ما سر الحماس الصهيوني للتطبيع مع السعودية وأخواتها الخليجيات!؟...(2)
[عبد العزيز المكي]
في الحلقة الأولى تعرضنا لأحد الأسباب التي تكمن وراء الحماس الصهيوني للتطبيع مع السعودية ومع أخواتها الخليجيات، اذ تحدثنا عن تفكك " المجتمع" الصهيوني، وتفكك منظوماته الفكرية والثقافية، وفي هذه الحلقة نواصل الحديث عن تلك الأسباب، والتي يتصدرها تراجع قوة الجيش الصهيوني وتردي أوضاعه على صعيد الوضع النفسي والعقيدة القتالية، فالمهتمون والمتابعون للشأن الصهيوني يعرفون ان حقيقة الكيان الصهيوني هو عبارة عن جيش مدجج بالأسلحة المتطورة. والصهاينة أنفسهم يصرحون بأن استمرار وجودهم في الأرض المحتلة مرهون بوجود هذا الجيش قوياً ومتفوقاً على كل جيوش المنطقة.. واذا ما تراجعت قوة الجيش وضعفت عقيدته القتالية يتبدد " الأمل" عند الصهاينة باستمرار البقاء وينعدم عندهم الشعور بالأمن وهو ما يحصل حالياً باعتراف المسؤولين العسكريين والسياسيين الصهاينة أنفسهم، فالعقيدة القتالية متدنية جداً عند الجندي الصهيوني، والشباب اليهودي بات ينفر من الانخراط في هذا الجيش، استنادًا الى شهادات الضباط الصهاينة بهذا الصدد، فالجنرال يتسحاق بريك قائد الكليات العسكرية الأسبق قال في مقال له نشره موقع ميدا وترجمه موقع " عربي 21" ونشره في 11/2/2022.." ان الضباط والجنود لم يعودوا مستعدين للخدمة في صفوف الجيش لفترة طويلة، بل قرروا العودة لبيوتهم، وهذا له تداعيات خطيرة في فقدان الحافز، ما يؤدي لتدهور سريع بجاهزية الجيش، بدليل ان المعطيات الحالية تفيد بأن وضع الجنود سئ للغاية والنتيجة هروب الضباط النوعيين، ما وجه ضربة قاتلة لنوعية الأفراد في الجيش" ونقل بريك عن رئيس شعبة الأفراد السابق إيتمار رانحيل قوله " أنه بحلول 2026 ستفقد القوات الجوية 55% من خبرتها المهنية" وقال بريك ان الظاهرة التي تحدث عنها رايخيل موجودة في كل صنوف الجيش. أما وزير الدفاع السابق بيني غانتس فقد تحدث لصحيفة " اسرائيل اليوم" في 12/12/2022 حول التحديات التي تشكل تهديداً لمستقبل الكيان الغاصب، معتبراً تراجع قوة الجيش إحداها، واشار الى ان الجيش كان هو مرتكز الكيان حيال كل التحديات والتهديدات لكنه: يقول غانتس ان " الجيش شهد في السنوات الاخيرة إنخفاضاً مستمراً في نسب التجنيد"، مشيراً الى أنه أصبح " جيش نصف الشعب" ومعقبأ بأنها ليست مسألة ديموغرافية فقط بل هي نتيجة قرارات قيادية، واردف يقول أن " اسرائيل دولة صغيرة مع تحديات هائلة، وانتهاك العقد بين الدول ومواطنيها، والتخلي عن الخدمة في الجيش يمكن أن يصبح في المدى الزمني المتوسط اكبر قنبلة أمنية واجتماعية لاسرائيل" ما يعكس ذلك ضخامة القلق والخوف عند وزير الدفاع من مستقبل هذا الجيش الذي يعاني من الضعف والانهيار.و لقد علقت صحيفة ( "اسرائيل " اليوم) على هذا القلق قائلة ان غالبية الشباب في 2050 لن يخدموا في الجيش " الاسرائيلي" أو يتطوعوا في الخدمة المدنية" ووفق الصحيفة فقد شدد غانتس على وجوب القلق على الدولة ككل فضلاً عن الخشية على الجيش"!..واختتم غانتس حديثه بالتعبير عن إخفاقه في معالجة وضع الجيش المتدهور قائلا: " لم أنجح في دفع مخطط الخدمة بصورة كافية، ما لم نحافظ على جيش الشعب، لن يكون هناك أمن، كما لن يكون هناك تكتل مدني ومنعة اجتماعية، وهذا ما سيكلفنا باهضاً".
كلام غانتس يعكس عمق الأزمة التي تلم بالجيش، و هي أزمة متعددة الأبعاد، ولم تكن ناتجة من أخطاء وصراعات الزعماء السياسيين الصهاينة كما يصور الإعلام العبري وبعض المسؤولين السياسيين، حيث يفسرون مثلاً تدني نسبة إقبال الشباب على الجيش بخلافات السياسيين، إنما القضية أعمق من ذلك، وإلا لم تتدن نسبة الإقبال إلى أكثر من الثلث بحسب إحصاءات العدو، فعلى سبيل المثال كشف تقرير " للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية" ان نسبة التجنيد في الجيش تراجعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة" ونقل المعهد المذكور عن رئيس أركان الجيش السابق غادي آيزنكوت قوله: " ان نسبة التجنيد وصلت لما دون 48%خلال سنة 2022 من اجمالي سكان " اسرائيل" في حين كانت النسبة وفق تلك المصادر 71% في 1999، من اجمالي اليهود و57% من مجمل السكان، وفي العام 2019 تراجعت الى 62% لليهود، و50% من إجمالي السكان! أجمع هؤلاء الجنرالات وغيرهم على ان الوضع الحالي للجيش الصهيوني وضع كارثي، اذا لم تتم معالجة الاسباب الحقيقية لهذا التدهور، وفي الحقيقة، ان أسباب هذا التدهور لاتكمن في اليأس والاحباط عند الشباب الصهيوني وحسب، وانما تكمن في اهتزاز المنظومة الفكرية والثقافية للشباب الصهيوني، ففيما كان المقاتل من الرعيل الاول يرتكز في حماسة وفي اندفاعه للقتال، على مفاهيم توراتية، ودينية، تصور له ان أرض فلسطين هي " أرض لليهود" " أرض توراتية" وما الى ذلك من الادعاءات الزائفة، ولكن بالرغم من زيف هذه المفاهيم الّا انها كانت تشكل زاداً لاندفاع أولئك المقاتلين اليهود وتشدهم للدفاع وللقتال، بينما المقاتلون الحاليون من الشباب اهتزت لديهم الكثير من المفاهيم بسبب انكشاف الحقائق، وافتضاح حقيقة العدو و تناقضاته وعنصريته وعدوانيته والأكثر من ذلك كذب وزيف مقولات كثيرة، منها ان أرض فلسطين ستكون بمثابة الجنة لليهود، والمستقبل الزاهر لهم، وعلى العكس من ذلك ترسخت مفاهيم جديدة وهي ان فلسطين باتت تشكل الجحيم لهم ولمستقبلهم، أكثر من ذلك ان هناك شريحة من الشباب الصهيوني، بل شريحة من مجتمع شذاذ الآفاق كبيرة وواسعة باتوا يعتقدون بأن كيانهم سوف لا يبقى لأكثر من 25سنة قادمة، وهذه القناعة كما أشرنا في القسم الأول من هذه المقالة، ان ايهود باراك، قال من المتوقع ألّا يبقى الكيان بعد هذه المدة لأنه مثلما جاء بالتوراة أن الكيان لا يبقى اكثر من 80 سنة.. وحول الاهتزاز الفكري للشباب الصهاينة يقول معلق الشؤون السياسية في القناة 12 العبرية أمنون ابروميت " التحدث عن أن من يرى نفسه أن هويته الأساسية مؤلفة من الهوية الإسرائيلية واللغة العبرية لا يمكن الّا ان يدمي القلب، كل السجال السياسي في إسرائيل " هو نمط عملي مفصل.." وأضاف إبروميت " ان ثلث الشبان في إسرائيل لا يعرفون من قتل إسحاق رابين" وتابع.." أسوأ من ذلك ان ثلث الشباب لا يريدون التجند" مضيفاً.." ان الأخطر من ذلك، ان ثلث المستوطنين لا يعتقدون ان " إسرائيل" ستكون موجودة بعد 25 سنة"! هذه القناعة جعلت بحسب استطلاعات الرأي، الشباب الصهيوني يعتقدون بأنه لا جدوى من القتال من أجل " دولة" نهايتها التلاشي والاختفاء بمعنى ان التضحية من أجلها هدر لأرواحهم وحرمانهم من مستقبلهم، ولهذا السبب يتهرب الشباب الصهيوني من الانخراط في الجيش أو الخدمة فيه، ما جعل بعض الضباط الصهاينة يرسمون صورة قاتمة عن وضع الجيش في الداخل الصهيوني، ويؤكدون ان هذا الجيش بات غير قادر على مواجهة التحديات بسبب تدني الروح المعنوية وتراجع الحماسة والاندفاع نحو القتال ثم تناقض عدده وعدته، فضلاً عن اتساع نطاق المقاومة داخل وخارج الأرض المحتلة.. يعبر رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت عن هذه الأزمة التي تلم بالجيش الصهيوني، بالقول" أن رفض التجنيد هو تهديد للحصانة الوطنية " للمجتمع الإسرائيلي"، لأن الدولة ستصل لمرحلة معينة لن يكون بمقدورها مواجهة التحديات الأمنية التي تتعاظم عاماً بعد عام".
- تنامي المقاومة في الداخل الفلسطيني وفي محيط الكيان الغاصب فرغم كل المؤامرات الأمريكية والصهيونية طيلة العقدين الماضيين للقضاء على هذه المقاومة، الّا ان الأخيرة خرجت من كل محاولات تصفيتها أصلب عوداً واكثر تسلحاً وتطوراً في صناعة السلاح، بل واستحداث مواقع مقاومة جديدة في الجولان وفي الضفة الغربية فهذه الأخيرة توجه ضربات متتالية لجيش الاحتلال وقواه الأمنية ويعترف جنرالات الصهاينة صراحة بإخفاقهم وخسائرهم الأسبوعية أمام هذه المقاومة المتصاعدة والمتطورة والضاربة في الضفة الغربية" والكثير من الخبراء الاستراتيجيين" الإسرائيليين" باتوا يعتقدون أن المقاومة المسلحة المتنامية في الضفة الغربية المحتلة أخطر من القنبلة النووية الأيرانية، لأنها تزعزع، بل تدمر أهم عمودين قامت عليها الدولة العنصرية اليهودية وهما: الأمن والاستقرار"..و الى ذلك نقل المحلل العسكري في موقع (YNET) الإخباري العبري رون بن يشاي عن مصادر أمنية رفيعة قولها بأن الجيش الصهيوني منشغل الآن بتصاعد المقاومة في الضفة الغربية، واصفة الوضع بأنه خطير جداً، لدرجة ان انشغال الجيش بالأمن بالضفة الغربية يقلل من جهوزية هذا الجيش ويضعف من مواجهته لأي تهديد من لبنان. ونقل بن يشاي عن مصادره في تل أبيب قولها " أن الأرقام تتحدث عن نفسها، ففي نهاية العام الفائت دفع الجيش بـ13 كتيبة نظامية من جيش المشاة للحفاظ على الأمن بالضفة الغربية، أما في الفترة الأخيرة، ومنذ عدة أشهر، فقد اضطر الجيش " الإسرائيلي" على وقع ارتفاع أعمال المقاومة الفلسطينية الى 25 كتيبة من جيش المشاة، إلى جانب تفعيل عدد من الواحدات المختارة والنخبوية في جيش الاحتلال". وفضلاً عن ذلك، نشر الجيش الصهيوني بسبب التصعيد الأمني في الضفة الغربية خاصة والارض المحتلة عامة، 16 سرية من حرس الحدود لدعم الجيش "!! الأمر الذي يكشف تطور وتصاعد المقاومة في الضفة الغربية وفي الأرض المحتلة.. والمشكلة الآن كما يقول رون بن يشاي، نقلاً عن مصادره من الجنرالات من ذوي الرتب الرفيعة، لا تكمن في شلل وإشغال قطعات كبيرة من الجيش، وإنما تكمن في أن الوضع الأمني بالضفة الغربية سيتصاعد أكثر ولا توجد إشارات ودلائل لعودة الهدوء في الوقت القريب...
في السياق ذاته أكد الخبير العسكري للقناة العبرية 13 ألون بن دايفيد أن، " عام 2022 هو أكثر الأعوام دموية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ الانتفاضة الثانية، حيث شهد سقوط 31 إسرائيليا في هجمات مسلحة في الضفة الغربية. ولعله تم تسجيل هذا الرقم القياسي بسبب إحدى السمات البارزة للانتفاضة الفلسطينية في نسختها الجديدة المتمثلة في مقاومة شرسة ومسلحة في جميع الأراضي الفلسطينية من خلال ظهور شكل جديد من المقاومين الجدد". وما تحدث عنه الصهاينة من تطور للمقاومة في الأرض المحتلة، تحدثوا عنه في مواطن أخرى كالمقاومة اللبنانية، والمقاومة في العراق وفي سوريا وحتى في اليمن، وبنفس الرؤية مؤكدين أن العدو بات مطوقاً من كل الجهات بهذه المقاومات التي تهدد وجوده.
كل هذه التحديات وغيرها جعلت المسؤولين الصهاينة يتحمسون لإنقاذ كيانهم من الفناء والانهيار، سيما مع تراجع القوة الأمريكية في المنطقة من خلال الاندماج السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي، وحتى الاجتماعي ان امكن مع دول الخليج العربية عبر التطبيع لتحقيق الأهداف التالية:-
1- تقوية الاقتصاد الصهيوني بربط عجلته باقتصاد الدول الآنفة التي تتمتع بالغنى والأسواق وما إلى ذلك.
2- إقامة الاحلاف والقواعد العسكرية المشتركة معها لمنح العدو مواقع مهمة واستراتيجية لمواجهة التحديات العسكرية والأمنية، والجهود الآن جارية في إقامة مثل هذه القواعد العسكرية والأمنية في الإمارات والبحرين والجزر اليمنية وحتى في جنوب اليمن!!
3- من خلال هذه الأحلاف ومعاهدات التعاون العسكري والأمني، يحاول العدو زج هذه الدول في حرب بينه وبين المقاومة وإيران، وتوظيف كل إمكاناتها في تلك المواجهة، لأن العدو بات غير قادر وعاجز عن تلك المواجهة سيما بعد الضعف والتراجع الأمريكيين.
4- محاولة الاندماج في نسيج المنطقة الاجتماعي، ما يعني تمكينه في محاربة وعي الأمة، عبر غسل عقول الأجيال الصاعدة وضرب منظوماتها الفكرية والثقافية كما يحصل الآن في السعودية والبحرين والإمارات ومناطق أخرى. من خلال تحقيق هذه الأهداف، يعتقد المسؤولون الصهاينة إنهم سوف يطيلون عمر كيانهم، وسوف يقنعون مستوطنيهم بإيقاف هروبهم من الأرض المحتلة عبر تجديد الأمل لهم " بالعيش الرغيد"! و" الاستقرار الأمني والنفسي" في فلسطين!!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق