ماذا يجري في أروقة الحكم السعودي!؟
[عبد العزيز المكي]
منذ إعلان الديوان الملكي السعودي إرسال الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز الى المستشفى، ومن ثم عدم ظهوره، والوضع داخل القصور الملكية بات مثيراً للكثير من التساؤلات! حتى ان بعض النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، تساءلوا، " هل توفي الملك سلمان وتكتم ولي العهد على الخبر لحين ترتيب أمر الحكم؟"..و ذهب بعضهم الى القول ان محمد بن سلمان تعلّم من محمد بن زايد حيث جمد جنازة أخيه خليفة لمدة أسبوعين، حتى تم حسم مسألة رئاسة الامارات لصالحه، فأعلن عن وفاته وكذلك يفعل بن سلمان الآن.. وفي هذا السياق قال الكاتب السعودي البارز تركي الشهلوب " كان الذباب الإماراتي قبل أسبوعين ينشر صور خليفة بن زايد ، ويبرر احترام وتقدير محمد بن زايد له. كأن هناك تهيئة لإعلان وفاته ( وقد يكون توفي منذ تلك الفترة". ثم يتساءل الشهلوب قائلاً.." فهل يا ترى إعلان دخول الملك سلمان للمستشفى هو تهيئة واستعداد يقوم به بن سلمان تسبق الاعلان عن وفاة الملك؟".
وذهب الصحفي مجدي عقبة، ما ذهب اليه الشهلوب وقال في تغريدته على تويتر.." خلال أيام وربما أسابيع سيتم إعلان وفاة الملك سلمان"!
و تابع مجدي قائلاً " حدث اتفاق بين المحمدين بالتخلص من خليفة وسلمان والانفراد بالسلطة في السعودية والأمارات.. اليوم أعلن عن وفاة خليفة وقريباً سيتم الإعلان عن وفاة سلمان تحديداً بعد أن ينتهي بن زايد من تنصيب نفسه رسمياً" على حد زعمه.
مغرد آخر ذهب بهذا الاتجاه، لكنه زاد في التأكيد على هذا الرأي من خلال لاستعانة بالتذكير بقرينة وفاة الملك فهد، حيث قال.." في 2005 سربت أحدى الصحف الايطالية في حينها وفاة الملك فهد وتم التكتم عليه طوال شهر كامل حتى الإعلان عن وفاته رسمياً بعد إجراءات ترتيب بيت الحكم، فالوضع عن سابق عهده في الحكم يختلف تماماً عن اليوم وما بعد وفاة سلمان هو مفترق طرق بالنسبة للأسرة إما نزاع حاد في العلن أو التسليم لبن سلمان" وعلى شاكلة الصحيفة الايطالية، نقلت وكالة GTN24 الإخبارية عن خبراء قولهم إنهم " يعتقدون ان فرض بقاء الملك سلمان على قيد الحياة أقل من 10% وقد يموت في غضون أسبوعين أو نحو ذلك"!
على أن البعض من المهتمين بالشأن السعودي اعتبر كل ما تتداوله وسائل الإعلام حول موت الملك مجرد إشاعات لا أساس لها من الصحة!!
و بغض النظر عن صحة المعلومات الآنفة أو عدم صحتها، فأن تداول هذه القضية تؤشر بوضوح الى ان مسألة تولّي بن سلمان العرش بدلاً من أبيه باتت جدية، وليس مجرد محاولة لجس نبض الأسرة الحاكمة وامرائها الذين يعارض أغلبهم وأبرزهم تولي بن سلمان العرش، لأن هناك من هو أحق بتولي العرش بحسب رأيهم والأرجح ان جدية الموضوع مطروحة الآن في تل أبيب وواشنطن، خصوصاً في الأوساط الصهيونية فهذه الأخيرة تريد حسم الأمور لصالح بن سلمان لأسباب كثيرة منها ما يلي:-
1- إن بن سلمان الشخص الذي يحقق للصهاينة ما يريدون وقد قطع شوطاً كبيراً في تنفيذ الكثير من الأملاءات الصهيونية والأمريكية التي أمليت عليه، والتي أريد منه أن يثبت ولاءه من خلال الاستجابة لها لكي يحظى برضا الاميركان والصهاينة للوصول الى العرش، ومن هذه الاملاءات، إجراء تغييرات على المناهج الدراسية، فبحسب ما أعلن عنه وزير التعليم العالي السعودي حمد آل الشيخ أنه تم 120 ألف تعديل، تضمنت 89 كتاباً في المناهج التعليمية، وقالت مجلة التايم الامريكية ان هذه التعديلات شملت " حذف دروس الكراهية تجاه المسيحية أو اليهودية أو ضد المثليين، وحذف كل ما يشجع على الدفاع عن العقيدة باستخدام العنف"!! وشملت التعديلات بحسب ما ذكره العدو إزالة كل مصطلحات معاداة الكيان الصهيوني، والدفاع عن فلسطين والمقدسات الإسلامية فيها، وإبدالها بمصطلحات محاباة الكيان الغاصب والتطبيع معه.. وما الى ذلك كثير. ومن تلك الإملاءات انفتاح بن سلمان على الثقافة الغربية، وأطلق العنان لإقامة الحفلات الغنائية المختلطة والخليعة في جدة، وعلى سواحلها وفي الكثير من المدن الأخرى، وصدم الناس هناك ومجتمعهم المحافظ بهذه الثقافة الدخلية والغريبة، لكن الغرب صفق لها، فيما الكيان الصهيوني اعتبرهُ تطوراً، وخطوة أولى لغسل الأدمغة وتغيير التفكير، وبالتالي وصولاً الى تخلي المجتمع عن قيمه وحضارته ومرتكزات ووجوده واستمراره!
و الأهم من ذلك، ان بن سلمان أوعز لاحد مسؤولي السفارة السعودية في بريطانيا لاعلان حسن السلوك والتمسك بتنفيذ ما طُلب منه، من تفكيك البنية الدينية للملكة، واستعداده للانخراط علناً في مواجهة المشروع الاسلامي، لا سراً كما كان يجري ذلك! ومما جاء في تصريح هذا الموظف، وهو السفير نفسه الأمير خالد بن بندر! في جلسة حوارية عقدت في جامعة أوكسفورد بأن " الحضارة الإسلامية الأولى التي نشأت في المدينة المنورة استغرقت فقط جيلاً واحداً وانتقلت الى دمشق" وأوضح انه.. " لذلك كانت الجزيرة العربية مهمة تاريخياً مرتين فقط، في بداية ظهور الاسلام وعند ما أصبح النفط ذا قيمة في أوائل السبعينات" على حد زعمه . ثم يعلن صراحة بُعد آل سعود عن الدين وتجردهم من النزعة الدينية لتطمين أسيادهم الصهاينة قائلاً: " من المهم أن نقول أن حكومتي ( الحكومة السعودية) لم تدعِ وجود قيادة دينية مطلقاً، والطريقة التي نتخذها في حكومتنا أنه ليس لدينا دور لنلعبه في تطوير الدين" مؤكداً بالقول " لكن بالتأكيد نحن نؤثر على علماء الدين". وكأنه يوغر لأسياده، نحن ليس لسنا قيادة دينية وحسب، وإنما يمكننا التأثير على علماء الدين في الاتجاه الذي يخدم المشاريع والطروحات الامريكية الغربية والصهيونية كما حصل في أفغانستان وفي العراق وفي لبنان وليبيا واليمن حالياً وغيرها كثير.
2- تسارع مجالات التعاون العسكري والاقتصادي بين النظام السعودي بقيادة بن سلمان، وبين الكيان الصهيوني، وتلك المجالات تحدثت عنها وسائل الإعلام الصهيونية والغربية مفصلاً.. فمن مشروع مدينة نيوم وتسليم جزر تيران وصنافير للعدو الصهيوني.. الى التعاون الأمني واستخدام التقنية الالكترونية الصهيونية في التجسس على المعارضين وعلى مسؤولي الدول الصديقة وغير الصديقة للنظام السعودي.. إلى تشكيل " منتدى مشترك" يضم الكيان الصهيوني ودول الخليج بالإضافة الى مصر، والذي أعلن عنه وزير الخارجية الصهيوني في قمة النقب الأخيرة، الى تشكيل ما سمي " بالناتو الإسرائيلي- العربي" الذي أيده النظام السعودي، ذلك الناتو الذي قال الصهاينة انه يبدأ بالتعاون في المجال الجوي والبحري بين العدو ودول الخليج، وفي الحقيقة ان هذا التعاون قد قطع شوطاً طويلاً منذ سنوات وعلى كل الأصعدة إنما يجري الإعلان عنه رسمياً!! أما ما تقوم به السعودية والإمارات في تعزيز الوجود العسكري الصهيوني في الجزر اليمنية، خصوصاً في سقطري، وفي ميون و.. وحتى في عدن، فأن وسائل الإعلام الغربية والصهيونية تطل علينا بين الحين والآخر تكشف منا تفصيلات مذهلة وخطى حثيثة سعودية وإماراتية لإقامة وتحصين قواعد عسكرية وصهيونية في السعودية والأمارات واليمن في الجنوب!!
وإلى ذلك، فأن بن سلمان دفع وشجع ملك البحرين للارتماء في أحضان العدو بشهادة الصهاينة أنفسهم. كما شجع الامارات أيضاً على ذلك، وسهل مرور الطائرات الصهيونية فوق الأجواء السعودية نحو الأمارات!!
أما التعاون الاقتصادي فهو يتطور يوماً بعد آخر وتتوسع آفاقه ومشاريعه كما يصرح بذلك الصهاينة أنفسهم! يؤكد كل ذلك ما صرح به بن سلمان نفسه في مقابلته مع مجلة اتلانتيك الأمريكية، مؤخراً حيث قال ان " إسرائيل" ستكون الحليف المحتمل"!!
3- اعلان رئيس الكيان الصهيوني بقرب زيارته للسعودية، حيث أكد بتسحاق هرتزوغ" أنه سيكون سعيداً بزيارة المملكة العربية السعودية علناً" وأضاف رئيس الكيان الصهيوني في مقابلة له مع صحيفة " إسرائيل اليوم" ان " مسألة انضمام السعودية الى ما " اسماه اتفاقيات أبراهام" ليست متعلقة " بالكيان الصهيوني" حصراً وإنما بعوامل داخلية سعودية وبالعلاقات السعودية الأمريكية" وهذا يعني ان العدو حسم أمره لصالح تولي بن سلمان عرش المملكة، فالرجل أدى كل ما املاه عليه الصهاينة وان كانوا ما يزالون يواصلون ابتزازه للحصول على المزيد من الامتيازات!!
4- لقاء رئيس السي آي أي الأخير قبل أيام مع بن سلمان في المملكة في إطار جولة شملت الأمارات أيضاً، حيث كشف موقع " ذا انترسبت" الأمريكي تفاصيل هذا الاجتماع السري بين وليم بيرنز وبن سلمان، موضحاً " الموقع" انه جرى بحث مسألة النفط والإفراج عن محمد بن نايف، غير ان المهم من ما بُحث في هذا اللقاء لم يشر اليه، ويرجح ان يكون الشروط الأمريكية للموافقة على عبور بن سلمان للعرش.. مما يعني ان الولايات المتحدة تقدمت خطوة كبيرة لحسم أمرها لصالح بن سلمان على خلفية الضغط الصهيوني، في هذا الاتجاه وعلى خلفية الاستعداد الكامل لدى بن سلمان لتوفير الفرصة الكاملة للعدو الصهيوني للتسيّد في المنطقة وتمكينه عسكرياً وأمنياً واقتصادياً لكي يحافظ على وجوده من جهة، ومن جهة أخرى يصبح قادراً على سد الفراغ بعد الانسحاب الكامل لاميركا من المنطقة!!
على انه ورغم نجاح بن سلمان في إحراز التأييد الصهيوني والأمريكي لعبوره نحو العرش، الّا أنه تبقي عقبات كبيرة أمامه، ولعلها أهمها عقبة معارضة أكثرية أمراء العائلة السعودية، ومعارضة الشعب الجزيري، فرغم النفوذ الكبير للصهاينة والأميركان في المؤسسة الحكومية السعودية، الّا انهم لا يمكنهم تذليل التهديد الذي تشكله هاتين العقبتين، وسوف ننتظر ونرى، حيث لا يستبعد المراقبون حصول صراع داخل الأسرة السعودية لا يبقي ولا يذر عند ما تحين وفاة الملك سلمان.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق