ما وراء إنشاء أمريكا قوة بحرية مشتركة في البحر الأحمر.
[عبد العزيز المكي]
تزامناً مع سريان هدنة الشهرين الحالية بين أنصار الله وقوى تحالف العدوان, أقدمت الولايات المتحدة على خطوة مثيرة للجدل, إذ قامت بإنشاء قوة بحرية مشتركة مؤلفة من 34 دولة, بينها السعودية والإمارات والبحرين والكيان الصهيوني, لتسيير دوريات في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وبحر العرب, لحماية الملاحة الدولية, كما زعم قائد الأسطول الأمريكي الخامس المرابط في البحرين الأدميرال تشارلز براد كويبر, الذي يشرف على هذه القوة, والذي أضاف زاعماً: >إن قوة المهام المشتركة 153 ستقوم بتعزيز التعاون مع الشركاء البحريين الإقليميين, لتعزيز الأمن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن
وأشار كويبر إلى أن هذه القوة, ستتكون من سفينتين إلى ثمان سفن في وقت واحد, وتستهدف أولئك الذين يهربون الفحم والمخدرات والأسلحة والأشخاص عبر البحر الأحمر, لافتاً إلى أن السفينة (يو أس أس ماونت ويتني) ستنضم إلى هذه القوة الجديدة, وهي سفينة قيادة برمائية من فئة >بلوريدج< كانت في السابق جزء من الأسطول الأمريكي السادس المتواجد في أفريقيا وأوربا.. وفعلاً إن هذه القوة باشرت عملها ابتداءً من يوم 17/4/2022.
يشار إلى أن هذه الخطوة كانت قد سبقها لقاء جمع قائد الأسطول البحري الخامس براد كويبر, برئيس هيئة الأركان العامة السعودية, فياض بن حامد الرويلي, واكتفت وسائل الإعلام السعودية آنذاك بالقول إن اللقاء تناول الموضوعات ذات الاهتمام المشترك والتعاون بين القوتين البحرية السعودية والأمريكية. يضاف إلى هذا اللقاء, إن تل أبيب شاركت في 25 نوفمبر 2021 في مناورات عملية >سنتكوم< في البحر الأحمر ضمن قوات الأسطول الخامس الأمريكي العامل في نطاق الشرق الأوسط والجزيرة العربية! كما أن العدو شارك في مناورات أجريت في البحر الأحمر قبل شهرين, وشاركت فيها السعودية والسودان ومصر والإمارات والأردن, في المحيط الهندي وبحر العرب وخليج عدن.. ما يعني إن إنشاء هذه القوة كان مخططا لها أمريكياً منذ فترة, لكن أكثر المحللين والمراقبين يشكون في مزاعم قائد الأسطول الخامس بأن هذه القوة أنشأت لحماية الملاحة في البحر الأحمر, وإنما ثمة أهداف خفية لإنشاء هذه القوة, والتي تغطي السعودية نفقات تحركاتها المالية ؛ حيث أكدت تقارير نشرتها مجلة فورين بوليسي, ومعهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط, بأن السعودية تدفع 300 مليون دولار لقاء تسيير الدوريات الأمريكية, أي القوة البحرية الجديدة!! على أي حال إن من هذه الأهداف الخفية ما يلي:ـ
1ـ تعتبر هذه الخطوة, خطوة أمريكية متقدمة لدمج وتسييد الكيان الصهيوني في المنطقة وفي نسيجها, خصوصاً منطقة الخليج, فأمريكا تدرجت في هذه العملية عملية الدمج من اللقاءات السرية بين المسؤولين الصهاينة والمسؤولين في الدول الخليجية, إلى تبادل اللقاءات العلنية, إلى الإفصاح عن التعاون الأمني والعسكري السري والقديم بين هذه الأطراف, إلى اتفاقيات التطبيع الأخيرة (اتفاقات أبراهام) وأخيراً إقامة القواعد العسكرية المشتركة في الإمارات, وفي الجزر اليمنية المحتلة مثل جزر سقطري وعبد الكوري وميون وغيرها. ووصلت الأمور إلى إجراء مناورات مشتركة بين العدو ودول الخليج المطبعة, ومن ثم تشكيل هذه القوة, والتي تعتبر بنظر المحللين العسكريين تأسيساً أمريكياً لتمهيد لهيمنة وقيادة العدو لهذه الدول عندما يحين انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة على خلفية التراجع العسكري والاقتصادي الذي تشهده الإمبراطورية الأمريكية الآفلة عسكرياً ونفوذاً, وعلى خلفية التفرغ لمواجهة الصين كما يقول البعض من المحللين..
2ـ تأتي في ظل مساعٍ صهيونية وأمريكية للسيطرة على أحد طرق الملاحة الدولية من خلال إحكام السيطرة على مضيق باب المندب, وذلك لاستكمال ما قامت به أمريكا والكيان الصهيوني من إجراءات تمثلت ببناء وإنشاء قواعد عسكرية واستخباراتية في الجزر اليمنية المحتلة القريبة أو المطلة على باب المندب, كجزيرة سقطري وميتون وغيرهما, وذلك بالتعاون مع أنظمة الإمارات والسعودية, حيث قطع العدو ومعه أمريكا شوطاً كبيراً في بناء شبكة من القواعد العسكرية ـ بتسهيل من الإمارات والسعودية كما قلنا ـ في المناطق السعودية واليمنية المحتلة المطلة على سواحل البحر الأحمر, كل ذلك من أجل حماية الملاحة البحرية للعدو الصهيوني وضمان سلامة القوافل البحرية الصهيونية في المرور بهذا الممر المائي, بعدما أخفق ما يسمى بالتحالف السعودي في >القضاء على أنصار الله< بل وبات الأنصار يشكلون تهديداً جدياً من وجهة نظر الخبراء الصهاينة لملاحتهم البحرية في هذا الممر, وللنظامين السعودي والإماراتي أيضاً.
3ـ يرى عدد من الخبراء أن الولايات المتحدة تعتبر مضيق باب المندب مهم جداً من الناحية الإستراتيجية ولذلك فهي تحاول السيطرة والتحكم بهذا الممر, بحيث تصبح قادرة على التحكم بمرور سفن وحاملات النفط المتجهة إلى الصين, بحيث تستطيع خنق الصين في أية مواجهة عسكرية محتملة معها عبر قطع موارد الطاقة عنها عبر هذا الممر المائي.
4ـ ولأن ما يسمى بالتحالف السعودي هزم في عدوانه على الشعب اليمني بعد سبع سنوات من الحرب الضروس, ولأن الرغبة السعودية تكمن في الخروج من المأزق, فإن العسكرة الأمريكية في البحر الأحمر, بالإضافة إلى ما ذكرنا تهدف بعد التطورات التي شهدها ميدان الحرب, إلى ما يلي:ـ
أـ إذا أخذنا بنظر الاعتبار تمركز قوات أمريكية جديدة في عدن وفرض السيطرة على منطقة قصر المعاشيق, فذلك يعني رسالة أمريكية صهيونية لأنصار الله, رسالة ضغط مفادها إن الأمريكان لا يكتفون وحلفائهم الصهاينة بالمشاركة غير المباشرة كما كان في السابق, وإنما بالحضور والمشاركة المباشرة إن هم رفضوا التفاوض مع >المجلس الرئاسي الجديد< والقبول والتسليم بسيطرة هذا المجلس على المحافظات الجنوبية والساحل, تلك الغنية بالنفط والمعادن والمشرفة كما قلنا على مضيق باب المندب, وهذا ما يرجحه الكثير من الخبراء ومنهم الخبير اليمني, علي الذهب الذي قال لموقع (الخليج آنلاين): >إن الهدف الحقيقي من تأسيس هذا الحلف هو نهب النفط والغاز اليمني في محافظات شبوة وحضرموت وعدن ومأرب, لتتمكن إدارة بايدن من مواصلة حربها الاقتصادية ضد روسيا<.. مؤكداً.. >إن اليمن هي الأرض الخصبة والبلد المناسب لتعويض نقص إمدادات الطاقة العالمية من خلال نهب ثرواتها بضوء أخضر من دول عربية كالإمارات والسعودية
معهد السلام الأمريكي, يؤكد في تقريره حول تشكيل هذه القوة ما ذهب اليه الخبير علي الذهب, إذ يقول في هذا السياق: >إن واشنطن سعت وبقوة لتشكيل هذا التحالف تحت مبرر حماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر, إلا أن الهدف الحقيقي من وراء تأسيس هذا الحلف هو من أجل نهب النفط والغاز اليمني في محافظات شبوة وحضرموت وعدن ومأرب..<. وأكد المعهد المذكور أن اليمن خصوصاً وبلدان حوض البحر الأحمر عموماً أمام ثلاث تحديات يتضخم تأثيرها في الممر الملاحي جنوب البحر الأحمر أبرزها أن القواعد العسكرية المتحركة في محيط باب المندب والتي تعد بادرة لتطوير الصراع التجاري بين روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى, لا سيما وأن واشنطن تسعى لإمداد أوربا بالنفط والغاز وتؤسس لبقاء دائم في المنطقة لحماية أساطيلها وحاملات النفط وتأمين إمدادات القارة الأوربية النفطية من البلدان العربية عوضاً عن الغاز والنفط الروسي<.
ب ـ محاولة طمأنة النظامين السعودي والإماراتي, بأن الولايات المتحدة مهتمة بأمنهما من خلال الحضور العسكري المباشر في البحر الأحمر, بالإضافة إلى القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في تلك الدول, خصوصاً وأن النظام السعودي بعدما أيقن أنه لن يربح الحرب مع أنصار الله ظل يستغيث بأمريكا وبالدول الغربية لحماية منشآت النفط في السعودية من ضربات أنصار الله, بل وطالبت واشنطن بالتدخل المباشر في مواجهة أنصار الله عسكرياً!!
جـ لأن السعودية والإمارات أخفقتا في توحيد مرتزقتهما اليمنيين, ووضع حد للتصارع والتنافس بين أقطاب هؤلاء المرتزقة, الأمر الذي دفع واشنطن إلى الدخول على خط ممارسة الضغوط على هؤلاء المرتزقة من أجل توحيد الجهد العسكري والسياسي والأمني في إطار المصلحة الأمريكية الصهيونية في اليمن!! ومنها توظيف الجهد العسكري لهؤلاء المرتزقة في مواجهة أنصار الله وجيشهم ولجانها الشعبية.
دـ وبحجة تقديم الطمأنة والحماية للسعودية والإمارات, فإن واشنطن تستمر في عملية ابتزاز هذين النظامين سياسياً ومالياً, فعلى الصعيد السياسي إجبارهما على القبول بالكيان الصهيوني وفتحهما الآفاق له للاندماج بالمنطقة وتمكينه عسكرياً وأمنياً في تلك المنطقة. وهو ما يجري الآن كما ذكرنا في ثنايا الحديث, أما على الصعيد الآخر فإن السعودية تعهدت بتغطية تكاليف ونفقات هذه القوة البحرية الجديدة كما ذكرنا آنفاً!!
ومع كل هذا الاستعراض العسكري الأمريكي الصهيوني, فإن النتيجة معروفة, بل حتمية. فهزيمة أمريكا في أفغانستان وفي العراق وقبل ذلك في الصومال وفي فيتنام خير دليل على مآلات هذا الاستعراض العسكري. ولعل فرار هذه القوة وهزيمتها في أول مواجهة مع قوات أنصار الله البحرية قرب الحديدة, خير دليل على ذلك. والله غالب على أمره.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق