من الجد الى الحفيد.. أرث الخيانة لقضايا الأمة قائم
[حسن العمري]
بقلم: حسن العمري
يقولون في الامثال العربية "الولد سر أبيه" في دلالة على توريث الصفات والمهنة بين الأجيال، وعندما يكون الولد مشابها لأبيه في صفاته وطباعه، هي حقيقة مطلقة يستحيل الحياد عنها إلا في حالات استثنائية؟ سؤال أحيانا يطرح نفسه حين يتعلق الأمر بالعلاقات السياسية في مجتمعاتنا الشرقية، والتي وفي كثير من الأوقات تحتكم الى مسلمات وموروثات شعبية؛ ففي مئوية تنازل الجد عبد العزيز بن سعود عن فلسطين "لليهود المساكين"، كشفت صحيفة “هآرتس” الصهيونية عن لقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بوفد المسيحيين الإنجيليين "جماعات الضغط اليهودية والإنجيلية" أعضاء المنظمات اليهودية البارزة في أمريكا مثل "آيباك"، برئاسة جويل روزنبرغ وبحضور شخصيات أخرى مؤيدة للكيان الإسرائيلي، في العاصمة الرياض بهدف مساعدة ولي العهد في تبرئته من قتل الصحافي جمال خاشقجي، وتهدئة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي بدأ يوجه إنتقادات لاذعة لمحمد بن سلمان نتيجة الضغوطات الدولية.
أبرز الباحثين في القضية الفلسطينية وثائق تعود الى الأرشيف البريطاني والأرشيف العبري، من بين المستندات التي توضح علاقة عبدالعزيز بالحركة الصهيونية وثيقتان تاريخيتان محفوظتان في الأرشيف البريطاني تحت رقم CO 733/443/18 و CO 733/443/19، وتعودان إلى عام 1943.. خلاصتهما "أن مؤسس المملكة السعودية دخل في مفاوضات سريّة لجهة بيع فلسطين مقابل 20 مليون جنيه"، بإقتراح قدمه الأكاديمي والمتخصص في الشؤون العربية آنذاك "هاري سانت جون فيلي"، حيث جرت المفاوضات السرية بين عبدالعزيز ومستشاره جون فيليبي من جهة، وبين وحاييم وايزمان (رئيس الوكالة اليهودية في فلسطين آنذاك)، والكولونيل هوسكنس (المبعوث الخاص للرئيس الأميركي روزفلت الى الشرق الأوسط)، وروزفلت نفسه أيضاً.
تشير الوثائق الى لقاءات عديدة بين مستشارين للملك عبدالعزيز وقادة ومستشارين صهاينة. من بينها لقاء في لندن بين ديفيد بن غوريون وسفير السعودية في ثلاثينيات القرن المنصرم. لقاء آخر بين بن غوريون وموشيه شيرتوك من جهة، وبين حافظ وهبة أحد كبار مستشاري الملك عبدالعزيز من جهة أخرى- وفق ما ذكره الكاتب والضابط السابق في وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في الخمسينيات ميخائيل كهنوف وأحد كبار الموساد لاحقاً، في كتابه "المملكة العربية السعودية والصراع في فلسطين" في أطروحة دكتوراه بجامعة تل أبيب.
"حاييم وايزمان" الذي لعب الدور الأهم في استصدار وعد بلفور الشهير عام 1917، ويعتبر أشهر الشخصيات الصهيونية بعد هرتزل، وكان رئيسا للمنظمة الصهيونية العالمية منذ عام 1920 حتى عام 1946، ثم أنتخب كأول رئيس لدولة إسرائيل عام 1949؛ كتب في مذكراته نقلاً عن رئيس الوزراء البريطاني تشرشل قوله (في 11/3/1932) أن "إنشاء الكيان السعودي هو مشروع بريطانيا الأول... والمشروع الثاني من بعده إنشاء الكيان الصهيوني بواسطته".
المراقبون للقضية الفلسطينية يؤكدون أن الحلف السعودي الصهيوني كتبه عبد العزيز آل سعود بخط يده (أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن ال سعود أقر وأعترف ألف مرة للسير "برسي كوكس" مندوب بريطانيا العظمى لا مانع عندي من أن أعطي فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم وكما تراه بريطانيا التي لا أخرج عن رأيها حتى صبح الساعة)، كوثيقة دعم لوعد بلفور بإعطاء اليهود وطناً قومياً في فلسطين في الوقت ذاته يتبجّح آل سعود بأنهم رمز العروبة ومن يكون رمز العروبة لا يقوم بفعل الخيانة ويعطي فلسطين لليهود.
يقول أحدهم أنه كان من المهم لزعيم بدوي طموح بفطرة طبيعة الصحراء القاسية أن يحافظ على علاقته مع الإنكليز.. لم يعرف عن الأسرة السعودية الحاكمة التدين. إلا أنها حافظت على علاقة مع الوهابية، النسخة المتشددة من الاسلام، التي أعاد محمد بن عبدالوهاب إحياءها إبان حكم الدولة السعودية الأولى عام 1744 بالتحالف مع أسلاف عبدالعزيز. فقد كان حاكم نجد يحتاج الى بريطانيا لحماية سلطته الناشئة والاعتراف بها وتوسيعها ومد أذرع الوهابية العسكرية الضاربة (جماعة من أطاع الله) في الداخل، ولحماتيه خارج نجد بتوسيع نطاق الوهابية وحكمه الجغرافي عبر الغزوات.
"حمادة إمام" كتب هو الآخر في كتابه "دور الأسرة السعودية في إقامة الدولة الإسرائيلية" (مكتبة مدبولي، الطبعة الأولى 1977) عن تواطؤ عبدالعزيز خدمة لمصلحة ورغبات بريطانيا، مشيراً الى الاتفاقية التي وقعها فيصل بن الحسين ممثلاً عن ابن سعود مع حاييم وايزمان ممثلاً عن المنظمة الصهيونية العالمية بتاريخ 3 كانون الثاني/ يناير 1919، والتي تؤكد أعتراف عبد العزيز بوعد بلفور وإعطائه ضمانات لتطبيقه وفق المادة الثالثة من الاتفاقية المذكورة؛ كما أشار الى أخطر ما قام ابن سعود في خدمة المشروع الصهيوني دوره في إخماد ثورة 1936 التي قامت في فلسطين ضد الإنكليز، ولاقت تأييداً واسعاً في العالم الإسلامي (الصفحة 48 من الكتاب)، الى جانب الكثير من المواقف التي سعى من خلالها مؤسس السعودية الى لجم مناصرة القضية الفلسطينية والتواطؤ مع الإنكليز لصالح مخططهم. اليوم يعيد الحفيد الكرة ذاتها ويجدد مناقب جده ببيع القضية الفلسطينية وقضايا الأمة في مزاد اللوبي الصهيوني حفاظاً على سلطته ودعماً لإعتلائه عرش مملكة الذهب الأسود مهما كلف الدفع مادياً أو عروبياً، معيداً كلمات جده خلال مقابلة لمجلة "أتلانتيك" الأميركية بأنه ليس هناك أي إعتراض "ديني" على وجود إسرائيل، وليس لديه أي اعتراض ديني على أن يعيش الاسرائيليون جنبا الى جنب مع الفلسطينيين، وبلاده تتقاسم المصالح مع "إسرائيل". ومن ثم عقده لقاءات سرية مع كبار القادة الاسرائليين هنا وهناك ومنها لقائه ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في العاصمة الاردنية عمان في حزيران الماضي بحضور الملك الأردني عبد الله - وفق مقال لمحرر الشؤون العربية في إذاعة الجيش الإسرائيلي جاكي حوجي في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية.
الأحداث الأخيرة التي عصفت بسلسلة العرش السعودي على خلفية مقتل جمال خاشقجي زادت من التقارب والتودد السعودي الاسرائيلي، لتنقل صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، طلب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وعدم توجيه سهام الإنتقاد على ما جرى صوبه بإعتباره الأداة العربية الخليجية الداعمة لإتساع الدولة العبرية في المنطقة.
محمد بن سلمان سرعان ما ردّ الجميل بتوقيعه اتفاقية شراء (500) دبابة (ميركافا) للجيش السعودي تم دفع ثمنها نقداً وسيتم نقل الدبابات عبر البحرية الاسبانية الى السعودية على مدى 6 أشهر، مع طاقم من ضباط مدرعات إسرائيليين لتدريب الجيش السعودي على الميركافا، وذخائرها وصواريخها وكيفية قتالها - وفق موقع وكالة الأنباء الإسبانية.
صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية نشرت مقالاً تحليلياً للكاتبة تسفيا غرينفيلد القريبة من الموساد، تدعو فيه الى ضرورة التساهل مع ولي العهد السعودي ابن سلمان ووجوب دعمه فهو "الزعيم الذي كانت تنتظره إسرائيل منذ خمسين عاما" وإن "عزله يعتبر مدمرا بالنسبة لإسرائيل". مضيفة إن الإسرائيليين ظلوا لخمسة عقود يصلون ويرجون من أجل حضور زعيم عربي رئيسي يوافق على توقيع اتفاق هام مع إسرائيل، مؤكدة أن هذا القائد قد وصل أخيرا ممثلا بمحمد بن سلمان.
ارسال التعليق