مكاسب "بن سلمان" من قعقعة هيكلية اقتصاد المملكة
[جمال حسن]
* جمال حسن
((ألف خطبة عن الدين لن تؤثر في وعي من لا يجد قوته اليومي وهو يرى بأم عينيه فساد الولاة)).. بضع كلمات تكفي لمن عاد في وجهه قليل من الحياء، لكن القائمين على الأمر في بلاد الذهب الأسود مجرمين لايفقهون معنى الحياء، واللصوصية ونهب ثروات البلاد تجذرت فيهم نسل بعد آخر.
تقول الطرفة: أن رجلا ألقى بنفسه من بناية شاهقة الارتفاع وبينما كان الرجل يتجه نحو الهاوية سأله أحدهم لماذا فعلت هذا فرد قائلا: حتى الآن كل شيء يسير على ما يرام!!..لا دليل يشير إلى صحة تفاؤل ذلك المنتحر أن كل شيء سيبقى على ما يرام بعد أن أصبح الارتطام بالقاع محتما.
وقال أحدهم: لقد بات أحد أهم أعمدة سلطة النظام السياسي السعودي، ألا وهو نظام "الريع الاقتصادي" للمملكة ومنذ بداية العهد السلماني مستحوذاً عليه من قبل الولد المدلل لسلمان المصاب بالزهايمر العضال، محتكراً شرعيته والتحكم به كلياً في ظل الظروف الاقتصادية العصيبة التي تمر بها البلاد.
ثم أن الانخفاض الحاد والمتقلب لأسعار النفط العالمية، الى جانب التكلفة العسكرية للحرب التي شنها النظام السعودي على اليمن ومنذ حوالي سبع سنوات، الى الأموال الطائلة التي يقدمها ولي العهد لبعض الأنظمة السلطوية الحليفة لدعمه في بلوغ العرش، زادت من وطأة العجز في ميزانية الدولة العامة لتزيد وتيرة الاقتراض المحلي والخارجي، إضافة الى السحب من الاحتياطات النقدية خلال الأعوام القليلة الماضية.
ويشير المراقبون الى أن سياسات آل سعود الخرقاء تحولت مع الوقت من الفشل في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية يمكن التكيف معه ومع نتائجه التي تثقل كاهل المواطن يوماً بعد آخر أكثر وأكثر، الى فشل وجودي يهدد الكيان السياسي للمملكة وليس فقط استمرار الأسرة الحاكمة حيث هي.
ويشدد المراقبون على أن "رؤية 2030" لأبن سلمان والتي جاءت بذريعة تنوع مصادر الدخل القائم على عوائد البترول، تضمنتها خطوات جذرية وسياسات تقشفية شديدة دفع ثمنها المواطن من لقمة عيشه ورفاهيته النسبية؛ باتت اليوم وأكثر من أي وقت مضى بعيدة كل البعد من التحقق رغم كل الأموال الطائلة التي وضعت من أجل تحقيقها في نيوم .
لا يمكن لأي نظام حاكم في العالم أن يتقدم اقتصاديا ويسعى للتخلص من الاعتماد المفرط على نظام "الريع" بدون وجود اصلاحات سياسية جذرية، خاصة ذلك النظام الذي يفتقد لأبسط منظومة حوكمة رشيدة تساعد على توجيه التنمية الاقتصادية والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، وتعزيز الشفافية وضمان تقليل الفساد والذي هو ركنه الركين .
ومن أجل تقريب الصورة نذكر القارئ الكريم بما حل بجزيرة "ناورو" في المحيط الهادئ والتي يقطنها (10.000) نسمة وكانت أغنى دولة في العالم عام 1970 باعتمادها على إنتاج الفوسفات، حصة كل فرد في الجزيرة 50000 دولار سنوياً دون أن يقوم بأدنى عمل.. لتضحى وبسبب السياسة الخاطئة للسلطة الحاكمة هناك تعتمد اليوم على المساعدات من استراليا مقابل ان تقوم بحجز المهاجرين غير الشرعيين على أراضيها .
سلطات "ناورو" وبدلاً من التوجه نحو بناء اقتصاد سليم عبر تشييد البنى التحتية من عوائد الفوسفات، أقدمت على إنفاق الاموال الضخمة على بناء الفنادق والمباني الفخمة واقامة الحفلات الموسيقية والاستثمار في الشركات الاوروبية والامريكية، ما دفعها بعد ذلك ومع نفاذ الاحتياطي للبلاد بالتوجه نحو الاقتراض والاستدانة وهنا حصلت الفاجعة.
لقد سعى النظام السعودي ومنذ قيام دويلته الثالثة في توظيف "الريع" المعتمد على تدفق عوائد النفط والسياحة الدينية، مقابل منحه الولاء السياسي والامتثال لقراراته من قبل القاعدة الشعبية، لأن ذلك يجنبه خيار صناديق الاقتراع، ويؤسس لعلاقة زبائنية بين الحاكم والمحكوم؛ بدلاً من السعي لاقتصاد منتج ومستدام .
من هذا المنطلق نرى أن الفساد تجذر في عروق القائمين على النظام الحاكم على أغنى بلد في العالم، وبات الفساد المستشري من قمة الهرم الى الدون أحد أهم معوقات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد ، وما حملت مكافحة الفساد التي يتشدق بها نجل سلمان بين الحين والآخر ضد المنافسين له على العرش سوى مسرحية هزيلة لإحكام قبضته على جميع الموارد المالية للمملكة .
لو عدنا الى "رؤية 2030" التي تبجح بها ولي عهد سلمان وأنفق المليارات من أجل الدعاية لها، نراها قائمة على نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية أي اقتصاد القطاع الخاص، فيما الحقيقة تجافي ذلك حيث النظام الحاكم حدد دور هذه الجهات بالتبعية لشركات السلطة القائمة، وإبعادها عن منافسة القطاعات التابعة لمحمد بن سلمان.
هذا ما تؤكده سياسة خصخصة القطاع العام من قبل القائمين على النظام السلماني الحاكم ليستحوذ على أهم مؤسسات القطاع الحكومي بشكل سلطوي بدلاً من إشراك القطاع الخاص، ففقدت خصوصية التنافس وبات الأمر كله من صغيره الى كبيره بيد السلطة الحاكمة التي أقرت من جانبها سياسة مضاعفة الضريبة المضافة والتقشف المفرط وقطع الدعم الحكومي للطاقة والمواد الغذائية والدوائية.
وما أن بدأت بوادر سماع قعقعة عظام هيكلية اقتصاد البلد تصدح وسط تنامي كبير في نسبة الفقر، وخوفاً من فقدان الثروة المنهوبة من لقمة عيش المواطن، حتى بادر محمد بن سلمان الى إصدار قرار حكومي باستثناء الشركات التابعة له من ضريبة القيمة المضافة لتسهيل تسويق منتوجاتها في السوق المحلية والاقليمية مستهدفاً بذلك القطاع الخاص ودفعه نحو الافلاس واتساع نطاق البطالة في البلاد.
فبعد مرور أكثر من خمس سنوات على إعلان "رؤية 2030"، حذر صندوق النقد الدولي الرياض من نضوب ثرواتها المالية ودخولها نفق الإفلاس. مشدداً الى أن أوقاتاً عصيبة تلوح في أفق الاقتصاد السعودي، ما يستدعي إجراءات مهمة لحماية كرامة الإنسان وتأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة للمواطن الذي بات يبحث عن لقمة عيشه في مزابل القصور الملكية.
في هذا الاطار كتبت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن السعودية تواجه أصعب وقت في عهد محمد بن سلمان ومشاريع رؤية ٢٠٣٠ حيث تزايد نسبة الصعوبات الاقتصادية والتحديات التي تواجه تحقيقها على أرض الواقع، وأن ديون المملكة ارتفعت بنسبة375% خلال السنوات الخمس الماضية.
وكالة "بلومبرغ" الاقتصادية أشارت الى أن الأوضاع المعيشية في السعودية باتت صعبة جداً في ظل سياسة التقشف التي تنتهجها الحكومة، وأن تكاليف المعيشة في السعودية قد ارتفعت إلى حد كبير في الآونة الأخيرة، الى جانب الصعوبات الكثيرة التي يواجهها الناس في تحصيل أرزاقهم.
مؤسسة النقد السعودي (البنك المركزي)، اعترفت مؤخراً إن احتياطيات البنك المركزي السعودي الخارجية وصلت بأسرع معدل لها في 20 عاما على الأقل، والى أدنى مستوياتها منذ عام 2011، وقالت إنها سجلت عجزا قدره 4.6 مليار ريال (1.23 مليار دولار) في الربع الثاني من العام الحالي.
وتزامن ذلك مع ما كشفت عنه التلغراف البريطانية من ان صندوق الاستثمارات السعودي اشترى حصة شركة سيارات مكلارين رغم تراجع مبيعات الشركة المذكورة بنسبة 60% وتكبدها خسائر كبيرة فيما توقعت وكالة موديز للتصنيف الائتماني أن يتسع العجز المالي السعودي أكثر من ذي قبل خلال العام الجاري .
ارسال التعليق