هل خسر الأمريكان والبريطانيون الحرب البحرية مع أنصار الله في البحرين الأحمر والعربي وباب المندب !؟
[عبد العزيز المكي]
وما تأثير ذلك على المعادلات الإقليمية والدولية !؟.(1)....
كان من أهداف الولايات المتحدة خوض المواجهة البحرية مع أنصار الله، بعد تشكيلها تحالف ما يسمى "بتحالف الازدهار" قبل عدة أشهر، الذي لم ينضم اليه سوى بريطانيا وقد كان من اهداف هذه المواجهة ، بالاضافة الى فك الحصار البحري الذي فرضه أنصار الله على الكيان الصهيوني، هو توجيه رسالة نارية إلى أطراف المقاومة وإلى القوى الإقليمية وحتى الدولية، مثل الصين وروسيا، بأن الممر البحري "باب المندب" سيظل تحت سيطرة وتصرف الولايات المتحدة. ولا تسمح لأي قوة في العالم كسر هذه المعادلة، من خلال تخويف وإرعاب القوى المنافسة، بالإضافة إلى منع بقية أطراف المقاومة من إزعاج ومجابهة العدوان الصهيوني على غزة والضفة الغربية ، لإفساح المجال للعدو وتوفير الوقت اللازم له لتدمير الحاضنة الشعبية لحماس والمقاومة الإسلامية والوطنية الفلسطينية الأخرى في غزة والضفة الغربية وبالتالي تنفيذ المشروع الأمريكي الصهيوني بتصفية القضية الفلسطينية وتهيئة العدو للقيام بالدور الذي تنوي الإدارة الأمريكية إناطته به بديلاً عنها في المنطقة !!
ولتحقيق هذه الأهداف جلبت أمريكا سفنها البحرية وبعض حاملات طائراتها إلى البحرين الأحمر والعربي بالإضافة إلى تقوية قواعدها العسكرية المنتشرة في بعض الدول الإفريقية.. وأعدت العدة على خلفية قناعة وتصور أن أنصار الله "لقمة سائغة" وأنها ستنهي "إزعاجهم" للملاحة البحرية بسهولة!! لكن ما إن بدأت المواجهة البحرية حتى اتضح لأمريكا أن الحسابات والتصورات النظرية مخالفة للواقع الميداني، فأنصار الله مقاتلون أشداء لا تخيفهم الأساطيل ولا الأسلحة المتطورة.
وقد أثبتوا ذلك ميدانيا، فخلاف التوقعات الأمريكية باحتواء حصارهم البحري للكيان الصهيوني باستهداف السفن الصهيونية وغير الصهيونية المبحرة الى مواني العدو، من خلال المواجهة البحرية والقصف الجوي على مراكزهم العسكرية في المحافظات اليمنية، بل على العكس أدت تلك المواجهة إلى تضييقهم - أي أنصار الله - حلقة هذا الحصار، وتضاعف استهدافهم للقوات البحرية من حاملات الطائرات والسفن الحربية الأمريكية والبريطانية لدرجة أن القيادات البحرية الأمريكية أو بعضها فضلاً عن الإعلام الأمريكي ونظيره البريطاني شهد لهم بأسهم، وبكيل ضرباتهم للقوى الغازية وبالسيطرة التامة على تلك الممرات البحرية رغم تكرس هذه القوى البحرية الأمريكية والبريطانية فيها، واليكم بعض الاعترافات الإطار:
1- أقرت الولايات المتحدة وعلى لسان كبير مساعدي وزير الدفاع الأمريكي لاري كورب بفشل "تحالف الازدهار" في تحييد القوة البحرية والصاروخية لأنصار الله وقال في 26/2/2024 لقناة الجزيرة القطرية: "إن الضربات الجوية الأمريكية لم تحقق هدفها بعد" متوعداً برفع وتيرة هذه "الضربات" ومضيفاً: "أن الولايات المتحدة لا ترغب في رفع سقف التصعيد والتوتر في منطقة البحر الأحمر لكنها تريد الحد من قدرات الحوثيين الهجومية عبر شن هجمات جوية مكثفة تستهدف البنية التسليحية للميلشيا ، وأردف "لكن الحوثيين يواصلون هجماتهم بوتيرة متصاعدة على السفن الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر وخليج عدن". واعترف كورب بأنه لا سبيل لإنهاء هجمات أنصار الله الا بانتهاء حرب العدو على غزة معترفاً ومقراً بشكل غير مباشر بفشل أمريكا وبريطانيا في حربهما على أنصار الله، ومدعيا أن أمريكا ستتحرك على صعيد التهدئة في غزة!! هذا فيما يواصل الضباط الأمريكان في الجيش الأمريكي اعترافاتهم بأن مواجهة الحوثيين هي اكبر معركة بحرية يخوضونها منذ عقود وأشادوا بالفنون الحربية لهم، وبقدرة أسلحتهم على اختراق كل منظومات الأسلحة الأمريكية والبريطانية المضادة للصواريخ والطائرات، فنائب قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط وقائد الأسطول الأمريكي الخامس، المستقر في البحرين: براد کوبر قال : "إن المواجهة مع قوات صنعاء هي أكبر معركة بحرية تخوضها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية" وأضاف كوبر قائلا: إن "الحوثيون هم الكيان الأول على الإطلاق في تاريخ العالم الذي استخدم الصواريخ البالستية المضادة للسفن، وأطلقها ضد السفن" وتابع "لم يستخدم أحد مطلقا صاروخاً مضادا للسفن، وبالتأكيد ضد السفن التجارية، ناهيك عن السفن البحرية الأمريكية، وكان كوبر قد صرح نهاية يناير الماضي بـ"أن الصواريخ والطائرات المسيرة التي تملكها قوات صنعاء لديها القدرة على إصابة أهدافها بعد ٧٥ ثانية من إطلاقها، وأن القوات الأمريكية لا تمتلك سوى 9 إلى ١٥ ثانية للتعامل معها" أما الأدميرال مارك ميجويز قائد المجموعة الهجومية لحاملة الطائرات الأمريكية آيزنهاور، فقد قال.. "إن الزوارق المسيرة التي تمتلكها قوات صنعاء تمثل تهديداً غير معروف وليس لدى البحرية الأمريكية الكثير من المعلومات عنه ويمكن أن يكون قاتلاً للغاية" مضيفا أن "الحوثيين لديهم طرق للسيطرة على هذه الزوارق تماماً مثلما يفعلون مع الطائرات بدون طيار". واستطرد قائلاً: "إنه تهديد مثير للقلق لأنه لا يزال متطور" وأضاف.. إن "امتلاك مركبات بحرية سطحية مسيرة محملة بالمتفجرات ويمكنها التحرك بسرعات عالية جدا هو أحد أكثر السيناريوهات المخيفة" وتابع "إذا لم تكن في الوقت والمكان المناسبين على الفور فقد يصبح الأحمر قبيحاً بسرعة" في إشارة إلى عدم وجود الكثير من الوقت للتعامل مع الزوارق المسيرة..
قائد الأسطول الأمريكي الخامس السابق كيفن دونيجان، قال إن الطريقة الأكثر فاعلية للحد من تهديد الحوثيين هي وقف الحرب في غزة، معترفا بشكل غير مباشر بعجز الأمريكان عن تحييد التهديد اليمني للملاحة البحرية الصهيونية في البحرين الأحمر والعربي. وإلى ذلك كشفت القيادة المركزية الأمريكية، أن قوات صنعاء أدخلت في الآونة الأخيرة سلاحا فتاكاً جديداً في المواجهات البحرية مع القوات الأمريكية والبريطانية، وهو - سلاح - الغواصات البحرية المسيرة والذي اعتبره الضباط الأمريكيين أخطر سلاح بحري يستخدمه أنصار الله بالإضافة إلى الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية والمجنحة - واعترفت وزارة الدفاع الأمريكية بحصول معارك بحرية شرسة وبإصابة عدد من مدمراتها وسفنها الحربية بأضرار بالغة نتيجة هذه المواجهات، فيما اضطرت بريطانيا إلى إبدال أحد مدمراتها بعدما تضررت إلى حد كبير نتيجة ضربات أنصار الله لها.
مساعدة وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الأمن الدولي سابقاً ماري بيث لونج قالت هي الأخرى "إن الحوثيين يقومون بهجمات يومية بواسطة طائرات مسيرة وصواريخ ضد بعض أكثر الأصول العسكرية تطوراً من تحالف يضم الدول الغربية والإقليمية" وأكدت أنه رغم نشر بعض الأسلحة البحرية الأكثر تقدما في العالم، يبدو أن هناك القليل جدا الذي يمكن للغرب وغيره القيام به حیال حملة الحوثيين، الذين أمامهم الكثير من المكاسب التي يمكن تحقيقها، وقليل من الخسائر". بدورها أقرت قائدة البحرية الأمريكية الأدميرال ليزا فرانشيتي بنجاح الأسلحة اليمنية في اختراق الأنظمة الدفاعية للسفن الحربية الأمريكية والبريطانية، وإصابة السفن التجارية التابعة للدولتين أو المتجهة إلى موانئ الكيان الصهيوني" ونقلت صحيفة التلغراف البريطانية عن فرانشيتي قولها إن حركة ترسانة الحوثيين تجعلهم هدفاً صعباً لتحديد موقعها وضربها قبل إطلاقها". مضيفة القول "ولذلك سيستمرون في إطلاق النار بشكل دوري" يضاف إلى ذلك أن المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية صابرينا سينغ أكدت في تصريحات لها "إن أنصار الله لديهم قدرات عسكرية كبيرة، وترسانة أسلحة متنوعة" كما أن قناة البي بي سي البريطانية نقلت عن طيارين يعملون على متن البارجة الأمريكية باتان" تأكيدهم امتلاك أنصار الله القوة والقدرة على تنفيذ عمليات غير متوقعة. واعترف هؤلاء الطيارون بأن المواجهة مع أنصار الله تنطوي على مخاطر كبيرة.. هذا غيض من فيض الشهادات الأمريكية بقوة وفاعلية انصار الله في مواجهتهم البحرية مع الأساطيل الحربية الأمريكية والبريطانية .
2- إن العدوان الأمريكي - البريطاني على اليمن ليس لم يحد من هجمات أنصار الله وحسب، وإنما جاء بنتائج عكسية تماماً إذ زادت عمليات الأنصار الهجومية وتوسعت مساحة أهدافهم لتشمل السفن التجارية الأمريكية والبريطانية، والسفن والبارجات وحاملات الطائرات لكلا البلدين، وفي هذا السياق أكد موقع "UNHERD " البريطاني، أن الهجمات الأمريكية - البريطانية على اليمن أتت بنتائج عكسية. وكانت بمثابة "إثارة لعش الدبابير" على حد وصف الموقع البريطاني، الذي أفاد في تقرير إحصائي نشره في ٢٧/2/٢٠٢٤ بأن "الهجمات الأمريكية البريطانية التي بدأت في ١٢/1/٢٠٢٤ رفعت معدل الهجمات اليمنية في البحر الأحمر من ٣٨ يوميا قبل ذلك التاريخ إلى 53 بعده" .. وجزم الموقع المذكور بأن اليمنيين حققوا بالفعل هدفهم المتمثل في فرض حصار بحري فعال في المنطقة، مرجعا سبب استمرار القادة الغربيين في تنفيذ هذه الضربات، رغم تأثيرها المعاكس، إلى ما أسماه مبدأ "إفعل شيئا ما". وأشار الموقع البريطاني إلى أن هذا المبدأ ينجم عن شعور طبقة قيادية بالضعف والحاجة إلى التصرف، حتى لو جاءت هذه التصرفات بنتائج عكسية مقراً، أي الموقع البريطاني، بأن هذه القيادة مرتبكة ومهزومة في معركتها مع أنصار الله، بل وتعيش في مأزق لا يمكنها الخروج منه إلا بوقف الحرب العدوانية الأمريكية الصهيونية على غزة. هذا فيما اعترف القائد الجديد للأسطول الأمريكي الخاص جورج ويكوف في أول تصريحات له، بعد تعيينه قائداً لهذا الأسطول، وللقوات البحرية في القيادة المركزية الأمريكية.. اعترف بأن "الضربات" الأمريكية للحوثيين لم "تردعهم" ولم تقلل من هجماتهم، مشيراً بصورة غير مباشرة إلى عدم جدوائية هذه المواجهة الأمريكية مع أنصار الله.
واللافت أنه بدلاً من أن تؤدي المواجهة إلى إضعاف أنصار الله عسكريا دفعتهم إلى تطوير أسلحتهم، فأدخلوا في مواجهاتهم الأخيرة مع القوات البحرية الأمريكية والبريطانية أسلحة جديدة وفتاكة باعتراف الخصوم، ومنها الغواصة المسيرة والصواريخ المضادة للجو التي أسقطوا منها طائرتين مسيرتين أمريكيتين من النوع المتطور جداً.
3- أثار الإخفاق الأمريكي - البريطاني في البحر الأحمر الجدل داخل الأوساط الأميركية، خصوصا داخل أوساط الكونكرس الأمريكي، فالبعض من السناتورات اعتبر هجوم بايدن على اليمين بأنه كارثة، وآخرون اعتبروا هذا الهجوم خطأ استراتيجيا، وأيضاً ثمة خلاف متصاعد بين وزارة الدفاع الأمريكية إزاء هذه الحملة على اليمن وبين البيت الأبيض، واعتراف قائد الأسطول الخاص الجديد جورج ويكوف بالفشل والعجز في البحر الأحمر، هو تعبير واضح على تصاعد هذه الخلافات وعلى الإرباك الذي بات يسود تلك الأوساط!! وما يقال عن الولايات المتحدة في هذا المجال، ويقال أيضاً عن الوضع البريطاني، بل الجدل فيها بلغ حدة أشد مما هو عليه في أمريكا، لأن البريطانيين تضرروا كثيراً من هذا التدخل العسكري في البحر الأحمر لصالح حماية الكيان الصهيوني، ولذلك تتسع مساحة الرفض الشعبي في بريطانيا لهذا التدخل يوما بعد آخر..
بدون شك هناك الكثير من الشواهد على خسارة الأمريكان والبريطانيين من وراء هذا التدخل العسكري في اليمن لا تغيب، عن ذهن القارئ العزيز، نكتفي بهذا القدر في هذا القسم من المقالة، ونواصل الحديث عن الخسائر والأبعاد الاستراتيجية.
للورطة الأمريكية - البريطانية في اليمن في القسم الثاني من المقالة بإذن الله.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق