إنما جاء بتوصية من الكيان الصهيوني نفسه، وهذا ما يرجحه ما نشرته، صحيفة " إسرائيل اليوم" الصهيونية يوم 23 حزيران 2020، بعد سقوط سقطري بأيدي الانتقالي حيث نشرت الصحيفة خبراً تحت عنوان " الصديق السري الجديد" كما مر بنا في سطور هذا المقالة!! الأكثر من ذلك، يقول الباحث والكاتب السياسي اليمني د.عادل دشيلة، إن " الكيان الصهيوني نجح في تثبيت أقدامه في القرن الإفريقي من خلال بناء قاعدة عسكرية في أريتيريا، وهو ما يرغب في حدوثه في سقطري اليمنية بواسطة الأمارات" وأضاف هذا الباحث قائلاً: "الآن يبدو أن الأمارات ترتب الوضع في سقطري من أجل افتتاح قاعدة عسكرية إسرائيلية- إماراتية في الجزيرة (سقطري)، لمواجهة قوى إقليمية صاعدة. ولهذا يبدو أن إسرائيل تحاول إقناع أمريكا بتمكين الانتقالي من السيطرة على الجنوب اليمني"! بدوره أكد المحلل السياسي اللبناني للمصدر نفسه، محمود علوش الدور الإماراتي في تأمين التواصل بين الكيان الصهيوني والانتقالي، وقال "الإسرائيليون مهتمون بطبيعة الحال بما يجري في جنوب اليمن لعدة اعتبارات، أهمها الموقع الجغرافي الحساس لهذه المنطقة، لكونها تطل على البحر الأحمر، ووجودهم هناك، أمر لهم، سواء كان هذا الوجود مُعلنا أم لا". ويرى علوش، أن ثمة توجهاً داخل المجلس الانتقالي للاستعانة بالكيان الصهيوني في دعم مشروعهم الانفصالي، مشيراً إلى انه كان "قد أبدى الإسرائيليون دعمهم لمشروع استقلال كردستان العراق، وبالطبع لن يعارضوا انفصال جنوب اليمن عن شماله، هذا يتناسق الى حد كبير مع رؤيتهم للشرق الأوسط الذي يتطلعون إليه ".
4ـ وكما أشرنا في مناسبات سابقة، وفي ثنايا هذه السطور، لم ترض الأمارات بدور الذيل والتابع للشقيقة الكبرى (السعودية)، فمنذ بداية العدوان، نزلت الإمارات إلى الساحة اليمنية وهي لديها سلة أهداف وضعتها في حسبان التحقيق والوصول إليها، ولذلك طيلة العدوان وما زالت، ظلت الأمارات طرفاً منافساً يحاول بكل الأساليب خلق الظروف والمناخات العسكرية والأمنية والسياسية والاجتماعية في المناطق المحتلة في الجنوب اليمني وفي خارج مساحة الجنوب، من أجل تحقيق تلك الأهداف ومنها السيطرة على المواني والجزر الإستراتيجية، وقد كشفت وثيقة إماراتية اهتمام السلطات الإماراتية وأطماعها المبكرة بجزيرة سقطري اليمنية، تعود إلى عام 1998م، نشرها موقع (المصدر اونلاين اليمني) في 24/حزيران/2020 في ذلك الوقت، إلى سلطات بلاده، اخبرها في مذكرته السرية جداً عن تحرك الامريكان والسعوديين لإقامة قواعد عسكرية لهما في سقطري! ما يؤشر ذلك إلى القلق الإماراتي والطموح الذي كانت تضمره تجاه هذه الجزيرة، وبقية الجزر والمرافئ اليمنية وقد جاء الدعم الأمريكي الصهيوني للدور الإماراتي ليمنح الأطماع الإماراتية زخماً كبيراً في اتجاه تحقيقها، هو ما يفسر الصراع المحتدم الخفي تارة والعلني تارة أخرى بين وكلاء الإمارات ووكلاء السعودية من اليمنيين، عسكرياً وسياسياً وأمنياً وحتى على الصعد الأخرى، الاقتصادية منها خصوصاً.
كل ذلك يؤشر إلى تفاقم المأزق السعودي، فاليوم لا يمكن للنظام السعودي الخروج من هذا المأزق الذي يزداد تشعباً وتعقيداً يوماً بعد آخر، وبأقل التكاليف، فلا هذا النظام قادر على ازاحة الإمارات، ولا قادر على مواجهتها لمعارضة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، واحتمال دخول أطراف أخرى على خط الصراع مثل تركيا وقطر المتربصين بالساحة اليمنية، فيزداد التهميش السعودي حينذاك. ولذلك لم يبق أمام النظام السعودي غير التسليم بدور مواز لدور النظام الإماراتي وبتقاسم الكعكة اليمنية معه، لكن المشكلة هي أن شهية الأمارات تزداد شراهة في ابتلاع المزيد من هذه الكعكة، وهذا ما يفاقم من أرق وسقم النظام السعودي باستمرار. أما الوجه الآخر للمأزق السعودي في اليمن، فنسلط الضوء عليه بإذن الله، في القسم الثاني من هذه المقالة.
ارسال التعليق