ما دورنا عندما يبذخ آل سعود في عطشهم لدمائنا؟!
[حسن العمري]
* حسن العمري
صدمة كبيرة بلون الدم البريء النازف من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة ورفض القبضة الحديدية والديكتاتورية والإجرام وإسكات المطالبة بحرية الرأي والمشاركة الوطنية الشعبية في تقرير المصير، عندما أفاق شعب الحجاز صبيحة يوم السبت الماضي (12/3/2022) على إعلان لوزارة الداخلية السعودية بتنفيذ حكم الإعدام "بحز الرؤوس" وبوحشية كاملة بحق 81 مواطناً ومقيما اتهمتم السلطة الحاكمة وقضائها المسيس بأنهم "اعتنقوا الفكر الضال والمناهج والمعتقدات المنحرفة ذات الولاءات الخارجية والأطراف المعادية، وبايعوها على الفساد والضلال..) الكليشة التي طالما سمعناها منذ تولي سلمان ونجله السلطة بإرتاكبهم المجازر بحق أبناء بلاد الحرمين الشريفين.
أيام قلائل مرت على التصريحات المزورة والكاذبة لمحمد بن سلمان خلال حواره مع مجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية والتي تشدق خلالها بأنه "يشعر بالألم والظلم جرّاء تأثيرات تورّط بلاده باغتيال جمال خاشقجي على خططه الإصلاحيّة، ورغبته التصالحيّة مع طهران وتحسين صورة بلاده أمام الغرب"، ليصدم العالم برمته خاصة الجبهة الداخليّة، بتنفيذ "حد الحرابة" بحق عشرات المواطنين خلال مجزرتين متتاليتين غالبيتهم العظمى من الأبرياء والعزل، مستظلاً بإنشغال العالم الظالم بالحرب الروسية على أوكرانيا وما يدور في رحى المفاوضات النووية بين القوى الكبرى وإيران التي أغضبته كثيراً وهو يرى إنعزالية عن المجتمع الدولي والإقليمي وأن أعتى حلفائه تركوه لوحده يغوص في وحل المستنقع اليمني وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد سبع سنوات من العدوان الإجرامي.
مجزرة دموية صارخة صادمة واسعة لا مثيل لها في تاريخ إجرام آل سعود الحافل بالدم والخيانة والعمالة سوى أيام جده عبد العزيز، يشدد فيها ولي عهد سلمان أنّه ليس أكثر من مجرد قاتل ساديّ يتلذّذ بقتل الأبرياء ويسعد بآلام ذويهم تعكس حقيقة أجرام وتلذذ آل سعود مصاصي الدماء على طول تاريخ شبه الجزيرة العربية، خلافاً لما اعتبره البعض انها ضربة استباقية لما استشعره من قُرب انفجار حالة الغضب والإحباط الشعبي من سياسته القمعيّة في ظل "الانفتاح المُبتذلة” التي خرجت عن كل الخطوط الحمر الدينية، ولهذا قرر الإقدام على المجزرة الدموية لتوجيه رسالة تحذير لأيّ أعمال عنف احتجاجية أو انتقامية.
تاريخ محمد بن سلمان حافل بمجازر مسبقة بحق أبناء الجزيرة العربية المغلوب على أمرهم ويتلذذ بامتصاص دمائهم البريئة، حيث القسم الكبير منهم من القطيف والأحساء على خلفية آرائهم وأنشطتهم السلميّة، لأنهم يرفضون ظلم آل سعود ويرفعون الصوت عالياً مطالبين بحقوقهم المسلوبة، وحرية الرأي والتعبير، ورفض التمييز المذهبي الطائفي، وإطلاق سراح سجناء الرأي، والمشاركة في تقرير مصيرهم، ووقف الانتهاكات اللاإنسانيّة؛ ليؤكد إصرار هذا الوحش الكاسر على نواياه الخبيثة في مواصلة طريق جده السفاح الذي لن يتوانى من إراقة دماء أقرب المقربين والحلفاء له، ويعكس مدى وحشية حكم آل سعود الاستبدادي ونظامهم القضائي المسيس والبعيد كل البعد عن أدنى أسس العدالة ويضعها في موضع شك كبير.
رئيسة اللجنة العربية لحقوق الإنسان "د. فيوليت داغر"، شددت أن جريمة النظام السعودي ليست سوى واحدة من وجبات إعدام تميزت جميعها بوحشيتها والتستر بعناوين مختلفة كاذبة وقضايا إرهاب لاقتراف المزيد من الجرائم بحق أبرياء مارسوا حقهم المشروع في التعبير عن رأيهم، ومشاركة البعض منهم وهم ما زالوا أطفالاً في احتجاجات شعبية مطالبة بحقهم في الحرية والعيش الكريم. تحت مسوغات مكافحة الإرهاب جرت الاعتقالات، وتحت التعذيب الوحشي انتزعت الاعترافات المزورة، وبغطاء محاكمات صورية لفقت التهم الكاذبة، لتصدر الأحكام الجائرة دون أدلة تسندها وبتجريد المتهمين من الحق في الدفاع عن النفس.. إنها صدمة رعب جديدة في المملكة التي تنام وتصحو على المزيد من سفك الدماء والإفقار والإذلال بتشديد القبضة الأمنية لتأمين انتقال الحكم بقوة الأمر الواقع".
منظمات حقوقية دولية أكدت أن "الانتهاكات المتفشية والممنهجة في النظام الجزائي السعودي ضد أبناء الشعب المغلوب على أمرهم خاصة ضد الأقلية المسلمة الشيعية في البلاد، التي عانت طويلا من التمييز والعنف الممنهجَين من قبل السلطات السعودية، حيث يقضي العديد من الشيعة السعوديين أحكاما مطولة، أو ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام فيهم، أو أُعدِموا بالفعل بتهمة التظاهر إثر محاكمات جائرة بشكل واضح، على شاكلة فجائع وإجرام تنظيم "داعش" الإرهابي ضد من يقف أمامه، اقدم النظام السعودي على قطع رؤوس المعارضين السياسيين السلميين له بتهم واهية بعيدة كل البعد عن أدنى حقيقة يتشبث بها ليعيد للذاكرة قيام "بن سلمان" في 2 يناير عام 2016 والتي قام خلالها بقطع رؤوس 47 مواطنا سعودياً بينهم العالم الديني الشيخ نمر باقر النمر و4 قاصرين على الأقلّ، بينما ليس فيهم من أدين بتهمة قتل واحدة، وأكثرهم من شباب الحراك السلمي لعام 2011.
المجزرة الثانية نُفّذت في 23 نيسان 2019، وقُطعت فيها رؤوس 37 شاباً من بينهم 6 قاصرين على الأقلّ، وكانت التهمة الرئيسة ضدّ مَن أعدمتهم السلطات السعودية، وأغلبهم من الطائفة الشيعية: “تبنّيهم الفكر الإرهابي المتطرف وتشكيل خلايا إرهابية للإفساد والإخلال بالأمن وإشاعة الفوضى”. وهذه من الاتهامات المعلّبة التي يجري استخدامها بصورة دائمة في محاضر الاتهام.. ما يعكس من أن النظام السعودي ليس سوى دولة "داعش" التي تشبهها في التباهى بحفلات قطع الرؤوس كطريقة للتعامل مع الخصوم والمعارضين. نفس الأسلوب ونفس العقلية ونفس الأغراض؛ خلق صدمة الرعب لتركيع المجتمعات. إنه الإرهاب نفسه، بل يبدو أن داعش لم تأت بجديد سوى أنها قلدت بعض أساليب دولة آل سعود.
العالم برمته يعرف جيداً أن النظام السعودي هو المنبع الأصلي لأفكار الإرهاب الديني التي شوهت صورة الإسلام، وهو المؤسس والممول لأشهر التنظيمات الإرهابية، وصانع الحاضنة الكبرى لتفريخ الإرهابيين في أرجاء العالم. لذا فهي مفارقة مثيرة للسخرية أن يتبجح نظام كهذا بإنشاء محاكم خاصة وإصدار تشريعات تحت مسمى قوانين مكافحة الإرهاب.. وأن القوانين القضائية في محاكمه وببنودها القمعية وتوصيفاتها الهلامية غرضها هو استخدامها كغطاء لتجريم حرية التعبير وقمع المعارضة السياسية حيث أنها تستخدم كغطاء دعائي لإعدام المطالبين بحقوقهم الأساسية المكفولة في كل المواثيق الدولية.. قتل مبرمج وفشل سياسي بامتياز، واتهامات مفتوحة أمامها كل الأبواب الخادعة والمزيفة والكاذبة.
مذبحة نفذها قاتل جبان، فلو لم يكن جبانا لما خاف من مجموعة مواطنين لم يفعلوا شيئا سوى رفض الظلم ممارسين حقهم في التعبير عن رأيهم، وبعضهم فتيان صغار السن، لكن جبنه صورهم له كخطر محدق يهدد عرشه وفي هذا ما يدل على مدى الرعب الذي يسكن نفوس الحاكم ويعمل على تسكينه أو إسقاطه بتخويف المحكومين.. السلطة التي تخاف من مجموعة متظاهرين سلميين ونشطاء أحرار وكتاب رأي وعلماء دين ومفكرين وجامعيين وإعلاميين يرضخون في السجون.. يلجأ الحاكم الجبان لإبادتهم بسيف الحرابة القبلية الوحشية بين الحين والآخر، هي في الحقيقة تؤكد مدى هشاشة وهزالة نظامه القائم على الجماجم، واقرار منه بمدى قدرة الناس على الإطاحة بها.. حاكم بليد دموي سفاح لا يوفر الأمن لشعبه ويصون حرمة وكرامة الرجال والنساء ولا حتى الأطفال .
((الوقائع التاريخ تؤكد أن مقارنة بيان وزارة الداخلية السعودية حول الإعدامات الأخيرة مع بياناتها في عهود سابقة منذ فيصل (1964 ــ 1975)، ومروراً بعهود كلّ من خالد (1975 ــ 1982)، فهد (1982 ــ 2005) وعبدالله (2005 ـ2015)؛ يظهر أن مفردات الخطاب السلطوي هو ذاته لم يتبدّل، ويقع ضمن ثنائية تنزيه الذات (الارهاب الوهابي) ووصم الآخر (كلّ ما عداهم) بأفعال من قبيل مخالفة “طريق الحق”، واتباع “الأهواء” “وخطوات الشيطان”، وانتهاج “الفكر الضال” و”المناهج والمعتقدات المنحرفة”)).. لذا هذا السؤال يطرح نفسه: لو افترضنا أن احتجاجات المنطقة الشرقية ما زالت نشطة، فهل كان ابن سلمان سينفذ أحكام الإعدام؟ على الأرجح، لا. لم يكن ليغامر بفعل كهذا على الأقل ليس كل هذا العدد دفعة واحدة.. دماء هؤلاء الأبرياء هي في رقاب الشعب وأحراره وكل الذين تعنيهم الكرامة والعدالة والحقوق المشروعة.. وجوهكم صفراء ورحيلكم يزيح الكثير من العناء!!.. الذي لا ينتفض لأخوة شعبه هو أصل البلاء!!.. فهل في باقي عقولنا ذرة من حكمة.. أم أنني أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي.
ارسال التعليق