من أجل وصوله للعرش..بن سلمان يواصل حملات القمع والاعتقالات
[عبد العزيز المكي]
بينما يشتغل العالم بفيروس كورونا، وكيفية معالجته، والحد من انتشاره وفتكه بالمجتمعات البشرية، يواصل نظام ال سعود بقيادة الطائش محمد بن سلمان قمعه وملاحقاته للمعارضين والناشطين داخل وخارج البلاد، ففي هذا السياق وبعد موجة الاعتقالات الأخيرة التي طالت كبراء الامراء في العائلة المالكة، ومنهم عم هذا الطائش، الأمير أحمد بن عبدالعزيز، وولي العهد السابق، وزير الداخلية السابق الأمير محمد بن نايف بالاضافة الى أكثر من 800 من الضباط والعسكريين في الجيش والحرس الوطني.. بعد هذه الموجة من الاعتقالات...أكد حساب "معتقلي الرأي "المعني بشؤون المعتقلين السياسيين في بلاد الحرمين، تنفيذ سلطات ال سعود حملة إعتقالات جديدة بصفوف معارضي ابن سلمان وأكد الحساب المذكور في 1/4/2020 في تغريدات له على تويتر ان سلطات ولي العهد شنت حملة إعتقالات طالت عدداً كبيراً من الناشطين في المجال الإعلامي المعروف منصور الرقيبة وآخرين.
ولفت حساب (معتقلي الرأي) إلى أنه مع حلول أبريل 2020 يكون قد مر عام تقريباً على إعتقال العديد من الناشطين والصحفيين تعسفياً، ومنهم عبد الله الشهري ورضا البوري وعلى الصفارة وفهد أبا الخيل.
وإذ يحاول بن سلمان إعطاء إنطباع، أو توجيه رسائل تحذير وتخويف وحتى رعب لمعارضيه في الداخل والخارج وحتى من أوساط العائلة الحاكمة منهم، بأن دعائم حكمه قوية وانه لن يسمح لكل من تسوّل له نفسه الاعتراض أو التصدي لحكمه فإنه سيكون له بالمرصاد!!
نقول إذ يحاول بن سلمان توجيه تلك الرسائل أو غيرها.. فأن هذه الاعتقالات تؤشر، بل تؤكد جملة معطيات مهمة نذكر منها ما يلي:-
1ـ بعكس ما يريد بن سلمان الإيحاء به، من هذه الاعتقالات، من أن الوضع مستقر في البلاد وان سلطته تتوطد يوماً بعد آخر، فأنها أي هذه الاعتقالات في البلاد غير مستقرة، وان مظاهر الرفض لحكم بن سلمان تزداد وتتسع يوماً بعد آخر، وذلك ما أكدته وتؤكده باستمرار التقارير والتحاليل التي تطل بها علينا بعض الاوساط الصحفية والأعلامية الغربية بين الحين والآخر، فهذه الأوساط الى الآن تؤكد وباستمرار على ان بن سلمان سيكون، بل أصبح بسياساته العامل الاساسي في تآكل نظام آل سعود وسقوطه، اكثر من ذلك اعتبرت بعض من الأوساط المذكورة ان هذا النظام في ظل الملك سلمان وابنه يعيش أيامه الأخيرة.. لأن بن سلمان هشم أو قوض الركائز الأساسية لاستقرار واستمرارية هذا النظام، ومنها الأجماع والتوافق داخل أوساط الأسرة الحاكمة، فبن سلمان وجه ضربة عنيفة لهذا التوافق، وبالتالي لاستقرار العائلة المالكة من خلال اعتقالاته الماضية للعشرات من الأمراء البارزين، والتنكيل بهم والسيطرة على ثرواتهم وممتلكاتهم واذلالهم!! وتوج بن سلمان هذا الإذلال باعتقالاته الأخيرة التي طالت اكثر من عشرين أميراً على رأسهم شقيق الملك سلمان، الأمير أحمد بن عبدالعزيز المرشح الأقوى لعرش، وأيضاً الأمير محمد بن نايف ولي العهد ووزير الداخلية السابق.. وفي هذا السياق يقول بعض المحللين الغربيين " تشير الاعتقالات والتوترات المتصاعدة داخل الأسرة الحاكمة الى إنهيار ركيزة ثنائية أساسية من ركائز الاستقرار البلاد، تقوم على " الاجماع "و " البيعة "، حيث يختار مجلس الأسرة الملك بالأجماع على الرغم من بعض التذمر بين أفراد العائلة المالكة المعارضين بشكل معتدل، وبمجرد اختيار الملك تعلن العائلة باكملها الولاء له. في الحالات الشديدة من سوء التصرف أو عدم الكفاءة، يزيل مجلس الأسرة الملك من منصبه، كما كان الحال مع الملك سعود بن عبدالعزيز في عام 1964 ". لكن بن سلمان ضرب هذا الركن الاساسي لاستقرار نظام العائلة الحاكمة، باستخدام القمع والقوة في إخضاع العائلة وكافة امراءها لأوامره وطموحاته فقوض الأجماع داخل تلك العائلة، وهشم عرى تماسكها، ولذلك يقول بعض المحللين والمراقبين الغربيين بهذا الصدد..
" .. من المرجح أن يحكم المؤرخون المستقبليون بأن أفعال وسياسات بن سلمان القائمة على عدم الخبرة والمعرفة الضعيفة بتكوينات القوى الإقليمية والدولية، قد قوضت وحدة العائلة السعودية " عائلة آل سعود" وتماسكها، وقلبت عملية خلافة العرش، كما تخلت عن صيغة الإجماع والبيعة، واستبعدت السياسة الخارجية الهادئة، وقوضت المحركات الرئيسية للاستقرار المحلي. لقد أدى صعود بن سلمان الى السلطة في الواقع الى زعزعة استقرار بلاده وبالتالي سيطرة آل سعود ".
وفي السياق ذاته كتبت الدكتورة مضاوي الرشيد الأستاذة الزائرة بمركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد مقالاً لمؤسسة كارنيغي في 4/أبريل/2020، قالت فيه " تعكس موجة الاعتقالات بحق أمراء وموظفين مدنيين رفيعي المستوى قلق محمد بن سلمان المتزايد.." وأشارت الدكتورة الرشيد الى تفاقم الخلافات داخل الأسرة المالكة، والى عدم استسلامها لهيمنة آل سلمان على السلطة، مؤكدة ان الخوف والهلع هو الذي يدفع بابن سلمان الى هذا القمع وحملات الاعتقالات المتواصلة.. قائلة: " من المرجح أن يواصل ابن سلمان حملة الاعتقالات العشوائية هذه بسبب مشاعر الخوف والارتياب التي تتملكه. لقد فشل في الحفاظ على توافق العائلة المالكة حيال سياسات قوضت التقليد الذي كان قائماً في السابق على تقاسم السلطة بين الفروع البارزة لآل سعود. لم تتوقع أسرة آل عبدالله وآل نايف وآل سلطان وآل فهد وغيرها من الأسر التي لعبت دوراً أساسياً في سياسات المملكة وادارة الدولة لأكثر من نصف قرن أن تتحول المملكة الى " مملكة سلمان " في عهد الملك سلمان " أما الركائز الأساسية الأخرى لنظام آل سعود والتي ساهمت في استمرارية هذا النظام وبقائه جاثماً على صدور أبناء البلاد، فهي السياسة الخارجية الهادئة وعلاقات حسن الجوار ظاهرياً، والشراكة التكافلية بين آل سعود والمؤسسة الدينية الوهابية السلفية التي يحكم وفقها آل سعود كما يحلو لهم، مع ترك رجال الدين السلفيين يقودون بوصلة المجتمع الأخلاقية، بالإضافة إلى العلاقة الأمنية والاقتصادية والنفطية والسياسية وعلى كل الأصعدة مع الولايات المتحدة، وكل هذه الأسس وغيرها بالإضافة إلى التماسك داخل أسرة ال سعود الحاكمة، زلزلها بن سلمان وسبب لها ارتجاجاً، أو حتى تهشيما، فتدخلات نظام ال سعود في شؤون الآخرين، وتخندقه، في الخندق الأول ليكون رأس حربة المشروع الأمريكي الصهيوني الغربي في المنطقة ضد المنطقة وشعوبها العربية والإسلامية وقيمها وحضارتها، خصوصاً في عهد بن سلمان وأبيه سلمان، كشف حقيقة هذا النظام الدموي، تسبب ذلك كما قلنا في تصدع قوائم هذا النظام للدرجة التي بات الخبراء والمحللين الغربيين، مثلما اشرنا في البداية، يتوقعون بجدية وإصرار، بانتهاء النظام وسقوطه المدوي، ولذلك فأن حملة هذه الاعتقالات، انما تكشف تفاقم الخوف والهلع عند جميع أمراء العائلة الحاكمة، وليس عند بن سلمان وجوقته فحسب.
2ـ وكما ذكرنا في النقطة الأولى، ان مظاهر عدم استقرار الوضع الداخلي في المملكة، يغذيها باستمرار، إصرار بن سلمان على المضي قدماً في سياساته الخاطئة فبدلاً من رأيه الصدع العميق الذي أوجده داخل الأسرة، قام بتعميقه وجعله غائراً في أعماق أوساطها، بالاعتقالات الجديدة، وبدلاً من جبر خواطر الناس في البلاد، ومحاولة احتوائه مظاهر التذمر والغضب التي أثارها في أوساط المجتمع داخل البلاد واصل بن سلمان سياساته الاقتصادية والخارجية والعسكرية والأمنية والأخلاقية الطائشة، والتي أوجدت شروخاً كبيرة في بنية المجتمع هناك، وولدت ضغوطاً هائلة على المواطن داخل البلاد، بات لا يطيقها لأنها اكبر من طاقته، وهو الذي تعود على الاستقرار والسكينة والعيش في بحبوحة من الرفاه، وان كانت هذه البحبوحة متوفرة لقطاع معين من المجتمع، لكن اليوم كل إفراد هذا المجتمع يعانون بسبب المعاناة اليومية والمتفاقمة نتيجة الحصاد المستمر للنظام السلماني، من الخسائر العسكرية والاخلاقية والاقتصادية وعلى كل الأصعدة !!
3ـ شكلت الضغوط، التي يعاني منها المواطن في البلاد وبشكل يومي، كما أشرنا، حافزاً قوياً للتحرك ضد نظام ال سعود، ففيما كان المواطن يتردد كثيراً في التعبير عن غضبه ورأيه المعارض للنظام، لبن سلمان تحديداً، فأنه اليوم ونتيجة لانكسار وتهشيم الحواجز النفسية، أصبح هذا المواطن اكثر جرأة وتحدياً للنظام، وهذا ما تكشفه تحركات بعض القبائل ولأول مرة ضد نظام ال سعود، فمثلاً بن سلمان زج بالسجن، واعتقل رئيس عشيرة عتيبة لمجرد أنه إنتقد انفتاح بن سلمان وسياساته الترفيهية، التي شكلت إهانة للقيم الاسلامية للمجتمع الاسلامي في بلاد الحرمين، وتحدياً لمشاعره وحضارته والتزامه الاسلامي والأخلاقي.. وهكذا بالنسبة للأمور الأخرى، سيما فيما يخص العدوان على الشعب اليمني الذي أكل الأخضر واليابس في هذا البلد الفقير، وترك آثاراً مدمرة على شعب المملكة، جعل الأوضاع في هذه المملكة لا تطاق! وعليه، فأن موجة الاعتقالات الجديدة واستمرار تصاعد قمع بن سلمان للمواطنين هناك هو انعكاس لتنامي ظاهرة الرفض الجماهيري داخل البلاد لهذه السياسات الطائشة لهذا الشاب الاحمق الذي يقول الكاتب البريطاني ديفيد هيرست في اكثر من مقال له انتشر في الصحف البريطانية في الآونة الأخيرة، ان بن سلمان يقود المملكة السعودية الى المهلكة !
4ـ وبما ان هذه الاعتقالات تؤكد اتساع وتنامي الرفض الجماهيري في البلاد، فأنها في نفس الوقت تؤكد ضعف نظام ال سعود، فهذا النظام بالأساس فُرض على شعب الجزيرة العربية بواسطة البريطانيين كما يعرف الجميع، في بداية القرن المنصرم، ولم يكن منتخباً، أو وليداً لمعاناة الشعب هناك ولطموحاته السياسية والاجتماعية لكن مع مرور هذا التسلط أسبغ على نفسه "مشروعية تاريخية" وحتى دينية من خلال الحماية الاستعمارية له، أولاً، ومن خلال التحالف مع الوهابية السلفية التكفيرية ثانياً. ثم جاءت الفورة النفطية لتمنح هذا النظام الأموال الطائلة، فوطد بها نفسه من خلال شراء الولاءات الداخلية والأقليمية وحتى الدولية، ما منح ذلك النظام تأييداً وثقلاً أقليمياً ودولياً، ومنحه التحكم بالمنظمات الاقليمية والاسلامية من خلال تحويلها الى أدوات ووسائل لتكريس هذا التأييد وهذا الثقل، من خلال عملية التمويل والدعم لهذه المنظمات كمنظمة التعاون الاسلامي وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، وحتى منظمة الأمم المتحدة، او هيئة الأمم المتحدة، التي اضطرت في العام الماضي الى وضع السعودية على قائمة انتهاك حقوق الانسان في اليمن، وثم رفعتها من القائمة بعد 72 ساعة على أثر تهديدها للمنظمة الدولية بقطع المساهمات السعودية المالية في رفد مشاريع المنظمة!! غير ان هذه الهيمنة السعودية على تلك المنظمات وعلى الكثير من الانظمة العربية والاسلامية والتأثير عليها، أو التحكم والتدخل بقراراتها ومواقفها لصالح نظام ال سعود والتي ظلت متواصلة طيلة العقود الماضية.. تصدعت الى حد كبير في الآونة الأخيرة، فرغم الأموال الطائلة التي يسديها بن سلمان لهذه الاوساط المذكورة لشراء مواقفها وولاءاتها، الّا أنها وجدت نفسها مضطرة للاشارة الى الحقيقة حول تطورات الأوضاع في المملكة تخلصاً من الاحراج أمام الرأي العام ان هي سكتت عن الحقيقة، ولأن نظام ال سعود بات ضعيفاً ومتصدع الأركان نتيجة سياسات بن سلمان الطائشة.
5ـ أن تطال الاعتقالات الأوساط الإعلامية داخل بلاد الحرمين فهذه ليست المرة الأولى، التي يقدم عليها النظام في مواجهة هذا القطاع منذ نشوئه وحتى اليوم، ولأن بيت النظام من زجاج فهو يعتقد ان أي حجارة تصله من اعلامي أو من صحيفة سوف تؤدي الى تصدع جدران هذا البيت ولذلك فهو يتحسس الى حد الهستيريا من الاعلام المضاد، ولذلك يسارع الى شراء ولاء هذا الاعلامي أو تلك الصحيفة حتى ولو كانا في أقاصي الدنيا من أجل إسكاتهم وتحويلهما الى مناصرين له، وعلى خلفية هذا الخوف والهلع خطف وقتل المعارض والسياسي والاعلامي المناضل ناصر السعيد، وكذلك قتل واغتال الصحفي المخضرم جمال خاشقجي الذي خدم النظام لأربعين سنة، وعشرات بل مئات الاعلاميين والسياسيين صفوا أو ضعيوا من قبل أجهزة نظام ال سعود في الفترة بين تصفية ناصر السعيد وحتى تصفية جمال خاشقجي.. ومع ذلك فأن الاعتقالات الأخيرة التي طالت الوسط الاعلامي لا تؤشر فقط الى ضعف نظام بن سلمان واهتزاز اركانه كما مر بنا، والى خوف هذا النظام وهلعه فحسب.. بل أنها تؤشر الى حقيقة في غاية الأهمية والخطورة أيضاً، وهي تنامي الوعي عند هذا الوسط، بحيث بات يتحدى النظام ويكسر عقبتين أمامه في هذا التحدي، كانا يحولان دون جرأة هذا الوسط على التفوه بكلمة إعتراض ضد النظام أو خلاف رغباته وتوجهاته والعقبتان هما:
أولا: ان الأموال التي تعتبر او كانت تعتبر السلاح الفتاك الذي يسكت به النظام هذه الاوساط ويحولها الى مؤيدة له، باتت غير مجدية ولا تؤثر في الاوساط الإعلامية المحلية، لأن هذه الاوساط رأت في السكوت عن جرائم واخفاقات بن سلمان وما جره على الشعب في البلاد من ويلات ومصائب، إنما خيانة للشعب وسقوط اخلاقي ومهني مروع..
وثانياً: ان هذا الوسط بات يدرك، انه مهما كانت الأموال والرشى التي يقدمها النظام، فليس ممكناً السكوت والتغريد خارج السرب، لأن هناك تحرك اجتماعي وقبلي وسياسي معارض لهذا المراهق، فليس من المعقول البقاء خارج هذه الموجه الاجتماعية من التحرك حتى لو كانت الأموال مغرية، ذلك ان حواجز الخوف قد تحطمت، وان الحقائق قد اتضحت ولا فائدة من التستر على جرائم النظام التي باتت تطال كل مفاصل البلاد وتحرق بلهيبها كل التفاصيل في حياة الشعب في تلك المملكة.. ما يعني ذلك كله ان هذه الاعتقالات وممارسات القمع بعكس ما يرها بن سلمان من أنها تمكنه من السيطرة على الوضع، فأنها تزيد من ادراك الشعب ووعيه في البلاد بأنه لابد من استمرار التحدي والتصدي لهذا النظام النزق لوضع حد لسياساته الحمقاء، وهذا الأمر هو الذي جعل الكثير من المحللين والخبراء الغربيين يقرون ويعلنون في تحليلاتهم وفي مقالاتهم بان بن سلمان يقود البلاد والعباد إلى الهاوية وسوء المصير !
ارسال التعليق