مجزرة الحجاج هذا العام... وأهلية النظام السعودي لإدارة هذه الشعيرة الإسلامية !!
[عبد العزيز المكي]
شهد موسم الحج لهذا العام مجزرة قضى فيها أكثر من ١٣٠٠ حاج أكثر من نصفهم من الحجاج المصريين ( أكثر من ( ٦٨٠) حاج دفن أكثرهم في السعودية، ذلك كما يحصل في كل موسم، والأسباب متعددة، مرة بتعطل أجهزة التهوية وحصول عملية اختناق كما حصل في مجزرة عام ١٩٩٠ ومرة بحرق الخيم !! وأخرى بعدم مراعاة الحجاج لتعليمات السلامة وهكذا فإن النظام السعودي مستعداً دائماً لسوق الأسباب، وحول مجزرة هذا العام ادعى النظام السعودي أن الحرارة هي السبب في ارتفاع نسبة الوفيات بين صفوف حجاج بيت الله الحرام، وادعى أيضاً أن الوفيات حصلت في صفوف الحجاج غير "الشرعيين" أي الذين جاؤوا بتأشيرات سياحية وليس بتأشيرات الحج الخاصة، مدعياً أن الدولة السعودية غير ملزمة بتقديم الخدمات لهؤلاء، إنما خدماتها تقتصر على الحجاج الذين جاءوا بتأشيرة الحج !! وفي هذا السياق قال المتحدث الأمني لوزارة الداخلية السعودية طلال بن عبد المحسن بن شلهوب، في مقابلة مع قناة العربية، "إن عدم وجود تصاريح الحج حال دون تقديم الخدمات للحجاج غير المسجلين ورعايتهم".
من جهته وزير الحج السعودي فهد الجلاجل أكد أن الحجاج غير المصرح لهم بالحج "ساروا مسافات طويلة تحت أشعة الشمس، بلا مأوى ولا راحة، وبينهم عدد من كبار السن ومصابي الأمراض المزمنة"! وأضاف، "إن ٨٣٪ من الوفيات البالغ عددها ١٣٠١ سجلت بين الحجاج غير المسجلين" وهذا ما اعتبره أكثر المراقبين والخبراء تنصلاً من المسؤولية المباشرة عن حصول هذه المجزرة، نتيجة سوء التنظيم والتقاعس في تقديم الخدمات والفشل الذريع في إدارة مواسم الحج، بل ذهب بعض المراقبين إلى أبعد من ذلك، إذ اعتبر أن تلك المجزرة مقصودة ومدبرة، خصوصاً وأنها تتكرر في مواسم الحج كما اشرنا في البداية وبأسباب مختلفة، فهناك شواهد وشهادات كثيرة من بعض الحجاج أنفسهم ومن صحفيين ومن وكالات أنباء معتبرة تؤكد فشل النظام في إدارة هذه الشعيرة الإسلامية والتسبب بتكرار هذه المجازر المروعة، كتلك التي شهدها الموسم الفائت، حيث عرضت الفيديوهات مشاهد لجثث حجاج بيت الله الحرام متناثرة على قارعة الطريق، متروكة وتضرب بها الشمس الحارة التي وصلت درجة حرارتها في بعض الأحيان أكثر من 55 درجة مئوية، لدرجة أن سيارات الإسعاف السعودية، والجهات السعودية المختصة لم تحرك ساكنا لنقل الجثث، أو إسعاف من لا يزال به رمق من الحياة حتى تحين الساعة السادسة عصراً !! الأمر الذي أدى إلى تعفن بعض الجثث وتفسخها في مشهد محزن ومروع !! وقد استخلصنا من مجموع تلكم الشهادات تدني الخدمات والتقارير حول تلك المأساة الأمور التالية:
1ـ تدني الخدمات الضرورية اللازمة لسلامة الحجاج، من مثل توفير الماء وتوفير الظل، وكذلك توفير سيارات الإسعاف والمراكز الطبية!! وحتى إذا تم الاستنجاد بإحدى هذه المراكز المتباعدة جدا، فإنها لا تلبي الطلب، وإذا لبت فإنها تأتي بعد ساعة أو ساعة ونصف أو حتى أكثر من ذلك !! هذا ما يقوله شهود العيان، من الحجاج ومن غيرهم من البعثات الطبية والصحفية المرافقة لقوافل الحجاج، روت طبيبة مصرية قصصاً محزنة لما قالت انه من أسباب كثرة الوفيات بين حجاج بيت الله الحرام، وأوضحت لإحدى المجلات المصرية ( الاستقلال ) "أنها شاهدت أحداثاً ووقائع مؤلمة وظروفاً قاسية تعرض لها الحجاج" وأكدت تلك الطبيبة أنه "بينما كانت درجة الحرارة في عرفات غير عادية وحرارة الحجارة التي يجلس عليها الحجاج وصلت لدرجة الغليان من أشعة الشمس، وتقدر بـ ٦٥ درجة مئوية، لم يكن هناك أي مكان يوفر المياه للحجاج على طريق عرفة" !! "ومن يرغب في الخروج للبحث عن الماء كان يضطر للسير مسافات طويلة في الحر القاتل، ما أدى إلى وفاة كثيرين بسبب ذلك !! وأكدت الطبيبة المصرية أن سيارات الإسعاف اختفت تماماً، ولم يتم نقل أي حاج يعاني من الإجهاد الحراري أو الإغماء الى المستشفيات فأصبح المشهد محزناً، حيث الحجاج يموتون أمام أعيننا !! وقالت إنها ذهبت لشرطي لتطلب منه أن يتصل أو يرسل لهم الإسعاف لأن هناك من يموتون، فقال لها، "ويش دعوة يا حاجة روحي الله يسهل عليك"..! "وأكدت أنها كانت شاهدة على وفاة الكثيرين، وعدم نقل جثثهم من عرفات إلا مع وقت المغرب، والحجاج يغادرون عرفات رغم أنهم توفوا في الصباح" !!
وانتقدت هذه الطبيبة، إزالة الأشجار من طرق الحجاج التي كان بعضهم يستظل بها أو يستريح تحتها، رغم أن المسافة من عرفة إلى منى هي اطول ممشى وممر في العالم ويخرج منه الحجاج منهكين ليسيروا من عرفة إلى مزدلفة عدة كيلومترات أخرى وسط حرارة عالية وغياب الخدمات" !!
وجاءت شهادات هذه الطبيبة، وكأنها تؤكد أن هذه المذبحة كانت مقصودة ومتعمدة. وقالت "شخصياً رأيت ممرات كاملة لنقل الجثث وبمجرد قيام شاب بالتصوير أخذوا منه الهاتف وحذفوا الصور"!!
ليس هذا وحسب قالت تلك الطبيبة، أن الشرطة السعودية كانت تمنع الحجاج من الاستراحة والجلوس في تلك الممرات والطرق الساخنة، والخالية من الأشجار وفي الظلال والمياه، ما جعل ذلك الإجهاد الذي يعاني منه الحجاج لاسيما الكبار والمتقدمين في العمر، سببا من أسباب وفياتهم !! وختمت الطبيبة روايتها بقولها.. "وجدت أمامي بعض رجال الشرطة يتعاملون مع الحجاج على طريقة أبو جهل وأبو لهب، لا رحمة لا إنسانية لا أخلاق"!!
وتأكيدا لما روته الطبيبة المصرية أشار أحد الحجاج إلى أساليب تعامل النظام السعودي الجاف والقاسي مع حجاج بيت الله الحرام حيث قال "كان يتم توقيف الحجاج من قبل الشرطة حتى وهم باتجاه عرفات تحت أشعة الشمس حتى مات الكثير منهم وهم يسيرون على أقدامهم" وأضاف "إنهم كانوا يضطرون لنقل الحجاج المتوفين عن طريق السيارات والباصات ووضعهم على الأرصفة، بعدما رفضت السلطات الاستجابة لهم بسرعة نقلهم من الشوارع" وتحدث حجاج عما أسموه "عسكرة الحج" منتقدين الأعداد الضخمة من الجنود المسلحين دون أن تكون هناك نجدة للحجاج المتوفين وسط مشاهد مؤلمة !!
هذا وقالت وكالة بلونبيرغ الأمريكية أن الوفيات ليست نادرة في موسم الحج لكن عدد القتلى الكبير هذا العام يشير الى ان هناك شيئاً ما أدى إلى تضخم العدد" !! التلفزيون الألماني "دويتشه فيله" من جهته أكد أن سوء التنظيم كان أحد العوامل الرئيسة في وفاة الحجاج بأعداد كبيرة، بجانب الحرارة الشديدة.. وفي هذا السياق اشار العديد من الحجاج الى ان المستشفيات السعودية كانت ترفض الحالات الحرجة، حتى من الذين بحوزتهم تصاريح رسمية .
٢- رغم اتهام النظام السعودي المتوفين انهم ماتوا بسبب عدم اتباعهم التعليمات وعدم حصولهم على رخصة حج، نشر نشطاء صوراً لحاج يموت على الطريق وهو يحمل التصريح، ومع ذلك لم يحصل على الإسعافات والخدمات الطبية العاجلة ! فهناك إهمال فاحش وعدم اعتناء واهتمام بضيوف الرحمن، مقارنة بالاهتمام الذي يبديه بن سلمان وجوقته بالمغنين وبالراقصات الفاجرات اللواتي يحجن إلى قصور بن سلمان ومراكز "الترفيه" و "المجون" التي أقامها مؤخراً في المملكة !! وهناك العشرات من الفيديوهات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي توثق شهادات الحجاج بتسبب النظام السعودي نفسه بمثل هذه الوفيات وذلك بحجز الأعداد الغفيرة من الحجاج ومنعهم من التحرك الى عرفات او الرجوع الى أماكنهم، وبقائهم وبقاء فترات طويلة تحت أشعة الشمس المحرقة، دون ماء او مظلات، الأمر الذي أدى إلى وفاة هذا العدد الهائل من الحجاج عطشاً او إجهاداً حرارياً وما شابه ذلك !!.
3ــ عسكرة الحج بدلاً من تقديم الخدمات والتسهيلات لحجاج بيت الله الحرام، قام النظام السعودي بزج قوات عسكرية هائلة انتشرت بين ضيوف الرحمن وفي الطرق والشوارع تحصي عليهم أنفاسهم، تمنعهم من الاستراحة أو التجمع في مكان ظليل إن وجد، لان شهود العيان كما اشرنا في البداية قالوا أن النظام أقدم على قطع الأشجار في الشوارع خوفاً من أن تكون سببًا للتجمع، والتباحث في العدوان على غزة، وخوفاً من إطلاق شعار ضد الكيان الصهيوني !! لذلك لم تسمح هذه القوات بالاستراحة لأي حاج، وبالتالي ان الكثير منهم قضى تحت الشمس الحارقة بالإجهاد الجسمي وبقلة المياه كما مر بنا.. وهناك عشرات التأكيدات من حجاج بيت الله الحرام على هذه العسكرة للحج من جانب النظام السعودي، والتسبب في وقوع هذه المذبحة، لأن سب إسرائيل أو أمريكا يعتبر من محرمات النظام السعودي.. وفي هذا السياق أكد "مرصد انتهاكات الحج والعمرة" ان السلطات السعودية كانت مشغولة بحشد رجال الأمن لقمع أي مظهر من مظاهر التسييس في الحج. وأهملت تماماً تأمين سيارات الإسعاف والخدمات الطبية للحجاج" واعتبر المرصد في تغريدة له على موقع X في ٢٠ حزيران، ان "هذا الإهمال الفاضح الحقوق الحجاج يكشف الوجه الحقيقي للسلطات السعودية، التي تهتم بالسيطرة والرقابة اكثر من صحة وسلامة ضيوف الرحمن" ! واستطرد المرصد قائلاً "نحن أمام استهتار واضح بأرواح الناس وفشل كبير في إدارة مواسم الحج، مما يؤدي سنويا إلى وقوع مئات الضحايا، ويجب على السلطات السعودية تحمل مسؤولياتها وتطوير استعداداتها للحج لوقف هذا النزيف المستمر في الأرواح" !! وفعلاً، وكما اشرنا في بداية الحديث أن هذه الفواجع تتكرر سنويا بسبب إهمال النظام السعودي وعدم اهتمامه بسلامة ضيوف الرحمن فإذا عدنا إلى الوراء قليلا نجد أن موسم الحج يشهد في كل عام مجزرة مروعة، "ففي العام ١٩٩٠ وحده استشهد ١٤٢٦ حاجاً في مجزرة سببها (طبقا لما أعلنته السلطات السعودية آنذاك) تعطل نظام التهوية في أحد الأنفاق المخصص للحجاج مع العلم انه في كل العالم تكون هناك وسائل احتياطية أخرى في حال تعطلت هكذا أنظمة خاصة لحالة مماثلة تجمع فيها أعداد بشرية مليونية" وكذلك "حصلت مجازر أخرى وحرائق راح ضحيتها خلال العقدين الأخيرين نحو أربعة آلاف حاج فضلا عن جرح عشرات آلاف الجرحى، وصولاً إلى مجزرة منى، حيث حمّل النظام السعودي الله سبحانه وتعالى المسؤولية عن هذه الكارثة !! محدداً السبب بأنه ( إرادة الله ) كما في إسقاط الرافعة، وتولت الداخلية السعودية تحميل الحجاج مسؤولية ما جرى، متغاضية عن مسؤولية النظام بتنظيم الحج وحركة الحجاج" !! وذلك كله يؤكد أمرين في غاية الأهمية هما:
1. ان تكرار المجازر في مراسم الحج، نتيجة إهمال النظام السعودي وسوء إدارته وتنظيمه لتلك المراسم يؤشر الى احتمالات تعمده وقصده المبيت لجعل هذه الشعيرة غير آمنة وبالتالي دفع المسلمين الى العزوف عنها بسبب مخاطرها المميتة، علما ان الخبراء الاميركان والصهاينة والغربيين يعتبرون هذا المهرجان الإسلامي السنوي خطراً عليهم وعلى مصالحهم غير المشروعة في المنطقة، سيما إذا ارتفع أو ارتقى مستوى الوعي الإسلامي عند الأمة بفهم معاني وجوهر هذه الشعيرة الإسلامية .
2. ان تكرار هذه المجازر يؤكد بما لا يقبل الشك ان النظام السعودي غير مؤهل لإدارة موسم الحج، لأن هذا النظام رغم مرور هذه السنين لم يضع حداً لتكرار هذه المجازر ولم يستفد من تجارب الآخرين، فالعراق الذي يفد عليه في زيارة الأربعين سنوياً 20 مليون إنسان من مختلف بقاع الأرض أي أكثر بعشر مرات ما يفد على مكة والمشاعر، فأقصى ما يفد عليها ثلاثة ملايين حاج ومعتمر، وفي هذا العام وفد عليها مليون وثمان مئة حاج، بينما العراق وفر في طرق المشاية، المياه والعصائر المبردة والأكل الذي لم ينقطع من الصباح وحتى منتصف الليل وعلى طول المسير فضلاً عن توزيع الأرائك والكنبات وكل وسائل الراحة والفرشات للزائرين، والرش بالماء ووضع المبردات ورشاشات الهواء البارد وعلى طول الطريق بحيث تتوفر للزائر كل وسائل الراحة ومتطلبات الاستمرار في المسير من حمامات ومبيت وأكل وشرب وبشكل يعجز عنه الوصف، بحيث ان الزائر لا يشعر مطلقا بالتعب، و. و. وهذا ما شهد به القاصي والداني فضلاً عن ترحيب المضيفين للزوار والموزعين على جانبي الطريق، إذ بإمكان النظام السعودي الذي يبذخ الأموال على الحفلات الماجنة أن يوفر نصف ما يوفره العراق حكومة وشعباً لهؤلاء الزوار، وبالتالي تنتهي هذه الكوارث، لكن النظام السعودي لا يريد ذلك: الامر الذي يؤكد ضرورة تفكير الدول الإسلامية بتشكيل لجنة أو هيئة إسلامية لإدارة مواسم الحج بديلة عن هذا النظام حليف أمريكا الصهيونية العدوتين للإسلام والمسلمين.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق