ما سر الحماس الصهيوني للتطبيع مع السعودية وأخواتها الخليجيات!؟...(1)
[عبد العزيز المكي]
منذ فوزه في انتخابات الكنيست الأخيرة، ثم تشكليه الحكومة، ورئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو يبدي حماساً مثيراً وملفتاً للانتباه، بموضوع التطبيع مع السعودية ومع بقية الدول الخليجية المطبعة مثل الأمارات والبحرين. وفي الحقيقة ان المسؤولين الصهاينة ومن بينهم نتنياهو نفسه كانوا يهتمون بالتطبيع مع تلك الدول، ويعتبرونه إختراقاً وانجازاً عظيماً يحققونه للكيان العبري، لأنه بحسب رأيهم فتح لهم ولكيانهم الآفاق الرحبة في المنطقة العربية وعلى أكثر من صعيد.و لكن هذا الاهتمام تضاعف بعد فوز نتنياهو، وبات هذا الأخير يتحدث بلغة الواثق، بأن النظام السعودي سوف يعلن رسمية تطبيعيه مع العدو الصهيوني، ويكشف أيضاً المخفي مما تحقق بين الطرفين، من تعاون وتنسيق أمني وعسكري، ومن اتصالات وزيارات متبادلة وعلى أعلى المستويات، جرت في السر ووراء الكواليس!!
على أي حال.. من جملة ما صرح به نتنياهو بعد تكليفه بتشكيل الحكومة الحالية، انه " سيتوصل الى اتفاق مع السعودية بالانضمام الى اتفاق ابراهام"!! وانه " يسعى للتوصل الى اتفاقات سلام مع دول عربية أخرى، (غير السعودية)، وهو ما قد يساعد في نهاية المطاف في إنهاء الصراع الأسرائيلي_ الفلسطيني" مؤكداً ما كان قد قاله جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بأن " التقارب بين السعودية وإسرائيل والتطبيع بينهما في هذه المرحلة حتمي"!
أكثر من ذلك اعتبر محلل الشؤون الدولية بمجلة "ناشيونال إنترست" ليون هادار في مقاله المنشور ترجمته العربية في 6/1/2023، " أن السعودية قد تكون شريان الحياة لنتنياهو وحكومته!!
ما سر هذا الحماس الصهيوني بخصوص التطبيع مع السعودية وبقية الدول العربية المطبعة سراً وعلانية!؟
المحلل الصهيوني للشؤون الدولية في صحيفة هاآرتيس عاموس هرئيل يجيب على هذا التساؤل في مقاله المنشور في تلك الصحيفة، والمنشورة ترجمته العربية على موقع " الخليج الجديد" في 13/12/2022، ان التطبيع مع السعودية سوف ينقذ نتنياهو من ثلاثة تهديدات تنذر بانهيار حكومته هي، اضطرابات دستورية داخليه، وتدهور اقتصادي يلوح في الأفق، وأخيراً أزمة أمنية محتملة على الساحة الفلسطينية، في إشارة إلى تعاظم المقاومة في الضفة الغربية وانتقالها إلى مرحلة التسلح..
