متى تستيقظ من الغيبوبة يا شعب الجزيرة العربية؟!
[حسن العمري]
* حسن العمري
"حافظوا على تحويل انتباه الرأي العام بعيدا عن المشاكل الحقيقية التي تواجهها البلاد، والهوه بمسائل تافهة لا أهمية لها (الطرب والخمور والترف والرقص الماجن و..)، أبقُوا الجمهور مشغولا، مشغولا، مشغولا دون أن يكون لديه أي وقت للتفكير، فقط عليه العودة الى المزرعة مع غيره من الحيوانات الأخرى.. أن عنصراً أساسياً في التحكم بالسلطة هو إلهاء انتباه العامة للقضايا والتغييرات الاجتماعية التي تحددها نخب السلطة الحاكمة سياسياً واقتصادياً، من خلال تصدير كم كبير من الإلهاءات الكاذبة والمعلومات التافهة.. تتضمن منع العامة من الاطلاع والمعرفة الأساسية بمجالات العلوم والاقتصاد وعلم النفس والعلوم البيولوجية" - مقتطف من وثيقة "أسلحة صامتة من أجل خوض حروب هادئة" للمفكر والمنظر الأمريكي نعوم تشومسكي.
مهرجانات الرياض وجدة والدمام، وكذا الاحتفال بالكريسماس التي لم تشهدها بلاد الحرمين الشريفين من قبل بكل ما لكلمة المجون والعهر من معانٍ، باتت اليوم ظاهرة يومية علنية تشهدها شوارع مدننا وحتى قرانا النائية تحت يافطة "الترفيه"، وسط غياب فاحش وقاهر للحرية الفردية في التعبير عن الرأي والدعوة للإصلاح والتغيير التي باتت اليوم من أبسط مستلزمات العيش حتى في الصومال ذلك البلد الذي يشهد الحروب العاصفة ونشاط الجماعات الارهابية المسلحة المدعومة من الرياض وأبو ظبي والدوحة، فيما نطالع صباح كل يوم اعتقال داعية ومفكر إسلامي أو اكاديمي وصحفي دون مبرر أو سبب حتى أولئك الذين عرفهم الشارع بحيادهم وبعدهم عن كل مشبوه ومكروه.
نهج ولي العهد محمد بن سلمان القائم على نشر الإفساد والانحلال وسط صمت مطبق لمن يطلق على نفسه هيئة كبار العلماء والمؤسسة الدينية التي كانت ناشطة ليل نهار في كل الفضائيات والمنابر تشرع وتفتي بكل شاردة وواردة حتى دفعت بعشرات الآلاف من شبابنا ليقطعوا أنفسهم والأبرياء في دول المنطقة بفتوى الجهاد الكاذب ، أدت الى تحول السعودية الى مركز تصدير واستهلاك وتعاطي المخدرات بكافة أنواعها من كبتاغون وكوكايين، وهيرويين، وموسم الرياض القائم حتى لحظة كتابة هذه السطور خير شاهد على ما نقول، حيث بات الشباب والشابات يتعاطى وبالعلن والجرأة المدعومة حكومياً أشكالا من المخدرات وكأن الأمر جزء من الطقوس المطلوبة لقضاء أيام وليالي "الميدل بيست" - وفق مجلة “فورين بوليسي” الأميركية التي صنفت السعودية كعاصمة للمخدرات في الشرق الاوسط استناداً لتقارير منظمات أممية لمكافحة المخدرات.
خبراء دوليون يؤكدون قلقهم الشديد بشأن تأثير هذه العقاقير التي تسبب الإدمان على الأجيال السعودية الشابة، خاصة وإن غالبية متعاطي المخدرات السعوديين ينتمون الى الفئة العمرية من 12 الى 22 عاماً، ويستخدم 40 في المائة من مدمني المخدرات السعوديين الكبتاغون.. بذريعة سياسة الانفتاح التي ينتهجها محمد بن سلمان والمراد منها إنهاك العقل السعودي ودفعه نحو الانقلاب على كل القيم الدينية والانسانية والمبادئ والتقاليد الاجتماعية المحافظة التي يتمسك بها.. فما كان من الخبيث إلا أن أطلق عنان المجون والرقص المختلط والفحشاء والفساد والتبرج والاختلاط المفرط بين الشباب من الجنسين بصورة هي الأولى من نوعها بكل المقاييس حتى بالمفهوم الغربي وذلك في المنطقة الغربية للبلاد التي تحتضن الحرمين الشريفين، وسط تحرشات جنسية ورقص خليع بالعلن على السواحل وفي الصالات وحتى الشوارع وهي أمور وثقتها فيديوهات الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.
"إن عقل الإنسان هو آخر معاقل كلِّ خصوصية، حيث نكون على حقيقتنا وسَليقَتنا التي فَطَرنا وجَبَلَنا عليها خالِقَنا، فنفكِّر كما نشاء ونتصرف وفق ما نؤمن به من قيم ومعتقدات.. لكن الحضور الدائم للسلطة الحاكمة في حياتنا لنزعة السيطرة على العقل والتلاعب بالفكر، يمثل تهديداً خطيراً لمصادرة هذا الحق الإنسانيِّ رغم أنه أيضا حقٌّ حيوانيٌّ!.. حقُّ الإنسان في امتلاك عقله الذي وهبه إياه خالقه ليفكر كما يشاء، لا كما يريد له الحاكم المتفرعن أو وسائل اعلامه.. حق الإنسان كي يكون حراً في مكان ليس بِغابْ، ولا هو مَعْمَلٌ للفُحوصات والتَّجارب والاختبارات!.. لكن هذا هو الذي يحصل اليوم في المملكة بكل ما سطرناه من حروف وكلمات رغبة لأرعن الأسرة الحاكمة - من كلام مصطفى فاخوري بتصرف.
الكاتب الأمريكي الشهير مايكل وولف، صاحب كتاب “النار والغضب”، يذكر في كتابه “الحصار: ترامب تحت النار”، “ان وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان يعاني من مشكلة مزمنة: “تعاطي الكوكايين وألعاب الفيديو”.. ولهذا قرر أن يكتسح الأمر المشين هذا الشارع السعودي دون إستثناء أو خجل أو وجل، كي ينشغل الشاب السعودي بعيداً عن التفكير بمستقبله وعقائده وثقافته ومطالبة الاجتماعية وحقوق الإنسان المسلوبة منه، ومطالبته بالتغيير والمشاركة في القرار السياسي والاجتماعي والثقافي؛ ليبقى حصان طروادة لرغبة شاب أرعن طائش مجرم سفاح سفاك للدماء على مختلف الصعد الداخلية منها والاقليمية، حيث المعتقلات تكظ بالنشطاء والعلماء والمفكرين، وسيوف الحرابة على رقابهم صغيراً وكبيراً، ومسناً وعليلاً دون إستثناء؛ أضف الى ذلك مجازر العدوان على اليمن العربي والجار والشقيق، ثم الدعم اللوجستي والمادي والأفراد للجماعات الإرهابية المسلحة الناشطة في العمق العربي والإسلامي.
ما كنا نعتقده خيالاً في سنين سابقة أصبح الآن حقيقة في عالمنا المفتوح، وما هو خيالٌ اليوم سوف يكون حقيقة غداً. نعم أصبح واقع العالم اليوم لا حدود له، وأصبحنا في أحضان ورحمة ما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعي المتعددة التابعة للسلطات الديكتاتورية الحاكمة والتي تزداد كل يوم بتطور التكنولوجيا.. فقد تعرت الأجساد وسلَّت الأرواح من الأبدان، وقبلتها عقول العامة الساذجة بإخراج ما يجول فيها من آراء وأفكار وما في القلوب من عواطف ومشاعر، وشجعتها على القبول أبواق السلطة الدينية الذراع المساند للسلطة السياسية على مدى العقود الطويلة الماضية التي كانت ولا تزال حصان طروادة لبلاط القمع والإستبداد على رقاب الشعب حتى باتت خصوصية الشخص كتاب مفتوح للعموم، وما كان من ستر حال والبعد عن فضح وكشف ما تستحي وتقشعر منه الأبدان، أصبح الآن للأَعين محراب، وللشباب ملاذ ومستودع لا سَقف له ولا باب، فيه مخزون لا ينضب، ومن الوقاحة جهاراً ومن الكلام فصاحة ليس إسراراً على أن ما يقوم به ولي العهد هو عين الصواب الاجتماعي والديني.. تباً لكم يا أمة هبل واللات والعزى.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي أصابنا نحن شعب الجزيرة العربية؟؟!! وكل واحدٍ منا يطعن الآخر أو يتفرج عليه وهو يذوي ويموت.؟؟ نتربص الألم ونسلم مستقبلنا وثرواتنا وحريتنا وقراراتنا السيادية المصابين بجنون العظمة ومرض الزهايمر العضال ليقرروا مصائرنا، فيلعبوا بنا ويسلبوننا قوتنا ومستقبل أبنائنا ويسرقوا ثرواتنا، ويقرروا أي طريق نسلك وإلى أي مستقبل نمضي.. أي شعب نحن حيث نسهم في نحر أنفسنا بأيدينا أو أيدي أعدائنا؟ لا نتعلم من التاريخ شيئاً، نعيد سيرة حروب المذاهب والطوائف، ونكرر أخطاءنا مراراً وتكراراً، نعرف الحق فلا نتبعه، بل نتبع الضال والمضل والمنحرف حتى آخر جحر ضب بلا بصر ولا بصيرة؟!!.. أي ألم هذا الذي ينز في الخاصرة فيذهب العقل حتى تتوه البوصلة؟! نحن اليوم في أوهن حالاتنا، وعلينا أن نستيقظ من الغيبوبة شبه الأبدية، والتي أمضت عقوداً إن لم تكن قروناً، فبعد أن كنا نسود كشعب يحتذى به أصبحنا أمة بلا تاريخ، وشعب بلا وطن، وديمغرافية بلا جغرافية، سرقت منا روحانيتنا، ونهبت ممتلكاتنا، وهمشت لغتنا، وأصبحنا بلا ماض، وتحولنا الى شعب يائس بائس بئيس يغدر بعضنا ببعض.. فمتى نستيقظ من هذا السبات الطويل ؟؟!!.
ارسال التعليق