ما بعد الانقلاب الأبيض السعودي على "الشرعية" وسقوط مبررات استمرار العدوان
[عبد العزيز المكي]
في ضوء التغيير الطارئ في الموقف الأمريكي من استمرار العدوان على اليمن والقاضي بضرورة وقف الحرب, وعلى أثره دفعت واشنطن الرياض للتفاوض مع أنصار الله في مسقط تحت رعاية الأمم المتحدة, حيث تمخضت هذه المفاوضات عن هدنة الشهرين الحالية بين الطرفين... وفي ضوء تكرار الاستغاثات السعودية بأمريكا والعالم لحمايتها من ضربات أنصار الله في العمق السعودي, والتي طالت منشآت أرامكو ومراكز تحلية المياه بعدما عجزت منظومة الباتريوت والثاد في صد هذه الضربات التي أثرت بشكل واضح على الإنتاج السعودي من النفط...
وفي ضوء التحرك الأممي اللافت والمدعوم أمريكياً على صعيد الأزمة اليمنية والذي قلنا تمخض عن هدنة الشهرين للحرب... في ضوء ما تقدم وغيره من التحركات كان متوقعاً حصول تغيرات مهمة في مشهد العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على اليمن..
ولعل أهم هذه التحركات التي تركت بصماتها في مشهد العدوان وفي المشهد اليمني برمته هي ما يلي:
1ـ دعوة السعودية لعقد مؤتمر تشاوري في الرياض عبر واجهة مجلس التعاون الخليجي, حيث دعا نايف العجرف أمين عام المجلس أكثر من500 شخصية من مرتزقة السعودية والإمارات من داخل اليمن وخارجها, حيث تمخض عن هذا المؤتمر بعد مشاورات دامت خمسة أيام برعاية النظام السعودي عن ولادة ما سمي >بالمجلس الرئاسي< اليمني, بانقلاب سعودي مدعوم أمريكياً وبريطانياً على الرئيس المخلوع هادي عبد ربه منصور وعلى نائبه على محسن الأحمر القريب من حزب الإصلاح اليمني, وهذا ما أكده وزراء ومستشارون في فريق >الشرعية< بحيث قالوا: إن هذا الانقلاب قامت به السعودية وأجبرت هادي تحت التهديد على القبول به, وعلى قراءة بيان نقل صلاحيته وبلا رجعة إلى مجلس الرئاسة الجديد الدكتور رشاد العليمي, كما فعلت تماماً ـ أي السعودية ـ مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري عندما كتبت له قرار الاستقالة وأجبرته, تحت التهديد على قراءة وإعلان الاستقالة من على منصة التلفزة السعودية! ولو لا تدخل الرئيس الفرنسي ماكرون لبقي الحريري إلى اليوم مع المحتجزين في سجن "الريتز كارلتون" الذي يضم العشرات من التجار والوزراء السابقين, ورجال الأعمال وغيرهم!!
2ـ الحدث الثاني المهم, هو لقاء الوفدين السعودي واليمني (أنصار الله) في مسقط برعاية الأمم المتحدة, كما أشرنا, وبدفع أمريكي واضح, حيث ترأس الوفد السعودي نائب وزير الدفاع, خالد بن سلمان, الأمر الذي يؤشر إلى الأهمية الكبيرة التي أولاها النظام السعودي وسيده الأمريكي لهذه الجولة من المفاوضات, والتي قلنا, أنها تمخضت عن الهدنة الحالية..
وفيما لا تزال الأوساط الإعلامية والسياسية اليمنية, وحتى بعض مثيلاتها الغربية والأمريكية تثير الجدل حول إزاحة وطرد هادي والأحمر, ومستقبلهما واحتمال تصفيتهما, فإن المتيقن منه أن ولادة المجلس الرئاسي برئاسة العليمي ونوابه السبعة ومن بينهم طارق عفاش, وسلطان العرادة, والزبيدي وغيرهم, نقل المشهد اليمني ـ كما أشرنا قبل قليل ـ إلى مرحلة جديدة يمكن أن نحدد ملامحها من خلال الملاحظات التالية:
1ـ إن المجلس الرئاسي مكون من عملاء أمريكا وبريطانيا, إذ يبدو أن معايير الاختيار ارتكزت على هذا الأساس, فجيء بمن هو أكثر إخلاصاً لأمريكا وبريطانيا, وللمحتلين السعوديين والإماراتيين, وأكثر بعداً من مصالح الشعب اليمني المظلوم, وإذا تطرقنا إلى السيرة الذاتية لرئيس المجلس رشاد العليمي, أو إلى جانب صغير من هذه السيرة, نجد أنها كلها عطاء وإخلاص وخدمة لأسياده البريطانيين والأمريكان والسعوديين, وفي هذا السياق نشرت صحيفة >اليمن اليوم< التي كان الرئيس السابق علي عبد الله صالح يملكها, نشرت بتاريخ 10/نوفمبر/2015 وثيقة تكشف العلاقة بين رشاد العليمي والنظام السعودي والمخابرات البريطانية تحت عنوان >عميل الإحداثيات< وفي الوثيقة عرض من الأمير محمد بن نايف إلى الأمير محمد بن سلمان بتعيين الدكتور رشاد العليمي عضوا في مجلس الشؤون السياسية والأمنية, وذلك طبقاً لما جاء في تلك الوثيقة:
>لما قدمه من تقارير ومعلومات مهمة تم بموجبها تحديد بنك الأهداف لعملية عاصفة الحزم! وذلك أثناء ترأسه لغرفة عمليات صنعاء والتي قمنا بإنشائها بتاريخ 21/3/1436هـ (وكذلك لإخلاصه الشديد في خدمة المملكة) ولثقتنا الكبيرة مما سيقدمه من خدمات كبيرة للمجلس. (وأيضاً علاقته القوية مع المخابرات البريطانية) وهذا ما ناقشناه خلال زيارتنا الأخيرة لبريطانيا مع وزير الداخلية ومع رئيس المخابرات البريطانية بتاريخ 9/5/1436هـ
خلاصة الأمر ان هذا الرجل له تاريخ زاخر بالخيانة والعمالة للأمريكان وللبريطانيين بالإضافة إلى السعوديين, وكان من أشد المدافعين عن بقاء وحضور القوات الأمريكية في اليمن طبقاً لما ذكره عضو المجلس السياسي لأنصار الله السيد محمد البخيتي.. كما أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح تحدث عن عمالته على شاشة التلفزيون, وقال: إنه يلقب برجل الإحداثيات, نسبة إلى ما ذكره عنه السعوديون بهذا الخصوص كما مر بنا.
وما يقال عن رشاد العليمي من حيث الخيانة للشعب اليمني والعمالة للأمريكان والسعوديين والإماراتيين والبريطانيين يقال عن الأعضاء الآخرين أو النواب في هذا المجلس ولو بنسب متفاوتة, وما يعني ذلك أن أمريكا وبريطانيا وعملائهم السعوديين والإماراتيين لا يريدون ترك اليمن وشعبه, وترك ثرواته, ولذلك اختاروا أخلص أدواتهم وعملائهم لضمان حماية وبقاء مصالحهم وعلاقاتهم باليمن وثرواته.
2ـ إن عملية تشكيل المجلس الرئاسي الجديد روعيت فيها أمور في غاية الأهمية منها :
أـ إنه مكون من أربعة أشخاص من الموالين للسعودية وأربعة آخرين من مرتزقة الإمارات, وهذا يدل على أن الجهة التي تقف وراء عملية التشكيل ولا استبعد أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية أرادت إرضاء الطرفين ووضع حد للتنافس بينهما, الذي غالباً ما يتحول إلى صراع ومواجهات بين مرتزقتهما على الأراضي اليمنية , وبالتالي توحيد الجهود والاصطفاف نحو هدف موحد هو المحافظة على الوضع الحالي قدر المستطاع, وتوجيه الإمكانات نحو المواجهة والصمود أمام أنصار الله, لأن الوضع السابق الذي يسوده التشرذم والتناحر يشير بهزيمة أكيدة أمام زحف أنصار الله.
ب ـ إن أغلب أعضاء المجلس هم جنرالات حرب ولدى كل منهم جيش أو مليشيا, بمعنى آخر, إن هذا المجلس هو مجلس حرب وليس مجلس (سلام) كما يروّج له السعوديون والإماراتيون, وأسيادهم الأمريكان, وكما روّج له مرتزقة السعودية والإمارات اليمنيون ما يعني ذلك أن الأمريكي والسعودي والإماراتي أرادوا توحيد الجهد العسكري قبال أنصار الله, والسيطرة على ما يجري في الميدان من أجل المحافظة على المكاسب, فهم من جهة يريدون وقف الحرب كل حسب مصلحته, أمريكا خوفاً على النفط السعودي وعدم انقطاعه, السعودية والإمارات خوفاً من انهيارات غير متوقعة قد تقلب الوضع رأساً على عقب, ومن جهة أخرى يريدون فرض تسوية تؤمن لهم بقاء واستمرار ((المكاسب)) التي حققوها لحد الآن بهذا العدوان بهذا العدوان على الشعب اليمني!
3ـ إن تشكيل هذا المجلس, ومن أطراف عميلة وخائنة أرادت منه كل من الرياض وأبو ظبي التأسيس للخروج من المأزق اليمني, مع الاحتفاظ ـ كما أشرنا قبل قليل ـ بالمكاسب التي تحققت لهما في اليمن, ومن ناحية ثانية, أرادتا التأسيس أيضاً لصراع أهلي بين مكونات هذا المجلس مع بعضهم, لأن أجندات وتوجهات وطموحات كل عضو في هذا المجلس تختلف, بل ومتضاربة مع الأعضاء الآخرين, لذلك فإن عملية تفجير الصراع بين القوى التابعة لهؤلاء الجنرالات لا تحتاج إلى جهد استثنائي, فإن بإمكان المحتلين إشغالهم ببعضهم بسهولة كما حصل وما يزال في الفترة الماضية.. هذا من جهة ومن جهة أخرى, تغذية صراع بين قوى هذا المجلس وأنصار الله, يستنزف كلا الطرفين وتبقى السعودية والإمارات تدعمان مرتزقتهما لإدامة الصراع والمحصلة, ضمان عدم نهوض اليمن وبقاء الهيمنة السعودية والإماراتية على الجنوب وثرواته.
4ـ فضلاً عن إن المجلس الرئاسي الجديد يشرع الاحتلالين الإماراتي والسعودي لليمن, فإنه يعفيهما من مسؤولية التدمير الذي لحق باليمن جراء هذا العدوان, بالإضافة إلى الخسائر البشرية الجسيمة والكوارث الإنسانية الأليمة التي حلت باليمن نتيجة الحصار ونتيجة القصف والتدمير وما إلى ذلك من الممارسات العدوانية للمحتلين السعوديين والإماراتيين..
على أن تحقيق كل هذه الأهداف مشكوك فيه في ضوء تضارب المصالح بين مكونات هذا المجلس في ثنايا الحديث أكثر من مرة, إذ يرى الكثير من الخبراء السياسيين في اليمن وخارجه إن هذا المجلس سيكون بداية لمرحلة فوضى وتصارع بين الأطراف اليمنية, وفي هذا السياق يقول الكاتب والسياسي الجنوبي أحمد سعيد كرامة في مقالة له حول تأسيس وولادة هذا المجلس: >نحن مع مجلس رئاسي حيادي ومهني ومستقل بقراره عن التبعية والارتهان, لسنا مع مجلس رئاسي مفخخ من قبل شخوص غير متجانسة بل متناحرة, بهكذا تركيبة نحن ذاهبون إلى مرحلة جديدة من الصراعات والأزمات والكوارث والمؤامرات والدسائس والحروب للاسف الشديد< مؤكداً إن الجنوبيين ذاهبون إلى حرب جديدة مع الحوثيين بمفهوم عسكري سعودي جديد. والإستراتيجية الجديدة هي نقل المعركة بين الحوثيين والسعودية من العمق السعودي إلى العمق الجنوبي لليمن.. أما صالح الجبواني الوزير السابق في حكومة ما يسمى بالشرعية فقد قال بالسياق ذاته >إن قيام التحالف السعودي ـ الإماراتي بإيصال "الشرعية" إلى مرحلة ما بعد الإهلاك الكامل, ثم الانقلاب عليها ومركزة قادة مليشياتها في مجلس رئاسي غير دستوري يقود الدولة, سيشرعن الكانتونات القائمة, وسيقود عملية تفكيك البلد, وصولاً إلى مرحلة التقسيم اللاحقة, إن لم ينفجر قبل إتمام هذه العملية لعدم تجانسه<. وفعلاً بدأ الحديث من الآن عن تمردات وانقلابات داخلية داخل مكونات هذا المجلس وأعضائه!!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق