من أمن العقاب أساء الأدب.. السلمانية والتمادي في الإجرام
[حسن العمري]
ليس بجديد أن نرى طاغية سجله مليء بالإجرام وصفحات تاريخه حمراء بلون الدم، لكن ما تشهده المملكة خلال الأعوام القليلة الماضية فاق حد التصور من البطش والتنكيل والإجرام والدموية سجل كل طغاة العالم على مرّ العصور، فالعهد السلماني يختلف بكثير من أشكال الطغيان وأساليبه التي شهدها السجل البشري وعزز الحقيقة الثابتة من "أن الطغاة هم سبب تخلف الأمم ودمار الشعوب وخراب العمران وجالبو الحروب وسافكو الدماء البريئة، يهلكون الحرث والنسل سواء دون أن تغمض لهم عين أو يرتجف لهم جفن".
مراقبون سياسيون يؤكدون أن نظام ال سعود بات اليوم أداة قمعية ليس في داخل بلاد الحجاز فحسب بل تطال يده المعارضة في الخارج أيضاً ولم يردعه ردود فعل الرأي العام العالمي بخصوص تنشيره وتقطيعه للكاتب والصحفي الشهير جمال خاشقجي في قنصلية آل سعود بإسطنبول في 2 أكتوبر عام 2018، وقد حول سلمان ونجله الأرعن كل المملكة الى سجن كبير يضم 25 مليون نسمة مستخدماً مال البترول واتفاقيات توريد الأسلحة لجلب الدعم الأجنبي وردع كل موقف أممي يدان فيه أو مطالبة بتقديمه الى محكمة العدل الدولية لما يقوم به من إجرام وقح.
باتت قساوة وبطش وطيش العهد السلماني مكشوفة سواء في داخل البلاد أو خارجها.. فسجون المملكة مملوءة بأكثر من خمسين ألف ناشط وعالم ومفكر وداعية وأستاذ جامعة ومتظاهر مسالم لم يعرف عن مصير غالبيتهم، فيما نسمع بين الحين والآخر عن وجبة تقدم قرابين وأضاحي تحت للحد بسيف الحرابة تحت طائلة "الخروج على الولي" أو موت أحد كبار المعارضين لسلطة آل سعود على بلاد الحرمين الشريفين في ظروف غامضة؛ بعد أن يختار ولي عهد آل سعود ضحاياه بكل دقة وعناية لإخراجهم من المشهد السياسي وما شيخ الحقوقيين أبو بلال عبد الله الحامد آخر ضحاياه رغم أنه يبلغ من العمر سبعون عاماً، ليقف المنشار متلذداً برؤية هذا الشيخ الكبير الطاعن في السن وهو يُصارع الموت لتنتهي حياته في المستشفى بعد فوات الأوان.
يقول العلامة عبد الرحمن الكواكبي: "الطاغية هو الوجه الآخر للسلطة، حيث يتحول الحاكم الى الممثل الأوحد للسلطة فيحتكرها، فتصبح سيادة الدولة هي سيادة الحاكم. وليس هذا فحسب، بل يبدأ الحاكم في ترسيخ تلك الفكرة في أذهان العامة، بأنه ذو طبيعة تعلو على طبيعتهم، فألصق الحاكم بنفسه صفة الإله في الحضارات القديمة (المصرية، اليونانية، البابلية، والفارسية)، وقد رسخت تلك الفكرة في أذهان شعوبها فألصقوا بالحاكم صفة الإله صراحة”.
اتهمت المعارضةُ السعودية ووجهت بصورة واضح أصابع الإتهام صوب محمد بن سلمان ومسؤوليته المباشرة عن وفاة الدكتور عبدالله الحامد في المعتقل، وقالت: أن "تفاصيل الأحداث خلال الأيام والساعات الأخيرة التي سبقت إعلان وفاة الحامد تؤكد اَنه تعرض الى عملية تصفية، أنها "إغتيال سياسي" بوضح النهار لأبرز قيادات ورموز الاصلاح في المملكة ومؤسس حركة الحقوق المدنية والسياسية "حسم"، بأمر من ولي عهد آل سعود.. وذلك لأنه قال مقولته الشهيرة "لا صاحب سمو ولا صاحب دنو في الإسلام"، الى جانب مطالبته بملكية دستورية وانتخابات ديمقراطية في المملكة؛ مشيرة الى أن المعتقل الحامد وموسى القرني الذي تعرض هو الآخر الى جلطة دماغية أورثته حالة مرضية سيئة تسببت بدخوله مستشفى الأمراض العقلية، وكذا سعود الهاشمي ربما سيكونان في مسلسل عملية التصفية الجسدية للمعارضين في السجون، حيث يتعرض هو الآخر للإهمال الطبي والإيذاء النفسي.
أجهزة الاستخبارات الأجنبية تشير إلى نوايا خبيثة يكنها آل سعود خاصة محمد بن سلمان الى المعارضة في خارج المملكة ناهيك عن أولئك المحتجزين في قعر السجون، حيث شهدت الساحة العربية والغربية العديد من هذه المحاولات نجحت منها مثل اغتيال المعارض الشهير ناصر السعيد بعد اختطافه في بيروت عام 1979و تمّ التخلص منه في لبنان بعد اختطافه بأمر من الأمير فهد ورمي جثمانه من طائرة على السواحل اللبنانية - وفق ما كشف الحارس البريطاني لأمراء آل سعود "مارك يونق" بعد ثلاثة عقود على الحادثة.. وصولاً إلى الدكتور الحامد ومن قبله المعارض عبد الرحيم الحويطي الذي قتلته قوات أمن "بن سلمان" بوضح النهار لرفضه إخلاء منزله لصالح مشروع "نيوم" المزعوم، ومروراً بجمال خاشقجي وغيره الذين تم تصفيتهم تحت مسميات مختلفة في المنطقة الشرقية والمدينة المنورة والقصيم وجدة والرياض خلال الأعوام الأخيرة الماضية.
المعارضة السعودية المنتشرة في الخارج كلها مهددة بمحاولات الاغتيال والقتل بآلة آل سعود الجهنمية التي تمتلك تغطيات غربية ومكرمات ورشی تستطيع ان تلغي أي تداعيات سياسية أو إعلامية على الإجرام، وفق المعطيات على الأرض حيث هناك حكماً في السعودية يتعامل مع الاغتيالات في الدول الغربية بواقع المرحلة السياسية التي تمر بها تلك الدول، فيما يشدد مراقبون أنه ليس هناك أي شخص أو مؤسسة يمكن أن يدعي وجود جمعيات أو نقابات المملكة تحافظ علی مصالح البلاد أو أن تكون انتخابات حرة لتؤكد بأن السعودية ما تزال تعيش قبل القرن العشرين.
الديكتاتور، هو الشخص الذي يتولى جميع السلطات في الدولة، تخول إليه جميع المهام ويعطل القانون ويفرض سيطرته على جميع شئون البلاد، فلا يعتبر لدستور ولا لإرادة الشعب ويجب على الجميع الخضوع لأوامره. وكانت تلك إنما حالة استثنائية لإدارة الأزمات لا تزيد عن ستة أشهر أو سنة، لكن في العصر الحالي تحوّل مصطلح الديكتاتور إلى ذلك الحاكم الذي يستفرد بالحكم ثم يعمل فقط وفقًا لإرادته، غير خاضع لقانون أو دستور فيفرض حكمه بالقوة.
الأمر لم يقتصر على كبار السن، فقد طالت يد الغدر والإجرام حتى الأطفال في بلاد الحجاز منذ تأسيس دويلتهم الثالثة، حيث اعترفت سلطات ال سعود انها كانت تذبح الأطفال منذ عام 1932 وحتى اليوم، ليصدر سلمان قبل أيام قراراً بإلغاء عقوبة الإعدام التي كانت تنفذ ضد القصر غالبية "بحد السيف حرابة" لمعارضتهم للسلطة الحاكم ومنها مشاركتهم في المسيرات التي خرجت أبان ثورات الربيع العربي عام 2011 والتي طالت غالبية البلدان العربية شهدت ذروتها المنطقة الشرقية للمطالبة بالعدل والمساواة؛ داعياً الى إستبدالها بالسجن 10 سنوات في منشأة إحتجاز للأحداث.. فهو رغم مخيف وبالغ الخطورة حيث لم يعرف عدده حتى يومنا هذا، ففي عام 2017 فقط حذرت منظمات حقوقية دولية من بينها منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش من أن أكثر من 250 طفلا تعرضوا للذبح "بحد السيف" في السعودية!!.
معتقلو الرأي في السعودية يعانون من ظروف صحية حرجة نتيجة التعذيب والمضايقات والتعذيب والتحرش والاعتداء الجنسي الذي يتعرضون له في السجون، خاصة أولئك الآلاف الذين طالتهم يد قوات أمن محمد بن سلمان خلال العامين الماضيين من دعاة ورجال دين وحقوقيين وأكاديميين وإعلاميين وناشطين من كلا الجنسين، ووجهت لهم اتهامات بـ«الإرهاب والتآمر على المملكة وتهديد السلم والاستقرار، والتعاون مع جهات خارجية للإضرار بأمن البلاد»، وغيرها من التهم الواهية والمزيفة ويقدمون الى محاكم سرية مقتطفين منهم إعترافات كاذبة تحت طائلة التعذيب المبرح والتهديد بالاعتداء جنسياً على عوائلهم أمام أعينهم – وفق نشطاء ومنظمات حقوقية سعودية وأجنبية.
الأمر هذا لم يقتصر على الداخل، فحتى في الحرب على اليمن الجار الفقير المسالم، كشفت مصادر عسكرية وأمنية أجنبية أن الجيش السعودي يطلق النار على مرتزقته المجندين من اليمنيين أو السودانيين والأثيوبيين رغم أنها صرفت عشرات المليارات من الدولارات عليهم، وذلك لرفضهم الحرب بعد وقوفهم على عدم طائلتها ومنعت الرياض رواتبهم، فأخذوا يرمون بأسلحتهم ويتظاهرون مطالبين بالعودة إلى ديارهم، لتقوم القوات السعودية باحتجاز الآلاف منهم في معسكرات وأطلقت النيران على من حاول الفرار.
ارسال التعليق