معركة العرش تستعر.. وبريطانيا تدخل علنا على خط الصراع
[عبد العزيز المكي]
منذ أن تولى الملك سلمان عرش البلاد قبل خمس سنوات، وصعود أبنه المشؤوم محمد كلاعب أساسي في سياسات النظام السعودي وفي سلوكه وارتباطاته الخارجية وعلاقاته أيضاً.. وفي مواقف النظام وسياساته الداخلية، بدأ بن سلمان صراعه مع أمراء وأقطاب الأسرة السعودية، لإزاحة كل من يقف في طريقه ويهدد وصوله إلى عرش المملكة بعد وفاة أو اعتزال أبيه الملك سلمان.
وإذا كان هذا الصراع يجري في السنوات الثلاث الأولى من حكم الملك سلمان وابنه، في الخفاء، وأحيانا بالأساليب الناعمة، والتصفيات السياسية المقننة وما إلى ذلك، فأنه أخذ طابعاً صدامياً وعلنياً في السنتين الأخيرتين، كما تمثل ذلك بزجه للعشرات من أبناء عمومته من الأمراء في السجن الرتيز كارلتون، وإلصاق تهم الفساد ببعضهم وتعذيب البعض الآخر منهم، والاستحواذ على أموال آخرين وفرض الاقامات الجبرية على بعضهم وتتبع حركاتهم ومراقبة اتصالاتهم وارتباطاتهم، بل وصلت الأمور في بعض الأحيان إلى الصدام العسكري بين بن سلمان، وبعض الأمراء المنزعجين من استئثاره بالسلطة ومحاولة استحواذه على عرش المملكة، كما ذكرت بعض وسائل الإعلام الغربية وتحدثت عن هذا الصدام بالأسلحة النارية وقتل عدد من الأمراء كالأمير منصور بن الأمير مقرن،، لكن سرعان ما يحاول إعلام نظام بن سلمان احتواء مثل هذه الأحداث والتكتم عليها وإشغال الرأي العالم الداخلي والخارجي عنها !!
وبمواصلته هذا الصراع، ذهب بن سلمان إلى أبعد من ذلك في الآونة الأخيرة بتجاوز كل الخطوط الحمر داخل الأسرة الحاكمة، وتحدي كل القيم والتعاليم والبرتوكولات التي وضعها مؤسس النظام السعودي، عبد العزيز آل سعود، وذلك عندما أقدم على اعتقال الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية وولي العهد السابق، والأمير أحمد بن عبد العزيز شقيق الملك سلمان، المحسوب على الشلة السديرية، والذي عاد من منفاه في لندن قبل عدة أشهر بضمانات بريطانية وأمريكية بعد تصريحاته ضد سلمان وابنه وتحمليهما مسؤولية شن الحرب على اليمن، وعلى ما يجري من قمع للشعب البحريني بعد الاحتلال السعودي..
واللافت أن أوساطاً سياسية وغير سياسية بريطانية وأمريكية تدخلت بقوة من أجل الإخراج عنهما وإخراجهما من العجز والاعتقال الإجباري، ويبدو أن كل هذه الجهود لم تؤدِ إلى نتيجة، ليس هذا وحسب، بل إن بن سلمان ينوي بحسب ما ذكرته عدد من الصحف الأمريكية والبريطانية، مواصلة صراعه وتصعيد هذا الصراع مع بن نايف ومع عمه الأمير أحمد، ففي هذا السياق كشفت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في 6 تموز 2020 نقلا عن مصادر سعودية وأمريكية، أن بن سلمان يستعد لتوجيه اتهامات بالفساد ضد ابن عمه محمد بن نايف ولي العهد السابق، والمعتقل منذ مارس/آذار الماضي، بقيمة 15 مليار دولار. وقال تقرير صحيفة واشنطن بوست الذي أعده كاتب للشؤون الأمنية بالصحفية، ديفيد أغناتيوس، ان لجنة مكافحة الفساد، التي شكلها بن سلمان أنهت- تقريباً- تحقيقات فساد مسنوبة للأمير محمد بن نايف، وان بن سلمان يستعد لتوجيه تهمة الفساد لبن نايف بالمبلغ المذكور، أي 15 مليار دولار.
وتدور الاتهامات بحسب اغنايتوس، حول أموال طائلة حولها بن نايف بشكل غير قانوني من خلال شبكة من الشركات والحسابات الخاصة، عندما كان يدير برامج سعودية لما يسمونه مكافحة الإرهاب، في وزارة الداخلية. ونقل اغنايتوس عن مصدر مقرب للأمير محمد بن نايف، قوله إن المحققين السعوديين طلبوا منه سداد 15 مليار دولار يقولون انه اختلسها، على الرغم من أن كل أمراء العائلة السعودية بما فيهم بن سلمان نفسه، فاسدين ولصوص، فبن سلمان نفسه بذّر المليارات كما أعلن ذلك بشراء قصور في فرنسا ويخوت فارهة ولوحات فنية، بل إن ترامب- الرئيس الأمريكي اعترف بأن سلمان منح أمريكا مئات المليارات السعودية لتحسين اقتصادها وحل مشاكلها على شكل هبات وعقود أسلحة واستثمارات وما إلى ذلك!! وذلك ما يعني أن تهمة الفساد الموجهة لبن نايف هي فصل من تصعيد بن سلمان للصراع من أجل إسقاطه سياسياً وإيجاد المبررات اللازمة لسجنه وبالتالي التخلص منه نهائياً!!
إلى هنا، كل شيء يبدو مألوفاً في ضوء الصراع المحتدم والمتواصل على عرش المملكة بين بن سلمان والمنافسين له من أمراء آل سعود، لكن الشيء غير المألوف هذه المرة هو دخول بريطانيا خاصة وبعض الأوساط الأمريكية على خط الدفاع عن بن نايف بشكل قد لا يكون متوقعاً للبعض من المراقبين، أو غير مألوف للبعض الآخرين ففي هذا السياق أعلنت لندن فرض عقوبات على قتلة الصحفي جمال خاشقجي ونشرت الخارجية البريطانية في 5 تموز 2020 أسماء الأشخاص السعوديين المشمولين بهذه العقوبات، وتضم لائحة الاسماء20 مشتبهاً، يشتبه بأنهم أدوّا دوراً في اغتيال خاشقجي في اسطنبول في عام 2018، وقالت الخارجية البريطانية أن القائمة تضمنت نائب رئيس الاستخبارات السعودية السابق أحمد العسيري وسعود القحطاني المستشار السابق لبن سلمان، ومحمد الطبيقي خبير الطب الشرعي، ومصطفي احمد المدني الذي قام بارتداء ملابس خاشقجي وخرج من القنصلية السعودية لإظهار أن خاشقجي خرج من القنصلية. وتشمل هذه العقوبات إجراءات بمنع هؤلاء المجرمين من دخول بريطانيا، وفي هذا السياق قال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب أمام الجمعية العمومية البريطانية (البرلمان)، أن هذه العقوبات "رسالة واضحة من الشعب البريطاني لمن لطخت أيديهم بالدماء، لأتباع الطغاة والدكتاتوريين: لا يمكن لكم المجيء إلى هذا البلد لشراء منزل في شارع كينفزرود، وشراء هدايا الميلاد في نايتس بريدج، أو غسل أموالكم القذرة عبر المصارف البريطانية". في إشارة إلى أحياء لندن الفارهة التي تعد مقصداً للأجانب الأثرياء.
الوزير البريطاني أضاف موجهاً خطابه للسعوديين المتهمين بقتل خاشقجي قائلاً: "هؤلاء المواطنين السعوديين تورطوا بشكل مباشراً أو غير مباشر في القتل غير القانوني للصحافي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول عام 2018".
عضوة مجلس العموم البريطاني ليزا نادي: " ندعو إلى ملاحقة المجرمين الذين قتلوا جمال خاشقجي في إسطنبول عام 2018 ".
من جانبها قالت عضوة مجلس العموم البريطاني ليزا نادي: "ندعو إلى ملاحقة المجرمين الذين قتلوا جمال خاشقجي، وعلى المملكة المتحدة اتخاذ سياسة أكثر شدة تجاه السعودية والتوقف عن بيع الأسلحة لها"، وهو ما رفضته بريطانيا إذ ما زالت تزود السعودية بالأسلحة الفتاكة التي تستخدمها في قتل أبناء الشعب اليمني ظلماً وعدوانا.. وشددت نادي على انه يجب اتخاذ إجراءات ضد السعودية بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان ولخروقاتها في اليمن.
وإلى ذلك، فأن الخارجية البريطانية ذهبت إلى أبعد من ذلك بالقول "أن القحطاني – سعود القحطاني- خطط وأدار عملية قتل خاشقجي، مستعيناً بفريق من 15 شخصاً "كما قالت الخارجية أيضاً" أن عسيري تورط في قتل خاشقجي وكان مسؤولاً كبيراً ضمن فريق الاغتيال". وهذا ما يتنافى والمزاعم السعودية بتبرئة القحطاني والعسيري من عملية قتل خاشقجي، حيث أصدرت المحاكم السعودية التي تولت محاكمة المتهمين بقتل خاشقجي قراراً بتبرئة هذين المتهمين المذكورين واللذين تشير الأدلة الدافعة إلى أنهما المخططان والقائدان الأساسيان لعملية القتل بأمر من بن سلمان مباشرة.. وذلك ما يؤشر إلى أمرين في غاية الأهمية هما ما يلي:
1ـ عدم اعتراف الحكومة البريطانية بقرارات المحكمة السعودية الخاصة بتبرئة القحطاني والعسيري من تهمة قتل خاشقجي، وإقرارها بأنهما المتهمين الأساسيين في عملية قتل الصحفي السعودي.
2ـ إن هذا الإقرار يترتب عليه أمر في غاية الخطورة بالنسبة لبن سلمان، لأن اتهامها بالقتل يطال بن سلمان، لأنهما يتلقيان الأوامر من هذا الأخير مباشرة، وذلك يعني رسالة واضحة من الحكومة البريطانية، بأنه غير بعيد عن هذا الاتهام، وعن العقوبات التي يمكن أن تقدم عليها الحكومة البريطانية بحقه!
وقبل الولوج في بحث دوافع العقوبات البريطانية التي تعتبر رمزية، لكنها تعتبر في الوقت نفسه رسالة شديدة اللهجة لبن سلمان!! اسمحوا لنا أعزتنا القراء بالتوقف قليلاً مع بعض ردود الأفعال الأمريكية المتسقة مع العقوبات البريطانية بما يشير إلى ثمة تنسيق بين الحكومة البريطانية وتلك الأوساط الأمريكية في توجيه رسائل ضغط وتهديد لبن سلمان، كما سنوضح لاحقاً.
متزامناً مع العقوبات البريطانية، انبرت بعض الصحف الأمريكية، وعلى رأسها صحيفة الواشنطن بوست، إلى تبرئة محمد بن نايف من تهم الفساد، والى استعراض تاريخ تعاونه مع المخابرات الأمريكية السي آي أي في مواجهة تنظيم القاعدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وإشادة رئيس السي آي اي في ذلك الوقت جون برنيان بتعاون بن نايف مع المؤسسات الأمنية الأمريكية في ذلك الوقت .. ففي هذا السياق كتب الكاتب في ضحيفة الواشنطن بوست ديفيد إغنايتوس مقالاً مفصلاً ومطولاً، نشر ترجمته موقع صحيفة نون بوست في6تموز 2020، استعرض فيه تاريخ محمد بن نايف من صعود نجمه وحتى سقوطه واتهامه بالفساد من ولي العهد، وقد استحضر الكاتب شهادات مسؤولين في السي آي أي بما أسماه "نزاهة محمد بن نايف وعدم فساده" وبتعاونه مع الامريكان في مواجهة تنظيم القاعدة!! وذكر الكاتب وتقارير مفصلة، قال انها تؤكد ما يقوله اتباع بن نايف بأن الأخير لم يختلس الأموال، ولم يستغل عمله في مكافحة الإرهاب" باختلاس الأموال.. ونقل الكاتب عن مسؤولين سابقين في السي آي أي قولهم: "إنهم كانوا على علم بسيرة بن نايف على الحسابات السرية لمكافحة الإرهاب في ذلك الوقت وقد استخدموها للمساعدة في تمويل المشاريع الأمريكية السعودية المشتركة. وأوضح جون برينان، مدير وكالة المخابرات المركزية السابق الذي عمل بشكل وثيق مع بن نايف لأكثر من عقد، في مقابلة: وقع تزويد وزارة الداخلية بميزانية حتى يتمكنوا من بناء القدرات وتجنيد الأفراد وتطوير اتصالات أجهزة المخابرات الاختراق القاعدة. كان رأي عبد الله ـ الملك ـ انه كان عليه أن يستثمر في الأنشطة التي يقودها بن نايف الذي كان أحد المفضلين لديه".
ويقول الكاتب ديفيد إغنايتوس أيضاً ان برنيان تحدث عن الادعاء الذي علمته الصحيفة الأمريكية الواشنطن بوست من المقربين من بن سلمان، بأن بن نايف اختلس أموالاً من حسابات المخابرات، وقال برينان: "طوال فترة تعاملي مع بن نايف، لم يبدُ كأنه شخص متورط في نشاط فاسد أو كان يسرق المال" من جهته تحدث جورج تينت، الذي كان رئيس وكالة المخابرات المركزية عندما تكفل بن نايف بملف مكافحة الأرهاب في وزارة الداخلية سنة 2003، تحدث باعجاب عن بن نايف في مذكراته التي تحمل عنوان "في قلب العاصفة: في السنوات التي قضيتها في السي آي أي" والتي نشرت سنة 2007، ومما جاء في حديث تينت عن بن نايف قوله: " إنه شخص جعلنا نحمل له قدراً كبيراً من الثقة والاحترام، كما أن العديد من النجاحات في التخلص من تنظيم القاعدة في المملكة هي نتيجة جهوده الشجاعة"، على حد قول تينت.
والى جانب ما تقدم فان إغناتيوس تحدث مفصلاً في مقاله التفصيلي عن كيفية تعاون ولي العهد السعودي يومذاك الملك عبدالله، وكيف انه الاخير منح بن نايف ترخيصاً في كتابة الصكوك النقدية من أجل صرف الاموال الطائلة في مجال مكافحة تنظيم القاعدة، في محاولة واضحة لتبرئة بن نايف من تهم الفساد، ورد غير مباشر على بن سلمان بان تهمُه لبن سلمان بالفساد هي تهم باطلة وغير مقبولة!
يبد أن دخول بعض الأوساط الأمريكية على خط الدفاع عن بن نايف، إلى جانب الحكومة البريطانية يؤشر الى جملة معطيات في غاية الأهمية نذكر منها ما يلي:
أـ ان بريطانيا وبعض الأوساط الأمريكية دخلت على خط لصراع المحتدم داخل العائلة السعودية المالكة وبشكل علني، بعد أن كان سرياً ويجري هذا التدخل بهدوء وبنعومة غير محسوسة، فهذا التدخل يعني رسالة واضحة لبن سلمان ولي العهد، أن بريطانيا ومعها تلك الأوساط الأمريكية وعلى رأسها المخابرات المركزية السي آي اي لا تسمح لبن سلمان بتغيير الوقائع وإدارة الصراع على العرش بعيداً عن إرادة الحكومة البريطانية والأوساط الأمريكية، وإلا فأنها يمكن أن تقلب الطاولة على بن سلمان، وأولى النذر تأكيد الاتهام لمساعدي بن سلمان العسيري والقحطاني بمسؤوليتهما المباشرة عن جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، أي الاتهام لبن سلمان بشكل غير مباشر بالمسؤولية عن هذه الجريمة، كما ذكرنا، وبالتالي فإنه إذا مضى بن سلمان في توجيه ضرباته لمنافسيه على العرش، فأن الاتهام البريطاني له بقتل خاشقجي سوف يسد الطريق عليه للوصول إلى العرش، بمعنى أن بريطانيا لم تقف مكتوفة الأيدي وسوف تدافع عن عملائها والمقربين منها، وان تسمح لبن سلمان في تسقيطهم وتصفيتهم سياسياً مهما كلف الأمر.
ب ـ الرسائل المشار اليها، رسائل الانذار والتهديد لبن سلمان، من جانب البريطانيين وبعض الأوساط السياسية الأمريكية، تؤكد بما لا يقبل الشك والتردد، أن هؤلاء حسموا أمرهم بعدم قبولهم بصعود بن سلمان الى عرش المملكة، ليس لأن بن نايف أكثر عمالة وتعاوناً مع البريطانيين والسي آي أي في الدفاع عن المصالح الأمريكية والبريطانية في السعودية والمنطقة بشهادة وتقدير وافتخار بعض رؤساء السي آي اي، كما مر بنا.. ليس لأن بن نايف أكثر عمالة وحسب بل لأن بن سلمان طائش وأحمق وغير لائق لاعتلاء عرش المملكة، فالأوساط البريطانية وبعض من الأوساط الأمريكية رغم أنها تدرك أن بن سلمان قد يكون أكثر عمالة وخدمة للمصالح الأمريكية والبريطانية والصهيونية، ولكن خطره في إمكانية توريط الأمريكان والبريطانيين كبيرة، في مآزق وإحداث لا يرغبون في التورط بها من خلال حماقاته وقراراته الارتجالية، وانفعالاته الآنية التي تسببت لحد الآن في الكثير من الخسائر للغرب ولأمريكا، ومنها قراراته في شن حرب الأسعار ضد روسيا برفع إنتاج السعودي النفطي، ومنها ارتكابه الجرائم الوحشية والمذابح بحق الشعب اليمني المظلوم وإحراج الغربيين وحتى الامريكان أمام الرأي العام الغربي في الدول الأوربية وأمريكا، وانكشاف السقوط الأخلاقي للحكومات الغربية، والذي تسببت في موجات ردت الفعل والاحتجاجات الشعبية في الدول الغربية من أجل إيقاف تصدير وبيع الأسلحة الى السعودية لأنها تستخدمها بذبح الأطفال والنساء وكبار السن من الرجال في المدن اليمنية!
ومن المعلوم، أن البريطانيين ومعهم الأمريكيين أو بعضهم يريدون عميلاً عاقلاً غير متهور، لأن العميل العاقل يقدم لهم الخدمات الجلّية دون أن يسبب لهم الإحراج أو الخسائر.
وإذا كان البريطانيون ومعهم السي آي أي وأكثرية مجلس النواب الأمريكي ظلوا طيلة تلك الفترة يلوذون بالسكوت إزاء حماقات بن سلمان وسياساته المتهورة، أو في بعض الأحيان يكتفون بالانتقادات العابرة وأحيانا الخجولة، أو يكتفون أيضاً بالطلبات من الإدارة الأمريكية بردع بن سلمان ووضع حد لحماقاته، فكل ذلك لا يعني أنهم قبلوا بصعود بن سلمان، أو بخياره كملك للمملكة بعد غياب أبيه الملك سلمان، إنما لأنهم مجبرين على مماشاة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومماشاة اللوبي الصهيوني الذي يرى في بن سلمان الخيار المفضل للكيان الصهيوني في المنطقة ولخططه ومشاريعه العدوانية ضد القضية الفلسطينية وضد شعوب المنطقة.
ج ـ دفاع بعض الأوساط الأمريكية عن بن نايف، ثم التحذيرات والرسائل البريطانية لبن سلمان تؤكد بما لا يقبل الشك أن بمجرد زوال دعم الإدارة الأمريكية في البيت الأبيض، أي الرئيس ترامب وصهره اليهودي كوشنر، لبن سلمان الذي يعتبرونه بقرة حلوب تدر عليهم الأموال الطائلة، أو دجاجة تبيض لهم ذهباً، فأن الأوساط المشار إليها الرافضة لصعود بن سلمان للعرش، أي البريطانية وبعض الأمريكية لا تكتفي بمنع بن سلمان من الوصول إلى العرش فحسب، بل سوف تسارع إلى معاقبة هذا الطائش وقد تزج به في السجن أو حتى التصفية الجسدية.
د ـ إن التدخل البريطاني في تحذير بن سلمان من استمرار محاولاته النيل من بن نايف وباقي المقربين من الخط البريطاني من آل سعود، يكشف عمق القلق البريطاني وحتى الأمريكي من تفاقم الصراع داخل الأسرة السعودية الحاكمة، وتهديد هذا الصراع أن استمر في الاشتداد والتصعيد، تماسك تلك الأسرة واحتمالات تفجرها وتفكيكها من الداخل وبالتالي سقوط النظام السعودي، الأمر الذي يتسبب في توجيه ضربة للمصالح الأمريكية والبريطانية في المنطقة، لأن النظام السعودي يشكل الآن ركيزة أساسية من ركائز الاستعمارين البريطاني والأمريكي، وركيزة أساسية من ركائز توفير الأمن والاستقرار للكيان الصهيوني، وهذا ما اعترف به المسؤولون الصهاينة صراحة وفي أكثر من مناسبة. كما أن ترامب اعترف صراحة وقبله الكثير من المسؤولين الأمريكان اعترفوا بدفاع النظام السعودي عن المصالح الأمريكية والغربية والصهيونية بأمواله الطائلة والسخية، وبوضع ثروته النفطية الهائلة في خدمة مشاريع أمريكا وحلفائها المعادية للأمة، وفي مواجهة هذه الأمة وقضاياها المصيرية، خصوصاً القضية الفلسطينية التي يجري اليوم تصفيتها بأيادي سعودية إماراتية عبر صفقة ما يسمى بصفقة القرن، وبتمويل ودعم سعودي إماراتي بات مفضوحاً وعلنياً!!
ارسال التعليق