و رغم ان بعض هذه التهديدات تنطوي على الصحة، إلا إننا نعتقد ان هناك أبعاداً أخرى للموضوع، فهناك تهديدات كثيرة لا تهدد حكومة نتنياهو وحسب وانما تهدد وجود الكيان الصهيوني برمته، وسيكون تذليلها أو التخلص منها باللجوء الى التحالف مع النظام السعودي وبقية الأنظمة المطبعة، بحسب رأي الخبراء الصهاينة، ومن هذه التحديات ما يلي:-
- تفكك الكيان الصهيوني على صعيد ما يسمى " بالتجمع الصهيوني" وعلى صعيد الجيش وبقية القوى الأمنية، فعلى الصعيد الاجتماعي بات التفكك وعلامات الانهيار الداخلية ظاهرة واضحة يتحدث عنها الإعلام الصهيوني، ويتحدث عنها جنرالات ومحللو وخبراء الكيان الصهيوني بشكل متكرر، يحذرون من احتمالات انهيار حتمية، باتت تواجه مستقبل هذا الكيان.. فمعلق الشؤون السياسية في القناة 12 العبرية أمنون ابروموفيت.. قال في تعليقه على الأزمة الداخلية.." ان ثلث المستوطنين لا يعتقدون ان "إسرائيل" ستكون موجودة بعد 25 سنة"..و يعتبر هذا التعليق تأكيد لما قاله رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إيهود باراك، العام الماضي، بأن " إسرائيل" لا يمكن أن تعمر أكثر من 80 سنة طبقاً لما جاء في التوراة، وما تجدر الإشارة إليه، أن نتنياهو كان قد المح الى هذا المعنى، بل ان سفير الكيان الصهيوني الأسبق في مصر يتسحاق ليفانون في 8/12/2022، قال انه: " في أيار ( مايو) من العام 2000 ألقى الأمين العام لـ (حزب الله) اللبناني، (السيد) حسن نصر الله، خطاباً ملتهباً عقب انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان، واكد فيه ان الدولة اليهودية وان كانت قوية عسكرياً ولديها طائرات ودبابات، ولكنها ضعيفة من داخلها حتى اكثر من بيت العنكبوت" وأضاف ليفانون من خلال مقال نشره في صحيفة معاريف العبرية قائلاً: " بعد مرور 22 عاماً من ذلك الخطاب، نرى أمام أعيننا ضعفنا الداخلي، فهل قرأنا نصرالله منذ ذلك الحين على نحو سليم؟" واستطرد ليفانون شارحاً الوضع الداخلي بالقول: " أن وضعنا الداخلي ليس جيداً، على أقل تقدير، فالشرح والاستقطاب يمليان علينا حياتنا، أينما نلمس نتألم، العنف لفظي وجسدي، ويخيّل انه تم اجتياز كل الخطوط الحمراء والناس خائفون".. والى ذلك، هنالك العشرات من شهادات السياسيين والإعلاميين الصهاينة حول تدهور وضعهم الداخلي، فلأن هؤلاء هم جماعة غير متجانسة على كل الاصعدة، جاؤوا من مختلف الدول والمشارب الثقافية والفكرية، فأن جهابذة العدو لم ينجحوا أو بالأحرى أخفقوا في صهرهم في بوتقة واحدة، وما عزز هذا الإخفاق المنظومة الفكرية والثقافية، التي حاول هؤلاء الجهابذة غرسها في بيئة المحتلين، فهذه المنظومة قائمة على العنصرية والقتل وتصفية الشعب الفلسطيني، وكل من يقف بوجه المشروع الصهيوني، وكان من نتائج تسيد المنظومة الآنفة ظهور وتنامي الحركات الإرهابية المتطرفة كما نلاحظ اليوم، ما عزز كل ذلك، ما أشرنا إليه قبل قليل، أي اليأس والإحباط عند " مجتمع" شذاذ الآفاق، وتراجع الانخراط في الأجهزة الأمنية والجيش.
بيد ان ترسخ فكرة زوال الكيان بعد 25 عاماً عند اكثر من ثلث من المستوطنين حسب إحصاءات العدو نفسه، انعكس في هجرة معاكسة، أي هروب الصهاينة من الأرض المحتلة الى من حيث أتوا أو الى مواطن جديدة في الولايات المتحدة أو الغرب.. في هذا السياق يؤكد الجنرال في الاحتياط شاؤول ارئيلي المستشرق "الإسرائيلي" المختص بالصراع العربي- الصهيوني " ان الكيان الذي اعتمد عدداً من الاستراتيجيات قد فشلت في تحقيق وتجسيد الحلم الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة، وهي تواصل السير في الطريق نحو فقدان هذا الحلم".
وأشار هذا المستشرق الى الاخفاقات الصهيونية وفشلها رغم استخدامها وتبنيها استراتيجيات مختلفة لتحقيق الهدف، الحلم الصهيوني!! ما دفع ذلك بعض الناشطين، وأصحاب الشركات من التحرك للهجرة إلى أماكن أخرى،و " في التفاصيل، أشارت صحيفة معاريف إلى أن مجموعة المسماة ( نغادر البلاد سوية) حددت هدفها الأول وهو جمع حوالي عشرة آلاف إسرائيلي مهاجر" مشيرة الى ان أحد رؤساء المجموعة ينيف غور ليك كان ناشطاً أساسياً في التظاهرات ضد نتنياهو ويعتبر ناشطاً اجتماعياً بارزاً ضد فرض الدين"...
وأشارت الصحيفة العبرية أيضاً إلى أن " ناشطاً آخر هو مردخايي موتي كاهانا، رجل أعمال " إسرائيلي" أمريكي غرّد قبل أيام قليلة على تويتر قائلاً:
" بعد سنوات من تهريب اليهود من مناطق الحرب في اليمن وأفغانستان وسوريا وأوكرانيا الى " اسرائيل"، قررت مساعدة " الإسرائيليين" على المغادرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية".و وفقاً لصحيفة معاريف فأن كاهانا تلقى عشرات الطلبات من المستوطنين للحصول على مساعدة لنقلهم الى أماكن أخرى كالولايات المتحدة خاصة من أولئك الذين يديرون شركات تكنولوجيا صغيرة يرغبون في نقل مكاتبهم إلى الولايات المتحدة". في السياق ذاته مازال مقال الصحفي الصهيوني آري شافيط من صحيفة هاآرتيز والذي جاء تحت عنوان " إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة" يثير الجدل ويقض مضاجع المسؤولين الصهاينة، لأنه رسم أفقاً قاتماً لمستقبل الكيان الصهيوني قائلا: " إذا كانت الإسرائيلية واليهودية ليستا عاملين حيويين في الهوية، واذا كان جواز سفر أجنبي، ليس فقط بالمعنى التقنى، بل بالمعنى النفسي أيضاً، فقد انتهى الأمر، يجب توديع الأصدقاء والانتقال إلى سان فرانسيسكو أو برلنى"! وأوضح شافيط حقيقة مهمة كان الصهاينة قد أخفوها على الحالمين بالرغد والعيش في " أرض الميعاد فلسطين"، بقوله ان " الإسرائيليين " منذ أن جاؤوا إلى فلسطين يدركون أنهم حصيلة كذبة اخترعتها الحركة الصهيونية، استخدمت خلالها كل المكر في الشخصية اليهودية عبر التأريخ،و من خلال استغلال" المحرقة" وتضخيمها، استطاعت الحركة أن تقنع العالم بأن هي أرض الميعاد، وان الهيكل المزعوم موجود تحت المسجد الأقصى.." وخلص الى القول.." ان "الإسرائيليين" يدركون أن لا مستقبل لهم في فلسطين فهي ليست أرضاً بلا شعب كما كذبوا "!
ما عزز هذه الظاهرة هو الانقسام الأفقي والعمودي داخل مجتمع المستوطنين، وكما هو واضح، انقسام فكري وثقافي مثلما اشرنا قبل قليل، لدرجة ان البعض من الصهاينة يعتقد بأن هذا الانقسام سوف ينتهي بالكيان الى الحرب الأهلية ومن بين هؤلاء الذين يتوقعون وقوع مثل تلك الحرب رئيس الأركان الأسبق دان حالوتس، الذي قال " ان بن غفير يحاول تنفيذ أفكار هناك حرب أهلية" طبقا لما نقلته عنه وسائل الإعلام الصهيونية. غانتس وزير الدفاع نفسه أيضاً حذر من ان إسرائيل تسير نحو الحرب الأهلية الأمر الذي يشير بوضوح إلى خطورة الوضع الداخلي والى الاحتقان المتزايد الذي بات يعاني منه ويهدد بانفجاره!!
- يتبع -
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق