مللنا الصمت.. هل سينجح "المجلس التنسيقي" في مهمته
[جمال حسن]
"ما من مستبد سياسي إلا ويتخذ لنفسه صفة قدسية يشارك بها الله أو تعطيه مقامًا ذا علاقة بالله. ولا أقل من أن يتخذ بطانة من أهل الدين المستبدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله"- من كتاب (طبائع الاستبداد: 37- عبد الرحمن الكواكبي).
واليوم فقد أُلبست الفكرة مظهراً أكثر أي "الحاكم الراشد والقائد الأوحد والزعيم المنقذ"، حيث لا يحق لأحد الخروج على هذا الحاكم أو معارضته؛ وكلمته هي الحكمة وصلاح المجتمع. ومن هنا تتولد لدى الشعوب مثل هذه الأفكار المنحرفة والمزيفة والمتملقة من قبل الحواشي ووعاظ البلاط بخصوص سمو مكانة الحاكم عن سائر المجتمع، ومن هنا يبدأ المجتمع بإعطاء الحق للحاكم باحتكار السلطة في شخصه وزواله منوط بزوال السلطة والدولة.
وهذا ما تتبعه الأنظمة المستبدة بالحرف الواحد لجعل صورة البلد من شعب وأرض ودولة في شخص الحاكم، وأبواقها تبدأ بترسيخ الفكرة في أذهان العامة من أن بقاء الدولة واستقرارها يتمثل في إبقاء الحاكم على عرشه وممارسة سلطته "المطلقة". وهو ما كان قائم في العصور الأوروبية الوسطى، ليصبح اليوم مستقراً في البلدان العربية تتقدمها الأنظمة الخليجية خطوات في هذا المجال.
فانقسمت شعوبنا الى قسمين: حكام ومحكومين، تعد الفئة الأولى (الحاكم) ذات إرادة حرة تحدد نفسها بنفسها غير خاضعة لتقيد، والفئة الأخرى (المحكومين) والتي تخضع للحكام وتتقيد وتتحدد وفقًا لمشيئة الحاكم المستبد الذي جاء بقوة السيف أو دعم المؤسسة الدينية كما هو الحال في بلاد الحرمين الشريفين.
آنذاك لم يعد بمقدور الشارع النهوض لتغيير الواقع كونه منقسم هو الآخر الى فئتين: واعية شجاعة وأخرى ساذجة مغلوب على أمرها تتقبل كل شروط السلطة المتفرعنة والمتعطشة لدماء الفئة الأولى ولم تنبس بشفة خوفاً على حياتها ومصيرها المقتوم، فيما القسم الأول يواصل مسيرته دون فزعٍ أو خوف على حياته من السلطة ومرتزقتها.
هكذا شعوب لم ولن تبلغ ساحل البر والأمان ما لم يتكاتف ويتعاضد الجميع معاً من صغيره حتى كبيره ومن مثقفه حتى بسيطه لينهضوا نهضة واحدة من أجل التغيير نحو العدل والقسط والمساواة والحرية وقوله تعالى "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ"- الرعد:11، كما هو حال شعب بلاد الحرمين.
ولطالما لا نزال نخاف السلطة القمعية المتجبرة ونهابها ونصدق أكاذيب وسائل اعلامها وذبابها الإلكتروني ووعاظ بلاطها فسنبقى من المغضوب عليهم من قبل السلطة الحاكمة التي ترى من حقها التصرف بكل مقدراتنا وثرواتنا وتراثنا ومعتقداتنا وأصولنا الاجتماعية والدينية، وتأخذ بناصيتنا حيث تشاء، فتارة تقدمنا قرابين بالآلاف نحو حروبها التكفيرية بالوكالة أو عدوانها على الجار الشقيق الفقير العربي المسلم، وأخرى تزج بخيرة شبابنا وعلمائنا ومفكرينا في غياهب سجونها لم يعرف أحداً عن مصيرهم.
حتى المناشدات الدولية لم تعد تفي بالمطلوب والنظام السعودي لم يعيرها أدنى اهتمام مواصلاً حملاته القمع في اعتقال عشرات الناشطين والإعلاميين والأكاديميين وحتى المتظاهرين السلميين، يموت العديد منهم تحت التعذيب الجسدي والنفسي وآخرين بسيف الحرابة تحت طائلة "الخروج على الولي" ذلك الحاكم المستبد الذي سرق السلطة ونصب نفسه حاكماً بدعم الاستعمار البريطاني الخبيث الطامع في مقدراتنا وثرواتنا.
فلم يعد يوم إلا ونسمع فيه أنباء عن دعوات تطلقها منظمة العفو الدولية وعشرات المنظمات المعنية بحقوق الانسان الناشطة في العالم، الى سلطات الرياض الوقحة بالإفراج الفوري عن سجناء الرأي خاصة المسنين منهم في ظل المخاطر الكبيرة التي يواجهها المعتقلين جراء تكدسهم في عنابير السجون وتفشي جائحة كورونا "كوفيد 19"، وسط فقدان الظروف الصحية اللازمة والآلاف منهم في انتظار المحاكمة.
السياسة القمعية للنظام السعودي لم تعد خافية وقباحتها تجاوزت حدود البلاد ولم يعد هناك مأمن لمعارضي العهد السلماني حتى في البلدان الغربية ناهيك عن العربية والآسيوية منها، وتقطيع جمال خاشقجي بالمنشار في القنصلية السعودية بإسطنبول خير دليل، ما دعى الى ارتفاع الأصوات بضرورة التخلص من السلطة الحاكمة الحالية في البلاد.
وفي هذا الاطار كتبت "أنيل شيلين" الكاتبة والباحثة في برنامج الشرق الأوسط في "معهد كوينسي" الأمريكي في مقال لها نشرته مجلة "أمريكان كونسيرفيتف" تقول "إن السعودية أثبتت على مدى عقود أنها شريك محرج، وأن الرياض قامت بزرع بذور التطرف التي أدت الى هجمات الحادي عشر من سبتمبر وما يعانيه اليوم الشرق الأوسط من قتل ودمار على الهوية المذهبية".
ونقلت وكالة رويترز عن مراقبين وباحثين أمريكيين قولهم: "إن وجود الجيش الأمريكي في السعودية، سيؤدي الى استمرار عداء السكان المحبطين من الحكام الفاسدين والمستبدين والمرتزقة، والولايات المتحدة ليست مضطرة الى تعريض أمنها القومي ومصالحها في المنطقة للخطر مقابل حفنة من الدولارات التي يقدمها سلمان ونجله المنشار اليها".
ويبدو أن السلطات السعودية بدأت تستشعر الخطر من تغيير مفاجئ في السياسة الأمريكية تجاهها، خصوصا بعد قرار واشنطن الذي إتخذه ترامب على مضض بسحب بطاريات باتريوت من أراضيها، وسحب جنود أمريكيين من هناك، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال.
هذا الخطر دفع الى أن يجن جنون محمد بن سلمان ويزداد تخوفه حتى من المحيطين به من أبناء الأسرة الحاكمة فما كان منه الى أن بدأ بانقلاب جديد على أخوته وأبناء عمومته وأعمامه وغيرهم بتوجيه تهم مختلفة بين التخطيط للإنقلاب عليه وبين الاتهام بالفساد وسرقة بيت المال وأنباء ترف وبذخ وسرقات ونهب ثروات البلد من قبل طفل سلمان المدلل تملأ الفضائيات ووسائل الاعلام الغربية والعربية.
ففي إجراء جديد كشفت عنه صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية نقلاً عن مصادر أمريكية سعودية رفيعة المستوى، أن لجنة مكافحة الفساد التابعة لولي العهد السعودي توشك على الانتهاء من تحقيق مفصل في مزاعم فساد وخيانة بحق أبن عمه ولي العهد السابق محمد بن نايف بتهمة الاستيلاء على 15 مليار دولار عندما كان يدير برامج خاصة بمكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية، اعتبرتها الأوساط بأنها "آخر فصول استهداف وتصفية محمد بن نايف السياسية، وربما الجسدية عبر قرار قضائي، ليكون عبرة لسائر أعضاء الأسرة الحاكمة".
والواقع أن محمد بن نايف لم يكن هو وحده من واجه ضغوطا ومضايقات كهذه في أوساط آل سعود؛ فقد سبق لنجل سلمان أن شن حملة اعتقالات عام 2017 للعشرات من رموز العائلة الحاكمة، إضافة الى وزراء ورجال أعمال، وأحتجزهم جميعا في فندق ريتز كارلتون في الرياض، تم بعدها توجيه اتهامات لهم بالفساد والكسب غير المشروع لعدد كبير منهم، وتم التوصل الى تسويات مالية مع بعضهم ابتزهم الأرعن بأكثر من 100 مليار دولار من المعتقلين ونقلها الى حساباته الخاصة.
وقبل أيام اعلن الناشط المعارض عبدالرحمن السهيمي عن تشكيل مجلس تنسيقي للمعارضة السعودية بهدف إزاحة محمد بن سلمان عن ولاية العهد، كاشفاً من أن المجلس هذا يضم ثمانية عشر عضوا بينهم عدة أمراء وان عمله سيقتصر على مراسلات لدول العالم والهيئات الرسمية والدولية، مشيرا الى انه تمت مخاطبة البرلمانات الاسلامية ودول مجلس التعاون وأعضاء بالكونغرس الامريكي والبرلمان الاوروبي.
وقال: "نشعر أن البلد أصبح في وضع خطير حيث عادت الدولة لتنافس المواطن في رزقه وقوت عياله، وذلك نتيجة لخوضها حروبا لا طائل منها في اليمن حيث تستنزف المليارات وفي دعم الأكراد ضد تركيا، ودعم المجموعات المسلحة في كل من العراق وسوريا".
ارسال التعليق